الثقافة والترجمة من لغة المصدر إلى لغة الهدف
إن من يتجند للترجمة من لغة إلى أخرى لا يكتفي بمعرفة معجمية المفردات وإنما يتطلب الغوص في بحار ثقافة النص المراد ترجمته، ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق والدراية في لغة المصدر قبل أن ينسجها نصاً مترجماً في لغة الهدف، فثمة مفردات وتراكيب تختلف في وقعها الثقافي من لغة إلى أخرى، ومثال ذلك لا الحصر اللغة العربية والعبرية، صحيح أن العبرية لهجة في العربية إلا أننا نجد تراكيب في العبرية ذات ثقافة مختلفة عن تركيبها في العربية، ومفردات توظف في سياق تتفق مع المتلقي، فمن يتنزه في لغة الإعلام ويقرأ للكتاب يجد ذلك جلياً في أمثلة سنوردها في معرض مقالتنا هذه.
فعندما نجد في العربية تركيب (مكره أخاك لا بطل) نجد المقابل في العبرية (بلع الضفدع)، وينسحب ذلك على تركيب (وضع النقاط على الحروف) لنجده (نادى الولد باسمه)، وكذلك هو الحال في (خرج عن الثوابت) نجدها (كسر أدواته)، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ترجمة حرفية يتلفظ بها من يخرج على مواقع التواصل الاجتماعي فيقول: لا يزال الكيان الصهيوني محتفظاً بأدواته ولم يكسرها دون اللجوء إلى الصياغة العربية المقابلة لها.
ومن الجانب الثاني نجد تراكيب يوظفها كتاب المقال العبري من خلال المخزون الثقافي ونورد مثالاً على ذلك عندما يستخدم جملة من يقل لملك البلاد إنك عار؟ مستحضراً قصة ثياب الإمبراطور.
ولو عزفنا على وتر التأثير اللغوي العربي في العبرية نجد الترجمة الحرفية للنص العربي، فنلمح ذلك من خلال لا دخان بلا نار وطنجرة وغطاها، وترجمة بالصياغة في غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون، في عباره نغرس شجرة الفاكهة إن لم نأكل منها يأكل أبناؤنا.
وبمتابعة للكلام الشفوي نجد تركيب أهلاً وسهلاً، وإن شاء الله يلفظ بحرف العربي من باب اللغة العامية أو ما يسمى بالسلنج.
فحري بمن يمتشق قلم الترجمة أو يتجند للترجمة الحرفية أن يكون صاحب رواية ودراية بما ينثره من ترجمة.
ومما لا يخفى على ذي لب أن الترجمة تفتح الآفاق كي تزود المترجم بثقافة ومعرفة من خلال تلاقح الثقافات والمثاقفة فيتزود بالمعلومات والمفاهيم وكيفية تناولها من الكتاب والباحثين، فتصبح المكنة الإعلامية أداة إيصال وتواصل وثقافة في الوقت ذاته، وهذا غيض من فيض.
