الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩

المرأة الفلسطينية واقع وتطلعات لزهيرة كمال

ديمة جمعة السمان

استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوكني الفلسطيني في القدس الناشطة المقدسية زهيرة كمال، حيث ألقت محاضرة بعنوان" المرأة الفلسطينيّة واقع وتحدّيات." وممّا جاء فيها:

لا يسعني في بداية هذا اللقاء إلا أن أذكر الكاتبة والصحفية التي رحلت عنا قبل أيام، محررة صحيفة "صوت النساء" التي يصدرها طاقم شؤون المرأة، وكان لها عمود في هذه الصحيفة تحت عنوان "هموم غير عادية لامرأة عادية" والذي تناولت من خلاله هموم النساء، والدفاع عن حقوقهن. كافحت من أجل تطوير ذاتها، وتربية أبنائها كمعيل رئيسي لأسرتها بعد رحيل زوجها، تاركا إياها وطفلين، فكانت الأم والأب والصديقة والمعلمة لهما. كتبت عن النساء في الأسر، وعن هموم النساء في غزة تحت الحصار وانقطاع الكهرباء، كتبت عن الاحتلال ومعاناة النساء كطالبات وعاملات، وزوجات للأسرى والشهداء، دافعت عن العدالة وحقوق الإنسان والنساء كل ذلك بأسلوب جميل يبعث على الأمل بغد أفضل.

قبل يومين انتهت الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد النساء، وقد شهد هذا العام العديد من الأنشطة على مستويات مختلفة دولية ومحلية، ومن الملفت للنظر في هذا العام، هو المشاركة الواسعة للشباب في هذا النشاط ذكورا وإناثا، وهذا بحد ذاته أحد المؤشرات بأن الجهود التي بذلت لعدة عقود لم تذهب هدرا. كما وأن فلسطين قد تكون الأولى على المستوى الدولي قد وضعت مؤشرات عملية لقياس المتغيرات على صعيد واقع المرأة، بناء على مواد اتفاقية "مناهضة العنف ضد المرأة" (السيداو). كما أصدر جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني النتائج الأولية لمسح العنف في المجتمع الفلسطيني. وعليه ستكون الأرقام هي دليلنا في مناقشة واقع المرأة الفلسطينية وتطلعاتها، وأضيف للناقش التحديات التي تواجهها لتحقيق هذه التطلعات. فماذا تقول هذه الأرقام.

مادة 1 تنص على "عدم التمييز والاستبعاد أو التقييد على أساس الجنس"، صحيح أن وثيقة إعلان الاستقلال تكفل المساواة الكاملة بين الجنسين، والحقوق المتساوية بينهما أينما كانوا، وتؤكد على صون الحقوق السياسية والدينية والكرامة الإنسانية، والعدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، وذلك في ظل دولة ديمقراطية، ودستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل. إلا أن الخلل الرئيس هو في التطبيق فالدولة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية غائبتان، والوطن يعيش حالة الانقسام منذ اثني عشر عاما وينعكس ذلك سلبا على حياة المرأة في كافة المجالات.

المادة 2 "اتخاذ التدبير المناسبة في دستور الدولة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، شكلت الشرطة الفلسطينية 11 فرعا لإدارة وحماية الأسرة والأحداث، وهذا موضوع مستحدث، ولكنه لا يفي بالغرض في ظل العنف الأسري الذي ما زالت تتعرض له النساء. ومع أن النتائج الأولية تشير إلى انخفاض في نسبة انتشار العنف الذي تتعرض له النساء المتزوجات، أو سبق لهن الزواج من قبل أزواجهن من 37% عام 2011 إلى 27% في العام 2019 إلا أن هذه النسبة ما زالت مرتفعة، فهناك ما يقارب 3 نساء من كل عشر نساء يتعرضن لشكل من أشكال العنف، وأن 29% من النساء والرجال في فلسطين قد تعرضوا لشكل من أشكال العنف، ممّا يتطلب تدخلا من قبل دوائر حماية الأسرة. ناهيك عن أن ممارسة العنف الأسري لا يقتصر على النساء، بل هو ظاهرة عامة منتشرة في المجتمع الفلسطيني تطال الأفراد من كافة الأعمار، وهي الأعلى بين فئة الشباب ما بين 18-24 عاما، والأطفال دون العاشرة، و كبار السن، ونسبة الإناث اللواتي يتعرضن للعنف هي الأعلى. يترافق ذلك مع ضعف الإجراءات المتخذة لحماية المرأة من العنف الأسري، فقانون حماية الأسرة لم يصدر بعد، رغم المطالبة به منذ أكثر من عشر سنوات، كذلك الأمر بالنسبة لتعديل قانون العقوبات وتجريم عمليات قتل النساء، إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن.

أمّا على الصعيد القانوني ومتابعة قضايا العنف الأسري في المحاكم فمازالت تأخذ الكثير من الوقت، فمحدودية عدد أعضاء نيابة حماية الأسرة، فالعدد الإجمالي لهم هو 27 وكيل نيابة، منهم 12 امرأة و 15 رجلا، ممّا يعني تأخير متابعة القضايا ذات العلاقة. وهذا يتطلب زيادة ملحوظة على عدد وكلاء النيابة ومن النساء في دوائر حماية الأسرة.

"ضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمرأة"، إن المشاركة السياسية للمرأة في موقع اتخاذ القرار ما زالت متدنية ،فهناك 3 وزيرات من 24 وزيرا في السلطة، ونسبة النساء الأعضاء في المجالس المحلية 21% فقط، ونسبة النساء في المجلس التشريعي كانت 12,3%، ونسبتها في عضوية المجلس الوطني 11%، ونسبة النساء بدرجة مدير عام فما فوق هي 13% فقط، ونسبة السفيرات الفاعلات في السلك الدبلوماسي 11%. لهذا طالبت الحركة النسوية بضرورة رفع نسبة تمثيل النساء إلى 30% وأكّدت عليه في المجلس المركزي.

المادة 5 تنص" على عدم التحيز القائم على أساس الأدوار النمطية للرجل والمرأة". إن هذه المادة تتطرق إلى الوقت الذي تصرفه المرأة في الأعمال المنزلية ورعاية أفراد الأسرة، حيث تصرف النساء ما يزيد على 4 ساعات يوميا في حين يقضي الرجل أقل من ساعة في هذا العمل. وبالتأكيد فإن ذلك يؤثر بشكل من الأشكال على قدرة المرأة على العمل المنتظم ولساعات أطول، وبالتالي يؤثر على التقدم في العمل، وأيضا على قدرتها على ممارسة بعض النشاطات العامة إن كان ذلك يتعارض مع الوقت المخصص لرعاية العائلة والعمل المنزلي.
المادة 10 تتعلق بالحق في المساواة مع الرجل في التعليم، قد يكون هذا المجال هو الأفضل على صعيد المساواة في الحقوق، حيث أن التحاق الإناث في مراحل التعليم (الابتدائي والثانوي والجامعي والدراسات العليا) هي أعلى من الذكور، حيث هناك تزايد ملحوظ في عدد النساء الحائزات على الماجستير والدكتوراة.

تنص المادة 11 على "الحق في المساواة مع الرجل في العمل" على الرغم من أن القانون الأساسي الفلسطيني يعطي الحق للمرأة في العمل، إلا أن نسبة مشاركتها في القوى العاملة الفلسطينية ما زالت متدنية (21%)، مع ارتفاع ملحوظ مقارنة بالعام 2016، حيث كانت نسبة مشاركة النساء في قوة العمل 16% فقط. ومع ذلك فهذا الارتفاع لا يقارن بنسبة مشاركتها في التعليم، فمعدل البطالة بين النساء اللواتي أنهين 13 سنة دراسية فما فوق هو الأعلى ما بين النساء العاطلات عن العمل. يضاف إلى ذلك الفجوة الواضحة في الأجور ما بين النساء والرجال لصالح الرجال. كما أن 75% من النساء العاملات في القطاع الخاص لا يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر.

ويبقى عنف الاحتلال هو الأصعب والأقسى حيث يتعرض الشعب الفلسطيني إلى منظومة ممنهجة من العنف، حيث تسلب حقوق المواطنين في الحرية والحياة الآمنة، وفي الوصول بأمان إلى الأرض لفلاحتها، وزراعتها وقطف ثمارها، كما الوصول إلى المدرسة ومواقع العمل والمراكز الصحية، دون تأخير على الحواجز، أو إغلاق الطرق، وفي التنقل بأمان للتزاور، والتوجه إلى المراكز الثقافية والأندية الرياضية. يضاف إلى ذلك تعرض الأسر الفلسطينية لفقدان الحق بالسكن عبر سياسة هدم البيوت بحجة عدم الترخيص، أو العقاب الجماعي للأسرة في حال شارك أحد أفرادها بعمل مقاوم لوجود الاحتلال. ولا يستثنى من ذلك أحد فهناك العديد من الأطفال والشباب الذين تعرضوا لأشكال عديدة من العنف كالقتل والأسر، وفرض الإقامة المنزلية أو الإبعاد عن المنزل. كل هذه الأفعال من شأنها أن ترتد على شكل عنف أسري ومجتمعي. وهذا يتطلب الحماية الدولية لشعبنا.

في ظل هذا الواقع المرير نقدم على الانتخابات، وهي حق واستحقاق لشعبنا، وعلى المرأة أن تشارك بفعالية من أجل وصولها إلى نسبة أعلى من المقاعد في المجلس التشريعي؛ لما في ذلك من أهمية في الدفاع التي تعنى بحقوق الإنسان بشكل عام وبحقوق المرأة والطفل بشكل خاص. كما أن ذلك يفتح المجال لمناقشة الواقع الفلسطيني، واتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة سياسة الاحتلال الاستعمارية، والعمل على تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بخصوص وقف التعامل مع اتفاقية أوسلو وملحقاتها (التنسيق الأمني، والاتفاق الاقتصادي) والتواصل مع العالم من أجل محاسبة إسرائيل على الانتهاكات التي قامت بها ضد شعبنا. كما أن المرأة التي عانت وتعاني من سياسات التهميش والتمييز وانتهاك حقوقها ستكون حريصة على تعزيز الشراكة السياسية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

أبرز المعوقات التي تواجه مشاركة المرأة في المجال العام

دعوة المرأة والشباب للمشاركة بالانتخابات، وفي الحياة السياسية والعامة هي دعوات موسمية، وبغض النظر عن مدى مصداقيتها وجديتها فهي لا تشكل ثقافة مجتمعية، وتحتاج إلى روافع فاعلة لبناء مستويات أفضل من الثقة المتبادلة بين جمهور النساء والشباب، وما بين الجهات المعنية بالتنمية السياسية وباتخاذ القرار.

العقلية الذكورية الأبوية التي تقوم على أساس إعطاء الأفضلية للرجال على النساء، والكبار على الأصغر سنا، وبالتالي استمرار النظرة الدونية للمرأة والشباب.

تسلط الذكور في أحزاب السلطة على المناصب الإدارية وفي الدولة.

عدم وجود رغبة حقيقية لدى الكثير من أعضاء الأحزاب والتنظيمات السياسية والقيادات الحزبية في ترشيح نساء وشباب، ودعمهم من أجل تحقيق الفوز في الانتخابات.

عدم توفر الموارد المالية الكافية التي تفي بمتطلبات عملية الترشح والفوز.

عدم التدرج في ممارسة أنشطة أو عمل سياسي أو التطوع للمساندة في مهام سياسية واجتماعية، تمكن من اكتساب الخبرة اللازمة، من بينها المشاركة في انتخابات المجالس الطلابية وفي النقابات المهنية، دون تدخل من السلطة أو الأمن.

كيف نزيد نسبة مشاركة النساء والشباب
قيام الأحزاب برفع نسبة النساء والشباب في الهيئات الحزبية المختلفة بشكل عام وفي مواقع اتخاذ القرار بشكل خاص، وفي قوائمها الانتخابية، المشاركة الفاعلة للنساء والشباب في النضال من أجل حقوقهم السياسية (الحقوق تنتزع ولا تقدم على طبق من فضة)، حيث أن التواجد في الميدان السياسي والاجتماعي يزيد من الخبرات السياسية، ويرفع من درجة الوعي حول الحقوق والواجبات، ويسهم في التقاط الثغرات والمعوقات التي تحول دون تحقيق مشاركة أوسع.

لعب المنظمات الحقوقية والاجتماعية دور أكبر من أجل تعزيز دور الشباب والمرأة في الوصول إلى المراكز النيابية، والبلدية.

تأهيل الكوادر النسائية والشبابية لخوض المعارك الانتخابية، وتعريفهم بالمهام المنوطة بهذه المواقع.

النضال من أجل وجود نصوص دستورية واضحة حول الحق في المشاركة السياسية وفي الحياة العامة للنساء والشباب، واتخاذ إجراءات إيجابية تسهل هذه المشاركة (مقاعد مضمونة لهم).

رفع وعي النساء والشباب والمجتمع بشكل عام حول أهمية المشاركة السياسية لهذه الفئات باعتبارها عناصر تغيير إيجابية في المجتمع.

توجيه وسائط الإعلام المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية لتسليط الضوء حول أهمية مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة والسياسية، وإبراز التجارب الناجحة لهم.

القيام بحملات من أجل تشكيل رأي عام مجتمعي حول أهمية مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة والسياسية.

وجود نظام انتخابي قائم على التمثيل النسبي للأحزاب، ومرتبط بنظام انتخابي واضح يتم فيه تخصيص مقاعد لنساء.

ديمة جمعة السمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى