الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بقلم نجيب طلال

باب ما جاء في عناوين الاحتفالية!!

مِـفتــاح الباب:

مبدئيا من أصعَب ما يعانيه أي مؤلف/ كاتب/ صحفي/ طالب/.../ في صياغة موضوع ما؛ اختياره لعنوان مناسب والدال على مرامي النص الرئيس؛ وصعوبته تكمن بأنه يُـعَـد من أهمّ مرجع يتضمّن بدواخله الرّمز و العلامة وكذا تكثيف المعنى، فمن خلاله يحاول / مؤلف/ كاتب/ أن يثبت مقصده برمته، بوصف العنوان النّواة المتحركة التي خاط عليها نسيج نصه. فمن هنا فهو في حد ذاته نص/ محيط أو موازي (paratexte (حسب تعبير جيرار جنيت(Genette) ولكن لما لا نسميه النص المجاور الذي لا يمكن تجاوزه للنص/ المتن أثناء تحليله أوتفسيره أو تأويل النص ؛ لأنه يحمل شبكة دلالية عميقة جدا؛ في إطاره يعْـتبر حقلا خصبا للتفكيك والتحليل. ولاسيما أنه منفلت من عمق النص الأساس وروحانيته، وبالتالي فهو بنية وظيفية دالة. يعلن منذ البداية كأول اتصال نوعي بينه وبين المشاهد/ القارئ يؤسس نقلة نوعية في وعيه،وذلك من خلال مشروعيته القرائية وبحكم بروزه كإشارة أو علامة بارزة بشكل مادي محسوس أمام القارئ/ المتلقي ليجعله مبدئيا يقتحم عوالم النص وفضاءه الرمزي وشخوصه الدلالية ؛ ليسهل عليه مسك بالخيوط الرئيسة للعمل المشاهَـد أو المقروء ؛ يساهم إلى حد بعيد في بناء تصور أولي عن حمولة النص من خلال النص المجاور- علما أنه: ليس هناك قاعدة ولا وصفة لإيجاد عنوان جيد للمسرحية؛ ولا حتى دراسات عامة عن اختيار العناوين. العنوان هو نص خارج عن النص الدرامي بحد ذاته. إنه ولهذا السبب عنصر توجيهي (فوق أو إلى جانب النص) لكن معرفته الإجبارية مازلنا نذهب إلى المسرح بسبب عنوان المسرحية (1) وبالتالي فاختيار العنوان وتدوينه واستقرار رأي الكاتب عليه، ليس مسألة اعتباطية أو مزاجية بل هُـوعَـتبة أو مفتاح إجرائي يمدنا بجملة من المعطيات والمعاني الدالة تلك التي تساعدنا على فك شيفرات النص والدخول لمجاهليه وتشعباته. لأنه أساسا يحمل رؤية المبدع / الكاتب ومدى حدسه الإبداعي ؛ وحسب رؤية - لوران بارت- في المغامرة السيميولوجية ؛ بأن العنوان في حد ذاته عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية يحمل في طياته قيما أخلاقية واجتماعية وإيديولوجية. ومن تمة فـهو: يشكل مرتكزا دلاليا يجب أن ينتبه إليه فعل التلقي؛ بوصفه أعلى سلطة تلق ممكنة؛ ولتميزه بأعلى اقتصاد لغوي ممكن ولإكتنازه بعلاقات إحالة : مقصدية – حرة إلى العالم وإلى النص وإلى المرسل (2) فالمقصدية أساسا هي مقصديات مختلفة ومتنوعة بتنوع الأطراف والمبتغى. فالاختيار في حد ذاته قصدية ؛ لأنه عملية تخاطبية تواصلية في الحّـد الفاصل بين النّص والعالم، ونقطة تقاطع يمرّ من خلالها النّص إلى هذا العالم، مقابل هذا تعد خطا أو قنطرة واصلة بين النّص والكاتب والمتلقي.لأن الأصل في الكلام القصد كما يعَـبربذلك طه ع الرحمان (3) وبالتالي : فالعنوان بما هو إشارة سيميائية تأسيسية، قد يدفعك إلى أن تعيد قراءة شيء كان مألوفا لديك بل هو جزء من ثقافتك؛ ولكنه يغريك بإعادة قراءته لآنه يفجر فيك طاقات جديدة ؛ وكأنه مع العـنوان يبدأ فعل القراءة ومن ثم فعل التأويل (4) لكن من الملاحظ أن عناوين النصوص المسرحية تحْديدا؛ لم نوليها اهتماما؛ وهذا يتحمله البحث الأكاديمي. رغم أن الدراسات الأدبية والنظريات النقدية اهتمت اهتماما متزايدا دراسة العنوان تفكيكا وتحليلا (علم العنونة / La titrologie) فمن هنا كاد درسه يندرج ضمن سياق تطبيقي ونظري؛ وذلك استهدافا لمقاربة النصوص. بغية فهم خصوصيتها وتحديد جوانب من مقاصدها الدلالية والرمزية ؛ وإن كانت العملية معقدة جـدا: فثمة عناوين لا تسلم نفسها بسهولة؛ وإنما تظل متحجبة ومتمنعة عن الظهور، إلا باستخدام نظام تأويلي أو سيميائي يفـُك شيفراتها (5) باعتباره العتبة الأساس والتي تفرض على الناقد أو الباحث أن يستنطقها ويفككها، ذلك قبل الدخول لأعماق النص. بحكم أن العنوان هو الذي يسم النص، ويعينه، ويصفه، ويثبته ويحقق للنص كـَذلك اتساقـه. مما اعتبره – جنيت: من أهَـمِّ عناصر النص الموازي (paratexte)على اعتبار أنه لا اعتباطية في العنوان؛ ولاسيما أن الكاتب يجهد نفسه في اختياره لكي يلائم مضمون إنتاجه.مما يعطيه الكثير من الوقت والتفكير ليختاره بشكل ينسجم من حيث التركيب والدلالة نسبيا مع النص، لكي يجذب إليه الأنظار. وذلك لاعتبارات إما نفسية أوفنية أو جمالية أو مذهبية أو تجارية حتى. لتمكن من تحريك شهيّة القارئ/ المشاهِـد، فيُجلب بذلك اهتمامه والإيقاع به، من خلال تفخيخ خطابه بنوع من الإثارة أو الإغراء لأنه : ففي العنوان مقصدية من نوع ما، ربما تقود هـذه المقصدية إلى مرجعية إما: ذهنية أو سياسية أو مذهبية أو إيديولوجية.

فالعنوان في الوقت الذي يقود القارئ إلى العمل هو من زاوية يخبرنا بشيء ما(6) وبالتالي فالإخبار لا يتأتى استيعابه أو التحقق منه ؛ إلا بالدخول لعوالم النص بحثا عن إجابات مقنعة للتساؤلات التي فرضتها العتبة النصية على المشاهِـد/ القارئ.

مـتاهــة العُـنوان:

فمثلا – [عطيل الخيل والبارود] عنوان تركيبي يبعث عن الغـرابة والدّهشة ؛ مما يثير في ذهن المتلقي/ المشاهد، عِـدة تساؤلات واستنهاض رغبة الفضول هذا إن كانت له مرجعية أدبية / ثقافية ؛ تساعده على فهم مقاصد المؤلف من خلال [نظرية التلقي](:) ما علاقة (عطيل) كشخصية شكسبيرية ب (الخيل والبارود)؟ وفي سياق عطف ومعطوف فـهو يحيل للفنتازيا أو من خلال التقطيع لكل مفردة ذات دلالة حسب المرجعية الثقافية أو حتى الإجتماعية (الخيل) للشجاعة والعروبة (البارود) للحرب والدمار؛ وبالتالي فالتركيب مفخخ بالدلالة والمجاز مما يفرض اقتحام أغوار النّص؛ لفهم التركيب النصي بحكم أن العنوان في حَـد ذاته سلطة توجيهية إغرائية إلى عالم النص داعية إلى الفضول لمعرفة واكتشاف مضامينه النص الفكرية والإيديولوجية. وبالتالي فالعلاقة بينهما تفرض علينا نفسها. وبالتالي فموضعته (العنوان) يـعَـد واسطة مركزية في عملية ربط الخطاب الموجّه إلى القارئ/ المشاهد، وبالأساس هو تـَوجُّـه قصدي لجمع شَتات تأويلاته في دائرة محكمة لإنتاج المعنى. لأنه جزء هام من الإنتاج الإبداعي، بل إنّه يهيمن على القيمة الخطابِية والتّاريخية للمؤلَّف. وأبعد من هذا يعطينا انطباعا ونظرة حول مضمونه، لكونه مرآة عاكسة وذلك باعتباره علامة سيميائية تمارس التدليل. هنا فالمتمعن في العنوان [1] سيجـده مزيفا كيف؟

لأن هناك تمظهر مكشوف لتناص بينه وبين (ست شخصيات تبحث عن مؤلف)/ للإيطالي – بيرانديلو- فهذا الأخير يقدم لنا حكاية أسرة مكونة من ست شخصيات تبحث لنفسها عن مؤلف؛ من أجل أن يكتب دراما حياتها ؛ في حين الأولى تقدم لنا كذلك ست شخصيات تبحث عن مخرج لكي تعمل معه. ما الفرق هنا مادام الخيال والمتخيل هو سيد الإبداع؟ لا شيء ! سوى قلب (المؤلف لمخرج) وإقحام شهريار والبوهو/المسيح كإحدى شخصيات فرجة البساط أو التفكه؛ والملاحظ أنها وظفت كشخصيات (ثانوية) فقط. هل ليأخذ النص طبيعته (الإهتبالية) وليس (الإحتفالية / le carnavalisme) كمفهوم له جذوره التاريخية، باعتباره ظاهرة عامة يعيشها المجتمع الإنساني على مر العصور. وكل منا يستفيد منها، حسب موقعه وفي أي موقع كان. وبالتالي فهذا التناص كذلك مرتبط أساسا بعملية توظيف مفهوم (الحلقة) كشكل من أشكال الكتابة والتحكم في تقنيـة الحكي التي وظفها- بيرانديلو- أي لعب داخل لعب؛ ولكنها لم تخرج عن الفضاء المغلق [ القاعة المسرحية ] بدل [الساحة العمومية ] مما يجعل (عطيل والخيل والبارود (مزيفا حتى على مستوى المتخيل فهل كان عطيل شخصية (فلكلورية) وفي النص تمظهر كشخصية لها القدرة على القيادة والثقة في النفس لموجهة (المخرج/ ياغـو) إضافة لحضور (البـوهو/ المسيح) كما قلنا كشخصية ثانوية غير مؤثرة في سياق الحدث/ الصراع بين [عُـطيل/ المخرج] ربما بنى تصوره الواهم على النص الأصلي لشكسبير(7): حينما اعترفت - ديدمونة - لأبيها أن "عطيل" لم يستعمل معها أي سحـرأو عنف كما اعتقد في بداية الأمر بل (هي) قـد أغـْرمت وأعجبت به عندما كان يأتي إليه ليقص عليه بعض المغامرات التي عاشها في صغره. ففي هـذا الباب لا يعني أن (عطيل) قاص (شعبي) / راوي حكايات. وإن علما أن التيمة الأساس تتمحور حَـول (الخير والشر) وما ورد في النص (عطيل الخيل والبارود) يتمركز حول (الحقيقة والوهم) تلك التيمة التي نقبض عليها في كل نصوصه المسرحية ؛ موظفا بذلك دائما لعبة الأقنعة التي تخفي الحقيقة؛ لتحقيق البعـد – الكرنفالي/الإحتفالي / مهرجاني/ العيدي/le cérémonial / le festival /) ولكنها ظلت حبيسة العلبة (الإيطالية)؟

وللإشارة في هـذا الباب ؛ فالفنان الطيب الصديقي هو صاحب الدعوة الحقيقية بتحقيق البعْـد الكرنفالي/ الإحتفالي/ للمسرح؛ بناء على تصور وطلب [ روسو] بالعودة للحفل الجماعي من خلال المسرح لتحقيق المشاركة الجماعية في الحفل الجماعي كوسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع؛ وإن كانت جملة من الفعاليات العالمية انتهجت هذا الطلب: ك / جاك كوبو/ أدولف أبيا/ كردج كريج //..../ والباحث الفرنسي ألفريد سيمون ومن خلاله نادى بذلك"جـان فيلار": والذي أخرج المسرح من علبته إلى الهواء الطلق؛ والذي أعاد للمسرح وظيفته المنسية، وجعل منها احتفالا يقام من أجل الأعداد الكبيرة (8) وهذا تم تطبيقه عمليا في (أفينيون) للخروج من العلبة الإيطالية. وذلك لتحقيق ما طرحه ميخائيل باختين - أن فكر الفرد والجماعة في الأجواء الاحتفالية يتحرر من القيود والمواضعات الاجتماعية، فهي الفضاء الذي يعكس حقيقة الثقافة والفكر لأن الاحتفال هو الصنف الأ ول والأبدي للحضارة الإنسانية، هذا الصنف الذي نرى فيه جوهر الثقافة الشعبية وحقيقتها(9) وبناء على هذا فجوهَـر الطقس الاحتفالي في نصوص – برشيد- بقي غائبا أو بالأحرى منعَدما؛ بحكم شكلانية الشكل التي تمارس تأثير الغرابة والدهشة؛ من هنا لعب (صاحبنا) عليه من أجل تدويخ وليس إدهاش المتلقي/ المتفرج. وبالتالي فلماذا تم تغيير عنوان (عطيل والخيل والبارود)إلى (لعبة الوهم والحقيقة)؟ وهذا نفسه نجده في تيمة نص

(فاوست والأميرة الصلعاء) التي تحول عنوانها إلى (الحفل التنكري) فمنذ البداية والنص يدعو إلى تعرية وكشف شخصيات خلال أقنعة يلبسونها؛ لتحقيق مسرح داخل مسرح؛ ليقع التجاذب بين (الوهم والحقيقة ونفس التيمة في (منديل الأمان) الذي تحول عنوانه إلى (لعبة الوجوه والأقنعة) التي تحكي عن رحلة لسبع شخصيات داخل قطار تتقنع بأقنعة مختلفة ومتنوعة،، فاتفقت لتختصر زمن الرحلة على أن تلعب لعبة الاعتراف. فنكتشف بأن كل شخصية تنطوي على الوهم والحقيقة (أي) تعيش واقعا و تحلم في الآن ذاته بالهروب و التخلص منه. نفس التيمة نجدها مسرحية [ حمار الليل] هناك سبع شخصيات رغبتها في الهجرة، هذا إذا لم ندخل الراقصة (دلال) التي كانت شخصية عرضية فقط. تلتقي في بَـهو (ميناء بحري) في انتظار الباخرة التي يحلمون بها للسفر. يبدأ البوح لتكشف كل شخصية عن نفسها،. فنكتشف كذلك أن كل شخصية تنطوي على الوهْـم والحقيقة. فهاته الثنائية الضدية المرادفة لثنائية ضدية أخرى (الوجه/ القناع) واردة في أغلب النصوص؛ بحيث الاختلاف نجده في الشخصيات وفضاءات الحدث وهـذا (التناسل النصي) يبرره البيان الثالث الذي يقول : إن النص المسرحي لا يعَـد مسرحية بقدر ما يعتبر مشروعا لمسرحية أو مسرحيات متعـددة.
وبما أن النص عند- برشيد- يعَـد مشروعا فلماذا تم تغييرعنوان النص الذي كنا بصدده إلى (عطيل دوميل ديزناف)؟هل نحن أمام غموض عنواني حقيقة لخلق جمالية خاصة ؛ إيمانا بتصور "إمبرتوإيكو/ U. Eco" حول العنوان حين قال: إن شأن العنوان أن يبلبل الأفكار لا أن يرتبها.فأي بلبلة أحْـدث والنص نفسه. فلوكان عكس ذلك لتمت الإجابة على سؤال ورد جدارية المخرج إبراهيم وردة بالقول((ما سبب تغيير العنوان هل من جديد في المسرحية القديمة)) (10) فالمؤسف لم يجبه أحـد؛ ولم ينتبه إليه أحَـد كذلك؟

تغـييـر الـعـنوان:

مبدئيا فالعنوان حق أصيل للمؤلف؛ لأنه وُلد من تفكيره ومعاناته ؛ وذلك لتحقيق القصْدية القابعة وراء ذلك الاختيار؛ لأنه أولى عتبة القارئ التي يقيس به دلالته على جميع مضامين النص (بمعنى) : فهُـو مفتاح الدلالة الكلية التي يستخدمها القارئ الناقد ومصباحا يضيء به المناطق المعتمة (11) هنا هل يحق تغيير العنوان من نصه الأصلي؟

فإذا ابتعدنا قليلا عن التحليل الأدبي / الفني؛ ونظرنا للعنوان الشخصي للفرد؛ فهو أساسا هويته ولا يمكن تغييره/ استبداله، إلا بمقتضيات قانونية. وبعـلـَّة معقولة تتحدد أساسا في استبدال المكان/الحي/ المدينة/ الموطن؛ تدون في طلب. فحتى تغيير موضوع الأطاريح والبحوث تحتاج لطلب مذيل بسبب مقبول لتغيير العنوان. فإذا عدنا لموضوعنا ؛ فطبيعي أن الإبداع لا يحتمل البيروقراطية وتعقيداتها ؛ولكن هنالك مسالك فنية تقتضي تغيير عنوان النص الأصلي، والمُمثلة في الاقتباس والإعـداد التي هي بالأساس ظواهر إنسانية حضارية.

إذن فالاقتباس : هو عملية نقل أو تحويل أثر أدبي من نوع إلى آخر (من رواية إلى مسرحية مثلا) اٌلإقتباس أو المسرحة (dramatisation) يستند إلى المحتويات السردية (القصة والحكاية المثبتة بأمانة نوعا مـا... غالبا ما استعملت كلمة اقتباس بمعنى "ترجمة" أو بمعنى نقل أمين نوعا ما، من دون أن تسهل دائما رسم الحدود بين التطبيقين. المقصود....(12) فهل نصوص – برشيد- المدونة باللغة الفصحى والتي ليست روايات أوقصص تحتاج إلى اقتباس (تحويل) الذي يبيح للمقتبس حرية التصرف في النص الأصلي ؛ حتى يمكن تغيير عناوينها. مع العلم أن العنوان له حمولة فكرية دالة ؛ يسمح لنا بتفسيره من خلال النص ؛ وهذا الأخير من خلال العنوان؛ وفي هذا السياق يشير- ميشال هاوسر- (M. Hausser) قبل النص هناك العنوان، وبعْـد النص يبقى العنوان. هنا [مثلا] أي عنوان سيبقى مادام (صياد النعام) تحول إلى (على قيد الحياة) و (أبو الغرائب في بلاد العجائب) إلى(رحلة أبو الغرائب)

و (الدجال والقيامة) إلى (سيرك الدنيا)....؟ هنا لاوجود لعملية اٌقتباس؛ ولا لعملية الإعـداد الذي هو: بالمعنى الواسع للكلمة هو عملية تعْـديل تجري على العمل الأدبي، أو الفني من أجل التوصل إلى شكل فني مغاير يتطابق مع سياق جديد(13) كما حَـدث [مثلا ] مع مسرحية (حكاية العربة) تحولت إلى (الدائرة) مع جمعية الشهاب البيضاوية وإلى (العربة93) مع جمعيه نادي المرآة بفاس. ومسرحية (شهرزاد) إلى (شهرزاد المراكشية) لجمعية دراما / مراكش و(على بابا الوزير) إلى (شابكة) لجمعية الأوركيد/بني ملال... إذ ربما هنالك خلل في بنية النص المسرحي؛ أو أنه لا يتلاءم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على إنتاجه. مما يدعُـو لممارسة الإعداد عليه (دراماتورجيا) لتحقيق تمسرحه. هذا إذا ما تعمقنا في مفهوم الإعداد الذي هو: إعادة صياغة نص مسرحي ليتلاءم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على إنتاجه؛ أو ليتلاءم مع فكر المخرج؛ أو لسبب قد يظنه المعد ركاكة في الصياغة الأصلية – بحق أو بغير حق- ويتخذه ذريعة لإضافة أو لحذف بعض فكر وأسلوب النص الأصلي، وإبدالها من عنده بما يوافق مجتمعه ويوافق فكره وحالة مزاجه (14) وبالتالي فالملاحظ أن - برشيد- (كان) يدافع باستماته على (اٌلإحتفالية/ الإهتبالية) صانعا بذلك حروبا ورقية. غير أنه أمام نصوصه لم نشاهده يوما يفعل ذلك ولا يبدي تحفظاته رغم أنه يقول بالحرف: ولقد عبرت دائما عن رأيي الواضح والصريح في الاقتباس والاختلاس، وفي الإعداد والتوليف، وفي الترجمة الخائنة، وفي تهريب النصوص المسرحية، خصوصا منها تلك التي فقدت الصلاحية في أوطانها الحقيقية، وأصبحت مضرة بالصحة النفسية والوجدانية والعقلية والأخلاقية (للمستهلك)(15) ألا ينطبق هذا على نصوصه مادام الإعداد والتقطيع واستبدال العناوين مسألة مباحة إما نتيجة ترسيخ استحضار وجوده الفعلي/ العملي في الساحة الثقافية/ المسرحية؛ وإما نتيجة التعويضات (المالية) التي كان يتقاضاها من الجمعيات؛ ولتفعل تلك (الجمعية) في النص ما شاءت كما وقع في مسرحية (أبو الغرائب في بلاد العجائب) مع إحْدى الجمعيات (محترفة/ فاس) أوفي قرارة نفسه أن الإحتفالية ونصوصها هي خواء في خواء؛ لأن نصوصه الأخيرة.../ المقامة البهلوانية/ الحكواتي الأخير / أبو الغرائب في بلاد العجائب /شكوى المهرج الحكيم/.../هي بمثابة لواعج ومناجاة الذات للذات ؛ بحكم أنها لا تبتعد عن تجربته وحياته الخاصة والإبداعية ؛ ولنتمعن في هذا الحوار:

قارئة الكف‮:‬‮ ‬ تسألني‮ ‬لماذا؟ لأنه‮.. ‬غير موجود‮..‬
أبو الغرائب‮: ‬ وكيف عرفت أنتِ هَـذا؟

قارئة الكف‮: ‬ ‮(‬وهي‮ ‬تنظر إلي‮ ‬كفه‮)‬‮ ‬يسألني‮ ‬كيف عرفت؟ كفك قال كل شيء‮.. ‬أنت ليس في‮ ‬كفك إلا هذا الذي‮ ‬أقول،‮ ‬وتأكد بأنك لن تجد شيئا أبدا‮.. ‬هل تعرف لماذا؟

أبو الغرائب‮: ‬ لماذا؟

قارئة الكف‮: ‬ لأنك لا تبحث إلا عن الخواء‮.. ‬أنت الآن ضائع وتائه‮.. ‬قـُلها ولا تخجل‮.. ‬اعتبرني‮ ‬مثل أمك‮..‬ (16) ومثل هذا يتكرر في نصوصه ؛ لأنه ربما وصل للنتائج التي كانت تواجه مشروعه (الوهمي مثل ما قيل: فالمسرح الاحتفالي عند الاخ الصديقي أو الآخ برشيد لم يستفد من الارث المسرحي المغربي؛ وبالتالي افرغ من تعامله المضموني من قضايا تلتصق بهموم الانسان المغربي؛ وسقط ضحية تقنية الديكور...واللغة الفضفاضة... (انبهار في الاخراج - انبهار في اللغة = احتفالا بعيدا عن هموم وقضايا الانسان المغربي) ومن هنا ابتعد عن جمهرة المتلقين(....)..وهـذا يضيع أهمية التركيز على الصراع وفـضح التناقضات... فيصبح النص الاحتفالي كتابة مغرية على الماء (17)

الإحــــالات:

1) معجم المسرح لباتريس بافي - ترجمة ميشال ف. خطار ص571 المنظمة العربية
للترجمة - ط 3/1980
2) مبادئ ألسنية عامة لأندري مارتنيه ترجمة ريمون رزق ص 223 دار الحداثة
بيروت/ لبنان 1990
3) انظر لكتاب : اللسان والميزان - لطه عبد الرحمان المركز الثقافي العربي المغرب / 2002
4) سيمياء العنوان لبسام موسى قطوس- ص 36 —عمان/ الأردن2001
5) نـفســــــه ص 41
6) نــفســـــه ص31
7) انظر: نص عطيل – لوليم شكسبير- تعريب خليل مطران دار مرون عبود – بيروت- ط 8/ 1974
8) المسرح وقرينه لأنطوان أرتو– ترجمة - لسامية أسعد ص87 - دار النهضة العربية
9) Voir/ Alfred Simon : Les signes et les songes, Essais sur le théâtre
et la fête- éd, seuil- Paris/1976 -2pp 169-170
10) سؤال طرحه الفنان عبدالمجيد سياع في جدارية المخرج إبراهيم وردة بتاريخ – 09/07/2019
11) دينامية النص: تنظير وإنجاز لمحمد مفتاح ص72 المركز الثقافي العربي- ط2/ 1990
لبنان/بيروت
12) معجم المسرح لباتريس بافي - ترجمة ميشال ف. خطار ص-69/70- المنظمة العربية للترجمة -
ط 3/1980
13) ماري إلياس / حنان قصاب حسن(في) المعجم المسرحي ص 44: مكتبة لبنان ناشرون/1997
14) حيرة النص المسرحي :لأبوالحسن عبدالحميد سلام ص-71- ط2/1992 مركز الإسكندرية للكتاب
15) بيان عبد الكريم برشيد بخصوص مسرحية (ديالها) موقع هسبريس بتاريخ 04/07/2012
16) نص: أبو الغرائب‮ ‬في‮ ‬بلاد العجائب مجلة مسرحنا- في- 20/10/2013
17) المسرح الهاوي بالمغرب والخطاب الفكري :للمسكيني الصغير مجـلة المدينة ع 6/ 1981 ص41


[1عطيل الخيل والبارود


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى