الأدباء والكتّاب في العراق
يا ثلاثين ربيعاً من قوافٍ ومنافٍ ومَشافٍ وإباءْأنا لم أكتبْكِِ كي أصبحَ عضواًفي اتحاد الأدباءْأو لكي يسألَ عني مهرجانٌهو أدْعى للرثاءْأنا سامٍوكفى باسمي سموَّاً وعلاءْفرحُ الدنيا أنا ، أعماقُهُوعدا ذاك هباءٌ في هباءْ !ـــــــــ
القصيدة القصيرة هذه كتبتُها قبل أربع سنوات
******
غنيٌّ عن القول بأن كل اتحادات الأدباء والكتاب في العالم جاءت أولاً من أجل رقيِّ المجتمع الذي تأسست فيه فلا رقيّ للثقافة والأدب وسط مجتمع ضائع جائع ممزق تنهب خيراته المافيات السياسية وتنخره الطائفية والعنصرية والصراع المخجل على الكراسي ...
وإذا عرفنا أن نسبة الأمية في البلد نسبة كبيرة جداً وأن المتعلِّم فيه لا يفتح كتاباً في الأدب أو ديواناً شعرياً فسؤالنا لمن يكتب الشاعر والأديب ؟
ومتى نصل إلى مستوىً من النضج والوعي النافذ فندرك أن الخروج إلى الشارع مع الناس المظلومين أو تحريضهم على التظاهر هو أجمل
– قصيدة وأروع إبداع ؟
– بل حتى هذه المشكلة التي تحولت إلى فضيحة بوجه المؤسسات الثقافية مثلما السياسية ألا وهي مشكلة انقطاع التيار والتي عانى ويعاني منها الناس وهذا الصبر الأسطوري عليها وعلى بلدٍ هو ليس أكثر من أكوام من الأزبال والنفايات وحشودٍ من عراة الأطفال المتسولين أو بائعي السيجائر من أطفال ونساء وشيوخ وجامعي أشياء عجيبة من القمامة لبيعها ،
– أقول : حتى محنة الكهرباء هذه لا تجد لها مَن يصدر نداءً أو من يعتصم من كتّابنا أمام ما يسمى بالبرلمان وعدم إنهاء الإعتصام إلا بعد أخذ تعهد رسمي بأن تُحلَّ هذه المشكلة السخيفة مع التحديد الدقيق والملزِم للفترة التي يتم فيها إعادة الكهرباء للناس ، وهذا أبسط دور يقوم به المثقف وقت الأزمات أم ترانا نتناسى شعراء الحرب العالمية الأولى والثانية وأدباءها ودورهم في تعرية الدكتاتوريات والوقوف إلى جانب الضحايا ؟
– وكذلك فإن الذي يحصل هو تفاقم لمعضلة أخرى أصيب بعدواها مثقف اليوم فهو في الوقت الذي يستنكر الصراع على كراسي الحكم نراه من جهة أخرى يقاتل وينافق وينال مِن سمعة مَن حوله من أجل الوصول إلى الكَراسي ( الأدبية ) والفوز بعضوية ما بل إن بعضهم وإمعاناً بمسخ ذاته يدبِّج ( قصائد ) يبارك بها شكل نظام الحكم لأنه من نفس طائفته وتوكيداً لذلك يرشح نفسه لعضوية البرلمان !
– وهل بعد هذا الدجل السياسي والثقافي من دجل ؟ ولن أسميَهُ انفصاماً فهو أتفه من أن نرده إلى عوامل نفسية أو أن نبحث له عن أسباب تستقر في اللاشعور !
– لا شك أنَّ شعراءنا وأدباءنا يكتبون لبعضهم البعض رغم أنهم يدّعون خلاف ذلك فيزعم بعضهم أن لهم جمهوراً هو من اختراع خيالهم المسكين وفي ذات الوقت ، وهنا العجب ، تراهم في تنافسٍ عضلي مع بعضهم البعض !
قلتُ يكتبون لبعضهم البعض وإلا فهل يفكر مواطنٌ واحد مثلاً بقراءة ديوان أو رواية وهو غير مطمئن لما سيحصل له بعد ساعة بسبب التفجيرات ممَّن لم يشوه المعاني السامية للدين ، أي دين سواهم ؟ هذا إذا افترضنا جدلاً أنه متابع يستهويه الأدب .
العملية الكتابية هي ثورة بكل ما تحمله كلمة الثورة من رجاء في تغيير جذري لبنى المجتمع والسياسة والثقافة ومؤسسات التعليم لا أن أكتب بإحساس المتخاذل أو المتطامن مع هذه الجهة السياسية أو الثقافية أو تلك ولكن الذي يجري اليوم هو تماماً ما يتقاطع مع الأدب ورسالته الأخلاقية والمعرفية والجمالية فالكاتب أو الشاعر اليوم يتباهى بـ ( ثقافته ) ويترفع عن الإهتمام بقضايا شعبه وأحلامه إلا إذا ذكّره أحدهم بها فيضطر إلى ترديد عبارة هي كليشه ليس غير ، حيث يسبِّ الساسة ويلعن الإحتلال
ويدين الطائفية وإذا ما كتبَ عن ذلك أدباً فإنك تحس بتكلُّفه على الفور وافتعاله المواقفَ والحالات والصور الشعرية الباهتة فتعرف أن قبضة المؤسسة التي ينتمي لها وخطابها وعقليتها مُحْكمة حول عنقهِ ، ومثل هؤلاء المصادَرين والمستهلَكين يشكلون تدريجياً وبشكل تلقائي تجمعاً مغلقاً خاصاً بهم يتبادلون فيه آخر أخبار الإصدارات الشعرية والأدبية ولا ينسون أن يقللوا من قيمة هذا الشاعر والإساءة إلى ذاك الزميل الأديب ثم لا يلبثون أن يتفقوا على معاتبة الجهة التي ينتمون لها بسبب تأخرها بإقامة أمسيات وأصبوحات شعرية وأدبية لهم لا يحضرها إلا من هم على شاكلتهم
وبحجة عدم الخوض في المباشرة والخوف من السقوط في تقريرية حسب زعمهم فإنهم لا يقتربون من صراخ شعبهم المكبوت بل يلقون عليك نصوصاً أقرب إلى الهلوسات تارةً أو صيغاً جاهزة من أقوال مضت عليها دهورٌ تارة أخرى ولا ينسون من أجل التمويه استبدال المفردات بما لا يخلُّ بالمعاني المعلوكة ،
وأنا إذ أذكر هذا لا يفوتني التعبير عن شديد احترامي وتعاطفي الصميمي مع المبدعين الكبار ممن تحاول مؤسسة إتحاد الكتاب والأدباء في العراق وبعض الإتحادات المرتبطة بها تغييبهم وتغريبهم فإذا بهم يطلون على هذه المؤسسة من أرنبة أذنها !
فيتسببون لها بحرجٍ كبير وذلك بجديد إبداعهم وأصالة مبادئهم غير أن هذه المؤسسة كعادتها تحسن التهرب من المساءلة وتجيد الإلتفاف عليها ظانةً أن كثرة أعضائها يضمن لها الإنتصار !
وأنا هنا لا أريد التقليل من قيمة أية فعالية ثقافية غير أنها تصبح دون جدوى وخاصة في ظرف العراق الحالي إذا لم يصاحبها عملٌ ميداني فالسياسيون عندنا يتكالبون على كل شيء ويستهترون بكل شيء لأن غالبية مثقفينا قانعون بالورقة والقلم والمكان المريح .
ولا أنسى عميق معاناة وطني من السياسة ( وليتها سياسة بالمعنى المتحضر لهذه الكلمة ) ولا أنسى النظام الذي صادر شبابي الأول بحروبه منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وأرغمني على العيش في المنافي مبكِّراً حيث الفقر والجوع والتشرد وكوابيس الحرب ...
– ما الذي قدمه اتحاد الأدباء والكتاب للناس لحد الآن وكل ما يراه من مظاهر بذخ في الحكم مقتطعٌ من رغيف خبز هذا الشعب المعدم رغم كل خيرات وطنه ؟
– إن المبدع أديباً أو فناناً أو مفكراً هو أولاً ضمير مجتمعه وصرخة بوجه الظلم والإرهاب والسرقة والمحاصصات واستغلال المناصب لتعميم الفساد ، ورفض وضع الإنسان غير المناسب في مكان هو ليس أهلاً له ،
لا أن يجلس ويكتب قصيدة أو قصة وينظّر لها ثم ينتظر أن تُوجَّه له دعوة لقراءتها في محفل زائف لا تحضره إلا ثلة من المصفِّقين والذين لا يصفِّقون للنص وإنما لصاحبه ، أو كتقليد لا يستطيعون التخلي عنه ، هذا إذا تغافلنا عن جهل الكثيرين ، هذا الجهل الفادح بالعربية ، أقول ذلك وأتذكر عدة حالاتٍ ، منها أن ناقدة وشاعرة حضرت مهرجان المربد قبل الأخير فكتبت لي رسالة تقول في سياقها عن ( شاعرة ) صعدت المنبر وقالت ( سأقرأ عليكم قصيدتان ) !
هكذا تكون المحسوبيات وتكون العلاقات الشخصية ومن جانب آخر يُشِيع البعضُ كمن يحس بالدونية بأن مثقفي الخارج مدللون وأن مشاكلهم انتهت بمجرد عبورهم الحدود وبناءً على ذلك فأدبهم أدبُ ترفٍ وفنهم أيضاً ! وهو بهذا يلتقط عيناتٍ شعرية أو أدبية لنماذجَ هزيلة تدّعي الأدب والشعر خارج الوطن ليسقطَها على جميع المنفيين من الكُتّاب الحقيقين وينسى معاناتهم بسبب هؤلاء الذين نقلوا معهم كل أمراض الحقبة الصدّامية ، ويحس بعض أدباء الداخل ـ رغم تحفظي على هذه التسمية : أدباء الداخل والخارج ـ بأن الأدباء المغتربين ينافسونهم على ما هم فيه من ( عز ) إذا التفتَتْ جهة ثقافية ـ ولن تلتفت ـ إلى كتاباتهم ومؤلفاتهم أو إذا وجّهت لهم دعواتٍ لقراءات شعرية أو حضور مهرجان أو إقامة حفل توقيع لمؤلفاتهم التي صدرت خلال سنوات ابتعادهم عن البلد ! أو إذا بادرت بمساعدة كتّاب المغتربات في إصدار كتبهم ـ وأين هذا !؟ ـ والمشاركة بهذه الكتب أو الدواوين وغيرها في معارض الكتاب التي تقام على أرض الوطن أو في البلدان العربية
ناهيك عن تناول هذه المؤلفات أو على الأقل التعريف بها عبر صفحات الجرائد اليومية أو القنوات التلفزيونية والفضائيات التي باتت فيها حلقات الثقافة اليوم محتلة من أسماء تستطيع أن تطلق على أصحابها كل شيء إلا كونهم مبدعين ،
وكما نرى فإنها عداوات مصطنعة وضغينة مؤسفة وذلك من أجل خلق تمييز وهمي بين من يكتب في داخل الوطن ومن يكتب خارجه مع أن الهموم الراهنة مشتركة كما يُفترض والوطن واحد .
كانت هذه عدة حالات أشبه بالأمراض المستعصية والتي شخصناها من بين حالات عديدة أخرى لا مجال لذكرها وتحليلها هنا ومنها تكرار نفس الأسماء لرئاسة الإتحاد واختيار أسماء لعضويته وهي أسماء لأدباء شباب بدعوى ضخ دم جديد في الإتحاد دون مراعاةٍ لمستواهم المعرفي ومواهبهم ثم موضوع الإيفادات وتوزيع قطع الأراضي والمزايدات عليها والمُنَح ونقابة الصحفيين ووزارة الثقافة وميوعتها وما لا طاقة لنا على ذكره بسبب الشعور بالقرف الحقيقي ...
خلاصة القول : ما فائدة صنمٍٍ لا يحرك ساكناً ولا يبتهل له إلا من يرون في صمته شفيعاً أو فرصةً للنفخ في أبواقهم الدعائية وربما أطلقوا على ذلك عبادة !؟