الثلاثاء ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم سحر جلال محمد دغيدي

الشمعة

لم تتخيل سلمى أن الشمعة التي أضاءتها مع مازن للإحتفال بعيد زواجهما الثالث، ستقوم بنفس المهمة مع اختلاف الظروف، ذلك بعد أن قطعت قوات الإحتلال الكهرباء عن كافة أنحاء القطاع الذبيح.

جلست سلمى بجوار طفليها التوأم (حرية) و (وطن) البالغ عمرهما عاماً ونصف العام لتضيء تلك الشمعة، فتتداعى إليها ذكرى اللقاء الأول الذي جمعها بمازن.

ذلك الطبيب الأسمر، الذي اقتحم قلبها، فتملكت هي قلبه ووجدانه على حد تعبيره لها.

عندما فاجأتها الآلام منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، فلجأت لأقرب مشفى بصحبة والدها، ليقوم الطبيب الشاب بفحصها وإخبار والدها بضرورة إستئصال الزائدة الدودية.

ولكن لحظة فثمة شيءٌ ما يحدث، شعور غريب، نعم كنت أشعر ألماً شديداً، ولكن هناك أيضاً إحساس غريب داهمني مُذ رأيتك، ولم أستطع تفسيره في حينها، كذلك قالت سلمى لمازن ليلة زفافهما ، واسترسلت قائلة: "كل ما أتذكره هو أنني تمنيت أن أظل ناظرة إليك بقية عمري وحسب".

عندئذٍ ضحك مازن ضحكة طويلة جعلت سلمى تشعر بالخجل مما صرحت له به، و لكنه قال "أما أنا فللوهلة الأولى ومنذ دخولي لحجرة الفحص قررت أنك ستكونين زوجتي".

في تلك اللحظة أفاقت سلمى على بكاء (وطن) مشيراً للماء يريد أن يشرب، فامتدت يدها للكوب الموجود بجانبها، وأعطته القليل منه فأسقط بضع قطرات من فمه، تداركتها وعلقت بنبرة بائسة:

"انتبه يا صغيري فالماء في قطاع غزة صار كالعملة النادرة"، ثم ألقت نظرة على (حرية) النائمة في مخدعها كالملاك، وعادت لتتذكر يوم اختيارمازن لأسماء الطفلين تيمناً بمستقبل أفضل مما عاشه الزوجان تحت وطأة الإستعمار المجرم.

خاطبت سلمى طفليها قائلة: كان والدكما أباً حنوناً، بل، حنوناً للغاية، فلقد كان يحتضنكما بقوة كانت تخيفني، حتى أنني كنت أخشى أن تتكسر عظامكما الصغيرة بين أحضانه، ولكنه كان دائماً ما يُعلق: "إنني أشتاق إليهما كثيراً، وأنا في عملي لا أعلم متى أعود لأراهما وألهو معهما". ولم يعد بعدها، ولم يُشف مرضاه ولا جرحاه بل صعدوا جميعهم للسماء، و حلقوا نحو السحاب، ملوحين بإشارة النصر للباقين أحياء حتى إشعار آخر.

فجأة تبكي (حرية) باحثة عن صدر أمها، فتحملها سلمى وتلقمها من ثديها، قائلة:

"معذرة يا ابنتي إن لم تجدي إلا القليل، فأمك لم تجد ما تأكله منذ ساعات طويلة"

تبتسم الصغيرة وتمسح بإصبعها على وجه أمها الغارق في الدموع، فتلثمها سلمى بقبلة على جبينها، ثم تلتفت باسمة ل"وطن" وهو يلهو بدميته المفضلة، لتنهار جدران المنزل بعدها بدقائق معدودة إثر ضربة صاروخية مفاجئة، وتنطفيء الشمعة ... للأبد.

تمت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى