السبت ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

الشعر النسائي في أمريكا اللاتينية

لعلي من خلال هذه الأسطر أردتُ أن أعرج على شعر المرأة في أمريكا اللاتينية التي لعبت درواً هاماً في النضال من أجل الحصول شعوبها على حريتها التي فقدتها طوال عصور الاستعمار ، التي بدأت بالاستعمار الإسباني منذ وصول كولومبس إلى تلك الأرض وأطلقوا عليها اسم " العالم الجديد " .
لذلك لم يكن غريباً للمرأة في أمريكا اللاتينية دورها الفعال في عالم الإبداع الفني والأدبي . لذلك كان فوز الشاعرة التشيلية " جابرييلا ميسترال " بجائزة نوبل للآداب عام 1945 لم يكن مفاجأة للمطلعين على دور ها في البلاد ، والتي لا يزال المثير من جوانب حياتها مجهولاً بالنسبة للعالم العربي .، كما أن النقاد اعتبروا فوزها تكريماً للبلاد ليس لشعر ها فحسب .
وهذه الأسطر ليس تكريساً لإبداع المرأة عن الإبداع العام ولكنه محاول لإظهار مدى مت حققته من تطور وأهمية لا تقل عن إبداع الرجل في تلك البلاد .
كما كتب الناقد الأرجنتيني " خايمي عمر بيليزير " أن إبداع المرأة الشاعرة للشعر يتناول كافة الموضوعات التي تناولها الرجل / الشاعر ، مع اختلاف طريقة التعبير التي تفرضها الطبيعية النفسية والفزيقية للمرأة ، بما فيها من موضوعات الأمومة والحب المتدفق وغيرها يعب على الرجل أن يتناولها .

ديلميرا أغوستيني

كان الحب كهدف كوني عند ديلميرا تلك الشاعرة الشابة الثرية الجميلة ، فقد كانت أول مرة تعلن بلا وجل عن عذابات الروح في مجتمع محافظ جداً وتبدو في شعرها تأثيرات " بودلير " التي تابعت أعماله عن قرب وكان من كتابها المفضلين " روبين داريو " و" فرانثيسكو فيا سبيسا " فكان تقرأ من الأورجواي ، وأشعار المكسيكي " أمادوا نيرفو " .
كان شعر " ديلميرا " صخب بلا انقطاع ولا يعترف بالزمان ولا المكان وخطابها الشعري يمكن تلخيصه في " سر الوردة " فهو الكمال كله والموت كله .
في كتابها الأول من قصيدة " مخلصة " من أفضل إبداعاتها فهي غارقة في رعب الليل تجد الحياة في الاتحاد بعالم روحاني مجرد ، مرموز بحبيب مثالي تتفتح عليه كزهرة ..
فتقول :
سأقص عليك أحلام حياتي
في أقصى أعماق الليل الأزرق
روحي العارية ترتعش بين يديك
أموت من الأحلام وأشرب في منابعك
الحقائق الصافية الرطبة
إلى أن تقول : ـ
قلتُ للساحرة
أنا عطشى ، وعطشي حارق ،
فحملتني إلى وادٍ أخضر عميق وبراق
إلى حيث يوجد جدول ماسي
قالت : اشربي
كنت أحترق ،
وكان صدري شظايا .
فالشاعرة لا ترى سوى روحها العارية التي يحتضنها المحب فهو نبع الحياة كما تراه والنهر الذي يتحمل المكابدة .
وفي كتابها الثاني " غناء للصباح " تؤكد على تركيزها على الشكل الذي أصبح صفة مميزة لها .
أموت أنا بشكل غريب
فلا الحياة قتلتني
لا الموت قتلني
أموت من فكر أخرس كجرح
الم تشعروا أبداً بذلك الألم الغريب

جابرييلا ميسترال

هو اسم مستعار للوثيا دى ماريا ، كانت لوثيا لا تزال طفلة عندما تعلقت بالأصوات الموسيقية لهؤلاء الشعراء مثل " رابندرات طاغور " ، " روبين داريو " ، وأمادو نيرفو فكانت هذه الصغيرة تقرأ أعمال " جابرييلدي أنونزيو " التي حملت اسمه فيما بعد تعديله ليكون المؤنث منه " جابرييلا " ، فقد جمعت بين الشهرة والأسطورة ليكونا لها وحدها في تشيلي .
وفي مناسبة أعياد الزهور التي أقيمت عام 1914 في" سانتاجو "تقدمت إلى المسابقة الشعرية ببعض القصائد التي كتبتها تحت تأثير فاجعة انتحار خطيبها ، وحصلت على الجائزة الأولى وتمكنت من فرض الاسم الفني الذي اختارته ليكون الأشهر بين الشعراء ، ليس في تشيلي فقط بل في العالم الناطق باللغة الإسبانية كلها .
إذ كان انتحار خطيبها قد أيقظ فيها نوعاً من العاصفة العاطفية ، فقد تسبب من ناحية في أن يحفر فيها جرحاً اكتشفت من خلاله الشعر الذي برز في كتابها " أغاني للموت " وطرحت فيه العديد من الأسئلة الكبرى ، وقربها من هذا العالم الآخر كثيراً ، وعمَّقَ فيها إحساسها بالعزلة الشديدة كل هذا كان في إطار الجدية والحزن اللذين طبعا أكثر أعمالها .
في " الأغنية الأولى " تقول :

أنيمك في الأرض المشمسة ،
بحلاوة الأم التي تهدهد طفلها النائم ،
وعلى الأرض أن تكون لك مهداً حانياً
عندما تستقبل جسدك الطفولي المتألم
بعدها أذرُّ الغبار ،
غبار الزهور ،
ولحظة الشفق أذرُّ غبار القمر ،
فتتحول بقايا الشبق إلى سجنها
في مجموعتها الشعرية " الانتظار الخائب " تقول في مقطع تحت عنوان " كآبة "
كنتُ نسيتُ أن أقدامكَ
الخفيفة تحوّلت رمادا
وكما في الأيام الخوالي
خرجت للقائِك على الطريق
عبر الوادي ، والسفح ، والنهر
عندما انطلقت بالغناء أصابني الحزن
وأفرغَ المساءُ كأس ضيائه
وأنت لم تأتِ .
فتتَ الشمس أشعتها
الحارقة ،
وأماتت شقائق النعمان ،
وهبطت على الحقول ذيول
الضباب ،
كنتُ وحيدة .
ذعرتُ فناديتكَ
يا حبيبي حث الخطو
لا أمل في أن تأتي في الموعد
في هذه الطرق الخالبة
وفي قصيدة " أغنيات للموت " وأطلقت خلالها الأسئلة.
أسألك يا سيدي كيف ينام المنتحرون ؟
هل يتخثر الدم في الفم ،
وتفرغ الوجنتان
أم أنك تأتي بعد أن يذهب الرجال
وتغمض العيون المطفأة
وتنزع الأحشاء في حنان وصمت
وتعقد اليدين على الصدر الخامد ؟
أجبني يا سيدي : متى تهربُ الروح
عبر رطوبة أبواب الجراح العميقة
في كل مجموعاتها الشعرية تجد العيديد من القصائد التي تتخذ من الطبيعة موضوعاً لها طبيعة حزينة دائماً وجافة ، لكنها عميقة ومتغيرة معاً .

ألفونسينا ستورني

كانت ألفونسينا تشق طريقها وحيدة في سنوات صعبة لامرأة وحيدة وبعيدة عن أهلها تسكن المدينة الكبيرة .. عندما بلغت الرابعة والعشرين أصدرت كتابها الأول " قلق الورد" .. ثم تبعت هذه المجموعة بثلاث مجموعات شعرية جديدة هي " الألم اللذيذ " و" الذي لا يمكن تجنبه " و" الفتور " . وفي مجموعتها " الألم اللذيذ " فقد لمع أسمها ونال شهرة سريعة ولقي في الوقت نفسه نقدا حاداً لأنها تجاوزت حدود النظرة الاجتماعية السائدة .
ورغم حياتها التعسة مادياً ، فهي تترجم الحياة عبر نظرة مبدئية سعيدة والأبيات التالية من قصيدة " هذا الألم الرهيب " من مجموعة " الألم اللذيذ " تؤكد هذا ..
هذا الألم الرهيب هو الذي يمنحني الحياة
يداي تنبتان الورود
في قصيدة الربيع تعترف :
هل تأتي ؟
في حدائقي تطير
الفراشات الأولى
أتأتي أنت ؟
سوف تدهن أزهاري
السعيدة بالعسل
أتأتي أنت ؟
سوف تضع يداي
أقراص الشهد
عرشي أبيض
ربيع
وفي مجموعة " أنت تريدني بيضاء " تستخدم فيها الشاعرة السخرية للتشهير بالمجتمع الذي يفرق بين المرأة والرجل وتعلن تحديها له .
أنت تريدني فجراً
تريدني من زبد
أن أكون سوسنة
وأن أكون أصيلة
وخفيفة الرائحة
تويج مغلق
أنت تريدني برداً
أنت تريدني بيضاء
أنت تريدني سحراً
وفي قصيدة " النحلة التائهة " نقتطف :
قالوا في كل مكان
أنّى نحلة تائهة
نحلة تائهة
فلم أبال
حقيقة أنّى تائهة
فقد جمعت لنفسي
ذهب السموات
وأبدلته بشيء تافه
رؤيتها لتفاهة الإنسان ورفضها للرجال لا يخلصانها من قوتها ولا من لهفتها غلى حب مثالي يفيض على حياتها .
إذاً نجاح القصيدة النسائي يأتي في سياق الموضوعات التي يتناولها الشعر وذلك بفضل الجهد الذي بذلته أجيال لتحطيم دائرة " الشعر النسائي المغلقة .فابتعدن عن النرجسية والميثولوجيا الأنثوية الخاصة .
واليوم استطاعت شاعرات من أمريكا اللاتينية أن تتناول جميع موضوعات الشعر العالمي كالتعبير المتشائم عن الواقع من خلال التعامل مع النضال الإنساني اللانهائي للسيطرة على اللغة المتردة .. كما قال " أدلفو جو ستافو بيكر .
والكاتبات المعاصرات يواجهن الواقع برؤية سريالية عميقة أحياناً ومريرة وأحياناً أخرى متفائلة متسلحة بأسلحة نضال المرأة من خلال قدرة المعرفة . أن محاولة المرأة الكتابة والتعبير جزء من محاولة الإنسان للتواصل والوجود وهو شعار وجودي يستعذب الألم للإحساس بالواقع ، يرزح تحت ضغط الزمن المتواصل .
فالشعر النسائي لا تنقصه الموضوعات الكبرى المتعددة التي تؤكد على هذا القرن العشرين : النضال ضد أشكال الاستعمار ، وضد استغلال البسطاء ، ومناصرة الأقليات ، والطبقات الدنيا ،والوقوف مع تمر الطبقات المُستغَلةَ وتأكيد النظرة التاريخية التي تصنع من المتردين أبطالاً إضافة غلى وحدات أخرى تشكل النمط العام لهذا الشِعرْ .

• ترجمة د . طلعت شاهين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى