الاختصارات اللغوية في مواقع التواصل الاجتماعي
من خلال الاستخدام المبتكر لجوانب لغوية ينحتها المراهقون او المجموعات ذات الاهتمام الواحد التي تستخدم لغة خاصة فيما بينهم، تظهرمع كل جيل صرخات تفيد ان بعض مستخدمي اللغة يحاولون ان يدمروها عن طريق تطوير لغة عامية من نوع جديد لتصبح بمثابة لغة رسمية لايستخدموا سواها. فعلى سبيل المثال الممتزج بالطرفة قد تذهب لمراجعة احدي الدوائر التي تعتبر في غاية الأهمية والحساسية من ناحية إستخدام اللغة لتقوم الموظفة الشابة التي تركن هاتفها الذكي بجانبها اذ تستخدمه للدردشة أوقات الفراغ بتذييل المعاملة التي قد تحتاج توقيع شخص مهم لسحب المال من المصرف فتكتب (س. ع. الى السيد المدير ... يعتمد ع حسابه) وبعد ان استدعاها معاون المدير لتحليل معنى هذه الاختصارت اجابته ضاحكة انها لغة العصر استاذ وموجودة في الرسائل ومواقع التواصل ووو.. وكما حضرتكم تستخدم حرف (ع) للتوقيع نيابة عن المدير. اتضح بعدها انها تعني (السلام عليكم ورحمة الله، السيد المدير... يُعتمد على حساب الزبون في صرف المبلغ المذكور) انما معاون المدير فهم القضية للوهلة الاولى على ان حرف العين يشير الى "عن الزبون او بدلا منه" وليس على الزبون. ولله الحمد إنجلت الغمامة وانحلت القضية.
إلا ان الشكوى التي ظهرت مؤخرا تركن الى الإعتماد على لغة سريعة ومقتضبة تلك المستخدمة في النصوص والرسائل الفورية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما يمنع الكثير من مستخدمي اللغة وبالأخص الكباروالاطفال من فهم كيفية الكتابة والتحدث "بشكل صحيح" بطريقة او باخرى. وأصبح السؤال الشاغل هوهل ان طغيان اللهجات العامية قد وصل حدًا ينذر بالخطر على اللغة؟ وهل وسائل الاتصال هذه قد أدّت إلى ضعف في اللغة المتداولة عليها؟ وهل لهذه الوسائل تأثير على جودة اللغة؟ وهذا ما يعتقده عشاق اللغة الهواة حيث انهم يصِفوا هذه الظاهرة بأنها جدل غيرمنطقي، بمعنى ان استخدام الشباب لهذه التعابير والاختصارات لا يمت للغة بصلة بقدر مايحط من من مكانتها، مؤكدين إن هذا ليس في كل حالة يستند الى المنطق العلمي. لكننا لوتمعنا قليلا وعمنا داخل اسبارعلم المراهقة والمراهقين واستخدام اللغة المشفرة داخل المجموعة الواحدة سيكون هناك رأي اكثر منطقية وتاكيدا بأن هذه المجاميع المستخدمة للغة في تلك الجوانب المتعددة اعلاه هم من يبتكر اللغة ويثريها وليس من يدمرها ويقتل الرونق الذي يكمن فيها.
وفي البدء فالاختصارات مثل هاها، ههه، ع، س.ع في اللغة العربية و OMG، BRB، LOL، ASAP وغيرها في اللغة الإنجليزية وبالتأكيد الكثير مثلها في بقية اللغات قد صنفت في ورقة بحثية للباحثة الإجتماعية سالي تاجليمونيه منذ 2008 حيث كانت آنذاك اكثر ندرة من الآن. وقد توصلت الباحثة الى نتائج منطقية ومقبولة ورائعة آنذاك واستمرت للوقت الراهن. حيث قامت بتتبع هذه التعابير والاختصارات الجديدة لتضعها في فئة الكلمات الحديثة الناتجة عن حاجة المجتمع المتطور لها. ومن االنتائج المهمة أيضا هي أن المراهقين يستخدمون هذا الاختصارات وبصورة واسعة جدا للحد الذي يغزوا فيه لغة الكبار ويطوعوهم لاستخدام تلك اللغة. لكن وللاسف الشديد لايرتاح بالٌ لمناوئين تطور اللغة كونها مثل الكائن الحي الاّ وان يحاولون تجريد اللغة من تلك الاشكال ويتمسكون بتلك التي انحسر استخدامها في الكتب القديمة فقط. فالادعاء ان هذه الاختصارات هي ليست بالرسمية وغير موجودة في القواميس وعليه لايتوجب استخدامها في المخاطبات الرسمية كونها تعطي معنىً غامضاً، متناسين المجتمع وحاجته وضرورة ان تكون اللغة في خدمة المجتمع كونه المؤسسة الوحيدة التي لها القدرة على ابقاء اللغة حية تتنفس وتتطور بتقدم المجتمع وتطوره.
ومن جهة اخرى وفي بحث خاطف في مجموعة من القواميس المحدَّثة التي يعتبرها اللغويين و"عشاق اللغة الهواة" في غاية الرسمية، فقد وجد اغلب هذه الاختصارات فيها ومن ناحية اخرى توضَّح هذه الاختصارات على انها شكلا من اشكال تطور اللغة وزيادة مفرداتها، بل انها جزء لايتجزء من دراسة ومقارنة اصل اللغات حيث بالرجوع الى الوراء وبأستخدام هذه العملية "الاختصارات" يمكننا أن نبلغ اهدافاً هامة في اصل تكوين اللغات. يضاف الى ذلك ان الكثير من الاختصارات قد تستخدم للدلالة على المساق اللغوي وموقف المتحدث كأن يكون في موقف فرح او حزن او ماشابه. فأمتزاج هذه الاشكال اللغوية مع الاشكال غير الغوية او الاشارات السميائية ينتج عن نوع جديد من اللغة المعتمدة بشكل رئيسي على المساق اللغوي والسيميائي في التوصل الى المعنى المقصود.
وفي موقع (تَد) قام الدكتور جون ماكهوتر 2013 بدعم فكرة أن المراهقين هم المبدعون في اللغة، حيث يعتقد ان تنمية قدراتهم الإبداعية في اللغة يجب أن لا يُعلى عليها، واصفا الرسائل النصية بـ "توسيع الذخيرة اللغوية وقد يتوسع معنى هذه الاختصارات إلى أبعد من مجرد "لغة مختصرة غير رسمية" الى لغة يمكن استخدامها كعلامة للسرعة والاختصارفي مساق معين. وان هذا هو تحسين وليس تحريف للغة. وهكذا فالمراهقون ليسوا الوحيدين الذين يختارون الاختصارات في التواصل الكتابي. ها نحن نجد الكبار هم من يبحثون عن السرعة في اللغة في عصر اصبح كل شيء فيه مختصر وسريع. وكونها حجر الاساس لكل مجتمع وبتطورها يتطور، فيتعين على اللغة ان تشق طريقها نحو مواكبة العصر والمجتمع سواء اكان يبحث عن السرعة أو الكلمات المختصرة او ماشابهها. ومن الواضح يجب إعطاء الشباب كل الفضل لنشر الاختصارات الجديدة التي ستكون قصيرة النظر لكنها اضافة واثراء للغة ممكن ان نجدها اكثر في الكتب الرسمية منها في مواقع التواصل الاجتماعي في المستقبل القريب.
ولاظفاء طابع التحليل والمنطق لارضاء ومحاولة إقناع مانسميه باللغويين التقريريين او "عشاق اللغة الهواة"، فقد قمنا بجمع قدر كاف من الرسائل النصية والمحادثات بين المراهقين ومجماميع يستخدمون نوع خاص من اللغة فيما بينهم وملاحظة كيفية استخدامهم للغة الرسمية ومدي تاثير هذه الاختصارات عليها وذلك بغية الحصول على بيانات يمكن دراستها وتحليلها وتصنيفها. فقد اتضح بعد ذلك أن هذه الأشكال من الاتصالات هي مزيج من لغة رسمية وغير رسمية، وأن الوسائط التي يتم استخدام اللغة فيها هي "في طليعة التغيير". والمقصود بالتغيير هنا هو تطور اللغة الى اشكال مختلفة. ويجدر القول الى ان المجتمع الذي جُمعت منه البيانات سواء كانوا مراهقين ام مستخدمي لغة مشفرة هم من لديهم القدرة على استخدام اللغة الرسمية الى جانب تلك شبه الرسمية ذات الاختصارات والألفاظ المنحوتة الجديدة. حيث وُجد أن الشخص الذي يستخدم اللغة بكامل حريته مع اصدقائه المقربين كأن يستخدم الاختصارات والحروف ذات الدلالات السميائية قد قام باستخدام لغة رسمية سليمة في مخاطبة ما. ومن ناحية اخرى اظهرت نسبة عالية من مجتمع الدراسة، لايسعنا المجال الغور في تفاصيلها، ان الشباب والكبار ممن لديهم لغة مشفرة فيما بينهم (المهتمين بتخريب اللغة) يستخدمون اللغة الرسمية في الرسائل القصيرة ومواقع التواصل عند تصديهم الى حدث لغوي يتسم بالرسمية.
ويأتي بين هذا وذاك، فريق من مستخدمي اللغة ممن يمزجون اللغة الرسمية واللغة المبتكرة ذات الاختصارات والالفاظ المكتوبة التي يتدخل المساق اللغوي في تحديد معناها بصورة كبيرة، وهم ليسوا فقط مراهقين او شباب او كبار انما من جميع الفئات العمرية حتى لو فاقوهم الشباب. غير ان عدم معرفة الاشياء لاينفي وجودها، كما تقوله القاعدة المنطقية وهذا يجرنا الى ان هذه التراكيب والاشكال اللغوية موجودة ويقوم مستخدمو اللغة بتوظيفها كيفما يرونه مناسبا للحدث اللغوي واذا اقتضت الحاجة الى ان هذه الاشكال اللغوية والسميائية والتداولية تستخدم بصيغة رسمية فلا ضير ان تقنن وتصبح ضمن اللغة الرسمية كونها ناتجة عن حاجة المجتمع الملّحة كما هو الأمر في القواميس الغربية التي صارت تغْني لغاتها بإدخال المفردات الجديدة لها لتكون ذخيرة اثراء للغة. وهذا هو مايريده المنهج الوصفي في دراسة اللغة والذي يقضي الى ان اللغة كيان حيّ لايمكننا مقارنتها بصورة عامودية فعندها نكون قد إتبعنا مناهج الدراسة التقريرية التي لامفر فيها من تطبيق قواعد قديمة وثابتة على متغيرات حديثة ينحتها المجتمع خدمة له ومواكبة للتطور السريع الحاصل.
وصفوة القول هي اننا لو وضعنا هذه التعابير في حيز المقارنة مع عدمها سنجد وملأ أعيننا انها تفوق فكرة عدم استخدامها او تقنينها او مهاجمتها كونها دخيلة على اللغة. فهي ايجابية في عدة مستويات ومنها إنها عاملاً لزيادة مفردات اللغة واثرائها بحيث يصبح من الممكن نحت اسماء وافعال وصفات للكلمات التي يحدثها التطور السريع الحاصل في المجتمع، ومن جهة اخرى فتعد هذه الاشكال اللغوية عاملا لخدمة المجتمع بتوفير مصطلحات واشارات سيميائية قصيرة تواكب زمن السرعة وتساعد من خلال المساق اللغوي والاجتماعي على فهم الرسالة اللغوية. وعلاوة على ذلك فجلّ القضية تعود للمجتمع ومايريد ان يوظف من اشكال لغوية لخدمته سواء أكان قد تهدمت القواعد التقريرية وتخربت اللغة ام لا، فإن هذه الاشكال في قيد التطور ومن يعلم في السنوات القليلة القادمة كيف سيكون شكل الكلمة من فعل واسم وصفة وهل سنتوصل للمعني عن طريق المساق اللغوي المقترن بالمساق السيميائي.