المخيم في الشعر الفلسطيني
المخيم ذلك المجهول الذي مشى إليه الفلسطيني بقدميّه مرغما، إبّان جرح النكبة سنة 48، بعدما كان ملّاكا وصاحب عزوة ومال، هذا المخيم تحول في فترة وجيزة إلى صورة وطن ومنفى، وبداية انطلاقة لنضاله طيلة العقود الماضية ضد العدو الصهيوني، ومسرحا لأحلامه المسروقة ضمن بقعة أرض صغيرة لا تتجاوز الكيلومترات.
للمخيم في الذاكرة الفلسطينية دلالات تحمل الكثير من الألم والتشرد والنزوح، هذه الحالة التي عاشها الفلسطيني في بداية هجرته والتي استمرت معه منذ أيام الخيم التي عاشها في بيوت الصفيح، فكان حرها يأكل من جسده صيفا ويقرصه بردها شتاء، إلى المخيم في شكله الحالي وألوف القصص المأساوية التي ترافق نموه وتطوره.
أخذ المخيم عند معين بسيسو شكلا من أشكال الحزن والغربة التي تقتله بصمتها، فالبقية الباقية من شعبه ومن بلده تمتزج ما بين البكاء والجنون، وأكياس" الخيش" التي يسكن فيها أهله وجيرانه، فيعلو صوت الشاعر مدويا بوجه من جاء يسأل عن أطفال شعبه وهو السبب في نكبتهم. كما يظهر في هذا المقطع الشعري صورة الخيام بشكلها الأول" الخيش" والتي كانت السكن الأول للاجئ فيقف باكيا على أطلال هذه الخيمة، حاله حال الشعب الباكي فيها.
تلك البقية من شعبي ومن بلـــدي ما بيــن باك ومجنـون ومرتعـدتلك البقية من شعبي فذاك أبــــي وتلك أمي وما في الخيش من أحـدإن جئت تسأل عن أطفالها صرخـت وقهقه السيل لم تحبل ولم تـلــديا من نصبت لهم سود الخيام علـى صفر الرمال لقد غاصت إلى الأبـدألست جلادهم فاربط غريقـــهـم واسحبه خلفك بالأمراس والــزردواترك لأطفاله آثار جــثــتـــه دما توهــج فوق الرمل والـزبـدتظهر صورة المخيم في شعر يوسف الخطيب بشكل بسيط، واضحة وضوح كلماتها التي تحاكي المأساة والنزوح والألم فيقول:
على الرمال نازحون..... نازحونْوفي مجاهل القفار.... نازحــونْكما يُوقع السحاب في الســكونْرثاءَ أرضنا الخصــيبة الحنـونْوفي مدارِ الأفقِ تســرح الظنونْأنازحون.... نازحون.... نازحون
للمخيم في شعرمريد البرغوثي صفات الحياة البدوية في ترحالها، خيمة تستريح على الحجر، وأوتاد ونقوش على السقف تشبه إلى حد بعيد حياة القصور، فيتهكم الشاعر بقوله، أوتادها من مرمر ورخام، ومخمل يغطي الحوائط، وصور شهادات جامعية معلقة على قماشها وصور لأشهر الفنانين.
خيامٌ خيامْ.خيامٌ من الحجرِ المستريح،وأوتادها مرمرٌ أو رخام.نقوشٌ على السقف،والورق المخملي يغطّي الحوائط،والصور العائليّة و الجيوكانداتحاذي حجاباً لردّ الحسود،بقرب شهادةِ إبنٍ تخرّج في الجامعة-إطاراتها ذهبٌ يعتليه الغبار.
أما الشاعر عبد اللطيف عقل، فيرى المخيم في حالة من الثبات والجمود، وهو في حالة حصار وخوف، مخيم ينام باكرا خشية القتل والموت، وهنا يذكرنا الشاعر بحصار بعض المخيمات الفلسطينية كتل الزعتر، صبرا وشاتيلا، جنين وغيرها، في صورة مؤلمة فكم اختلط اللحم بالفحم، وزيت الطعام بالموت، والعيون اليقظة بالقبو الحالك السواد.
ينام المخيم،لا وقت للنوم، لا نوم للوقت،تختلط الأم بالطفل واللحم بالفحموالزيت بالموت، والصحو بالقبووالليل بالويل فليتعب الخوف من شدة الخوفوليتعب السيف من صدأ السيف وليتعب الوقت،إن الحضارة تتعب من روحها المتعبة
وتستحضرني في هذا المشهد، قصيدة محمود درويش أحمد الزعتر، وهو يؤرخ لحصار مخيم تل الزعتر، في مشهد درامي مرتبط بوجود الإنشان الفلسطيني ودفاعه عن ذاته وشعبه.
أنا أحمد العربيّ – قالأنا الرصاص البرتقال الذكرياتو جدت نفسي قرب نفسيفابتعدت عن الندى و المشهد البحريّتل الزعتر الخيمةو أنا البلاد و قد أتتو تقمّصتنيو أنا الذهاب المستمرّ إلى البلادو جدت نفسي ملء نفسي...راح أحمد يلتقي بضلوعه و يديهكان الخطوة – النجمهو من المحيط إلى الخليج، من الخليج إلى المحيطكانوا يعدّون الرماحو أحمد العربيّ يصعد كي يرى حيفاو يقفز.
أما فدوى طوقان فتنقلنا إلى مشهد آخر وهو مشهد العيد في المخيم، فالأطفال ينتظرون العيد ويحضرون أنفسهم له، إلا أن العيد في المخيم لا يشبه العيد في الوطن، وإنما هو عيد تحيط به الخيام من كل حدب وصوب فبأي حال عدت يا عيد.
أختاه هذا العيد رف سناه في روح الوجودوأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدوأراك ما بين الخيام قبعت تمثالاً شقياًمتهالكاً، يطوي وراء هموده ألماً عتيايرنو إلى اللاشيء منسرحاً مع الأفق البعيد
تتساءل الشاعرة كلثوم عرابي، عما فعلته كي تكافأ بسكن الخيام، هذه الخيام التي نصبت على الرمال فأصبحت الأرض التي تنام عليها، وتلفها جدارن من قماش رخيص.
أسائل ربي: ماذا جنيت | |
لأرقد أرضاً كساها التراب | |
وأسكن في خيمة من قماش | |
رخيص وأرقب هذا الذباب؟ |
أما الشاعر كمال ناصر، فيتعاطف مع هذه الخيمة الوحيدة المنصوبة في العراء لوحدها، منسية وكأنها الشاهد الوحيد على الجريمة التي ارتكبت بحق شعبه، فأصبحت مثلا حيا على وطن من خيام.
خيمة مذعورة في رحاب المكـــــان مصلوبة منسية في الزمـــان
حيرى على أوهامها في المـــدى لا حب في سمائها لا حنـــان
مشدودة في الأرض معصوبـــة كأنما شدت بأيدي الهـــــوان
يا خيمتي السوداء ظلي هنــــا ذكرى على أشلاء حكم جبان
ولا بد أن نشير إلى أن المخيم حلقة مهمة ومتواصلة في حياة الفلسطيني، حيث يمثل بداية اللجوء والنكبة والاغتراب عن الوطن، ويعتبر أول تجربة يخوضها خارج وطنه الأم.
هذا المنفى الذي قادته قدماه إليه مرغما، أصبح وطنا افتراضيا يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة، فقط لأنه يشكل له الإنطلاقة التي لابد وأن يمر عبرها للعودة إلى أرضه.
كما غنّى عبد الفتاح عوينات:عالخيمة كتبنا الوعد راح نستنا رجعتناخبينا كوشان الأرض بين سنين غربتنا