الثلاثاء ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

الفضل ما شهدت به الأعداء

س- قرأت في صفحة عضو الكنيست أحمد الطيبي على (الفيسبوك) بيتًا من الشعر فيه اعتراف بفضله- وذلك من الذين يرونه شوكة في حلوقهم.

البيت هو:

شهد الأنام بفضله حتى العدى
والفضل ما شهدت به الاعداءُ

لمن البيت، وهل هذه الرواية الصحيحة له؟

ج- بعد بحث وتحقيق تبين لي أن الأصل في البيت هو:

وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها
والفضل ما شهدت به الأعداء

وهو من قصيدة للشاعر العباسي السرِيّ الرّفّاء المَوصِلي (ت. 976)، يمدح فيها الحسن بن محمد المهلَّبي، وكان أديبًا يحب أن يجمع الأدباء حوله والندماء. (انظر الثعالبي: يتيمة الدهر، ج2، ص 224- 227).

مطلع القصيدة:

أحوال مجدك في العلو سواء
يومٌ أغرُّ وشيمةٌ غرّاءُ

ومنها:

نسَب أضاء عمودُه في رفعة
كالصبح فيه ترفّع وضياء
وشمائل شهد العدو بفضلها
والفضل ما شهدت به الأعداء
فإذا عبستَ فصارمٌ ومنيّة
وإذا ابتسمت فموعد وعطاء

(ديوان السري الرفاء، ج1، ص 264)

اشتهر عجز البيت، لأن فيه حكمة، فإذا اعترف العدو لشخص بفضائله- ولا يصدر من العدو عادة إلا كل ما هو سلبي ينسبه إلى ذلك الشخص- فهذا الاعتراف يدل على أن فضائل ذلك الشخص لا ينكرها منكر، حتى ولا العدو اللدود.

لنتصفح ما ورد في شعر العرب وبمعانٍ مختلفة، حيث غيّر الشعراء صدر البيت، ورددوا العجُز:
يقول إبراهيم الأحدب (لبنان، ت. 1891) في مدح عبد القادر الجزائري حيث ينسبه لسلالة الرسول عليه السلام- في قصيدة مطلعها:

ماذا تقول بمدحك الشعراء
وعُلاك ترفعُ أصلَه الزهراءُ

فيقول:

وعِداك قد شهدوا بفضلك في العلا
والفضل ما شهدت به الأعداء

ثم كان البعد الصوفي في شعر بهاء الدين الروّاس (العراق، ت. 1870) في قصيدته التي مطلعها:

ما للقلوب من الحبيب غطاء
إلا إذا سكنتْ بها الأشياء

فيقول:

شهد العِدا طوعًا بعزّة أمرِه
والفضل ما شهدت به الأعداء

ثم ذكر هذا الشطر في مدح أصحاب السلطة والشأن، فالطَّباطَبائي (العراق، ت. 1901) له قصيدة مطلعها:

ألقت إليك زمامَها العلياءُ
فشأوتَ شأوًا دونَه الجوزاءُ

إلى أن يقول:

شهدت عِداك بكُنهِ فضلك عَنوةً
والفضل ما شهدت به الأعداء

ويذكر الشاعر محمد الهلالي (ت. 1894) في قصيدة خمرية يمدح فيها نديمه، مطلعها:

قم يا نديم فهذه الصهباءُ
قد بكّرت حاناتِها الندماءُ

وما يلبث أن يقول:

حتى أقرّ الحاسدون بفضله
والفضل ما شهدت به الأعداء

غير أن شاعرًا آخر أورده ابن بطوطة في رحلته يسمى محمد بن نُباتة الفارقي قال في مدح القاضي الزملكاني- قاضي حلب:

ومناقب شهد العدو بفضلها
والفضل ما شهدت به الأعداء

(ابن بطوطة: تحفة النظار، ص 54 – مادة "حلب"، "كتاب التحرير"، يلاحظ أنه أخذ بيت الصنوبري، فبدل كلمة بكلمة)

أما الرواية التي وردت في السؤال، فلم أجدها إلا على الشبكة، وهي لا تختلف عن غيرها من حيث المعنى، فجميعها تغاير الكلمات وتبدل بينها، ويبدو أن الشطر: "شهد الأنام بفضله حتى العدى" هو لشاعر متأخر، تفنن في البديع- في رد العجز على الصدر الذي صاغه، فكرر الألفاظ، وقال:

شهد الأنام بفضله حتى العدى
والفضل ما شهدت به الاعداءُ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى