الحاج مدبولى صاحب أشهر مكتبه فى مصر
ربما يندر أن يمر واحد من المثقفين العرب أو من الأجانب المهتمين بالكتب العربية بالقاهرة دون أن يمر بميدان طلعت حرب فى قلب القاهرة. ففى قلب هذا الميدان الحيوى تقع واحدة من أشهر المكتبات العربية، إن لم تكن أشهرها على الإطلاق، "مكتبة مدبولى". ورغم شهرة الحاج مدبولى العريضة إلا أنه لا يزال بسيطا، يقف بثوبه المصرى الأصيل ليتحدث ببساطة فينساب شريط الذكريات. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى الحاج مدبولى وأجرى معه الحوار التالى:
فلسطين: الحاج مدبولى واحد من أشهر الشخصيات فى عالم الكتاب العربى، نريد أولا أن نتعرف على بياناتك الشخصية.
– الحاج مدبولى: اسمى محمد مدبولى محمد. وأنا من مواليد محافظة الجيزة عام 1938. ولكنى صعيدى الأصل من محافظة سوهاج من قرية هريدى أبو حسن.
فلسطين: وكيف بدأت علاقتك بالكتاب؟
– الحاج مدبولى: كان والدى رحمة الله عليه يعمل متعهدا لبيع الكتب والمجلات منذ ما قبل الثورة. وقد عملت معه منذ كان عمرى ستة سنوات فقط كبائع للجرائد. وأتذكر أن ذلك كان عام 1944. وكنت أحمل مجموعة كبيرة من الجرائد والمجلات وأذهب لبيعها فى الميادين والشوارع الرئيسية. ووقتها كان ميدان الأوبرا هو أحد معسكرات الجيش الإنجليزى. المهم أننى ظللت أعمل مع والدى حتى سنة 1951. وعندها قررنا أن نطور من عملنا فقمنا باستئجار "كشك" لبيع الجرائد بميدان طلعت حرب. ومن خلال هذا الكشك بدأ عملنا ونشاطنا يزدهر وأصبحنا نحصل على توكيلات بتوزيع اكبر المجلات والصحف العالمية بمختلف اللغات. وكنت وقتها قد وصلت إلى عمر الثالثة عشرة. وكنت أقف مع شقيقى ووالدى بنظام المناوبة وكل واحد منا ينام ساعتين فقط يوميا خصوصا بعد وفاة والدنا. وأحيانا كنا ننام الساعتين على الرصيف فى الشارع لعدم وجود وقت كاف للذهاب للمنزل. كان الموضوع بالنسبة لنا تحدى وإثبات القدرة على مواجهة الظروف الصعبة. وأردنا أن نؤكد للناس قدرتنا على القيام بالمسئولية بعد وفاة والدنا. والحمد لله نجحنا أن نثبت أننا أهل للمسئولية. وأثبتنا أننا نحب هذه المهنة التى نعتبرها رسالة وليست مجرد مهنة. كنا نشعر أننا نقوم بالمشاركة فى تنمية الوطن وتشجيع الناس على المعرفة.
فلسطين: عرفنا كيف بدأتم توزيع الصحف والمجلات فكيف بدأت علاقتك بالنشر؟
– الحاج مدبولى: بعد حرب السويس مباشرة أى عام 1958. كانت الثورة قد استطاعت أن تنعش الحياة الفكرية والثقافية. وظهرت حركة ثقافية كبيرة أنجبت أهم الرموز والمثقفين المصريين الذين تعرفهم الآن. ووقتها ظهرت سلسلة الألف كتاب، والقومية للتوزيع التى تغير اسمها فيما بعد إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب. وكانت الهيئة تطبع كتابا كل ست ساعات. وكان الغريب أن هذه الكتب تنفذ فور صدورها. ولذلك فكرت فى أن أقدم الأعمال الروائية العالمية، وأن أترجم الأعمال الأدبية لسارتر والبير كامى وصموئيل بيكيت. كما قمت بتنفيذ فكرة أخرى هى تقديم دراسات عن هؤلاء الكتاب. فقدمت لسارتر أدبه وفلسفته، وقدمت قصة حياة البير كامى. كما قدمت دراسات عن هتلر وتشرشل.
فلسطين: وكيف كنت تختار الأعمال التى تريد ترجمتها؟
– الحاج مدبولى: الموضوع بسيط. نحن نشعر من خلال المهنة بنبض الشارع أو بعبارة أخرى "السوق عاوز إيه". وبالتالى كنت أطلب رأى المثقفين وأطلب من المترجمين تقديم نبذة مختصرة عن الكتاب. وبعد ذلك تبدأ عملية الترجمة.
فلسطين: كلما مررت بمكتبتكم أجد فيها واحدا من الشخصيات المهمة مصريا أو عربيا فما هو السر فى ذلك؟
– الحاج مدبولى: زبائنى هم من كل الدول العربية. وبعض الحكام العرب كانوا زبائن عندى. وكانوا يشترون منى الكتب أثناء تواجدهم بالقاهرة سواء للدراسة أو للزيارة. بل الأغرب من ذلك أن بعضهم كان يشترى منى الكتب بنظام التقسيط، وكنت أساعدهم لأنهم كانوا ما زالوا طلابا لا يملكون شيئا.
فلسطين: مثل من؟
– الحاج مدبولى: لا داعى لذكر الأسماء.
فلسطين: أنت ترتبط مع نجيب محفوظ بعلاقة قديمة ومع ذلك لاحظت أنك لم تنشر له أى عمل.
– الحاج مدبولى: الأستاذ نجيب صديق عمر، وقد عرفته منذ كان زبونا فى محل جروبى المواجه لنا. وأنا بالفعل طلبت منه فى يوم من الأيام أن أنشر له أعماله، ولكنه أوضح لى أنه مرتبط مع السحار ولا يريد أن يفسد علاقته به. ومن يومها وأنا لم أفتح الموضوع مرة أخرى مع نجيب محفوظ، حيث أننى فهمت أن بينهما صلة قرابة أو صداقة قوية.
فلسطين: هناك اتهام بأنك تستغل المؤلفين وتطبع عدة طبعات من كتبهم دون موافقتهم باعتبارها ضمن الطبعة الأولى.
– الحاج مدبولى: غير صحيح. ومن يطلقون مثل هذه الاتهامات لا يعرفون أصول مهنتنا. فما الذى يمنعنى إذا أردت طبع طبعات أخرى من الكتاب أن أحصل على موافقة المؤلف أو الكاتب؟ هذا الاتهام غير صحيح.
فلسطين: ما هو أهم كتاب نشره مدبولى؟
– الحاج مدبولى: نشرت مجموعات كثيرة ومهمة من الكتب التى أفخر بها والحمد لله. ولكن أكثر كتاب يشرفنى أننى قدمته هو كتاب شخصية مصر وهو مكون من 46 جزءا لمجموعة من 46 كاتبا. وأنا أعتبر هذا الكتاب أهم إنجاز فى حياتى. ومع ذلك أحب أن أوضح لك أننى لم أقدم كتابا وندمت عليه طوال حياتى، على الرغم من أن بعض الكتب كانت ستقودنى إلى السجن.
فلسطين: ما هى هذه الكتب التى كانت ستقودك إلى السجن؟
– الحاج مدبولى: مثلا كتاب "مسافة فى عقل رجل" لعلاء حامد. وهذا الكتاب هاجمه أستاذ احمد بهجت مما أدى إلى أن تثور الدنيا فى وجهى وتم تقديمى للمحاكمة بسببه، وتم الحكم على بالسجن ثمانى سنوات. والحمد لله خرجت من القضية براءة لأن المسئولية القانونية تقع على الكاتب وليس على الناشر.
فلسطين: وما الدرس الذى تعلمته من ذلك؟
– الحاج مدبولى: تعلمت أن أحصل على تعهد من الكاتب وإقرار بمسئوليته الشخصية عما يريد نشره. وإذا وافق الكاتب أوافق وإذا لم يوافق أرفض نشر كتابه.. فأنا لن أنشر لكتاب لا يريدون تحمل المسئولية عن الكلمة التى يكتبونها.
فلسطين: ما هو الكتاب الذى حقق لديكم رقما قياسيا فى التوزيع ؟
– الحاج مدبولى: أعتقد أنه كتب "خريف الغضب" للكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.
فلسطين: كم عنوانا نشرت منذ بداية عملك فى النشر؟
– الحاج مدبولى: حوالى أربعة آلاف عنوان. ولكن مكتبتى تضم نحو نصف مليون عنوان. وهذه ثروة كبيرة لا توازيها كل كنوز الدنيا. هذه المكتبة التى تراها هى تاريخى. وهى تعبر فى كل مرحلة من مراحلها وفى كل ركن من أركانها عن مرحلة من مراحل تطور مصر.
فلسطين: نشكرك على سعة صدرك وترحيبك بهذا الحوار رغم أنك فى العادة لا تحب الإدلاء بأحاديث للصحافة.
– الحاج مدبولى: العفو. لا شكر على واجب.