بنزين
هذه القصة مستوحاة من معاناة طريق عمان إربد ونحن في طريقنا إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا يومياً
يا شباب... اسمعوا... اليوم من أجل تمضية وقت جميل على الطريق سنقضيه في مرح وطرف! فبعد الامتحانات وبعد أن ارتحنا من هموم وعذاب الدراسة قليلاً، سنقضيه في التسالي! كل واحد يحضر نفسه!
قفز سامي الطالب في السنة الخامسة طب بشري وقال: لحظة يا شباب:
واحد محشش.... نظر في وجه واحد فوق عينه شامة، ثم فجأة سأله: بالله عليك هذي عين وإلا غين؟؟
قهقه قه...!
غيرها...!
واحد متكبر سكن جنب جماعة بسطاء، جاءه الرجل البسيط وألقى عليه تحية الصباح وقال له:
يا جارنا ترى فنجان قهوتك عندنا اليوم..!
فأجابه المتكبر قائلاً:
يمكن واحد من أولادي الصغار رماه عليكم!
قهقه قه...!
حلوة يا أبو السام... حلوة.... كمان.... كمان..!
قفز حسام وتبرع بنكتة:
يا أخوان قبل ما ييجي سواق الباص.... عندي فزورة من يحلها ويجيب عليها له علامة:
واحد محترم ركب تكسي في الكرسي الخلفي وركب زوجته في الكرسي الأمامي ليش؟
فأجاب رائد في السنة الرابعة هندسة مدنية:
أنا عارف.... عشان ما يشوفها السواق في المراية!
قهقه قه....!
مع أنها قديمة!
يا حسام هات غيرها بسرعة قبل ما ييجي السواق!
فأسرع حسام قائلاً:
رجل بسيط قال له ابنه:
يا با رخصتي انتهت.... قال له أبوه وهو زعلان:
أكيد من كثر دورانك في الشوارع!
* * * * *
تبرع نبيل سنة ثالثة صيدلة وهو يضحك على النكتة قبل أن يلفظها، ضحكوا معه وقهقهوا طويلاً دون أن ينبس بحرف، صاحوا به:
يالله يا نبيل بسرعة..! ضحك وقال:
واحد كسول جداً جداً....جداً... فصاحوا بمرح:
زي حسام....!
قهقهه..!
راح للحلاق وجلس على الكرسي وأنزل رأسه.....قال له الحلاق:
شعر ولا دقن...قال الكسول: دقن...قال له الحلاق ارفع راسك.... قال الكسول لا لا إذن خليه شعر أريح لي!!
وقف سامي وأعلن أن لديه نكتة حلوة، فقال له حسام:
بالله رقمها أحسن يا سامي..إحنا حافظين نكتك كلها!
فأجاب سامي:
لا هذه جديدة لم تأخذ رقم بعد:
شباب يدرسون في أمريكا..... مات أبو واحد منهم واحتاروا كيف يخبرونه..... واحد منهم قلبه قاسي قال: أنا اخبره عنكم وأتولى المهمة، ثم راح للذي مات أبوه وقال له:
متى آخر مرة شفت أبوك؟ قال: قبل شهرين.....! قال القاسي: إبقى قابلني إن عمرك شفته مرة ثانية!!!!
قهقهقه....!
صاح حسام: آخر نكتة يا شباب!
أحول...... سجل في الجيش...... حطوه في قسم القصف العشوائي!
صاحوا: بايخة!
* * * * * *
سأل حسام بطل المرح:
يا شباب... الطريق الذي نقطعه كل يوم من عمان إلى إربد ومن إربد إلى عمان لا يستطيع أن يقطعنا ما معنى هذا الكلام؟
رد سامي وهو يقهقه:
مستحيل أن يقطعنا.... بل يقطعنا حتت حتت وسدد نظرة حادة نحو السائق وهو يجلس خلف المقود...... ها ها ها ها!
ما رأيك يا أبو العينين؟
فالتفت السائق أبو العينين إلى الكنترول الذي يناديه باسم بنزين وهو يضع النظارات الكبيرة السوداء ويضغط على البنزين قائلاً:
يالله يا بنزين.... عين الحسود فيها عود! واللي مش عاجبه يحلق حواجبه.
وتراجع الشباب والطالبات إلى الوراء كل يهمس يا ساتر!
جلس سامي على المقعد الخلفي حيث تدهور على ظهره في الحافلة التي تسابق الرياح في طريقها من جامعة العلوم والتكنولوجيا في إربد إلى عمان ووضع رأسه بين كفيه محاولاً العثور على طريقة يقنع بها سائق الحافلة بالتروي خشية حدوث ما لا يحمد عقباه! فلم يستطع جمع شتات جسده لشدة السرعة، فكلما حاول النهوض تراجع على ظهره وقعد!
وفي لحظات قليلة كان الطلاب جميعهم يتفقون على التوسل والتقدم باستدعاء لطيف يترجمون به أحاسيسهم النبيلة تجاه السائق، والتأكيد له بأن أفكارهم لا تتضمن أية مؤامرة ضده ولا يخطط احد للانقلاب عليه!
فاقترح وسام أن يتم كتابة الاستدعاء بأسرع وقت ممكن خلال المرور السريع للحافلة على الاتوستراد الجديد حيث يشكل الطريق الواسع والسريع حالة جذب ممتعة للسائق بمسابقة الريح! واتفقوا على أن يكون الاستدعاء المقدم للسائق ممهوراً بتوقيع أعضاء من الركاب الطلاب ولا يتضمن اسم سامي، لأن سامي في نظر السائقين لحافلات عمان إربد - إربد عمان، أصبح العدو اللدود المتآمر الانقلابي، والحاشد للأحقاد المعادية ضد السرعات التي يبهر بها السائقون أقرانهم على الطريق حين يتحاورون بالتلامس الجسدي لمعدن الحافلات، كتحيات أصبحت مدركة ومتعارف عليها بينهم!
اتفقوا على تهدئة الأمر مع السائق المتضرر نفسياً حيث لا ضرر ولا ضرار، وكتبوا في اللائحة الموقعة بعشرين اسماً:
( نحن طلاب السنة الثالثة والأولى والرابعة والثانية والخامسة والسادسة في جامعة العلوم والتكنولوجيا نحييك لجرأتك وبطولتك وشجاعتك ورجولتك وشهامتك ومروءتك ورجولتك في التسابق مع زملائك الأبطال ونتوسل إليك فقط لتخفيض سرعتك من مائة وستين إلى مائة وعشرين حفاظاً على حياتك وحياة أولادك!
ووقعوها تحت عبارة: الأسرى الأربعين في حافلة رقم واحد!
تناولها الكنترول ( بنزين ) من الطلاب ولوى فكه قليلاً ثم امتقع وأبدى شكوكه في قبول السائق لهذا الأسلوب من العرائض حسب خبرته بسيده السائق وصاحب نعمته، وحين تسلمها السائق الذي كان يتراقص على أغنية سلامتها أم حسن من العين ومن الحسد وسلامتك يا حسن م الرمش اللي حسد! كان يتشاغل باللمز تجاه الطلاب الخائفين اللاهثين رعباً وخاصة كلما هبت رياح حافلة كالصاروخ ويؤدي لها التحية بأحسن منها بالاحتكاك بها بالهمس واللمس... والشاطر لا يجرح حافلة الثاني وبشرط على نفس السرعة المتفق عليها بين المتسابقين!
وخاصة حين يتبادلان السجائر على الطريق السريع من النوافذ!
والطلاب يخفون وجوههم رعباً ويغطون عيونهم بأكفهم وما تيسر من معاطف وكتب ومناديل خاصة كلما اقتربت حافلة متهيجة الاتجاه تسعى للزميل السائق بالتحية!
وفي لحظة ملائكية هبطت على السائق، ورضي النظر إلى العريضة أو الاستدعاء الممهور بتوسل وتوقيع الطلاب، وحين دقق النظر في الورقة وداس البنزين ونادى على بنزين بصوت أجش!
أدرك الجميع أن الوضع ليس على ما يرام، وأن هناك خطأ ارتكبه الطلاب في الصياغة، فلا يعتبون إلا على أنفسهم بعد هذه اللحظة!
استوعب الشباب أن الفتيات في الحافلة قد أصابهن الذعر الشديد، وأنه لم يبق في مفاصلهن الكثير من الدماء، وأن بعض الشباب قد انقطعت ظهورهم.
أما سامي فقد انقلب على ظهره مرة أخرى!
وبعضهم راح يلملم كتبه عن أرضية الحافلة حيث تساقطت من الرفوف رزم الكتب! وفي غمرة الهستيريا المخيمة على المعركة، انبثق الحس الشبابي والطلابي الخلاق، وتبادلوا النظرات التي مفادها (إنقاذ الضحايا قبل النهاية)...!
ولكنهم أيضا بالنظرات التي كان يراقبها السائق أبو العينين في المرآة الجانبية والأمامية، أوحوا لبعضهم البعض أن إمكانية الاختطاف والسيطرة على الحافلة غير ممكنة بل مستحيلة!
حيث لا يقدر احد على الإمساك ومحاولة اختطاف السائق أو تكميمه ووضع سكين على رقبته.
فالأمر اخطر من اختطاف طائرة لتنفيذ عملية إنقاذ أو تنفيذ مطالب للخاطفين!
فأطلق حسام نكتة خلال الموقف المرعب وقال: يا جماعة سامي لن ينجب بعد اليوم!
وفجأة حرك أبو العينين المقود إلى اليمين فتمايل الطلاب على بعضهم البعض، وحرك المقود إلى اليسار وعادوا ليتكوموا على أرضية الحافلة!
ثم صاح صيحته المشهورة (يا بنزين)...!