الجمعة ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

أمل الجبورى.. هموم بغدادية

حملت الشاعرة العراقية أمل الجبورى هموم بلادها على كتفها، وراحت تنتقل من بلد إلى بلد.. تحكى ما فعله المغول الجدد بتراث بلادها، وبحضارتها، ولتؤكد أن الهجمة على بلادها كانت بهدف تدمير حضارة عربية لها تاريخها وجذورها.. وللشاعرة الجبورى مجموعة دواوين شعرية من بينها "تسعة وتسعون حجابا" و "اعتقيني أيتها الكلمات" و"لك هذا الجسد". فى مقر نقابة الصحفيين المصريين التقى مراسلنا فى القاهرة أشرف شهاب بأمل الجبورى ودار بينهما الحوار التالى:

 ديوان العرب: سمعنا خبر الإعلان عن تأسيس أول فرع عربى لمؤسسة ديوان الشرق.. فما هو الهدف من تأسيس هذه الفرع؟

 أمل الجبورى: اتحاد ديوان الشرق- الغرب هو مؤسسة ألمانية خيرية لا تهدف الي الربح. ومن خلال هذا الاتحاد نحاول تسليط الضوء فى خارج الوطن العربى على المكانة الحقيقية للابداع العربي. كما أن من بين أهداف هذا الاتحاد تعميق ثقافة الحوار بين الحضارات. ورغم الدعم المحدود والإمكانيات الضئيلة للاتحاد الذى نشأ عام 2000 إلا أننا نحاول أن نصنع تقاربا بين الثقافات المختلفة، وأن نوضح الصورة الحقيقية غير النمطية للانسان العربى وللحضارة العربية. وقد أعلنت بالفعل عن تأسيس أول فرع لهذا الاتحاد الذى يتخذ من مدينة برلين الألمانية مقرا له فى مدينة بغداد حاضرة العرب. والهدف هو توثيق العلاقات العربية الألمانية.. ومزيد من التقارب بين الشعوب.

 ديوان العرب: هل بدأ هذا الفرع أنشطته بالفعل؟

 أمل الجبورى: نعم.. بدأنا أنشطة فرع بغداد بندوة كانت فى شكل احتفالية للاحتفاء بالابداع العراقى.. وقد كرمنا خلال الندوة اثنان من المبدعين البارزين فى الفن العراقى هما المبدع المسرحى خليل الرفاعى والفنانة التشكيلية الرائدة نزيهة سليم.

 ديوان العرب: نعرف أيضا أن من بين الأنشطة الكثيرة التى تقومين بها كمثقفة عراقية رئاسة تحرير مجلة "ديوان"؟ فما هى الرسالة التى تحملها هذه المجلة؟

 أمل الجبورى: خطرت لى فكرة إنشاء مجلة "ديوان" خلال مشاركتى فى مؤتمر للشعر العربى والألمانى فى العاصمة اليمنية صنعاء عام 2000. وكان هناك ما يزيد عن مائة شاعر عربى وألمانى يشاركون فى ذلك المؤتمر، من بينهم الشاعر السورى أدونيس، والشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، والشاعر العماني سيف الرحبى، والشاعر المصرى أحمد عبدالمعطي حجازى، والشاعر الألمانى هانز ماجنوس. وفى ذلك المؤتمر قال أدونيس بلغته الشعرية أن لا فرق هناك بين الشرق والغرب. ووجدت نفسى أتفق مع وجهة النظر تلك.. فعلى صعيد الإبداع نجد أن هناك تجاوزا لثنائية الشرق والغرب. ونحن نتساءل.. هل إبداعات الألمانى جوته أو الفرنسي رامبو أو أبو العلاء المعرى أو الفارسى عمر الخيام يمكن أن تندرج فى إطار تصنيف معين؟ وبالطبع تأتى الإجابة واضح بالنفى.. فتلك الإبداعات تتخطى فى جوهرها هذه الثنائية البغيضة. ومن هنا نشأت فكرة المجلة التى تصدر من برلين باللغتين العربية والألمانية على أساس من أبيات للشاعر الألماني جوته يقول فيها "من يعرف نفسه وغيره سيدرك أن الشرق والغرب لن يفترقا أيضا. وقد أصدرنا من المجلة حتى هذه اللحظة ستة أعداد حاولنا من خلالها تعميق هذه الفلسفة القائلة بأن الشرق والغرب عالمان وثقافتان يجمعهما مصير مشترك، ويعيشان فى تفاعل حضارى بحيث تتغذى كل ثقافة على الأخرى لخلق إطار من الوعى، الاحترام المتبادل، وإيجاد حد أدنى من الفهم المشترك بدلا من المقولة التى رددها الشاعر البريطاني كبلنج بقوله "إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا". وقد خصصت مجلتنا عددها الأخير للفن التشكيلي العراقى. وتم اختيار صور لحوالي 300 عمل فنى فى مجال الرسم والنحت تمثل معظم التيارات الفنية القديمة والحديثة، وكان من بين من نشرنا لهم صاحب نصب الحرية الذى يعتبر أحد أبرز معالم بغداد الفنان التشكيلى الراحل جواد سليم. وكانت هناك أعمال أخرى لفنانين من بينهم خالد الرحال، وضياء العزاوى، ونزار الهنداوى، وإبراهيم العبدلى وليلى العطار وغسان غائب وجبرا ابراهيم جبرا. وكان إصرارنا على نشر هذه الإعمال هو محاولة منا لإحياء بعض ما دمرته الحرب على العراق من أعمال فنية وقطع أثرية ومخطوطات فنية، حيث أن أصول بعض هذه الأعمال قد تعرضت للدمار أو الفقدان خلال الأحداث التى رافقت سيطرة القوات الأمريكية على بغداد فى التاسع من أبريل 2003.

 ديوان العرب: بمناسبة الحديث عن الدمار الذى تعرضت له الآثار والأعمال الفنية والمخطوطات.. شاهدت لك فيلما بعنوان "الرحلة من برلين إلى بغداد".. وكانت هناك محاولات لتصوير حجم الدمار الذى تعرضت له المتاحف العراقية ودار المخطوطات وغيرها..

 أمل الجبورى: الواقع أن الدمار الذى حدث لا يمكن أن يتصوره العقل البشرى. لقد تعرضت آثارنا الحضارية لهجمة مخططة، ودمار مدبر..والخسارة التى ألمت بالتراث الحضارى العراقى ليس خسارة للعراق فقط بل هو خسارة للعرب وللحضارة الإنسانية بأكملها. لقد عدت إلى بغداد عشية سقوطها.. وكنت فى طريقى من سوريا إلى بغداد.. وعلى الحدود وجدت جنديا أمريكيا على الحدود يرحب بى ويقول: Welcome to Iraq ساعتها وجدت نفسى أصرخ فى وجهه بالقول أننى هنا فى بلدى، فمن أنت ومن الذى أعطاك الحق أيها الغريب أن ترحب بى فى بلدى؟؟ وعندما ذهبت لتفقد المتاحف ودار المخطوطات كانت عمليات السلب تجرى على قدم وساق.. وحاولت ومعى مجموعة من المثقفين والغيورين أن نوقف هذه العمليات، ولم يكن بمقدورنا بالطبع أن نفعل شيئا.. فذهبنا إلى الجنود الأمريكان وقوات التحالف القابعون بدباباتهم فى الشارع وهم يشاهدون ما يحدث أمامهم وطلبنا منهم التدخل لحماية الآثار فرفضوا وقالوا إن هذا اليس دورهم وليس لديهم أى أوامر بالتدخل للحفاظ على التراث.. وكأنهم جاءوا فقط للتدمير والقتل..

 ديوان العرب: هل تعتبرين أن عمليات السلب والنهب هذه كانت مخططة؟

 أمل الجبورى: نعم.. على الأقل فى الجانب الأكبر منها. بالطبع كان هناك بعض العراقيين من بينهم، الذين كانوا ينتقمون من أى شىء وكل شىء، ويدمرون ما يقع أمامهم وكأنه رمز للتخلص من حكم صدام حسين.. ولكن الجانب الأكبر من هذه العمليات قامت به فى اعتقادى مجموعات منظمة من المأجورين الذين كانوا يسرقون تلك الآثار لتهريبها للخارج، وتدمير ما لا يستطيعون حمله.. فلو كان الفاعل عراقيا يمكن ان نقول أنه قد سرق بعض الآثار، ولكن ما مصلحة العراقى فى تدمير التماثيل الضخمة التى يصعب سرقتها؟؟

 ديوان العرب: هل تعتقدين كما أشار البعض أن إسرائيل مستفيدة مما حدث للتراث العراقى؟

 أمل الجبورى: نعم الأمريكان والإسرائيليين هم أكبر المستفيدين مما حدث.. الأمريكان لديهم اسبابهم المتمثلة فى الحقد على تاريخنا وحضارتنا.. لأنهم لا يمتلكون الحضارة التى نمتلكها، فعمر حضارتهم لا يزيد عن مائتى سنة.. وهم جاءوا لسرقة هذا التاريخ وهذه الحضارة لكى يؤكدوا تفوقهم، ويعوضوا عقدة النقص الموجودة لديهم.. أما الإسرائيليين فهم حاولوا سرقة كل ماله علاقة بالتراث البابلى، ونقلوه لإسرائيل.. وهناك بعض التقارير التى تؤكد صحة ها الكلام.

 ديوان العرب: إذا كان بعض هذا التراث قد تعرض للدمار وبعضه للسرقة.. فما هو دور المثقف العراقى أو المثقف العربى فى استعادة المسروقات سواء لدى العراقيين أو تلك القطع التى تم تهريبها من العراق؟

 أمل الجبورى: نسعى من خلال المؤسسات الثقافية العراقية، ومن خلال الجهود الفردية للعمل على توجيه نداءات متكررة لضمائر العراقيين والعالم كله للمساعدة فى استعادة القطع التى بحوزتهم.. وقد نجحنا إلى حد ما فى استعادة بعض القطع القليلة ولكن الجزء الأكبر من تلك القطع التى يصل عددها إلى ما يزيد عن 170 ألف قطعة غير موجود.. والمنظمات العالمية كاليونسكو وغيرها تساعدنا فى ذلك.. ولكن هذا المجهود يحتاج لجهود ضخمة منظمة ولإمكانيات كبيرة لا تتوافر لدينا حاليا.

 ديوان العرب: أعتقد أن الفيلم الذى تم تصويره بجهودك الشخصية، وبكاميرا الفيديو الشخصية أيضا وبمساعدة بعض الأصدقاء قد نجح إلى حد كبير فى إلقاء الضور على جانب من المشكلة. ونتمنى لكم التوفيق فى جهودكم.. ونريد أن نعرف آخر الأنشطة التى تقومون بها حاليا.

 أمل الجبورى: نعكف حاليا فى اتحاد ديوان الشرق - الغرب على مشروع ثقافى ضخم هو عبارة عن ورشة للترجمة. وسنصدر خلال الأشهر القليلة القادمة مجموعة من الأعمال المترجمة منها ثلاث روايات وكتاب نقدى عن الشاعر الألمانى جوته. وهناك كتاب على وشك الصدرو قريباعن جوته والشعر العربي لمؤلفته المستشرقة الألمانية "كاتارينا مومزن". كما أن هناك كتابا آخر إضافة إلى كتاب للشاعر الألمانى هانز ماجنوس مترجم إلى أكثر من 20 لغة ويعالج علم الرياضيات من منظور فلسفى للأطفال والكبار الذين يعانون عقدا نفسية من الأرقام.

 ديوان العرب: وهل هناك مشاريع مستقبلية أخرى؟
 أمل الجبورى: سنقوم فى القريب بتنظيم مسابقة سنوية فى الشعر العربى. وقد اتفقنا على تخصيص مسابقة هذا العام للشعر العراقى فى الداخل. وستلتزم المؤسسة بنشر طبعة عربية فى بغداد للدواوين الثلاثة الفائزة إضافة إلى أننا سنقوم بترجمتها إلى اللغة الألمانية. ونحن نتمنى أن تستمر هذه المسابقة فى المستقبل.

 ديوان العرب: لماذا ستكون الجائزة للشعر العراقى فقط؟ وليس للشعر العربى عموما؟

 أمل الجبورى: ستكون هذه المرة للشعر العراقى على سبيل الاستثناء. وذلك بسبب أن المثقف العراقى عانى طويلا من الظلم فى ظل حكم صدام حسين. حقيقة.. لقد تعرض المثقف العراقى لظلم مزدوج ما بين تهميش السلطة، أو المصادرة لإبداعاته من المثقفين والنقاد وحتى من الجمهور فى خارج العراق. وفى وقت من الأوقات لم يكن المثقف العراقى قادرا حتى على مغادرة العراق حتى ينفتح على العالم. ومن خلال تخصيص المسابقة هذا العام للشعر العراقى نتمنى أن نفتح هذه النوافذ أمام المثقف العراقى حتى يستعيد ثقته بنفسه وبخطابه الجمالى.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى