السبت ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم محمد مروان عمر العمودي

أنا: أين أنت؟!

لم أعُد أسمع صوتك.. إلى أين ذهبت؟ لحظة!

كأنني سمعت صوت بكاء! سأقترب أكثر...
ها هو ذا طفل صغير!

أأنت من كنت أسمع صوته في داخلي؟ لم أعد أسمع همسك، لم تعد تزورني في خيالاتي كما كنت تفعل. كنت الوحيد الذي يضحك لنكاتي السخيفة..

أنا: ما بك؟ لماذا تبكي؟

الطفل: ابتعد، لا أريد أن أراك.

أنا: لماذا؟

الطفل: لأنك أصبحت مثلهم.

أنا: مثل من؟

الطفل: مثل هؤلاء الناس في الخارج، لقد كذبت عليّ!

أنا: في ماذا كذبت؟

الطفل: في كل شيء! أتذكر عندما أخبرتني أن:

الوفاء = إخلاص
الصداقة = مواقف
الوطن = أمان
التسامح = سلام

أنا: يا صغيري، أنت لا تعلم ماذا حلّ بي في هذه الحياة القاسية، التي كنت أراها جميلة بعيونك الصغيرتين...
الوفاء – إخلاص؟

لا تسألني عن الوفاء، فقد بحثت عنه ولم أجده كما أخبرتك .كنت وفيًّا لهم، احترمتهم، وقفت معهم في مآسيهم، أعطيتهم كل ما استطعت، لكن حين احتجتهم، لم أجدهم.

عندما توفي أبي، ترك لي أقارب يتمتعون بثروته، بينما كنت أعمل وأدرس وأوفر مستلزمات البيت وأدوية أمي المريضة. لم أكن كغيري ممن في سني، كنت أركض بين المسؤوليات، أعيش على القليل وأعطيهم الكثير.

وحين ماتت أمي، وقفت في العزاء أراقبهم، يأخذون بالعزاء، يستقبلون الناس وكأنهم هم من فقدوها. ازداد حزني وأنا أراهم... هل هم بشر حقًا؟ كانوا يستطيعون إنقاذها بثمن عملية لم يعطوني مالها، ومع ذلك وقفوا هناك يتظاهرون بالحزن! حينها مات الوفاء.

قد تقول لي: "ليس كل الناس مثلهم !" لكن إن كان أقرب الناس إليّ قد خانوا الأمانة، فكيف أثق في الآخرين؟ وهنا، تذكرت قول المتنبي:

"وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على المرء من وقع الحسام المهندِ"

الصداقة – مواقف؟

كنت أؤمن بذلك، لكن الواقع قال غير ذلك.

كان لدي أصدقاء كثر يوم كنت غنياً. كنت أشتري لهم الملابس التي أرتديها، نذهب معًا إلى المطاعم والمقاهي، نضحك ونسهر.

لكن عندما تغير الحال، اختفوا واحدًا تلو الآخر. لم أعد أتلقى اتصالاتهم في الأعياد، لم أعد أسمع منهم: "أين أنت يا مهند؟ لنخرج إلى المقهى ونشاهد المباراة!" حينها أدركت أن صداقتنا لم تكن مواقف، بل كانت محفظتي هي الصديق الحقيقي لهم.

فعرفت أن:

الصداقة = مصلحة
الوطن – أمان؟

كنت أصدق ذلك، لكنني تعلمت أن الوطن ليس مجرد أرض تحضنك بعد حضن أمك، بل هو مكان لا يحميك إلا إن كنت تملك المال أو النفوذ.

أرى المساكين من حولي يتألمون، الجوع ينهشهم، والمرض يفتك بهم، بينما أولئك الذين يتحكمون في حياتنا يأكلون كل شيء ولا يتركون حتى الفتات.

الوطن أصبح غابة، حيث البقاء للأقوى، وحيث الفساد ينتشر بانتشار الحاجة والفقر.

كيف يكون الوطن أمانًا، وقد انكسرت فيه ظهور الرجال، وتحطمت فيه أحلام الشباب؟

التسامح – سلام؟

أتريدني أن أسامح؟

من؟ أقاربي الذين خانوا الأمانة؟

أصدقائي الذين باعوا صداقتهم؟

الوطن الذي جعلني مجرد رقم في قائمة المنسيين؟

لم يعد هناك سلام، لم يعد هناك تسامح... حتى أنت، حتى أنت أيها الطفل، تخليت عني.

الطفل: لا، لم أتخلّ عنك، أنت من تركتني.

أنا قيمك، أنا البراءة التي كانت فيك، أنا صوتك الصادق الذي طمسته قسوة الحياة.

إن كنت قد فقدت كل شيء، فلماذا تفقدني أنا أيضًا؟

أنا: ولكنني تعبت...

الطفل: إن تمسكت بي، سيعوضك الله، إن لم يكن في هذه الدنيا، ففي الآخرة.أما زلت تريد ذلك؟

أنا: نعم، أريد.الطفل: إذاً، خذ بيدي، لنعيد النور إلى داخلك، لنعيد الأمل رغم الظلام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى