الأربعاء ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم زرين تاج برهيزكار

الروح وأسرارها في عينيتي ابن سينا، وشوقي

الملخص

قال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله في كتابه العزيز: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. واعتبر الله البشریة عاجزا عن فهم أسرار الروح وخفاياه.ولکن وصل بعض الفقهاء إلی حقائق استنبطوها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمصادر الفلسفية.فالمعاد في رأي العلماء تختلف حقائقه ومدلولاته.وذکر الغزالی فی كتاب تهافت الفلاسفة أن المعاد على خمسة ، وقد ذهب إلى كل منها جماعة : الأول ثبوت المعاد الجسماني فقط وأن المعاد ليس إلا لهذا البدن وهو قول نفاة النفس الناطقة المجردة وهم أكثر أهل الإسلام ، الثاني ثبوت المعاد الروحاني فقط ، وهو قول الفلاسفة الإلهيين : الذي ذهبوا إلى أن الإنسان هو النفس الناطقة فقط وإنما البدن آلة تستعمل وتتصرف فيه لاستكمال جوهرها ، الثالث ثبوت المعاد الروحاني والجسماني معاً وهو قول من أثبت النفس الناطقة المجردة من الإسلاميين كالإمام الغزالي والحكيم الراغب وكثير من المتصوفة ، الرابع عدم ثبوت شيء منهما وهو قول القدماء والطبيعيين الذين لا يعتد بهم ولا بمذهبهم لا في الملة ولا في الفلسفة ، الخامس التوقف وهو المنقول عن جالينوس ، فقد نقل عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه إني ما علمت أن النفس هي المزاج فينعدم عند الموت فيستحيل إعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البدن فيمكن المعاد .
يلقي هذا المقال ضوءا طفيفا علی عينيتي ابن سيناء وشوقي ولا شک أن الثانية تم إنشادها في العصر الحديث وتعتبر معارضة للأولی.ولکن قبل الإتيان بهما هناک وقفة مع الشاعرين.

ابن سينا مولده ونشأته

الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور؛ [1]كان أبوه من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى، وكان من العمال الكفاة، وتولى العمل بقرية من ضياع بخارى يقال لها خرميثنا [2]من أمهات قراها، وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها، واسم أمه ستارة [3] وهي من قرية يقال لها أفشنة بالقرب من خرميثنا. [ولما ولد أبو علي كان الطالع السرطان درجة شرف المشتري والقمر على شرف درجته والزهرة على درجة شرفها وسهم السعادة في تسع من السرطان وسهم الغيب في أول السرطان مع سهيل والشعرى اليمانية] [4] ثم انتقلوا إلى بخارى، وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد، واشتغل بالعلوم وحصل الفنون، ولما بلغ [5] عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة، ثم توجه نحوهم الحكيم أبو عبد الله الناتلي [6]، فأنزله أبو الرئيس أبي علي عنده، فابتدأ أبو علي يقرأ عليه كتاب إيساغوجي واحكم عليه علم المنطق وإقليدس والمجسطي وفاقه أضعافاً كثيرة، حتى أوضح له منها رموزاً وفهمه إشكالات لم يكن للناتلي يد بها، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، يقرأ ويبحث ويناظر، ولما توجه الناتلي نحو خوارزم شاه مأمون بن محمد اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم كالطبيعي والإلهي وغير ذلك، ونظر في النصوص والشروح وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه، وعالج تأدباً لا تكسباً، وعلمه حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثل، واختلف إليه فضلاء هذا الفن وكبراؤه يقرؤون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة، وسنه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة. وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع، وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له.

وذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني [7] صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برئ، واتصل به وقرب منه، ودخل إلى دار كتبه وكانت عديمة المثل، فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فضلاً عن معرفته، فظفر أبو علي فيها يكتب من علم الأوائل وغيرها وحصل نخب فوائدها واطلع على أكثر علومها، واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة، فتفرد أبو علي بما حصله من علومها، وكان يقال: إن أبا علي توصل إلى إحراقها لينفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه إلى نفسه.

ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها، وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة، وكان يتصرف هو ووالده في الأحوال ويتقلدان للسلطان الأعمال.
ولما اضطربت أمور الدولة السامانية خرج أبو علي من بخارى إلى كركانج، وهي قصبة خوارزم، واختلف إلى خوارزم شاه علي بن مأمون بن محمد، وكان أبو علي على زي الفقهاء ويلبس الطيلسان، فقرروا له في كل شهر ما يقوم به، ثم انتقل إلى نسا وأبيورد وطوس وغيرها من البلاد، وكان يقصد حضرة الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير في أثناء هذه الحال، فلما أخذ قابوس وحبس في بعض القلاع حتى مات ذهب أبو علي إلى دهستان ومرض بها مرضاً صعباً، وعاد إلى جرجان، وصنف بها الكتاب الأوسط - ولهذا يقال له " الأوسط الجرجاني " - واتصل به الفقيه أبو عبيد الجوزجاني، واسمه عبد الواحد، ثم انتقل إلى الري واتصل بالدولة، ثم إلى قزوين ثم إلى همذان، وتولى الوزارة لشمس الدولة، ثم تشوش العسكر عليه، فأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع، ثم أطلق فتوارى، ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته واعتذر إليه وأعاده وزيراً، ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره، فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدولة أبو جعفر ابن كاكويه، فأحسن إليه.

وكان أبو علي قوي المزاج، وتغلب عليه قوة الجماع حتى أنهكته ملازمته وأضعفته ولم يكن يداوي مزاجه، وعرض له قولنج، فحقن نفسه في يوم واحد ثماني مرات فقرح بعض أمعائه وظهر له سحج، واتفق سفره مع علاء الدولة، فحصل له الصرع الحادث عقيب القولنج، فأمر باتخاذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به، فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم منه، فازداد السحج به من حدة الكرفس فطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئاً كبيراً من الأفيون، وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء، فخافوا عاقبة أمره عند برئه؛ وكان مذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمي ويجامع، فكان يمرض أسبوعاً ويصلح أسبوعاً، ثم قصد علاء الدولة همذان من أصبهان ومعه الرئيس أبو علي، فحصل له القولنج في الطريق ووصل إلى همذان وقد ضعف جداً وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة وقال: المدبر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره فلا تنفعني المعالجة، ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات اثر ذلك.

وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه، وصنف كتاب " الشفاء " في الحكمة، و " النجاة " و " الإشارات " و " القانون " وغير ذلك مما يقارب مائة مصنف ما بين مطول ومختصر ورسالة في فنون شتى، وله رسائل بديعة: منها رسالة " حي بن يقظان " ورسالة " سلامان وابسال " ورسالة " الطير " وغيرها، وانتفع الناس بكتبه، وهو أحد فلاسفة المسلمين.

وكانت ولادته في سنة سبعين وثلاثمائة في شهر صفر، وتوفي بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بها. وحكى شيخنا عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير في تاريخه الكبير [8] أنه توفي بأصبهان، والأول أشهر، رحمه الله تعالى. [9]

عينية ابن سينا

هَبَطتْ إليكَ مِن المَحَلِّ الأرْفَعِ
وَرْقَاءُ ذاتُ تَعَزُّزٍ وتَمَنُّعِ
مَحْجُوبةٌ عن كلِّ مُقْلَةِ عارِفٍ
وهِي التي سَفَرتْ ولم تَتَبَرْقَعِ
وَصَلتْ علَى كُرْهٍ إليك ورُبَّمَا
كَرِهَتْ فِراقَكَ وهْيَ ذاتُ تَفَجُّعِ
ألِفَتْ وما ألِفَتْ فلمَّا وَاصَلَتْ
ألِفَتْ مُجاوَرَةَ الخَرَابِ الْبَلْقَعِ
وأظُنُّها نَسِيَتْ عُهوداً بالْحِمىَ
ومَنازِلاً بِفِرَاقِها لم تَقْنَعِ
حتَّى إذا اتَّصَلَتْ بهاء هُبُوطِها
مِن مِيمِ مَرْكَزِها بذَاتِ الأجْرَعِ
عَلِقَتْ بها هَاءُ الثَّقِِيلِ فأصْبَحَتْ
بينَ المَعالِمِ والطُّلُولِ الخُضَّعِ
تَبْكِي إذا ذكرتْ دِياراً بالْحِمَى
بمَدامِعٍ تَهْمِى ولَمَّا تُقْلِعِ
وتَظَلُّ سَاجِعَةً علَى الدَّمَنِ التي
دَرَسَتْ بِتَكْرَارِ الرِّياحِ الأرْبَعِ
إذْ عاقَها الشَّرَكُ الكَثِيفُ وصَدَّهَا
قَفَصٌ عن الأوْجِ الفَسِيحِ الأرْيَعِ
حتى إذا قَرُبَ الْمَسِيرُ مِن الْحِمَى
ودَنَا الرَّحِيلُ إلى الفَضَاءِ الأوْسَعِ
هُجِعَتْ وقد كُشِفَ الْغِطاءُ فأبْصَرتْ
ما ليس يُدْرَكُ بالعُيُونِ الهُجَّعِ
وغَدَتْ مُفارِقةً لكلِّ مُخَلَّفٍ
عنها حَلِيفِ التُّرْبِ غيرِ مُشَيَّعِ
وغَدَتْ تُغَرِّدُ فوقَ ذِرْوَةِ شاهِقٍ
سَامٍ إلى قَعْرِ الحَضِيضِ الأوْضَعِ
إنْ كان أرْسَلها الإلهُ لِحِكُمةٍ
طُويَتْ عن الْفَطِنِ اللَّبيبِ الأوْرَعِ
فهُبُوطُها إن كان ضَرْبَةَ لاَزِبٍ
في العالَمِين فَخَرْقُها لم يُرْقَعِ
وهي التي قَطَع الزَّمانُ طَرِيقَها
حتى لقد غَرُبَتْ بغيرِ المَطْلَعِ
فكأنَّها بَرْقٌ تألَّقَ لِلْحِمَى
ثم انْطوَى فكأنَّه لم يَلْمَعِ

 [10]

أمير الشعراء أحمد شوقي حياته ونشأته

كان الناس في انتظار شاعر يشعل الحماسة، ويتغنى بالعزة والكرامة، ويوقد مشاعل الثورة في القلوب، بعد أن ظلوا فترة طويلة محرومين من ظهور الشعراء الكبار أمثال جرير، والفرزدق، والمتنبي.. وغيرهم، وجاء شعر أحمد شوقي في اللحظة الحاسمة، نغمًا هادئًا، ولحنًا شجيًّا عذبًا، يتسلل إلى النفوس والقلوب ليفيض عليها العزة والكرامة.

ولد أحمد شوقي في القاهرة في السادس عشر من أكتوبر سنة 1870م لأب تركي، وأم يونانية، يقول شوقي عن نفسه: إني عربي، تركي، يوناني، جركسي أصول أربعة في فروع مجتمعة، تكفلها له مصر.
نشأ في بيئة مترفة، إذ عاش في قصر خديوي مصر حيث كانت جدته من وصيفات القصر، ودخل كتَّاب الشيخ صالح بحي السيدة زينب بالقاهرة وهو في الرابعة من عمره، ثم مدرسة المبتديان الإبتدائية، ومنها إلى المدرسة التجهيزية، وقد منح المجانية نظرًا لتفوقه، قال الشعر في الرابعة عشر من عمره، وأعجب به أستاذه الشيخ (حسين المرصفي).

ومما يدل على نبوغه الشعري المبكر أن أستاذه في اللغة العربية، وكان شاعرًا فصيحًا بهر بشاعريته فكان يجلس منه مجلس التلميذ من أستاذه، وكان هذا الشيخ ينظم القصائد الطوال في مدح الخديوي توفيق؛ كلما حل موسم أو جاء عيد، وقبل أن يرسلها إلى القصر لكي تنشر في الصحف، يعرضها على شوقي، فيصلح شوقي فيها، فيمحو هذه الكلمة أو تلك ويعدل هذا الشطر أو ذاك، أو يسقط بعض الأبيات، وبعد أن أتم أحمد شوقي تعليمه الثانوي التحق بمدرسة الحقوق لدراسة القانون، وقضى بها سنتين، ثم انضم إلى قسم الترجمة ونال بعد سنتين إجازة للترجمة.

وبحكم تربيته في قصر الخديوي فقد أخذ ينشد قصائده في مدح الخديوي توفيق، وقد نشرت أولى قصائده في جريدة الوقائع المصرية في 7 إبريل سنة 1888م، ونظرًا لصلة شوقي بالقصر فقد أرسله الخديوي على نفقته في بعثة إلى فرنسا لإتمام دراسته في الحقوق والآداب بجامعة مونبليه بباريس، وعاد شوقي إلى مصر، فعمل في قسم الترجمة بالقصر، وظل يتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لهذا القسم، وأصبح قريبًا من الخديوي عباس حلمي الذي خلف الخديوي توفيق وأنيس مجلسه ورفيق رحلته، وأخذ شوقي يمدحه بقصائده، حتى سمي (شاعر الأمير ) وجاءت الفرصة لأحمد شوقي ليخرج من القفص الذهبي الذي كان محبوسًا فيه، حين أراد الخديوي عباس حلمي الثاني أن يضم إلى صفه أبناء الشعب ليضغط على قوى الاحتلال الإنجليزي حتى يستجيبوا لمطالبه وهنا جاء دور أحمد شوقي.

فأخذ شوقي ينادي بالحرية والاستقلال وينشد قصائده في حب الوطن، ويساعده على ذلك الخديوي عباس ويشجعه، فنفى الإنجليز الخديوي عباس إلى خارج البلاد، وعينوا بدلاً منه السلطان (حسين كامل) ولم يترك الإنجليز أحمد شوقي وشأنه، وإنما عزموا على نفيه هو الآخر، فخيروه أي البلاد التي يحب أن يذهب إليها؟ فاختار إسبانيا (أندلس العرب) سنة 1915م وهناك أخذ ينظم قصائده في أمجاد العرب ودولتهم البائدة، وينشر قصائده في حب الوطن، ويناجيه بقصائد كلها حب وحنين:

أحبُّك مصر من أعماق قلبي
وحبُّك في صميم القلب نامي
سيجمعُني بك التاريخُ يومًا
إذا ظهر الكرامُ على اللئام
لأجلك رحتُ بالدنيا شقيًّا
أصدُّ الوجهَ والدنيا أمامي
وأنظر جَنَّةً جمعتْ ذِئابًا
فيصرُفُني الإباءُ عن الزحام
وهبتُكِ غير هيَّابٍ يَراعًا
أشدَّ على العدِّو من الحسام
ويقول:
اختلاف النهار والليل يُنسي
اذكرا لي الصِّبا وأيام أُنْسي
وسلا مصر هل سلا القلب عنها
أو أسي جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الليالي عليه رقَّ
والعهد في الليالي تقسي

وبعد أن قضى شوقي في بلاد الأندلس فترة طويلة صدر العفو عنه، وعاد إلى البلاد في شهر فبراير سنة 1919م، وفي الإسكندرية والقاهرة تجمع الشباب لاستقبال شوقي، فتأثر بذلك الموقف، فقال يخاطب وطنه الغالي، وقد رأى أن عودته إلى أرض الوطن تشبه عودة الشباب بعد المشيب:

ويا وطني لقيتك بعد يأس

كأني قد لقيت بك الشبابا

وعاد شوقي والبلاد في حالة غليان، والشعب يدفع حياته ثمنًا للحرية في ظل مستعمر غاصب، فلم يقف مكتوف الأيدي، بل أطلق لسانه مشاركًا أبناء وطنه في محنتهم، وقام بدوره الوطني على أكمل وجه، وأثبت أنه شاعر الوطن، المدافع عن حقوقه في وقت الشدة، وكان يريد للأمة العربية والإسلامية الوحدة وعدم التفرق، ولشوقي في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- قصائد غراء مشهورة، يعرفها كل من يقرأ بالعربية.

وعاش شوقي حتى نهاية العمر يتغنى بالوطنية والحرية، حتى أجمع الشعراء على زعامته في ميدان الشعر، فجاءت الوفود من كل البلاد التي تنطق العربية، لتبايع شوقي بإمارة الشعر، ووقف زميله الشاعر حافظ إبراهيم في حفل تكريمه يبايعه بزعامته للشعراء بقصيدة يقول فيها:

أمير القوافي قد أتيت مبايعًا

وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

وظل شوقي ينشد الشعر إلى أن توفي سنة 1932م بعد أن ترك تراثًا شعريًّا كبيرًا. [11]

عينية شوقي

ضمي قناعك يا سعاد او ارفعي
هذي المحاسنُ ما خلقن لِبُرقُع
الضاحياتُ، الضاحكاتُ، ودونَها
ستر الجلالِ ، وبُعدُ شأو الملطع
يا دُمْيَة ً لا يُستزاد جمالُها
زيديه حُسْنَ المُحْسِن المتبرِّع
ماذا على سلطانِه من وقفة
للضَّارعين، وعَطْفة ٍ للخُشَّع؟
بل ما يضركِ لو سمحت بحلوة ؟
إنّ العروسَ كثيرة ُ المتطلَّع
ليس الحجابُ لِمن يَعِز مَنالُه
إن الحجاب لهين لم يمنع
أَنتِ التي اتَّخذ الجمالَ لعزِّه
من مظهر ، ولسره من موضع
وهو الصناع ، يصوغ كل دقيقة
وأَدقّ منكِ بَنانُه لم تَصْنَع
لمستك راحته ، ومسك روحه
فأَتى البديعُ على مِثال المُبْدِعِ
الله في الأحبار : من متهالكٍ
نضوٍ ، ومهتوكِ المسوحِ مصرع
من كل غاوٍ في طوية ِ راشدٍ
عاصي الظواهرِ في سريرة ِ طَيِّع
يَتَوَهَّجون ويَطفأَون، كأَنهم
سرجٌ بمعتركِ الرياحِ الأربع
والجاهلون على الطريق المَهْيَع
علموا ، فضاق بهم وشقَّ طريفهم
والجاهلون على الطريق المَهْيَع
ذهب ابن سينا ، لم يفز بكِ ساعة ً
وتَوَلَّت الحكماءُ لم تَتَمَتّع
هذا مقامٌ ، كلُّ عِزٍّ دونَه
شمسُ النهارِ بمثله لم تطمع
فمحمدٌ لك والمسيح ترجلا
وترجلتْ شمسُ النهار ليوشع
ما بالُ أَحمدَ عَيَّ عنكِ بيانُه؟
بل ما لعيسى لم يقلْ أو يدع
يأْبَى فَيَضْرِبُ، أَو يَمُنُّ فَيُعتِق
ولسان موسى أنحلَّ ، إلا عقدة ً
من جانبيك علاجها لم ينجع؟
لما حلَلْتِ بآدمٍ حلَّ الحِبى
ومشى على الملإ السجودِ الرُكَّع
وأرى النبوة في ذراك تكرمت
في يوسف وتكلمت في المرضع
وسقت قريش على لسان محمد
بالبابلي من البيان الممتع
ومشت بموسى في الظلام مشردا
وحدته في قلل الجبال اللمع
حتى اذا طويت ورثت خلالها
رفع الرحيق وسره لم يرفع
قسمت منازلك الحظوظ: فمنزلا
اترعن منك ومنزلا لم تترع
وخلية بالنحل منك عميرة
وخلية معمورة بالتبع
وحظيرة قد اودعت غرر الدمى
وحظيرة محرومة لم تودع
نظر الرئيس الى كمالك نظرة
لم تخل من بصر اللبيب الاروع
فرآه منزلة تعرض دونها
قصر الحياة وحال وشك المصرع
لولا كمالك في الرئيس ومثله
لم تحسن الدنيا ولم تترعرع
الله ثبت ارضه بدعائم
هم حائط الدنيا وركن المجمع
لو ان كل اخي يراع بالغ
شأو الرئيس وكل صاحب مبضع
ذهب الكمال سدى وضاع محله
في العالم المتفاوت المتنوع

 [12]


[1وردت ترجمة الشيخ الرئيس ابن سينا في تاريخ الحكماء: 413 وابن أبي أصيبعة: 239 وابن العبري: 187 وخزانة الأدب 4: 466 ولسان الميزان 2: 291، وانظر البحوث التي نشرت في كتاب المهرجان الألفي وكتاب مؤلفات ابن سينا وضع الأب جورج قنواتي (القاهرة 1950).

[2ه :خرتمش.

[3ر: سارة؛ م: شادة.

[4زيادة من ر.

[5ولما بلغ... وكان نادرة: سقط من س ص والمسودة.

[6ب ه : البابلي.

[7تولى حكم خراسان وما وراء النهر بعد أبيه نصر بن أحمد سنة 331 ولقب بالأمير الحميد، وبقي في الحكم حتى توفي سنة 343، وكان حسن السيرة كريم الأخلاق.

[8تاريخ ابن الأثير 9: 456.

[9أخذنا ترجمته عن كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان الجزء الثاني وصفحة 158

[10الكشكول، الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي، دار الكتب العلمية،1998م، المقدمة، ج2، ص25

[11مشاهير أعلام المسلمين
جمع وإعداد: علي بن نايف الشحود

[12ديوان شوقي، دار صادر،1993م، المجلد الاول، صص 349-351


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى