الأحد ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٩
بقلم إبراهيم مشارة

القضية

وقع هذا الحادث الذي أروي وقائعه يوم الخميس 15مارس من عام 2018وبين يدي الآن الوصفة الطبية وصور الأشعة أتأملها وكأن الحادث وقع بالأمس مر عام كامل على الحادث الذي أروي تفاصيله الآن لأول مرة، فقد كنت أمشي صبيحة ذاك اليوم على رصيف المشاة المواجه للبحر في مدينة الجزائر، كان الوقت صباحا أظنها الثامنة والنصف لم أشأ أن أعود إلى بيتي الذي يبعد عن العاصمة كثيرا باكرا فضلت أن أتجول قليلا في المدينة وأتناول الغداء وأعود في المساء أحب جما زيارة المكتبات ومتابعة الإصدارات الجديدة واقتناء ما أراه مهما من الكتب والمجلات الثقافية،في السابق كنت أحرص على زيارة المعارض الفنية ودور السينما ولكن هذه اختفت تقريبا بالكلية فالعاصمة هي وحدها المدينة التي فيها نسمات قليلة وقليلة جدا من الثقافة حين تصحرت كل المدن الجزائرية ـ هذا الشارع المسمى زيروت يوسف أحب المرور به والسير بمحاذاة البحر كان الصباح باردا قليلا والمطر ينزل رذاذا وأنأ أتمشى مررت بمجلس الشعب - البرلمان كما يسمى - وحين أشرقت الشمس رأيت أن أقطع الطريق باتجاه الرصيف المحاذي للبحر أحب تأمل السفن الراسية في الميناء وطيور النوارس البيضاء تحلق فوق الميناء و في المكان الذي عبرت إلى الرصيف المواجه للبحر سيارة إسعاف متوقفة وسيارة الشرطة حين اجتزت منتصف الطريق وقد كان خاليا لمحت سيارة قادمة من بعيد مسرعة حاولت الوصول إلى الرصيف بسرعة وحين كدت أجتاز الشارع لم أشعر إلا والسائق يفرمل وصوت العجلات المحتكة بشدة بالأرض يرتفع في الأفق ويثير انتباه الكل تلقيت الضربة في الوجه بعد أن انحرفت برأسي حتى لا تقع الضربة في الرأس – ولعله تدبير الأقدار- رمتني السيارة بعيدا شعرت بألم في جنبي الأيمن وفي وجهي من أثر الصدمة وألم شديد في رسغ اليد اليمنى لأنني سقطت على يدي هرول السائق إلي وكذا رجال الحماية ولحسن الحظ كان كل شيء أمام أعينهم أدخلوني سيارة الحماية مددوني على ظهري وشرعوا في مراقبتي، راقبوا نبضي ووجهي وتنفسي واتصلوا بالمستشفى لإحضار سيارة إسعاف كانوا يقولون: سليمة إن شاء الله.

 قال آخر: لا خطر عليك كدمات بسيطة

لكنني كنت مرتعبا الألم شديد ونقص التركيز واشتداد النبض والتنفس وأخوف ما كنت أخافه أن أموت بعد ساعة من أثر النزيف الداخلي الذي يظهر أثره لا حقا.

مر بذهني بسرعة شريط الحوادث التي بدأت بسيطة وانتهت مأساوية كما سمعتها من كثير من الناس وأقصد تلك الحالة التي تظهر لا حقا وهي النزيف الداخلي.

أن أموت بعيدا عن أهلي وأولادي يا للهول ! لو عدت إلى البيت صباحا أما كان أسلم؟ هكذا كنت أفكر في دخيلتي وأنحيت باللائمة على نفسي.

عاد رجال الشرطة الذين أخذوا بطاقة هويتي لكنني كنت أطلب ضرورة التحري عن السائق طمأنني رجال الحماية وكذا الشرطة أنهم أخذوا بطاقة هويته فلا ضرورة للقلق كان الألم قويا وأنا أتحمله بصبر لكن خوفي من النزيف الداخلي هو الذي يؤرقني مخافة أن تكون الضربة امتدت إلى الرأس رأيت أن أستدعي شخصا من معارفي في العاصمة ليحضر فأنا في حكم الله كما يقال ولا بد من يعرف أمري ليبلغ أهلي عند الضرورة كتبت رقم هاتف صديقي لرجل الحماية وطلبت منه الاتصال بصاحب الرقم ليحضر فورا.

نظر إلي رجل من الحماية وقال:

 سليمة لا تقلق أنت واع وصاح ولم تتقيأ دما النزيف الداخلي عادة يظهر في شكل تقيؤ وأنت والحمد لله لم تتقيأ سليمة.

نظرات في مرآة صغيرة كانت الكدمة على الوجه ظاهرة تورم واحمرار شديد
صعدت امرأة في الأربعين تقريبا بمعية رجل حمدا الله على سلامتي قالت المرأة:

 من صدمك سائق بالبرلمان استلم مهامه منذ شهرين وهو رب عائلة فنرجوك الصفح عنه.
قلت لها: - هذا الحديث من السابق لأوانه أنا لا أدري مصيري وأنت تريدين الصفح عن زميلك وعلى كل ربنا يجيب الخير.

كل هذا وسيارة الإسعاف لم تحضر بعد مازال النبض مضطربا وكذا التنفس الألم في الوجه وفي رسغ اليد وفي جنبي الأيمن وكذا التشتت والاضطراب مر أكثر من نصف ساعة وحضر الصديق الذي طلبت من رجل الحماية الاتصال به لما دخل علي السيارة ذعر،أخبره رجل الحماية بأني عملت حادثا لكن الله سلم.

وأخيرا وصلت السيارة بعد أكثر من أربعين دقيقة قالوا إنها زحمة المواصلات كان صديقي يطمئنني فالحادث مر بسلام والكدمات تعالج حتى أنا اقتنعت إلا قليلا قلت في نفسي:لو حدث نزيف لتقيأت لكن ألما خفيفا في رأسي ظل يربكني أعرف أن الضربة جاءت في الوجه ويجوز أن يكون لها امتدادات إلى الرأس هكذا فكرت وقدرت.

حين وصلنا إلى المستشفى نزلت من السيارة واتجهنا إلى مصلحة الاستعجالات حيت أخذوا اسمي وكتبوا على ورقة الدخول:حادث مرور أشار الطبيب الأول بضرورة عمل صور أشعة للرأس وأمام عدد قليل من المرضى المنتظرين انتظرت أنا وصديقي دوري وأخيرا عملت صور الأشعة تأمل الطبيب الأول صورة الأشعة وقال لا شيء في الرأس ثم مررنا بطبيب باطني وقرر بدوره كشفا بالتصوير فوق الصوتي حين تأمل الصورة بعد المرور بالجهاز وانتظار الدور قال لا شيء لا يوجد نزيف ثم مررت عند طبيب العظام وعملت صورة إشعاعية لليد حيث ظهر خط في دقة الشعرة يشبه الشق سألني الطبيب:

 لا يوجد كسر ولكن هذا الشق ربما هو أثر باق لحادث قديم!

ذكرت له أنني تعرضت لحادث قديما فقال وأنا أشاهد معه صورة الأشعة:

 هذا أثره مازال باقيا.

وأخير فحصني طبيب مختص في الوجه حيث عمل لي صورة أخرى بالأشعة وطمأنني أنه لا يوجد كسر والكدمة ستزول مع الزمن. وأعطاني طبيب العظام روشتة بأدوية لمقاومة الالتهاب والألم مع تثبيت اليد في رباط خاص لمدة نصف شهر.

كل ذلك استغرق أربع ساعات وأنا وصديقي ندور في المستشفى الجامعي من مصلحة إلى مصلحة ومن طبيب إلى طبيب في مستشفى جامعي يمتد لمساحات كبيرة المرضى مكدسون علامات الألم والامتعاض بادية على وجوههم لولا الصبر الكل لا يشعر بك أنت مجرد رقم – مريض- وعليك مجابهة مصيرك بمفردك إن لم يعجبك الوضع توجه إلى عيادة خاصة وادفع دم فؤادك هكذا يفكر كل مريض في بلدنا فقد غدا الطب تجارة والمصحات الخاصة أوكارا للابتزاز وامتصاص الدم بلا رقيب ولا حسيب.

كان كل وجودي في المستشفى استعجالا للخروج مللت رائحة الدواء ولا مبالاة الممرضين والأطباء على السوية.

خرجت في الخامسة أنا وصديقي أخذنا سيارة أجرة وتوجهنا إلى مركز الشرطة حيث وقع الحادث حين وصلت راجع الشرطي السجل فوجد الحادث مقيدا وقد سجلوا اسمي وسني وعنواني ووظيفتي وكذا السائق الذي صدمني لكنني اعتذرت عن الاستماع إلى أقوالي في تلك اللحظة بسبب الألم الذي كنت أعانيه وتأخر الوقت عن العودة إلى الأهل وأخبرته بضرورة تأجيل لذلك لأيام معدودة. أكد الشرطي علي ضرورة الحضور الى المستشفى وعمل فحص عند طبيب مختص في الطب الشرعي وإحضار شهادة الطبية.

بعد ثلاث ساعات وصلت إلى البيت لم أخبرهم بالهاتف بالحادث أعلمتهم فقط بوصولي متأخرا حين دخلت عليهم ذعروا وحفوا بي في حيرة وتأمل وقلق شديدين لكن أخبرتهم أن لا ضرورة للقلق فالحادث مر بسلام والحمد لله.بقيت أتعافى بالتدريج باستعمال الأدوية والراحة ثم توجهت إلى المستشفى لمقابلة الطبيب الشرعي الذي أعطاني عجزا تاما بعشرة أيام. وتلك الشهادة سلمتها لضابط الشرطة التي استمع إلى أقوالي وأحالها على المحكمة المختصة وأخبرني أنني سأتلقى دعوة للمثول بين يدي القاضي في أجل أقصاه شهران. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم أتلق دعوة بعد أن مر على الحادث قريبا من سنة ونصف.

ماذا لو كنت مت في ذلك اليوم؟ ألم تكن جريمة متستر عليها مقيدة ضد مجهول؟

لقد عزمت يوم الحادث على الصفح عن الرجل والتنازل عن القضية فقط كنت أريد امتثاله أمام القاضي لكن القضية غيبت وتلاشت إلى الأبد!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى