الاكتئاب بين ترددات طاقاتنا الأربع
في خِضمِّ الحياةِ، وبين أطيافِ مسؤولياتها، وما تطغى عليها من مادية بحتة، أصبح من الطبيعي جدًّا أن نمر في حالات اكتئاب أو نوباتٍ متفاوتة منه بين الحين والآخر؛ لذلك يجب أن نقف على أسباب الاكتئاب وطرق الوقاية منه ومكافحته، إذ إن الحالة النفسية للإنسان قد تكون المسبب الأول والرئيس لأمراضه الجسدية المستعصية التي تلازمه طيلة حياته، فيصبح تعايشه معها أمرًا واقعًا كأمراض السكري والضغط والمعدة. ولو غصنا في أعماق الإنسان، وأبحرنا في كينونته لأدركنا أن لكل إنسان احتياجات أو طاقات أربع هي: العقل والروح والعاطفة والجسد، ويجب الحفاظ على التوازن بين هذه الطاقات الأربع، إذ إن عدم شحن أي جانب من هذه الطاقات، أو حصول الإنسان على القدر الكافي منها سيؤدي إلى قُصورٍ في الجانب الآخر. وهنا يكمن سبب ما نحسُّ به أحياناً من ضيق مفاجئ، ونفسيةٍ مُتعبة أو مكتئبة، أو جسد هزيل مرهق بلا أدنى مجهود مبذول.
علينا دائمًا تذكر أننا لسنا في الجنة فنحن في دنيا بها ما بها من صعاب وتحديات، وبشر يخالفوننا التفكير والطباع، فعلينا أن نمتلك من العلم والمهارة ما يكفينا لنبقى أقوياء، لا نسلِّم رايتنا لظرف، أو ندخل دائرة الإحباط والعجز.
علينا ألا ننغمس في الحياة وننسى أن لأنفسنا علينا حقًّا، وأن كل سوء يحدث لنا، وكل همٍّ يُلمُّ بنا ما هو إلا نتاج تقصيرنا بحق أنفسنا، وسوء إدارتنا لاحتياجاتنا، واهتمامنا بجانب منها دون الآخر. ولِنحافظَ على التوازن ما بين طاقاتنا الأربع، ونشحنها باستمرار بما يكفي لتبقى نفسياتنا متجددة قادرة على مجابهة الحياة بحلوها ومرها..
أُقدِّم لكم ولنفسي بعض النصائح. ففي جانب العقل علينا أن نهتم بتغذيته كما نغذي الجسد بالطعام والشراب.. نغذيه بقراءة المفيد، والاطلاع على الجديد من المهارات الحياتية، والاستمرار في طلب العلم ومواكبته.
وفي جانب الجسد علينا أن نهتم بصحته، فنعطيه قسطًا كافيًا من الراحة، ولا نبالغ في إجهاده من أجل عمل يدرُّ علينا مالًا أكثر فننفقه فيما بعد علاجًا، وعلينا أن نخصص وقتًا لممارسة التمرينات الرياضية فالعقل السليم في الجسم السليم.
وفي مجال العاطفة علينا أن نقوي علاقتنا مع أفراد أسرتنا، وأصدقائنا، ونهتم بهم، ونعبر عن حبنا لهم، ونقضي أوقاتًا جميلة معهم؛ ليظل رصيدنا في بنك عواطفنا ممتلئًا، كما علينا أن نكون متسامحين معهم، ونبذل في عطائنا لهم فنشعر بسعادةٍ تفوق ذلك العطاء.
وفي جانب الروح، والذي أراه قد يكون الأهم في هذا المقام… علينا أن نغذي أرواحنا بالصلة الدائمة مع باريها، بالصلاة والعبادات والتزام الأذكار وورد يومي من كتاب الله. وفي قوله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة "أرحنا بها يا بلال" إشارة بأن الصلاة هي راحة الإنسان وشفاؤه وسرّ سكينته كلما ضاقت به دنياه. ولحظات تأملٍ وتفكرٍ في الكون بعيداً عن صخب الحياة ستمدك طاقةً إيجابية وحيوية.
ولِيكون يوم أي واحد منا صحيًّا لا بد أن يمر بهذه الجوانب والمحطات الأربع؛ ليقدر على البذل والعطاء لنفسه وعائلته فمجتمعه.
احرصوا دائمًا على التجديد حتى في أبسط الأمور فقد يكون لها أثرًا كبيرًا.. فسبع دقائق من المشي قد تغير من تعكر مزاجك.. حديثك مع صديق مفضل قد يكون بمثابة جلسة طبيب نفسي.. استغفارك وتسبيحك يخلق لك رضى وطمأنينة، ويطفئ نار غضبك.
باختصار شديد.. نحن نكتئب عندما نطيل الوقوف على أحداث تؤلمنا أو نحصر نظرنا في زاوية معينة.
عندما نتحمل أكثر من طاقتنا دون أن نكافئ أنفسنا بشيء تحبه أو نعطيها قيلولة من التعب، أو نأخذها في فسحةٍ سماوية ولو لبضع وقت نستقطعه عنوةً من أيامنا المثقلة بالأعباء.. فالضغط يولدُ الانفجار وما ينفجر في الإنسان ليس من السهل إصلاحه، فكونوا منصفين بحق أنفسكم واضبطوا ترددات احتياجاتكم جيدًا، تمامًا كما تضبطون تردد محطة إذاعية بدقة، أي غذوا عقولكم كأجسادكم، ولا تنسوا عواطفكم وأرواحكم.
كونوا لأنفسكم كل شيء، كونوا أطباءها ولا تنسوا أنكم مستأمنون عليها من الله.