

شاعر السيف والقلم
الشاعر أبو فراس الحمداني هو سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الرّبعي شاعر وقائد عسكري وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني أمير الدولة الحمداني ، ولد الشاعر أبو فراس في الموصل عام 932 م وعاش يتيم الأب إذ قتل والده وهو في الثالثة من عمره أما أمه فقد كانت رومية وتولت رعايته بمساعدة ابن عمه سيف الدولة .
وكان ظهور الحمدانيين فترة ضعف الخلافة العباسية ، فبدأو الحمدانيون حروبهم لترسيخ سلطتهم فاحتل عبد الله والد سيف الدولة الحمداني بلاد الموصل وبسطوا سلطتهم شمال سوريا ، بما فيها حلب وأصبحت حمص وحلب عاصمة لدولته . وأنشأ بلاطا جمع فيه الشعراء والكتاب عاش أبو فراس في كنف عمه سيف الدولة فنشأ فارساً وشاعراً ودافع عن إمارة ابن عمه وحاميا لها من غزوات الروم وكان يشارك في مجالس الأدب وينافس الشعراء ، ثم ولاه سيف الدولة مقاطعة منبج شمال سوريا .
وقد وقع في الأسر وسقطت قلعته 962 م واقتيد إلى القسطنطنية كما ذكر الثعالبي ، كان الحمدانيون قد أسروا ابن أخت ملك الروم فطلب أبو فراس من ابن عمه أن يفتديه مقابل ابن أخت الملك لكن سيف الدولة رفض .
وهكذا قضى الحمداني قرابة الأربع سنوات ودأب على مراسلة ابن عمه وامتدحه بأعذب الأشعار ويحثه على مساعدته ، بيد أن سيف الدولة أبطأ في ذلك وقيل كان يشعر أن أبا فراس طامع في الملك فتركه مدة في الأسر .
وقد قال عنه الصاحب بن عباد " بدء الشعر بملك وخُتم بملك يقصد بُدء بامريء القيس وانتهى عند أبي فراس .
وعرف الحمداني بشجاعته وفروسيته في القتال وببلاغته فهو الشاعر الوحيد المنافس للمتنبي في زمانه .
وخلال السنوات المريرة التي قضاها في السجن والمرض الذي صارعه إلا أنه كتب أورع قصائده وكان معظمها استعطاف ابن عمه سيف الدولة . ومن أبرزها قصيدة " عصي الدمع " قال فيها :
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيّ عليك ولا أمرُ
بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاعُ له سرُ
مُعللتي بالوصلِ والموتُ دونهُ
إذ متّ ظمآناً فلا نزلَ القطرُ
حفظتُ وضيعتِ المودةَ بيننا
وأحسنَ مِن بعضِ الوفاءِ لكِ العذرُ
وما هذه الأيام إلا صحائفُ
لأحرفها من كف كاتبها بشر
ويقول في قصيدة أخرى مطلعها :
أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ
أيا جارتا هل تشعرين بحالي ؟
معاذَ الهوى ما ذقتِ طارقةَ النّوى
ولا خطرت منك الهموم ببالِ
والشاعر رهيف الحس حين سمع من سجنه نوح حمامة تعجب من نوحها كيف وهي لم تذق مرارة السجن والبعد عن الوطن وتعيش حرة طليقة لا تكتنفها الجدران ، فقارن بين حاله وحال الحمامة .
ومن أروع ما كتب هذه قصيدته الشهيرة أمَا لِجَميلٍ عندكنّ ثَوابُ يستعطف فيها ابن عمه سيف الدولة الحمداني عله يرأف بحاله ويفتديه ليخرجه من السجن :
أمن بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ
أُثابُ بمُِرّ العَتبِ حينَ أُثابُ
فليتكَ تَحلو والحياة ُ مريرةُ
وليتكَ ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذّي بيَني وبينكَ عامِرٌ
وبيني وبينَ العالمينَ خًرابُ
إذا نِلتُ مِنكَ الوُدّ فالكلُّ هيّنٌ
وكُلُّ الذي فًوقَ التُرابِ تُرابُ
فياليتَ شُربي مِن وِدِادِكَ صافياً
وشُربيَ مِن ماءِ الفُراتِ شَرابُ
إذ ختمها بعتاب ينم عن محبته وولائه ، وتعد آخر قصيدة أرسلها لابن عمه الأمير وهي من البحر الطويل وهي قصيدة بائية .
وما أعرج عليه في رائعته أما لجميل عندكن ثواب وبعض الآراء اتهمت الشاعر بسوء الأدب مع الخالق ، فكثر الحديث عنه ، وأنا أنفي ما نسب إليه والحقيقة أنه وجهها لابن عمه الأمير يستنجده .
واختم بهذه الأبيات للشاعر الفارس وهو يفخر بذاته عندما يفتقده قومه حينما تشتد بهم الخطوب ولم يجدوه كما يفتقد البدر في الليل المظلم .
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
قتل أبو فراس الحمداني في معركة عند بلدة صدد جنوب شرق حمص كان ذلك 968م أثناء تصديه لجيش أرسله أبو المعالي وريث سيف الدولة بقيادة قرغويه فدارت معركة قتل فيها أبو فراس .