الفلسطيني: صلاح الدين هواري

في هذا العدد من مجلة قبسات من نور وفي صفحة دوحة الأدب، أقدم إليكم اليوم أديبا، ناقدا، شارحا، محققا، شاعرا فلسطينيا كبيرا، هو الدكتور صلاح الدين الهواري ابن مدينة الرملة الفلسطينية الواقعة غرب القدس. ولد لاجئا في إحدى خيام اللجوء على رمال خان يونس الغزية في 21 أيار عام 1950 خلال رحلة النزوح واللجوء.

لم تتوقف مسيرة اللجوء في غزة، ولسبب غير متوقع كاد يودي بالوالد إلى السجن، تغيرت الوجهة من مصر إلى لبنان، بحيث حطّ بهم الرحال على شاطئ مدينة صيدا اللبنانية. ومن صيدا إلى طرابلس ومنها إلى مخيم البداوي لتتجدد رحلة الألم والمرارة. كغيره من الأطفال اللاجئين، التحق صلاح الدين بمدرسة من الخيام نصبتها الأونروا في المخيم، وانتقل بعدها إلى مدرسة "ابن خلد ون" الرسمية بحيث نال في عام 1962 الشهادة الرسمية، وعاد إلى مدرسة المخيم وحاز على شهادة الإبتدائية العالية. أنهى صف السادس ثانوي عام 1968. بعد الثانوية التحق بمعهد التدريب المهني" سبلين" ليحصل في عام 1970 على دبلوم في" المواصلات السلكية". وخلال هذه الفترة أيضا، كان َيدرس منفردا للحصول على الشهادة الثانوية القسم الأول بفرعها الأدبي، ونالها عام 1969.

انقطع عن متابعة الدراسة مدة تسع سنوات، تأهل خلالها وعمل في مجالات مختلفة عن دراسته المهنية. لكن الرغبة في متابعة الدراسة دفعته إليها مجددا لينال في عام 1979 الشهادة الثانوية، وفي عام 1983 حاز على الإجازة التعليمية في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية. حصل على شهادة الدراسات العليا تحت عنوان" الشعر والشعراء في كتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده" في عام 1988. فيما حاز الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها في عام 1994 وحملت اطروحته عنوان" شعراء الحرفة في العصر المملوكي". تفرغ بعدها للتأليف والكتابة والتحقيق.
بعد حصوله على الإجازة التعليمية في اللغة العربية وآدابها، عمل مياوميا مدة سنتين ونصف في مدراس الأونروا في مخيم البداوي، انتقل بعدها للتعليم في الثانوية العربية للتربية والتعليم في طرابلس، وأمضى فيها 12 سنة. وبعدها انتقل للتعليم في مدرسة الرشيد بدوام جزئي لمدة ثلاث سنوات بعد إغلاق الثانوية العربية أبوابها في عام 2002. كما عمل منسقا لمادة اللغة العربية وآدابها في مدرستين بضواحي عكار، وما يزال يعمل في إحداهما.

هذا على الصعيد التعليمي والتربوي والمهني، أما فيما يختص بالمجال الاجتماعي والوطني والثقافي فقد انضم في ذلك الحين إلى حركة القوميين العرب، لما تحمله من أفكار وما ترفعه من شعارات ملبية ومستجيبة لما كان يعتمر في نفسه من مشاعر الرفض والغضب. وحين أسست الجبهة الشعبية في عام 1969، أكمل عمله الوطني وكان عضوا فاعلا في صفوفها في مجالات البناء والتنظيم والتثقيف. وفي عام 1991 اختير عضوا مستقلا في المجلس الوطني الفلسطيني، وشارك في اجتماعاته التي عقدت في العاصمة الجزائرية في العام نفسه.

يعتبر صلاح الدين ناشطا في المجال الاجتماعي، اذ ساهم مع مجموعة من الفاعلين مع اندلاع انتفاضة الأقصى بتأسيس لجنة هدفها دعم الانتفاضة بالوسائل المتاحة، ولكن هذه اللجنة لم تستمر طويلا، وانتهت مع انتهاء الانتفاضة. وساهم أيضا بتأسيس لجنة الأخوة الفلسطينية بعد الإنقسام الفلسطيني، وتهدف إلى الإصلاح الاجتماعي بمعزل عن الخلافات السياسية، ولا تزال هذه اللجنة تمارس دورها حتى الآن.

بعض من أعماله:

في الأدب: تقديم وشرح وفهر سة

زهر الأدب وثمر الألباب: أبو اسحاق الحصري- لباب الأدب: أبو منصور الثعالبي-المحاسن والأضداد: أبو عثمان الجاحظ- المستطرف في كل فن مستظرف: الأبشيهي.

ثانيا: في التاريخ والتراجم والسير(تقديم وشرح وفهرسة (الصلة في تاريخ علماء الأندلس: ابن بشكوال- جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس: الحميدي- بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس: ابن عميرة الضبي.

ثالثا: دواوين شعرية(تقديم وشرح وفهرسة (ديوان الشوقيات: أحمد شوقي- ديوان بشار بن برد- ديوان الإمام الشافعي- ديوان الإمام علي بن ابي طالب- ديوان أبي العتاهية -ديوان الشاب الظريف.
رابعا: في الفلسفة والملل والنحل( تقديم وشرح(تهافت الفلاسفة: الامام الغزالي- تهافت التهافت: ابن رشد الأندلسي- الملل والنحل: الشهرستاني.

خامسا: مختارات من شعر الغزل العربي:

أحلى قصائد الغزل:(العصر الجاهلي - العصر الأموي- العصر العباسي...الخ).
سادسا: مؤلفات ودراسات

شعراء الحرفة في العصر المملوكي- كيف تكتب بحثا او رسالة(دراسة منهجية لكتابة البحوث الجامعية)،كيف تريدني أنسى: مجموعة شعرية- المعجم الوجيز المدرسي.وغيرها من مؤلفات، إذا تفوق مؤلفاته الـ80 مؤلفا.

بعد هذه الإطلالة السريعة على حياة أديبنا، يطيب لنا أن نسلّط الضوء على ديوان شعري له حمل عنوان" بوح المستهام في حب خير الأنام"، وهو كما يصفه" من نفحات رحلة العمرة وزيارة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم"، والذي قام بإهدائه إلى سيدنا محمد عليه السلام.

شكّلت شخصيـة النبـي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) وموضوعـًا أسـاسـا لأحد أهمّ الأنواع الشـعريـة العربيـة، وهو الشـعر الدينـي الذي يتناول موضوعات مثل الوحدانيـة والعشق الإلـهي ومدح النبـي. وفي هذا المقام، ليس بغريب على صلاح الدين الهواري الذي نشأ كما يقول في مقدمة ديوانه- نشأة دينية في كنف والد فقيه- أن يتأثر في هذا النوع من الشعر فيفرد له أكثر من ديوان.
يركز في ديوانه على مجزوءات البحور، وقصائد ديوانه في معظمها عبارة عن تجربة شعورية خاض غمارها أثناء تأديته للعمرة، وهي من حرّك في وجدانه عاطفة صادقة تجاه خير البشر محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

يبدأ ديوانه بالمشاعر التي اختلجت في نفسه قبل السفر إلى طيبة التي تتوق نفسه إليها بقصيدتين هما: " قبل السفر بعدة أيام" و" اللقاء المنتظر".يقول في اللقاء المنتظر:

لما تؤذِن بالسفر

فغدًا بطيبة ألتقي

فإلى غد لن استريح

وإلى غد سأظل

خفق الفؤاد بما أسّر

بمحمد خير البشر

ولن أريح ولن أقر

أحلم باللقاء المنتظر

أما في قصيدته" على مشارف المدينة" تهتف روحه لطيبة التي يسكنها الحبيب المصطفى، فينشد لها ما يكنه ويحمله منذ زمن طويل في فؤاده:

لما بصرت بطيبة قلت اهتفي

ثم الثمي الأعتاب حُبا بالذي

يا نفس باسم محمد وتلطفي

سكن التراب ونوره لم يختف

وتستمر اللهفة والشوق الذي يكابده تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم وصوله، إلا أن الشوق يزداد إليه، فيمدحه في قصيدة "بسمة الدنيا":

هو في الضمير ولست أرضى غيره

هو في الشرايين التي أنست به

حِبا كريما في الضمير يجول

فغدت على قلبي الضعيف تصول

وفي قصيدة" أنت الحبيب" تعتلج المشاعر الدفينة في نفسه، فهو مفارق داره لأجل أن ينال الشفاعة والرضى من رسول الله، الذي كان سبب هدايته ومعرفته بالدين الإسلامي الحنيف:

فارقت أهلي والولد

أرجو لقاءك سيدي

فارفق بصب مدنف

أنت الذي بصّرتني

وأممت ذياك البلد

وسني لطفك والمدد

بعظيم هديك قد رشد

بالخالق الفرد الصمد

لا شيء يحزن قلبه ويشعره بالندم كرؤيته للحرم المكي، وهوالذي تتوق نفسه إليه منذ زمن. وفي حضرته يطأطأ رأسه مستذكرا كل ما مرّ في حياته قائلا:

طأطأت رأسي حين أبصرت الحرم

كم فات من عمري وكنت مقصرا

ومشيت يسحقني التحسر والندم

ألهو ويقذفني الهوى في كل يم

الديوان يجسد حالة وجدانية خاصة، وعلاقة حب خالصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصدر تلقائيا وبعفوية عن قلب محب، فلا تحتاج إلى انزياحات دلالية ولا إلى سريالية وغيرها من مذاهب الأدب القديمة والحديثة، كما أننا ننصح بقراءته وحيازته.

لعل خير ما ننهي به موضوعنا أبيات للدكتور صلاح الدين، نهديها للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في ظل الإساءة الأخيرة التي اقترفها أعداء الله.

أُفدِّي سيدي بدمي

وقلبي صادح فمي

وأرعى حرمة الذمم

بذكر نداه والمدد