العجوز
رأيته يسير حزينا، منكس الرأس، بطئ الخطي، يمشي الهوين كما يمشي الوجي الوحل، ملطخة ثيابه مشققة بالية، لا يرفع إلي السائرين طرفه، بل ينظر تحت قدميه. أحيانا يتعثر في مشيته، يكاد يسقط ولكنه سرعان ما يتحامل ويمسك بنفسه ليواصل المسير، يمرق السائرون من حوله فتكاد حركتهم أن تسقطه.
الشيء الوحيد الذي ألاحظه دوما هو شعوري بأن كل جزء من جسده منفصل عن الأخر، فلا انسجام بين حركة ذراعيه، ولا منطق في حركة قدميه، ولا اتزان في التفاتة رأسه. نعم كل شيء فيه منفصل عن الأخر، والأغرب أن كل من يمشون حوله متزنون، هو الوحيد الذي يترنح وكأنه ثمل.
اقتربت منه سائلا: ماذا بك؟ أأنت مريض؟ لم يجبني، بل كأنه لم يسمعني. كررت السؤال ولكن دون جدوى . رآني احد المارين فاقترب مني وقال: ماذا تفعل؟إنه أخرس لا يتكلم، اعمي لا يبصر، إنه ........ وانطلق كالمدفع يعدد المصائب حتى قال إنه بلا عقل بلا قلب، أخذتني رجفة الاستغراب فقلت: ماذا؟ كيف يكون بلا قلب ولا عقل وهاهو أمامنا واقف علي قدميه بل أحيانا يسير ويتحرك، ضحك المتكلم ساخرا وهو يقول: أتظن أن حركته هذه حياة، يا رجل إنه ميت، اندهشت بل ذهلت، نظرت إلي الرجل وأخذت أتحسس وجهه البارد فلم يعيرني انتباها، وكأنني أتحسس شخصا أخر.
فجأة جاء قطيع من الأقزام وأخذوا يرشقونه بالحجارة، أصابني أحدهم فابتعدت أنا والرجل الذي كان يحادثني، ولما وقفت بعيدا، رأيت الحجارة تسقط عليه من كل حدب وصوب، وهو واقف لا يسقط، فقط يترنح، سألت الرجل مستغربا: لماذا يرشقونه بالحجارة؟ وكيف يتحمل هو كل هذه الرميات؟ ضحك الرجل وقال: هم يريدون إسقاطه تماما. الغريب أنهم منذ زمن يفعلون ذلك به ولكنه لا يسقط، فقط يترنح. سألته ولما يريدون إسقاطه؟ قال: لأنه عملاق عجوز، ولو عاد إليه شبابه لكان خطرا عليهم جميعا، ولكني أشتاق إلي أيامه الخوالي، لقد كان رجلا طيبا.
فجأة قذفني أحد الأقزام بحجر، تألمت وفجأة استيقظت .............. نعم استيقظت لأجد نفسي علي الفراش وحيدا. إنه نفس الكابوس الذي يهاجمني كثيرا، فهل رأيت هذا الكابوس من قبل؟ ، أعتقد لو أنك عربيا مثلي لرأيت نفس الكابوس مرارا.