القصيرة جدا بالجهة الشرقية
عرفت القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية من المغرب تطورا كبيرا منذ سنوات التسعين من القرن الماضي، وإن كانت هناك بعض النصوص القصيرة جدا ظهرت إبان فترة السبعينيات عن غير وعي، لكن البداية الحقيقية لهذا الفن بالجهة كانت مع محمد العتروس في 1994م بمجموعته (هذا القادم) التي تضمنت بعض النصوص القصيرة جدا. ومن ثم، فقد حققت هذه القصة الومضة طفرات كمية وكيفية لافتة للانتباه خاصة في سنوات الألفية الثالثة، فصارت الجهة حاليا أكثر تراكما بالمغرب بست وعشرين (26) مجموعة.
ومن المعلوم، لقد تفرع هذا الجنس المستحدث إلى اتجاهات وتجارب فنية متعددة، مثل: اتجاه التمهيد، واتجاه التأسيس، واتجاه التجريب، واتجاه التأصيل. ومن جهة أخرى، فقد ظلت هذه القصة المستحدثة إلى يومنا هذا تعاني فوضى التجنيس والتنميط حتى وجدنا أنفسنا أمام مصطلحات تصنيفية لا عد لها ولا حصر. علاوة على ذلك، فقد استفادت القصة القصيرة جدا من مهرجانات محلية وجهوية ووطنية وعربية ودولية، بله عن مواكبة نقدية زاخرة إن تنظيرا وإن تطبيقا. وينضاف إلى ذلك أن مدينة الناظور أصبحت عاصمة ثقافية للقصة القصيرة جدا بامتياز على المستوى العربي. وأكثر من ذلك، فقد أضحت مقرا للرابطة العربية للقصة القصيرة جدا. إذاً، ماهو واقع القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية؟ وماهي آفاقها المستقبلية؟ هذا ما سوف نوضحه في هذه الورقة.
تطور القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية:
ظهرت القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية في فترة مبكرة، وبالضبط في سنوات السبعين من القرن الماضي، فقد أورد عبد الرحيم مودن في كتابه (معجم مصطلحات القصة المغربية) نصوصا قصصية قصيرة جدا لعبد الكريم التمسماني سماها صاحبها(قصص قصيرة جدا)، وتعتمد هذه النصوص على التكثيف والاختزال واللغة التلغرافية... وقد نشرت هذه القصص سنة 1974م.
ونشر محمد علي الرباوي قصة قصيرة جدا ضمن أدب الخاطرة، وعنوانها (الإبريق)، لكنها تعد بالفعل قصة قصيرة جدا بكل مقوماتها الفنية والجمالية، فقد نشرت بجريدة العلم سنة 1973م، وهاهو نصها:"الليلُ يتسكَّع في الطرقات. ظلالُ الجِنِّ تَراها عيون الأطفال في زوايا الأزقة الضيقة. كانت الأمطارُ خَيْطاً بلا ذيل. أغلقنا الأبواب. جلسنا نتحدث. الإبريق ينظر بكبرياء إلى الكؤوس. الحديث في مد وجزر. الأب يقول: "تَكَسَّرَ زجاجُ الشمس في هذه الأيام. ذرّاتُها بعثرتها الريح". الإبن يقول: "عيونُك سوداء". الحديث في مد وجزر. يُضيف الأبُ حفنةً من السُّكَّر إلى إبريق الشاي. يعود الحديث إلى مد وجزر. الأب يقول: " كيف يُمكن نَتف الطواويسِ الجاثمة فوق صدور الطوال الأقدام ؟ ". فَرْدٌ من الأسرة يقول: "اسقنا الشاي". الحديث في مد وجزر. يُضيف الأبُ حَفِنةً من السكر إلى الإبريق. الراديو يزرع الصمت في البيت. تمثيلية هزلية تلتصق كالأقراط... يُضيف الأبُ حفنة من السكر. ويظل المطرُ يُثرثر في الأحياء. تتراكم الأوحال عند عتبة الدار. تتأنث أحاديثنا. اِنتشر العطرُ في البيت. موعد سهرة الأسبوع حان. أفرغ الأبُ الإبريق... اِنفتحت الأفواه. اِستدارت العيون. كانت الكؤوس ملأى بالدم".
هذا، ويعد محمد العتروس أول من كتب القصة القصيرة جدا بالجهة بمجموعته القصصية (هذا القادم) الصادرة في طبعتها الأولى سنة 1994م عن المطبعة المركزية بوجدة، وإن كان هذا الكاتب قد كتب مجموعة من القصص القصيرة جدا قبل هذه الفترة، وبالضبط سنة 1989م كما في قصته (سقوط). وبعده، أصدر جمال بوطيب مجموعة قصصية تندرج ضمن القصة القصيرة جدا بعنوان(زخة... ويبتدئ الشتاء) سنة 2001م، ليتبعه في ذلك مجموعة من الكتاب، مثل: بديعة بنمراح، وعبد القهار الحجاري، وجمال الدين الخضيري، وأمينة برواضي، وجميل حمداوي، وإسماعيل العثماني، وفاطمة بوزيان، وخالد مزياني، وميمون حرش، ونور الدين الفيلالي، ونور الدين كرماط، وحياة بلغربي، وهلم جرا...
ويعد محمد العتروس أكثر إنتاجا وتراكما في الجهة الشرقية بخمس مجموعات قصصية هي (هذا القادم، وعناقيد الحزن، وماروكان، ورائحة رجل يحترق، و قطط تلوك الكلام )، ويتبعه جمال الدين الخضيري بثلاث مجموعات (فقاقيع، ووثابة كالبراغيث، وحدثني الأخرس بن صمام)، وميمون حرش بمجموعتين(ريف الحسناء ونجي الليل). أما باقي المبدعين والكتاب الآخرين، فلهم مجموعة واحدة.
المجموعات القصصية القصيرة جدا:
ثمة مجموعة من الأضمومات القصصية القصيرة جدا التي صدرت تباعا بالجهة الشرقية من بدايات التسعينيات من القرن الماضي إلى سنوات الألفية الثالثة، وينبني معيارنا في ذلك على اختيار المجموعات التي تحوي القصص القصيرة والقصص القصيرة جدا معا أو تتضمن فقط قصصا قصيرة جدا، و يمكن حصرها في العناوين التالية:
1- (هذا القادم) لمحمد العتروس (1994م).2- (رائحة رجل يحترق) لمحمد العتروس (1998م).3- ( زخة… ويبتدئ الشتاء!! ) لجمال بوطيب (2001م).4- ( عناقيد الحزن) لمحمد العتروس (2002م).5- ( قهوة الروح الجديدة) لعبد القهار الحجاري (2008م).6- (مريندا) لفاطمة بوزيان (2008م).7- (حلم لا يرى النور) لبديعة بنمراح (الطبعة الأولى سنة 2008م، والطبعة الثانية 2011م).8- (قطط تلوك الكلام) لمحمد العتروس (2009م).9- (مزرعة نقود) لفتيحة بلخير(2009م).10- (فقاقيع) لجمال الدين الخضيري (2010م).11- (نبلى) لإسماعيل العثماني (2010م).12- (وثابة كالبراغيث) لجمال الدين الخضيري (2011م).13- (فاتني أن أكون مصريا) لخالد مزياني وآخرين (2011م).14- (حتى يزول الصداع) لسعيد بلغربي وحياة بلغربي وآخرين (2011م).15- (بدون عناق) لخالد مزياني (2012م).16- (قطرات الندى) لأمنة برواضي (2012م).17- (ريف الحسناء) لميمون حرش (2012م).18- (حلبة الرهان الأصعب) لنور الدين الفيلالي (2012م).19- (حدثني الأخرس بن صمام) لجمال الدين الخضيري (2012م).20- (ماروكان) لمحمد العتروس(2012م).21- (أقواس) لسمية البوغافرية (2012م).22- (كتابات ساخرة) لجميل حمداوي(2013م).23- (نجي الليل) لميمون حرش (2013م).24- (حدثني صمام بن الأخرس) لجمال الدين الخضيري(2013م).25- (لا وجود لقبلة يتيمة) لنور الدين كرماط (2013م).26- ( ترميم قلب) لحياة بلغربي 2013م.
وبناء على ماسبق، يلاحظ أن عدد المجموعات القصصية القصيرة جدا التي ظهرت بالجهة الشرقية تبلغ ستا وعشرين (26) مجموعة، وتشكل هذه النسبة ثلث العدد الإجمالي من المجموعات الصادرة في المغرب، وعددها سبع وثمانون (87) أضمومة.
وهكذا، فقد صدرت مجموعة واحدة في سنوات 1994 و1998و2001 و2002م، ومجموعتان في 2009و2010م، وثلاث مجموعات في 2008م و2011م، وخمس مجموعات في 2013م، وسبع مجموعات في2012م. ويعني هذا أن سنة (2012م) هي سنة القصة القصيرة جدا بامتياز بالجهة الشرقية، وهي السنة نفسها التي كثر فيها الإنتاج القصصي القصير جدا بالمغرب، مع العلم أن سنة 2013م لم تنته بعد، ويبلغ إصداراتها خمس مجموعات. ومن هنا، يلاحظ أن منحنى التراكم تطوري ماعدا سنتي 2009و2010 التي عرفتا نوعا من التراجع بمجموعة واحدة. ويعني هذا أن القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية في تطور مستمر على غرار القصة القصيرة جدا بالمغرب التي تتطور من سنة إلى أخرى.
السنــــوات عدد المجموعات
1994م مجموعة واحدة1998م مجموعة واحدة2001م مجموعة واحدة2002م مجموعة واحدة2008م ثلاث مجموعات2009م مجموعتان2010م مجموعتان2011م ثلاث مجموعات2012م سبع مجموعات2013م خمس مجموعاتالمجموع ست وعشرون مجموعة(26)
ويتبين لنا – مما سلف ذكره- أن الجهة الشرقية قد حققت تراكما كبيرا في مجال القصة القصيرة جدا بأكثر من ست وعشرين (26) أضمومة، وأعتقد أن هذه الحصيلة المهمة تبوىء الجهة مكانة كبيرة لتتصدر الريادة في المغرب.
وإذا كانت القصة القصيرة جدا عند المبدعين الذكور قد انطلقت بالجهة الشرقية مبكرا في بداية التسعينيات من القرن العشرين مع محمد العتروس في مجموعته (هذا القادم)، فإن القصة النسائية القصيرة جدا لم تنطلق إلا في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة مع فاطمة بوزيان في مجموعتها(مريندا) التي صدرت عن اتحاد كتاب المغرب سنة 2008م، وبديعة بنمراح في مجموعتها (حلم لايرى النور) في السنة ذاتها.
ويلاحظ أن هناك العديد من الكتاب الذين يكتبون القصة القصيرة جدا، ولكنهم لم ينشروا بعد أعمالهم في أضمومات جامعة، مثل: عبد الواحد عرجوني، وحنان قروع، وسعاد أشوخي، وحسين الطاهري، وآخرين...
هذا، ويعد الحسن المساوي من مدينة الناظور أول مبدع أمازيغي يكتب القصة القصيرة جدا في المغرب بأمازيغية الريف في مجموعته (ءيغزار ءيسوا رابحار/ البحر يشربه النهر) الصادرة عن مطبعة حراء بوجدة سنة 2013م مع تقديم للدكتور جميل حمداوي...
أنــــــواع المجموعــــات:
مجموعات متخصصة في القصة القصيرة جدا كما نجد ذلك عند جمال بوطيب، وفاطمة بوزيان، وجمال الدين الخضيري، وميمون حرش، وأمينة برواضي، وجميل حمداوي، ونور الدين كرماط، وحياة بلغربي، وسمية بوغافرية، وإسماعيل العثماني...يمكن الحديث عن أربعة أنواع من المجموعات القصصية القصيرة جدا:
مجموعات تمزج بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا كما عند محمد العتروس، وميمون حرش في مجموعته (ريف الحسناء)، ونور الدين الفيلالي...
مجموعات رقمية كمجموعة (كتابات ساخرة) لجميل حمداوي...
مجموعة واحدة مشتركة بين مجموعة من المبدعين، مثل: (حتى يزول الصداع) لسعيد بلغربي وحياة بلغربي بالاشتراك مع الآخرين،...
الكتــــاب والمبدعـــــون:
هناك بالجهة الشرقية العديد من كتاب القصة القصيرة جدا، ويمكن تصنيفهم حسب الجنس على الشكل التالي:
الكتـــاب الذكــور:
محمد العتروس، وجمال بوطيب، وإسماعيل العثماني، وجمال الدين الخضيري، وجميل حمداوي، ونور الدين كرماط، وميمون حرش، وخالد مزياني، ونور الدين الفيلالي، وسعيد بلغربي، وحسن المساوي، ...
الكاتبــات الإنــاث:
فاطمة بوزيان، وأمينة برواضي، وحياة بلغربي، وسمية البوغافرية، وبديعة بنمراح، وفتيحة بلخير، وحنان قروع، وسعاد أشوخي...
الاتجاهـــــات الفنيــــة:
يمكن تفريع القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية إلى أربعة اتجاهات فنية وجمالية هي:
اتجاه التمهيد والترهيص:
انطلق هذا الاتجاه منذ سنوات السبعين، وامتد حتى سنوات التسعين من القرن الماضي مع مجموعة من كتاب القصة القصيرة، من بينهم: عبد الكريم التمسماني، ومحمد علي الرباوي، ومحمد العتروس، وعبد القهار الحجاري... فقد كان من بين هؤلاء المبدعين من يكتب قصصا قصيرة جدا بمفهومها الفني والجمالي كمحمد العتروس. وهناك من كان يكتب قصصه القصيرة جدا عن غير وعي، مثل: محمد علي الرباوي. وهناك من كان يكتب قصصا قصيرة قريبة من فن الأقصوصة، مثل: عبد القاهر الحجاري الذي كتب قصصا قصيرة جدا كقصة (لحظة مصادرة) التي نشرها بجريدة ملوية في عددها الرابع، بتاريخ16 فبراير 1996م، وذلك في صفحة أوراق أدبية...
اتجاه التجنيس والتأسيس:
تبدأ مرحلة التجنيس والتأسيس مع بدايات الألفية الثالثة بوضع أسس جنس القصة القصيرة جدا بنية ودلالة ومقصدية، مع إرساء الأركان والشروط. ومن ثم، فقد ظهرت مجموعات قصصية تحمل لأول مرة بالجهة مصطلح (القصة القصيرة جدا )، وإن كان هناك من اختار مصطلح (قصص) كالمجموعات التي نشرها محمد العتروس...
ومن مؤسسي فن القصة القصيرة جدا المبدعون التالية أسماؤهم: محمد العتروس، وجمال بوطيب، وجمال الدين الخضيري، وبديعة بنمراح، وعبد القهار الحجاري، وخالد مزياني، وميمون حرش، وجميل حمداوي، وأمنة برواضي...
اتجـــاه التجريب والتحديث:
يعمد هذا الاتجاه إلى تجريب آليات سردية جديدة تبنتها الرواية الغربية في إطار التجريب والتحديث، وجربتها أيضا القصة القصيرة بشكل من الأشكال، مثل: تكسير الزمن السردي، و الاستفادة من الانحرافات الزمنية، وتمثل جمالية التلقي، والتفنن في البدايات السردية وخواتمها، والتجديد في توظيف الشخصيات والأفضية واللغة والأساليب...
ومن أهم ممثلي هذا الاتجاه: جمال بوطيب في مجموعته (زخة.. ويبتدئ الشتاء!!)، وفاطمة بوزيان في مجموعتها(ميريندا)، ومحمد العتروس في مجموعته( قطط تلوك الكلام)، ونور الدين الفيلالي في مجموعته (حلبة الرهان الأصعب)، وجمال الدين الخضيري في مجموعته (وثابة كالبراغيث) التي جمع فيها بين التجريب والتأصيل،...
اتجــــاه التأصيـــل:
يستند هذا الاتجاه إلى توظيف التراث، والاستفادة من السرد العربي القديم، والاستعانة بأشكاله السردية لغة وخطابا وأسلوبا وتقنية وموروثا، كما يبدو ذلك جليا عند جمال الدين الخضيري في مجموعته (حدثني صمام بن الأخرس) التي يستعمل فيها شكل المقامة واللغة التراثية والعبارات المسكوكة.
التجنيـــس:
من المعروف أن عملية التجنيس عملية مهمة لما لها من فوائد في فهم محتويات العمل، وإدراك أبنيته الجمالية والفنية، واستيعاب النظرية الأدبية تصورا وتقعيدا وتطبيقا ووصفا. لذا، يلاحظ كثير من الدارسين والقراء اختلاف المصطلح من مبدع إلى آخر، ومن ناقد إلى آخر. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على اضطراب المصطلح من جهة، و حداثته وجدته من جهة ثانية في الساحة الثقافية العربية. ومن ثم، فالمصطلح التجنيسي الأكثر هيمنة في الجهة الشرقية هو مصطلح (القصة القصيرة جدا) ، وهو مفهوم دخيل على الثقافة العربية، أخذ من الثقافة الغربية (MICRORRELATOS-Short short story- les histoires minimales).
وإليكم مجموعة من الأعمال الإبداعية بالجهة التي تنتمي إلى فن القصة القصيرة جدا، بيد أنها استعملت مصطلحات تجنيسية مختلفة من مبدع إلى آخر، فهناك من اختار مصطلح ( قصص قصيرة جدا)، مثل: جمال بوطيب، وخالد مزياني، ونور الدين كرماط، وسمية البوغافرية،....وهناك من فضل مصطلح ( قصص) كمحمد العتروس، و فاطمة بوزيان،... وهناك مصطلحات أخرى تدخل في باب الأنماط والأنواع، مثل: (مجموعة قصصية) عند نور الدين الفيلالي...، و ( قصص ثرثارة جدا) عند فاطمة بوزيان، و(قصص مباشرة جدا) عند جميل حمداوي، و(قصص بصيرة) عند إسماعيل العثماني، و(قصص قصيرة) عند فتيحة بلخير،...
بيد أن المصطلح الأكثر استعمالا هو مصطلح القصة القصيرة جدا. في حين، تعد الأنماط والأنواع الأخرى مجرد تنويعات فنية وجمالية للإيحاء والترميز والسخرية، وإثارة المتلقي واستفزازه ليس إلا.
الدراســــــات النقديــــــة:
إذا كانت القصة القصيرة جدا قد انتعشت بالجهة إبداعا وكتابة ونقدا ونشرا مع سنوات الألفية الثالثة، فقد عرف هذا الجنس الأدبي الجديد أيضا تنظيرات نقدية متميزة متنوعة ومختلفة.
ومن أهم نقاد الجهة الشرقية في مجال القصة القصيرة جدا: جميل حمداوي، وحميد لحميداني، وعيسى الدودي، وفريد أمعضشو، ونور الدين الفيلالي، وميمون مسلك، ونجيب العوفي، ومحمد أقضاض...
ويعد جميل حمداوي أكثر إنتاجا في الدراسات النقدية المتعلقة بهذا الفن الجديد تنظيرا وتطبيقا، وذلك بسبعة كتب تتراوح بين الببليوغرافيا والأنطولوجيا والنقد والتنظير، إذ يتبنى الباحث المقاربة الميكروسردية في كتابه )من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا (المقاربة الميكروسردية)(. وهناك من اختار النظرية المنفتحة أو النسبية كما هو حال حميد لحميداني في كتابه (نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جدا)، وهناك من تمثل المقاربة التاريخية، مثل: نور الدين الفيلالي في كتابه ( القصة القصيرة جدا بالمغرب).
ويلاحظ أن نقد القصيرة القصيرة جدا بالجهة مازال متعثرا ومضطربا، لم يستطع مواكبة جل النصوص والإبداعات والمجموعات القصصية القصيرة جدا التي بدأت تتكاثر بزخم كبير في السنوات الأخيرة. كما يعاني فن القصة القصيرة جدا فوضى التجنيس بسبب تعدد المفاهيم والمصطلحات. كما يؤرقه أيضا مشكل الاعتراف، فمازال هناك كثير من الدارسين والنقاد والمبدعين والأساتذة يرفضون الاعتراف بهذا الجنس الأدبي، فيدرجونه – إذا اعترفوا به - ضمن خانة القصة القصيرة أو خانة القصص أو السرد بصفة عامة.
المهــــرجانــــات:
انعقدت ملتقيات وطنية كثيرة بالجهة حول القصة القصيرة جدا، ويلاحظ أن الصالون الأدبي الذي يترأسه مصطفى لغتيري هو الذي كان يسهر في البداية على تفعيل مهرجانات القصة القصيرة جدا، وتنشيطها إقليميا وجهويا ووطنيا، فكان أول مهرجان للقصة القصيرة جدا بالجهة بمدينة بركان. إذ نظمت جمعية (تنشيط شاطئ السعيدية)، بتنسيق مع الصالون الأدبي المغربي، الملتقى الثقافي الأول لمدينة بركان،وذلك يومي14و 15 يونيو(2008) بالنادي الثقافي لملوية، في إطار الدورة 27 لمهرجان فن الركادة بالسعيدية تحت شعار (من أجل نهضة ثقافية دائمة ببركان).
ومن جهة أخرى، فقد انعقد الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة جدا بالناظور تحت إشراف جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون التي يترأسها الدكتور جميل حمداوي سنة 2011م، وانصبت الدراسة على أعمال كل من: عبد الله المتقي، و حميد ركاطة، وجمال الدين الخضيري، وشارك فيها بعض النقاد، مثل: الدكتور محمد أمحور، والدكتور عيسى الدودي، والدكتور نور الدين الفيلالي.
وسيحتفي المهرجان العربي الأول بالناظور بفن القصة القصيرة جدا ما بين 3و4 فبراير سنة 2012م تحت رئاسة الدكتور جميل حمداوي وإدارة جمال الدين الخضيري. وقد ضم أكثر من ستين قاصا ومبدعا وناقدا من المغرب والبلدان العربية الأخرى (تونس- العراق -السعودية- ليبيا)، وحضره جمهور غفير. وقد كرم فيه بعض المبدعين والمثقفين ونقاد القصة القصيرة جدا بما فيهم السعدية باحدة والناقدة الدكتورة سعاد مسكين.
كما نظمت هذه الجمعية الدورة الثانية للقصة القصيرة جدا أيام15و16و17مارس 2013م تحت شعار(القصة القصيرة جدا: أسئلة الإبداع وآفاق التجريب)، وكانت هذه الدورة مرتبطة بالمبدعة سمية البوغافرية. وقد حضر المهرجان كثير من المبدعين والنقاد من المغرب وخارجه. وقد كرم فيه كل من: مصطفى لغتيري، وعبد الله المتقي، ومحمد رمصيص، وسمية البوغافرية، وحسن المساوي، وميمون حرش، وعبد الدائم السلامي، ويوسف حطيني، وحسن علي البطران.
وقد ترتب عن هذه الدورة تأسيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا تحت رئاسة المغرب، في شخص الدكتور جميل حمداوي، ونائبه جمال الدين الخضيري. وقد تفرعت عن هذه الرابطة مندوبيات إقليمية تمثيلية عبر ربوع الوطن العربي.
وما يلاحظ على هذه الملتقيات أنها إرادات فردية أو جماعية، وللدولة فيها نصيب من المشاركة عن طريق الدعم والتمويل والمباركة والتشجيع. بيد أن القصة القصيرة جدا لم يتم الاعتراف بها إلى حد الآن من قبل المؤسسات الجامعية والمعاهد الأكاديمية والتربوية، إذ يعتبرونها عالة على القصة القصيرة، وأنها جنس أدبي لقيط دون شرعية ولاهوية.
التكريـــم والجوائـــــز:
استفاد كتاب المغرب بصفة عامة، ومبدعو الجهة الشرقية بصفة خاصة، سواء أكانوا مبدعين أم نقادا، بجائزة المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا الذي ينعقد بمدينة الناظور كل سنة، وتشرف عليه جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون. لذا، فقد فاز بجائزتها في الدورة الثانية كل من: توفيق بوشري، وحنان بلغربي.
علاوة على هذا، فقد كرم المهرجان مجموعة من المبدعين داخل الوطن وخارجه، مثل: السعدية باحدة، وسعاد مسكين، وعلي حسن البطران، وعبد الدائم السلامي، ويوسف حطيني، و عبد الله المتقي، ومصطفى لغتيري، ومحمد رمصيص، والحسن المساوي، وميمون حرش، وسمية البوغافرية، وفاطمة بوزيان.
مؤسســــات الطبـــــع والنشـــــر:
ثمة مجموعة من المؤسسات المغربية التي تولت طبع مجموعات قصصية قصيرة جدا، مثل: المطبعة المركزية ومطبعة شركة الأنوار المغاربية ومطبعة الجسور بوجدة. ومكتبة زياد بالناظور، ومطبعة تريفة ببركان، ومطبعة رباط نيت ومطبعة أبي رقراق بالرباط. ومن جهة أخرى، تكلفت مطبعة دار القرويين بالدار البيضاء بطبع قصص محمد العتروس... في حين، تولت مؤسسة التنوخي طبع قصص جمال الدين الخضيري وجمال بوطيب...
بيد أن هناك من نشرت له مؤسسات وجمعيات ثقافية ومدنية كمؤسسة اتحاد كتاب المغرب كما هو الحال مع جمال بوطيب عن مجموعته (زخة... ويببتدىء الشتاء)، وفاطمة بوزيان عن مجموعتها(ميريندا)، وجمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون بالنسبة للجمال الدين الخضيري عن مجموعته( حدثني صمام بن الأخرس)، وميمون حرش عن مجموعته (نجي الليل)، وجميل حمداوي عن مجموعته( كتابات ساخرة)، وحياة بلغربي عن مجموعتها(ترنيم قلب)...
أما ما طبع خارج المغرب، فهناك مجموعة واحدة لسمية بوغافرية تحت عنوان (أقواس)، فقد طبعت بدار التكوين للطباعة والنشر بسوريا سنة 2012م.
الببليوغرافيـــــات:
إذا انتقلنا إلى مجال الببليوغرافيا التي تتعلق بتوثيق القصة القصيرة جدا بالجهة، فلابد من ذكر الدراسات التالية:
القصة القصيرة جدا بالمغرب، المسار والتطور، سلسلة الورشة النقدية للدكتور جميل حمداوي، وقد صدر الكتاب عن مؤسسة التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع بآسفي سنة 2008م.
(ببليوغرافيا القصة القصيرة جدا بالمغرب)، مقال للدكتور جميل حمداوي نشر بمجلة مجرة الصادرة بالقنيطرة عن دار البوكيلي للطباعة، العدد13، خريف 2008م، من الصفحة 124 إلى الصفحة 134.
(القصة القصيرة جدا بالسعودية: التاريخ والببليوغرافيا )، مقال للدكتور جميل حمداوي نشر بمجلة الرافد الصادرة من الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ونشر في العدد155، شهر يوليوز 2010م.
الأنطولوجيـــات:
ظهرت أنطولوجية واحدة بالجهة الشرقية في مجال القصة القصيرة جدا تحت عنوان(أنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب) لجميل حمداوي وعيسى الدودي، وقد صدرت الطبعة الأولى سنة 2011 عن مطبعة شركة الأنوار المغاربية بوجدة في ( 213 ) صفحة من الحجم المتوسط. ويعرف هذا الكتاب التوثيقي بسبعة وأربعين (47) مبدعا وناقدا مهتما بالقصة القصيرة جدا.
المختـــــــارات:
يمكن الحديث عن كتاب واحد بالجهة يندرج ضمن المختارات المتعلقة بالقصة القصيرة جدا هو كتاب (فاتني أن أكون مصريا)، وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة جدا اختارها خالد مزياني لكتاب مغاربة وغير مغاربة، وقد نشرها سنة 2011م. وهؤلاء هم: العربي الروداني، وحسن الشحرة، وحسن الرموتي، وخالد مزياني، وشريف عابدين، وشوقي بن حاج، وعبد الإله الخديري، وعبد الرحيم التدلاوي، وعبد الرشيد حاجب، وعبد الله بوحنش، وعبد الله فراجي، وعبد المجيد التباع، وفاروق طه الموسى، وفوزي بيترو، وفاطمة السوسي، ومحمد عبد القادر التوني، ومريم الحسن، ومنجية مرابط، وهيام عبد العظيم سالم.
المترجمــــات:
ترجمت بعض القصص القصيرة جدا بالجهة الشرقية إلى اللغات الأجنبية، وخاصة اللغة الفرنسية. ومن أهم ما ترجم في هذا المجال مجموعة (بدون عناق) لخالد مزياني التي ترجمت إلى اللغة الفرنسية من قبل الطاهر لكنيزي.
المقدمــــات:
تصدرت كثير من الأضمومات القصصية القصيرة جدا بالجهة الشرقية بمقدمات نقدية أو تقريظية لكل من: جميل حمداوي الذي كتب مقدمات لكل من: جمال الدين الخضيري، ونور الدين كرماط، وأمنة برواضي، والحسن المساوي. وهناك أيضا جمال بوطيب الذي كتب مقدمة مجموعته، ومقدمة عبد القهار حجاري وبديعة بنمراح. وهناك كذلك عبد السلام بوسنينة الذي قدم أضمومة خالد مزياني. في حين، قدم مصطفى لغتيري أضمومة جميل حمداوي، وقدم أمحمد أمحور مجموعة جمال الدين الخضيري، بينما قدم فريد أمعضشو مجموعة حياة بلغربي...
خاتمـــــــة:
نستنتج- مما سبق ذكره- أن القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية من المغرب قد ظهرت في فترة مبكرة في سنوات السبعين من القرن الماضي، لكن الأضمومة الأولى لم تصدر إلا في سنة 1994م. وقد عرف هذا الجنس الأدبي في الجهة ازدهارا كبيرا وإقبالا لافتا للانتباه من قبل المبدعين والنقاد، وخاصة في سنوات الألفية الثالثة، إذ حققت الجهة حصيلة تراكمية بست وعشرين(26) مجموعة قصصية ضمن ما يسمى بالقصة القصيرة جدا. ويعتبر هذا العدد ثروة إبداعية هائلة مقارنة بما أنتج في المغرب بصفة عامة. ومن ثم، أصبحت الجهة عاصمة ثقافية للقصة القصيرة جدا من جهة، ومقرا للرابطة العربية للقصة القصيرة جدا من جهة ثانية.
ويتبين لنا كذلك أن انتعاش القصة القصيرة جدا بالجهة الشرقية قد ارتبط بحركة نقدية جادة ونشيطة إن تنظيرا وإن تطبيقا وإن توثيقا. وقد قاد هذه الحركة كوكبة من النقاد المتميزين وطنيا وعربيا، وهم: جميل حمداوي، وحميد لحميداني، وعيسى الدودي، وفريد أمعضشو، ونور الدين الفيلالي، وميمون مسلك، ونجيب العوفي، ومحمد أقضاض...
هذا، وقد تنوعت القصة القصيرة جدا بالجهة من مبدع إلى آخر على مستوى القضايا الموضوعية والأشكال الأدبية والاتجاهات الفنية والجمالية، واختلفت أيضا على مستوى الرؤى والأنساق الفكرية والفلسفية والجمالية.
مشاركة منتدى
15 كانون الأول (ديسمبر) 2019, 23:59, بقلم عائشة من تلمسان
بارك الله فيكم على هذه امواضيع الأدبية القيمة