اللسان العربي الفصيح للعام 2011م
نظم قسم اللغة العربية بكلية التربية – أرحب، يوم الأحد 1/1/ 2012م ندوة علمية بعنوان: «اللغة العربية؛ الهوية والثقافة» وذلك احتفاء باللسان العربي الفصيح وبالذكرى العالمية التي أطلقتها هيئة الأمم المتحدة باليوم العالمي للغة العربية والتي مرت هذا العام في الـ 18 من ديسمبر دون أن يهتم بها الوطن العربي لانشغاله بالأحداث والربيع العربي، وفي الندوة التي افتتحها الأديب والشاعر والأكاديمي اليمني الكبير الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح مدير مركز الدراسات والبحوث اليمني قال: «إن ثمة دعوة قد انطلقت منذ أكثر من مائة وخمسين عاما تهدف إلى تبني لغات عربية مستقلة في كل قطر عربي على حدة، وهي دعوة نشاز فيها قدر من محاولة تدمير اللغة العربية وأمرٌ فيه تبييت الشر للغة الفصحى، ولكن تلك المحاولات لم تحقق المراد»، وأشار إلى أن اللغة" ليست للتواصل بين الناس وحسب، ولو كانت كذلك لاكتفى الناس بلغة الإشارات، وإنما هي وعاء لثقافة الشعوب وفكرهم، وهي لنا نحن العرب ركيزة العقيدة والهوية، والتقصير في حقها تقصيرٌ في حق العقيدة والهوية وفي حق الوجود الوطني والقومي، ومساس بكل ما أنجزته الأمة من إبداع أدبي وفكري كبير عبر تاريخها الطويل، ولهذا كله فاللغة أمانة في أعناق هذا الجيل والأجيال القادمة وفي ضميرها الروحي والوطني والأخلاقي"، ثم قدمت ثلاث أوراق علمية في الجلسة التي رأسها وأدارها الدكتور إبراهيم أبو طالب رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية –أرحب، وكانت الورقة الأولى للدكتور ثامر نجم عبد الله أستاذ النحو والصرف بالقسم بعنوان: (اللغة العربية وبعض القصور عند الطلاب)، وفيها أكد على تميز اللغة العربية وما تحتوي عليه من خصائص وجماليات عديدة كونها لغة القرآن المعجز، وقال:" لله در هذه اللغة التي تموسقت جمالا، وعذبت أصواتاً وألفاظاً، وتسلسلت كلماتها سلسالا،
لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا .. كانت لنا بردا على الأكبادِ
ستظلُّ رابطةً تؤلّف بيننا .. فهي الرجاء لناطقٍ بالضادِ
لكن على الرغم من ذلك فإن الناطقين بها يضيقون بها، ويهربون من قواعدها، بل إن بعض أبنائها وبعض طلاب اللغة العربية لا يدركون فصاحة القول، ومعارفهم اللغوية لا تتناسب وشهاداتهم الجامعية، والشكوى دائمة نلمسها على صعيد التدريس والامتحانات وغير ذلك، وترجع أسباب الضعف إلى عدة عوامل منها: انتشار العامية والثنائية اللغوية في الحديث اليومي، وسوء تصميم المناهج ومعالجتها للغة، والمعلم بتأهيله الضعيف وعدم اهتمامه واقتداره على النطق بالفصحى، ومنها –أيضا- عدم توفر قاموس لغوي حديث في كل مرحلة من مراحل التعليم العام".
أما الورقة الثانية للدكتور محمد عبد الله الحاوري أستاذ مناهج وطرق تدريس اللغة العربية بالكلية، فقد أكد فيها على "أن اللغة دين، وتعلمها واجب ديني ووطني ومن هنا تعد اللغة أبرز مظاهر الهوية، وهي بذلك تظم كل المتحدثين بها وتصهرهم في بوتقة واحدة، وتعد جزءا أصيلا لكل أمة، وللغة سلطان تفرضه لتبين جلال الحرف وقوة البيان بالكلمة، وقد تحقق للغتنا ذلك السلطان لولا تراخي أهلها عن النهوض بتعلّمها وتعليمها للعالم فهي لغة القرآن الكريم، وهي أداة تفكير وفهم ووعاء للتراث العربي وفهمه، والانقطاع عنها انقطاع عن التراث العربي الكبير وما يحتويه من كنوز وذخائر إنسانية عالية" كما أشار في ورقته إلى أنه "قد تراجع الذوق العالي بتراجع الاهتمام بالجمالي من اللغة العربية والتي يتجلى فيما يتجلّى من هبوط كلمات النص الغنائي حين ترك أهل العربية لسانهم الفصيح وقدموا العاميات عليه" كما نادى إلى " استخدام الفصحى في الجامعات لترقى بأدائها، بل واشتراط الإجادة في اللغة العربية للدخول إليها، وكذلك في الوظيفة العامة لأنها واجهة الدولة ووجهها، وكذلك إجادتها والحرص عليها في الأحاديث الرسمية للدولة ومؤسساتها المختلفة لأنها – أي الفصحى – هوية المجتمع ولسان حاله وفي رقيها رقي لذوقه ودليل على ثقافته وعافيته".
أما الورقة الثالثة فكانت بعنوان (اللغة العربية وتحديات العصر) للدكتورة منى المحاقري أستاذ الأدب العربي القديم، وفيها تحدثت عن أهم التحديات التي أصبحت تحاصر اللغة العربية في موطنها من خلال الاهتمام والحضور الكبير للغات الأخرى، في حين أن عدد متحدثيها من العرب يفوق الـ 422 مليون نسمة ولكنهم يقصرون كثيرا فيها"، كما أشارت في ورقتها بالأرقام والنسب المئوية إلى حضور العربية في الإنترنت وأنها تمثل نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر بأقل من 1% في مقابل 47% للإنجليزية مثلا مما يعني أن لغة الضاد شبه غائبة بين لغات العالم في هذا الوسيط الإعلامي الرقمي الحديث"، كما بينت في ورقتها أهم الصعوبات التي تواجه العربية" وتكمن في إشكالية تعلمها وتعليمها، مما تحتاج إلى إصلاح مناهجها التعليمية" مؤكدة في ختام ورقتها على أهمية تكثيف مثل هذه اللقاءات والندوات الأكاديمية لأنها فرصة لتدارس الصعوبات وتمكين اللغة من مواجهة تحديات عصر العولمة".
صاحب الندوة الكثير من التعليقات والمداخلات المثرية، ومنها حديث مأمون الربيعي عن أهمية الموضوع واستشهد بقصيدة حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية، وكذلك قصيدة علي الجارم وقد ألقى بحفظه المتميز عددا من أبياتها الطويلة، كما أشار عبد الكريم غانم إلى قلة الترجمة إلى العربية من لغات العالم، في حين تحدث القاص زيد الفقيه عن نموذج الأستاذ المتمكن من العربية الفصحى، وكيف يؤثر في طلابه ويحببهم فيها مستشهدا بعدد من أساتذة الجامعة الذين كان لهم دورهم الكبير في تشكيل انعطافة أدبية وذوقية في وجدان طلابهم من خلال الفصحى، والحرص على الحديث بها في قاعات الدرس والحوار خارجها.
ثم كان الجزء الثاني المصاحب للندوة متمثلا في التكريم حيث دعا قسم اللغة العربية في العام الماضي إلى تكريم اللسان العربي الفصيح في الجامعات اليمنية ممن يتحدث بها داخل قاعات الدرس ويلتزم بها، وله بها إسهامات إبداعية وأكاديمية مثمرة وكبيرة، وفي هذه الدورة الثانية تم تكريم الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح بلقب (اللسان العربي الفصيح للعام 2011م) مع درع وشهادة تكريم خاصة، صحب التكريم قصيدة بليغة للشاعر طالب قسم اللغة العربية أنور داعر البخيتي،بعنوان
(دوران الذات حول عقارب المجهول) وهو المسؤول الثقافي بالكلية، بعد أن قدمه زميله الشاعر زين العابدين الضبيبي ليمثلا جيلا شابا نابها مهتما باللغة العربية الفصحى وبشعرها وبلاغتها، وهكذا انتهت الندوة وتحقق التكريم، ولكن لم تنتهِ الدعوة إلى كل المؤسسات الأكاديمية العربية بإحياء الاحتفاءات باللغة العربية من خلال خدمتها إبداعا،وبحثا وتصنيفا ومنهجا وتعليما.