الخميس ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
قرأت لكم
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

أصــل الأنوع

يقول الأستاذ إسماعيل مظهر في مقدمته لكتاب (أصل الأنواع) لدارون: (.. إن المذهب العام الخاص بالارتقاء وضروب التحول، هو مذهب عام صحيح، تم تطبيقه على كل ما في هذا الكون من نبات وحيوان وجماد، وكذلك على حالات العمران والفنون والصناعات، بل وعلى اللغات والعادات والقوانين الوضعية، وصفات الشعوب المتغايرة وتقاليدها الخاصة بها، فإن كان كل ما في هذا الكون قد خضع لهذا الناموس فلِـمَ يصدق على أفراد الحيوانات والنباتات وصنوف الجمادات، ولا يصدق على تاريخ تطورها العام على مرِّ الأزمان التي تكونت فيها طبقات الأرض؟!..

* لقد تدرجت صوَّر الحياة في الوجود متعاقبة في أزمان متلاحقة: قضية يؤيدها علم الجيولوجيا وعلم الأحافير..

* أنواع النباتات والحيوانات في أزمان تكوُّن الأرض الأولى كانت أقرب إلى التجانس منها إلى التنافر والاختلاف، حقيقة مشاهدة، بدليل أن الأزمان الأولى لم يحدث خلالها أنواع بلغت فروق بعضها من بعض مبلغ الفروق التي نراهـا بين الإنسان والخفاش مثلاً، وذلك تنافر في التكوين لم تبلغ إليه صوَّر الحياة في الأعصر الأولى من تاريخ الأرض، ناهيك بالفروق التي نراها بين ذوات الثدي والزواحف، أو بين الزواحف والطيور، أو بين الأسماك الراقيـة والحيوانات الرخوة وما إليها..

• يتقلب الجنين في أدوار من التغاير يشابه في كل منها كثيراً من أجنة الحيوانات الأُخر في أيامها الأولى: أمرٌ ثابت بالمشاهدات والتجاريب، يدل على أن الجنين في تقلبه هذا إنما يعيد تاريخاً مقتضباً لأسمى الصـوَّر التي بلغها نوعه الأول منذ نشأته إلى هذا العصر، وعلى أن هذه الصوَّر التي يتقلب فيها هي التي ثبت عليها النوع أطول عصور حياته، وأن انقلابه هذا ليس إلا استعادة صور من التجانس والتنافر، تستقر أخيراً على الطابع القياسي الذي يلازم نوعه في عصوره الأخيرة ، وهذا ما يثبته (داروين) -كما يقول- في ( أصل الأنواع )، وذلك ما ينكره أصحاب الخلق المستقل، فيسألهم : ".. كيف خُلِـقَ كل نوع بذاته بين فترات الزمان؟! يقولوا لك: (الله خلقه) نحن معهم في أن الله خلق كل شيء ولكنهم لا يريدون أن يسلموا بأنه قد جعل لكل شيء مقداراً ونسبةً نراها ظاهرة في كل أثر من آثاره، وجعل لكل قوة من القوى التي بثها في الطبيعة نتائج مرهونة بأزمان، يحددها في كل الحالات مقدار تأثير كل قوة في الأخرى، سلهم: أفي الطبيعة طفرة؟ يقولوا: لا ، ولكنهم لا يسلمون بأن هذه الطفرة التي ينكرونها على كل شيء مستحيلة كذلك في خلق الأنـواع دفعة واحدة، ولا جرم نعجز عن إقناعـهم ، وذلك مبلـغهم من العلم.. إن الرأي في أصل الحياة قد انحصر الآن في ثلاثة آراء كبرى:

أولهما: الذي يفيد بأن كل نوع من الأنواع خلق بفعل خاص من أفعال القوة الخالقة، أي أن كل حي لا بد من أن يتولد من حي مثله..

ثانيهما: الذي يفيد بأن الفراغ الذي نراه مملوءاً بجراثيم الصوَّر الحية ، كالجواهر الفردة التي تتكون منها المادة الصماء، كلاهما في تجدد مستمر ولا يتولاهما العدم، أي أن كل حي أبدي، ولا يتولد إلا من خلية..

ثالثهما : الذي يفيد بـ (التولد الذاتي)..

هذا- كما يقول-:- (مثال الرأي المادي، أما القائلون بعلة أولى فإنهم يقولون بأن بذرة الحياة الأولى لا تتكون من تلك العناصر الصماء، والماديون القائلون بالتولد الذاتي لم يثبتوه بتجربة تحقق نظرياتهم..

إن الواجب على أحرار الفكر الذين انسلخوا عن الجاهليين فكراً وعقيدةً أن يُبَصِّروا أهل عصرهم بكل الحقائق المتعلقة بنشوء الأرض وأصل الإنسان وتطور الفكر، والدور العظيم الذي أدَّاه على مسرح الفكر البشري مذهب (النشوء والارتقاء)؛ أي التطور اختصاراً، طالما أن هذا الجهل قد فُرِضَ على الناس فرضاً، ولم يكن لهم خيار في أن يكونوا جهلاء، ففيهم من العقول المستعدة لتقبل العلم، والعكوف على التأمل من المعارف الخالصـة التي لا أثر للتعصب فيها، العدد الكثير، فلهم ينبغي أن يبذل الجهد)..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى