الثلاثاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١
بقلم رندة زريق صباغ

بين عيلبون وطرعان، حيفا والساخنة يكمن الولاء

ثلاثة أشهر بالتمام والكمال...

ثلاثة أشهر وقلمي لا ينجح في تحويل فرحة قلبي لمقالة أو قصة... فالكلمات لا تسعفني، ولغة ضادنا باتت صغيرة أمام كل هذا الفخر وكل هذه الأصالة التي أكدّت من جديد أن التفاحة لا تسقط بعيدا عن جذورها.... وأنّ الذهب يبقى ذهباً وأنّ التربية هي الأساس وهي الأصل...

ثلاثة أشهر من البسمات والفرح، من رضا قلبي وروحي، من غبطة فكري ونفسي...

ثلاثة أشهر بالتمام والكمال عبارة عن ملخص لثلاثين عاماً بالتمام والكمال...

تسعون يوماً غمرتنا فيها المحبّة الخالصة والتقدير والاحترامات التي وصلتنا كأسرة من الاف الأشخاص في البلاد والخارج، أشخاص يقدرون المعدن الطيب، عمل الخير والعطاء دون حدود ودون مقابل... حقيقة لا أنجح في وصف هذا الفيض من المحبّة التي إن دلّ على شيء إنما يدل على أن البشر متعطشين للعمل الطيب ويقدّرونه كما أنهم قادرون على منح الكلمة الطيبة والثناء الجميل، ليس صحيحاً أن مجتمعنا بات سيئاً قاسياً وفظاً لأن أصحاب هذه الصفات ويبحثون عن النقطة السوداء في الصفحة البيضاء هم قلّة قليلة تلوث ما حولها كما تلوث نقطة حبر ورقة كاملة ونقطة زيت ثوباً كاملاً، لكن سرعان ما تزول هذه الفقاعات الهوائية الفارغة فيفسح المجال للطيبين والأنقياء.

أكيدة أنا يا أبي؟ أنك فخور بحفيدتك وبما قامت به نتيجة التربية الصالحة والأخلاق التي ساهمت بزرعها في نفسها وأختيها تما كما زرعتها في نفسي وأخوتي، وبالتالي فإن الأمور تقاس بنتائجها، والشكر لله فكل النتائج مشرفة تتحدّث عن نفسها بنفسها، فكل ما زرعته بحياتك أنت وأمي من محبّة وتربية على العطاء والتضحية قد تجلّى في الوقت الحقيقي، فالمواقف محك الانسان رجلا كان أم امرأة، فشكراً يا أبي أرسلها اليك في الأعالي حيث لا وجع ولا تنهّد، لا تقلقنّ فحفيداتك -اللواتي شغلت منصب جدّهما مضاعفاً بعد وفاة جدهما لأبيهما أطفالاً- على العهد والوعد باقيات كما أنا يا أبي ويا أمي.

أكيدة أنا يا عمّي أبا غسان أنك فخور بحفيدتك وبما قامت به، ولاء التي تركتها طفلة أربعة أشهر، ولاء التي ورثت عنك شعرك الأسود الناعم منذ ولادتها كما ورثت شكل وتقاسيم وجهك الصغير... ثلاثون عاماً بالتمام والكمال هو عمر هذه الرحلة المليئة بالتحديات والتي بفضل الله وبفضل مبادئ وأخلاقيات هي سراجنا نجحنا بتخطيها كلها برأس وهامة مرفوعة... لا تقلقنّ فحفيداتك بنات بكرك غسان عشن معنى التضحية والعطاء منذ نعومة أظفارهن ولا زلن يقفن مع أبيهن ومع روحك يحملن عبء دين أورثته لأبيهن بحسن نواياك وطيب فكرك لتهب الرياح بما لم تشته سفنك فتتركنا وطفلتينا مثقلين بما وجب أن يتوزّع على كل أصابع اليد كما توقعت أنت أيضاً، ليتضح أن بين المرغوب والموجود فارق كبير، سرعان ما كبرت الطفلات واتخذت كل منهن موقع اصبع ناقص في الكف مكانها بكرامة، عزة وكبرياء فتخفف عن أبيها، أمها وجدها والخال جزء لا يستهان به من دين كبير يبدو أنه مرافق لنا حتى نهاية العمر.... هذه هي التضحية الحقيقية والعطاء المثالي وتحمل ما تركه الاباء والأجداد دون تذمر ودون تأفّف حتى لو على حساب أمورك الشخصيّة وأولوياتك كفرد لتصبح مساندة الأب والزوج هي المسئولية الأولى.

بما أن الشخصية لا تتجزأ -الا عند المنافقين والكذبة- فمن البديهي أن من ترعرعت على المحبّة والعطاء، على التضحية لأجل الاخر أن تضحي بجهدها، وقتها، معرفتها وجهدها من أجل انقاذ انسان بل انقاذ عائلة لتحظى بشرف انقاذ مجتمع كامل غرق بالعنف والجريمة، بالتطرف والتعصب.... كلي فخر لأمومة هذه الانسانة الانسانة المذهلة..

فلتناما قريري الأعين أيها الجدّان اللذان لم تتوزع المهام عليكما بالتساوي ولا على أولاكما بالتساوي، لأن الفضيلة التي قامت بها حفيدتيكما وقع أثرها الطيب على قريتيكما بالتساوي بدء من رؤسائها المحترمين اللذين شعرا بفخر انتماء ولاء لبلدتيهما (بلدة المولد وبلدة المنشأ) ولم يوفرا جهداً لتهنئتها وتهنئتنا جميعا، وهذا فخر مضاعف نتيجة انتماء مضاعف ساهم في صقل شخصية ولاء وأختيها.... ومن هذا المنبر أشكر السيد سمير أبو زيد رئيس مجلس عيلبون والسيد مازن عدوي رئيس مجلس طرعان على كل ما قاموا به في هذا المضمار...وطبعا أشكر د. صفوت أبو ريا على حفل التكريم والحفاوة الراقية التي كرّم بها ولاء وكرّمنا. أما بالنسبة لسكان القريتين والمدينة فلا تكفيني كلمات الشكر على مكم المحبة والتقدير الذي غمرتمونا به طيلة ثلاثة أشهر. بالنسبة لأبناء مجتمعنا ممن لا يعرفوننا وأتحفونا بالشكر والتقدير من شمال البلاد حتى جنوبها، اضافة لليهود والأجانب من أصقاع الأرض كلها، فلا أظن الشكر كافيا ولا الكلام وافيا، شكرا شكرا شكرا. وأما عروس البحر حيفا التي نعيش فيها منذ عقد من الزمان والتي ساهم بحرها وكرملها وهوائها بمدنا بالفرح والطاقات الايجابية الملونة، فلها منا جميعا كل العرفان ومحبة الانتماء.

كانت هذه المقالة هدية محبة وشكر مني لوالدي وجدي الشهيد نعيم (لهما الحياة الأبدية) في ذكرى مجزرة عيلبون الثالثة والسبعين التي ومنذ عشرين سنة أكتب في ذكراها مادة لها علاقة بالمجزرة والشهداء كي لا ننسى وطبعا لن ننسى، قررت أن أهديه كل التكريم والمحبة، كل التقديرات والمديح، كل المقالات والقصائد، كل الهدايا والورود، كل كلمة ثناء تلقاها غسان وتلقيتها أنا وأمي، تلقتها وئام ورجاء، فهذا الدليل أننا باقون بالأخلاق والمبادئ، بالرقي والسمو الفكري، الكلامي والتصرفات.

في الذكرى الثالثة بعد السبعين يؤكد الرقم ثلاثة حضوره بقوة في هذه الحالة... ثلاثة بلدات سكنا بها كعائلة نعتز ونفتخر بهن جميعاً، ثلاث بنات أنعم الله بهن علينا هن ثلاث أميرات على قلوبنا، ثلاثون دقيقة بعد الخمسة فترة تحدي ولاء لإعادة الغريق للحياة، ثلاثون عاماً هو جيل العظيمة ولاء صباغ، ثلاثة سنوات بعد السبعين ذكرى المجزرة، التهجير والوجع الدائم... ثلاثة سنوات بعد الثلاثين سنة لزواجنا غسان وأنا....

أكتفي بهذا القدر من الثلاثات والثلاثيات وأنهيها بسلام ثلاثي كبير لكل من قرأ كلماتي وأرسل سلاما ثلاثي الأبعاد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى