سعاد الورفلي في ضيافة ديوان العرب
اللغة العربية تظل راسخة لها دورها الحقيقي الجلي عبر امتداد التاريخ
من "ليبيا" العربية، وبالتحديد من مدينة "بني وليد، كانت محطتنا الحوارية مع كاتبة أحبّت الكتابة منذ كانت على مقاعد الدراسة، حتى كان لها محاولة كتابة رواية وهي في مرحلة التعليم الإعدادي..
هي لا تلتزم بشكل محدد في كتاباتها، فهي تكتب الشعر المقفى، وتكتب الهايكو.. وما تسميه بالشعر الحر..
إنها الكاتبة والشاعرة والخبيرة التربوية والمعلمة "سعاد ألورفلي".. وكان هذا الحوار:
– ما بين العمل التربوي والكتابة والأدب.. أين تجدين نفسك؟
الكتابة...أكاد أن أقول وُلِدتْ معي(سأكونُ مبالغةً) ولكن منذ طفولتي والكتابة تتملكني، كقطعة فؤاد، لا أتخيل نفسي حينها أن يمر يومٌ دون أن أعبر وأكتب...
الكتابة انطلاق، إنها الحرية الحقيقية الني ننشدها، نحن البشر نتوق دائما للحرية، ولا ندرك أبعادها...إلا أنني وجدت ضالتي في الكتابة، كل ما نصفه في حق الكتابة نعرف أننا عاجزون عن إحاطتها الروحية بكل التفاصيل وواردات الامتنان.
لهذا أجد نفسي بين الكتابة والأدب؛ فلولاهما ما أستطعتُ أن أنجزَ عملي التريوي على وجهه الأكمل_ دون أن أرسم ملامح وأهداف العملية التربوية في شكل مقالات تخاطب أيضا العقل والفكر قبل القلب.
– كنا قد قرأنا خبرا مفاده أنكِ كنتِ تستعدين لتأليف "منهج"تربوي بطرق تعليمية متطورة إضافة الكتاب الذي أعلنتِ عنه وهو "كتاب تبسيط قواعد النحو لطلاب المرحلة الثانوية".. أين أصبح هذا المشروع؟
العملية التربوية معقدة في ظل المتغيرات الأخيرة، ونحن في العالم العربي، نحاول مجاراة الجيران من هنا وهناك، فوتيرة الحياة سريعة حتى أننا أصبنا بالدهشة في محاولة منا للحاق، لكن الواقع الذي يحيط بنا يفرض سياسته وقوانينه، التي ليست من السهولة أن نمنحها تغييرا يحقق لنا جزءا من أهدافنا.
من خلال تجربتي التربوية التي أخذت جزءا من تفكيري وحياتي؛ وجدت أنه من الضروري أن أضع كتابا في هذا المجال و أخوض مضمارا يمنحني قدم السبق في أن أضع مؤلفا يتعلق بالعملية التربوية، وأهم المواقف العارضة التي كانت كدروس يومية تضعنا أمام تجربة حقيقية نتعامل حينئذ على أن نبرز طاقاتنا ومواردنا في توظيف حقيقي للتقديم والمعالجة.
في حقيقة الأمر أنني خططت لتقديم كتابين وظيفيين؛ يفيدان المعلم والتربوي والطالب في الساحات التربوية، الأول عن تطوير أساليب معلمي اللغة العربية وطرائق تدريسهم، وتنمية شخصية المعلم. هذا الكتاب قد وضعته من خلال سلسلة من الدورات، والاعتماد على مصادر قمت بتبسيطها لتدريب المعلم وظيفيا ولاقت هذه الفكرة رواجا وتزكية ورضا حقيقيا من كل العاملين في حقل التعليم، على الأقل في البيئة التي أعيش فيها، ولكن الذي أهمني في هذا الموضوع هو خامة المعلم/التربوي ومدى تأثير ما قمت به على شخصيته، مع متابعة لكل مردود عملي وتغذية راجعة أثناء التدريبات المتنوعة التي تمت باستضافتي للتقديم والعطاء. وملخص تجربتي وحياتي التربوية ومعالجة المواقف اليومية في الساحة التعليمية لم أرد لها التبعثر الميداني، فقيّدتُها في كتاب يحمل بصماتي العفوية وأفكاري ذات الصبغة التي تخصني وحضنتها في مخطوط؛ أعمل حاليا على التنسيق له مستقبلا للنشر.
أما المخطوط الثاني هو "عملي وظيفي" أيضا ولكن من خلال التجارب التي أخفقنا كثيرا فيها، كلما أعطينا شيئا للمتعلمين نجد أن هناك انتكاسة غير متوقعة، وهذا لمسناه في مجال العلوم الإنسانية والأدبية، والسبب في ذلك يعود للطريقة التي لاحظتها لدى أغلب معلمي اللغات والأدب والعلوم الإنسانية على حد سواء.
فمعلم اللغة العربية شخصية نمطية، جافة، محافظة، تقليدية(بعضهم)هذا ال(البعض)صار قاعدة عامة، أن نعطي أكبر قدر من الإنشائية، والتلقينية والنظرية، والمهم أن نكمل مفردات المنهج ونأتي على كله، وفيما بعد يتجهز المتعلم لأسئلة الامتحان التي لن يستغرب عناوين موضوعاتها؛ ولكن سيصاب بالحَيرة تُجاه التعامل مع الإجابة، أو كيفية الإجابة.
نحن أمام كم وكيف في الميدان التربوي، وأمام قاعدة وتطبيق؛ ففكرت أن أنجز منهجا سلسا بعيدا عن التعقيد والتقعيد، يكون محبوبا ومرغوبا للمتعلمين وكذلك للمعلمين؛ هذا المنهج هو كتاب نحوي فيه صور بطريقة القصة والألوان، واخترت أن يكون بطرق العصف والخرائط الذهنية، ويكون عرض الأمثلة عرضا( أدبيا _ قصصيا) استنباطيا، يرغب فيه المتعلم، ويحبه، ويقدم له الفن والقصة والصورة واللون والمعلومة. لهذا أغلب مناهج مادة النحو في الوطن العربي، إنشائية، نظرية، تقعيدية، تعقيدية، لن تخدم طلاب المراحل الثانوية بل ستنفِّرهم من المادة التي نلح عليهم بتطبيقها، دون أن ندرك الخلل والمشكلة وسبب النفور وعدم التطبيق الوظيفي أثناء القراءة أو الكتابة مستقبلا لدى المتعلمين.
– وأيضاً كان لكِ باع طويل في إعداد برامج تربوية وأدبية..حدثينا عن هذه التجربة؟
نعم قدمت برامجَ إعلامية من إعدادي وتقديمي، حول الثقافة والتعليم، وأخرى كانت اجتماعية تربوية أسرية، أما البرامج التي تعلقت بالأدب فكانت تندرج ضمن باقة من الحلقات النقدية الإبداعية، تتناول القصة والرواية وفن الخاطرة، كذلك اهتممت بالأقلام المستقبلية من خلا تنمية قدرات الموهوبين والعمل على دعمهم وتشجيعهم.
وفتح نافذة يتنفس من خلالها الشباب أصحاب المواهب ذات القيمة النفسية_ عالية الأداء، وكان البرنامج يتناول بالتحليل والتوجيه كل الأقلام التي أرادت أن تشق طريقها في عالم الكتابة والأدب.
– كيف تصفين المشهد الثقافي في ليبيا بعد كل ما مررتم به من أحداث دامية وتغييرات على كافة الصعد؟
هناك كفتان: بين زخم ثقافي وكتاب يناضلون بكل ما لديهم من نفَس ورمق، حتى يثبتوا ذواتهم ويقدموا شيئا حقيقيا يترسخ به الإبداع في ليبيا، وبين تعثر حقيقي وركود أو لنقل عزوف المواطن عن متابعة الشأن الثقافي والاهتمام به، لأن المجتمع بعد فترة حروب متتالية لن يأبه للكاتب ولا المؤسسة الثقافية، حتى الكاتب نفسه سيصاب بحالة عزلة انفرادية، كمن يصدح بقصائده في وادي عبقر وما ثمة من مجيب، هذا الواقع بسبب المعيشة، فكيف سيقرأ المواطن وهو لا يجد قوت يومه، أو دواءه وعلاجه ولا قدرة له على سداد ديونه، بل أين سيعيش بعد الخراب الذي نال من بيته، وأرضه وفتك ببعض أفراد أسرته؛ منهم المفقود، ومنهم المخطوف، ومنهم المقتول، نحن لمن نكتب ومن سيقرأ لنا، الناس يعانون والكاتب يعيش أكبر معاناة: غربة ثقافية تفرضها حياة ما بعد الحرب. وغربة نفسية لأن الكاتب يكتب معاناة كل أولئك بروح واحدة بروح واحدة ونفس وقلب وعين ترٔقب أولئك، ويعيش الكاتب آلامهم وأحلامهم وأوجاعهم ومشاعرهم وكل ذلك وأكثر وهم يكتبون نبض الوطن بنبض واحد.
فالمشهد بعد هذه الأزمات ليس كما ينبغي رغم الزخم الكبير حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يظل الكاتب والمثقف العربي على وجه الخصوص يكتب عن أوجاع وطنه، ويموت وحيدا ما ثمة من يبكيه.
فدور النشر شحيحة، وسعر الكتاب يفوق مساحة جيب المواطن، إذن لن تكون الآمال سوى أحلام ننتظر منها أن تتحقق ولو بعد عجاف جمد فيها المداد وعزف عن دواته القلم، وجلس الكاتب موازيا للظل؛ منتظرا دوره الحقيقي في طوابير الحياة الطويلة التي لا تنتهي.
المرأة الليبية.. ماذا تقولين عنها وأنتِ امرأة؟
تعطي بلا حدود، وتقوم بكل الأدوار دون أن تكلّ أو تعترض.
رأيتها في الأم الصابرة المكافحة، في الأنثى التي تهب الحب والحياة كشمس تشرق على الأرض فتَسَعها، في ليبيا التي لم يتوقف قلبها عن الحب لحظة؛ رغم الآلام والمحن...فكان مقابل كل ذلك المرأة التي منحت لأبنائها الحب بلا مقابل.
كثير من الكاتبات كن في وسط المحرقة، وقد تعرض بعضهن للتضييق، ليست المثقفة والكاتبة_ فحسب، بل الصحفية والعاملة والمدونة والناشطة، تم التعويل على كثيرات، لكن نظرا للأزمات المتلاحقة تدنى مستوى المرأة الريادي قلقا من الأوضاع التي لا تعير المرأة اهتماما أو تحترم كيانها.
أما على المستوى الثقافي الأدبي فإنني لا أريد أن أعدد أسماء لسيدات ليبيات كان لهن باع كبير وعظيم في الساحة الأدبية والثقافية، وفي مجال الطفولة ومشاريع تنمية الأطفال(حتى لا أسقط أسماء بارزة سهوا أو بغير قصد)لكن للأمانة فإن المرأة الليبية وعلى امتداد التاريخ كان لها قدم الرسوخ في المجال الإعلامي والصحفي، إلى جانب بارزات في كتابة القصة والرواية، ومجالات الفن بكل تعدديته... ولدينا الكثير من السيدات من تحقق بفضلهن النجاح المجتمعي من خلال المؤسسات السيادية والتنفيذية، كسيدات الأعمال والريادة.
وكانت المرأة الليبية نقطة الضوء التي أينما وقعت اتسعت وأعطت وقدمت وتحقق بفضل سيدات وأمهات فاضلات وعاملات وكاتبات ومثقفات ومديرات برامج وقنوات، وغير ذلك من العطاء اللامحدود الذي من خلاله أسهمن في استنهاض المجتمع والدولة ورسمن أفقا حقيقيا لغد أفضل بإذن الله.
– ما جديدكِ ؟
لا يتوقف عند حد، فعملية النشر على الصحف والمجلات مستمرة بفضل الله
بعد مجموعتي القصصية الأولى التي صدرت في مصر سنة 2015بعنوان ربيع بطعم البركوكش، هناك مجموعتان قصصيتان في طريقهما للنشر، وكتاب يحمل مقالات متنوعة في الثقافة، الأدب، النقد، اللغة، التربية، المجتمع....
ورواية تحت الطبع آمل أن تنشر قريبا، أيضا أعمل على كتاب يفيد الأقلام الشابة، بروح المتعة والفيض الجميل؛ موسوم بعنوان: الكتابة حدثٌ سعيد.
هناك أيضا عمل على استعادة أساليب تراثية من الماضي بروح تجديدية وعمل كتاب سيُنشر جزءٌ منه، هذا الكتاب عن فن المقامة وسمته بعنوان"مقامات الورد"
– وأيضاً كان لكِ باع طويل في إعداد برامج تربوية وأدبية..حدثينا عن هذه التجربة؟
لم تتوقف تجربتي الإعلامية عند الإذاعات المحلية في بلادي، ولكن قدمت مشاريعي التي تخدم القيمة الإبداعية عبر الصحف والمجلات، فكانت لي مساحات صحفية خاصة بالأطفال وأدب الطفل، وصفحات ثقافية تعتني بالمسرح والأدب والمثقف العربي بشكل عام والليبي على وجه الخصوص.
– تكتبين قصصاً للأطفال.. برأيك هل استطاع الكتاب العرب الكتابة "الحقيقية" للطفل بمعنى هل لامس الكتّاب -ممن كتبوا للطفل- مشكلات الطفل وحياته ومتطلباته الوجدانية البريئة ؟
قدمت أعمالا متنوعة للأطفال بين القصة، والأنشودة و مسرحية للطفل تم تجسيدها في مهرجان الطفل..
فالكتابة للطفل أصعب لون في الفنون الموجهة لأدب الطفل"، صحيح أننا قد نمتلك الأدوات، بل هناك من الكتّاب العرب من أبدعوا في التقديم لقص الطفل وآدابه، ولكن مع هذه الأدوات مازلنا نعتمد على تراث مستهلك متكرر في وجوه جديدة، هذا قد يفيد في جوانب أخرى، لكن لن يفيدنا في التنويع في المحتوى المواكب للعصر، فعلى سبيل المثال نحن نقدم للطفل في كل مكان والجميل أن هموم الأطفال تكاد تكون مشتركة، بسبب تأثر الطفل بالمادة والمحتوى واللون والصورة، وبالصوت ذي الإيقاع المؤثر والنبرة ذات المستويات المتنوعة، إلا أن المهم كذلك هو التكوين النفسي، والوجداني، والذهني لدى الأطفال، يظل السؤال هل أخذت مواقع الطفل في كل أنحاء ليبيا نهجا مضافا يتضمن قص الأطفال أو مكتبة الطفل الخاصة في كل مدرسة او روضة؟فالتوظيف الحقيقي لأدب الطفل؛ كونه داخل المنهج التعليمي، لأن المساحة الحقيقية التي تتكون فيها مستويات النمو لدى الطفل بعد الأسرة هي المدرسة، فكثير من المدارس ذات الانطباع النموذجي أسست مسرح الطفل، وفنون الأطفال المتنوعة كمرسم الطفل، وتأسيس خياله من خلال الاهتمام بهوايات الأطفال ودعمها، ذلك بفتح مجالات متنوعة داخل البيئة التي يتكون فيها الطفل ويتأسس ذوقه وموهبته، أما عن دور الكتّاب العرب فمازالت الجهود المبذولة لم تصل للمستوى المنشود الذي يرتقي لأن تكون هناك بيئة عالمية تحتوي أطفال الوطن العربي ذهنيا ووجدانيا، وتؤسس لمسارات ذات أبعاد راسخة، ولا تخلو الساحة من الكتاب الذين قدموا أعمالا حقيقية تخدم أدب الأطفال وتقدم للمكتبة العربية العديد من الكتب والقصص والفنون ذات العلاقة بشؤون الطفل، إلا أن تلك الأعمال تظل رهينة المحبسين، الانطباعية الجامدة التي أخذت منحى العرض والإعلان، والمؤسسة الثقافية التي لا تثق في المحتوى العربي وتراه نسخة كربونية عن أصل ما خارج نطاق الوطن.
فعلاقة الكتاب الذين يكتبون للطفل مع المؤسسات التي ينبغي أن تدعم هؤلاء؛ علاقة شد وفصل، كل يعمل بطريقته مع فقدان عوامل الدعم والإحاطة.
وبإمكاننا القول إن الجهود فردية بحثة، طالما أن هناك ضعفا في تقديم مادة حقيقية لمكتبات الأطفال حول العالم.
-بما أننا نتحدث عن الكتابة للطفل.. الأطفال الذين ولدوا في الحرب وتربوا في الحرب وعانوا ويلات الحرب والإرهاب والابتعاد عن مقاعد دراستهم.. السؤال: ما المطلوب من الأدباء والكتاب والتربويين تجاه هؤلاء وخاصة وأن لكِ كما ذكرنا سابقاً باع طويل في المجال التربوي والتعليمي؟
المطلوب منا جميعا، الاتجاه نحو تأسيس واقع حقيقي، بتكثيف الجهود نحو إطلاق قنوات حقيقية ترعى برامج الأطفال.
إن المعول عليه هو تحريك هذه الفراشات الجميلة نحو النور، والحالة هذه بعد النكبات التي طالت الكثير من البلدان العربية؛ فإنه أمسى الطفل بحاجة ماسة لمن يخاطبه مباشرة، لا أن يعرض عليه رسوما متحركة متكررة في كل وقت وحين، ما فائدة أن يشاهد الطفل رسوما على الدوام دون أن نقدم نحن هذا الطفل ونحرك مواهبه الفنية:
الرسم، المسرح، التلوين، التعبير الشفوي، الحركي، الرياضة، التفكير الابتكاري، قنوات الترفيه، الرحلات، المسابقات، قنوات تخاطب تفكير الطفل وتلمس روحه، لا برامج تسكته وتمتص ناظريْه وتقتل فيه روح المشاركة، هذه البرامج تكون برعاية مختصين وأدباء وفنانين تأخذ بيد الطفل وتلزمه بالمشاركة الفعلية، نحن موزعون ومبعثرون بفعل عدة عوامل، حروب، أزمات، نكوص، إذن كيف نكيف أطفالنا الذين باتوا في ترقب مستمر حيال هذه الأزمات ونقدم لهم مادة حقيقية تفي بالغرض وتحقق نتائجا ملموسة لا موهومة، حتى معارض الكتاب التي نسمع عنها نحن الكتاب تنتشر هنا وهناك، نجد فيها النزر القليل لرف أو جناح يتعلق بأدب الطفل يجذب الأطفال ويحتويهم على حياء وشح.
فالمكتبة العربية مازالت فقيرة، والمبدع الذي يقدم مادة حية للطفل مجبر أن يملأ صفحات كتاب أو ديوان ليشهره بعد إذ ذاك عبر معارض الكتاب أو حفلات توقيع موسومة بكاتب كتب للطفل، يحضرها الكبار ويصفقون وتظل حبيسة المكتبات والأطفال من حولنا يسايرون المجال الذي يخلو من تحقيق هواياتهم ومواهبهم وينطلق بهم.
فأثر الحروب واضح على نفسيات الأطفال، حتى أصبح الأطفال لا يقتنعون إلا بألعاب العنف والاقتتال، والإقبال بشكل لافت على الألعاب ذات محتوى العنف والقتل والهدم والتهجير والتنكيل، حتى أني وجدت كثيرا من الأطفال حين نوجههم للتدرب على الحواسيب وكيفية استعمالها أرى حقائبهم تمتلئ بالأقراص المضغوطة التي تحمل محتوى إرهابي، كالتقاتل بالأسلحة، والتفجيرات والتفخيخات، والأصوات العالية وغيرها، الآن من المؤسف أن مكتبة الطفل فارغة بسبب تأثير الواقع السياسي على أرواح أطفالنا؛ حتى بات المكان أجوفا يخلو من قيمة حقيقية فيها مغزى تثقيفي ذهني روحي وجداني لتأسيس شخصيات الأطفال بعيدا عن خطاب الكراهية والنبذ والفتك والقتل والقطيعة، ما أحوجنا نحن الكتاب لأن توجه أقلامنا لتربية وتوجيه نفوس الأطفال نحو قيم الخير والجمال والسلام، وتنمية الذوق والشعور الانتمائي الذي يكفل للطفل بيئة خصبة بعيدا عن العدوانية والعدائية والانفصام.
– أنتِ حاصلة على ليسانس في اللغة العربية.. ونحن العرب تحت ظل هجمات شرسة للقضاء على هويتنا وعلى لغتنا العربية.. برأيك كيف نحافظ على لغتنا العربية من الضياع؟؟
برأيي أن اللغة العربية لن تضيع، مهما حصل من ضُعف، وفتور، وقصور، إلا أن اللغة العربية تظل راسخة لها دورها الحقيقي الجلي عبر امتداد التاريخ، وتوارد الأجيال، حتى أننا لسنا بصدد ذكر أو الشروع في ذكر الأفضليات والتمايز الذي خص اللغة العربية عن غيرها من اللغات، ومع ذلك فإن ما يحدث إزاء هذا الوضع الراهن لن يضر اللغة بشيء_ هذا الحال هو ضعف عند أهل اللغة الذين ينتمون لها، حتى صرنا نأسف لحال كثيرين من أبنائها بسبب ما يحدث من عدم معرفة الكثير من أسرارها ودقائقها، فقد تعدى الأمر أكثر من كون الموضوع أخطاء إملائية، أو لغوية نحوية صِرْفة، بل الجهل بمفردات اللغة ومعانيها ودلالتها، ويرد هذا العيب لقصور في الإلمام بمعرفة الجذور التي هي الأساس قبل أن نجتهد في معرفة الصواب والخطأ "الاستعمالي" أو معرفة القاعدة وتصريفاتها، نحن أجيال عزفنا عن استخدام وتذوق اللغة العميقة، وأقصد
"بالعميقة" هنا المفردات التي دفنت مع الأوائل، تلك التي لا نقرأها إلا في المعلقات أو الدواوين الشعرية القديمة، والحالة هذه فإننا لا نتكلم إلا بمقدار يسير من معشار ما عليه الأصول اللغوية السليمة ذات البيانية في اللفظ والقوة في الطرح، لهذا هجرنا المفردات السليقية الضاربة بأطنابها بجذور التاريخية، تاركين قيمة الإعجاز اللغوي البياني، في بنائنا الفني لكثير من الأعمال البديلة.
فما يحدث الآن أننا لا نقترب من اللغة إلا اقتراب الموجة من الشاطئ واندفاعها ثانية بفتور حتى الانطفاء، هذا المد والجزر الذي يحدث معنا هو حادث من القصور في اكتفائنا بالحد الأدنى من الاستعمال اللغوي كما ينبغي. وإذ نحن في هذا البحر ولا ننال منه إلا بمقدار ما تأتي به الأمواج، فكيف لثري لا يقوم بالاستمتاع بالنعم، ويراها في نفسه وفي غيره.
من أوجه الحفاظ، حركة الترجمة السليمة من وإلى، فترجمة أعمال الكتاب والأدباء العرب لكل لغات وألسنة العالم، هي نقلة واسعة للاطلاع على المخزون العربي وريادته والتعريف بقيمة الأعمال العربية وحركة التدوين النشطة فهي تستمد حياتها واستمرارها من قوة وعطاء اللغة.
– كلمة أخيرة؟
الكتابة عالم فارق بين الوجود واللاوجود..ولن تكتمل حقيقة الكتابة في نفسك إلا بعد رحلة عناء ومخاض من القراءة والبحث والاستكشاف، والتغيير الدائم في الأساليب وقدرات الأداء، وهذا لن يتحقق إلا بعد صقل متين للّغة والأسلوب، ورمزية الأداء، فكل قلم له نكهته ومذاقه الخاص، لأن هناك من يكتب في كل الفنون ويتميز ذوقه في فن واحد ويعرف به.
أما الأداء الجيد من خلال تجاربنا نحن الكتّاب؛ لن يتَأَتّى إلا بعد دوام القراءة والبحث الدائم، وأحب أن أنوَّه لقراءة كل شيء وفي كل كل فن، مع الاهتمام بأمهات الكتب التي تحتوي على رصانة الأسلوب وقوة الكلمات وعمق الدلالة، وهناك الكثير من أوائل الأدباء الذين تميزوا بأسلوب رفيع، رشيق، بياني، ماتع، بخصائص ذات جودة عالية في الأداء والطرائق والمنهجيات، هؤلاء يجب أن يُجعلوا من ضمن القراءات الأولية لمن يفضل أن يتمتع بأسلوب متين مع استحداث آلية السياق وتكثيفه وتربيعه وترميزه بما يتماشى والعصرية التي تهتم بمنهجيات الحداثة وتطور ونشوء أساليب جديدة، لا تزيدها اللغة إلا جمالا وقوة وطراوة وحلاوة وبيانا.
الشكر لكم على هذه المساحة التي خصصتموها لي، ولمجلة ديوان العرب على إتاحة التحاور بكل حب وامتنان.