الخميس ١١ آذار (مارس) ٢٠٢١
بقلم توفيق الشيخ حسين

تأملات عبر قصائد الهايكو «شفة الاوركيد»

الهايكو شكل شعري ياباني أصبح له تأثير عالمي خلال القرن العشرين ببساطته وإيجازه، ويعتبر الشاعر الياباني (ماتسو باشو) 1694 – 1644 / صانع قصيدة الهايكو، قبل زمن شاعر الهايكو كانت القصيدة المسماة (هايكاي) لعبة متمدنة لتزجية الوقت أكثر مما كانت شعرا ً جادا ً، وكان مطلعها المسمى آنذاك (هوكو) والذي سينفصل فيما بعد ويستقل تحت أسم (الهايكو)،وأن أشهر شعرائها رهبان بوذيون ويعتمدون على فلسفة بوذية الزن (التأمل).

هناك قواعد شكلية كان لابد للهايكو الياباني أن يلتزم بها وتتمثل في نظام المقاطع الذي يتكون من ثلاث جمل تحوي الأولى خمسة مقاطع والثانية سبعة والثالثة خمسة هي التعبير المركز عن تلك الصورة الشاعرية المختصرة التي توحي ولا تصرح، تشير الى الفراغ ولا تملؤه،تركز عنايتها على بدايات الأشياء، ونهاياتها،لا تهتم بلحظات التمزق والصراع بل بلحظات الصفو والاستنارة،والملاحظ أن الخصائص الفونولوجية في شعر الهايكو تذكر في خطاطتها الإيقاعية بإيقاع الموسيقى الشعبية التقليدية اليابانية،هذه الأبوة بين شعر الهايكو والأغاني الشعبية تتعدّىالى مستوى الصّور الأسلوبية والموضوعات مثل العلاقات العائلية والحيوانات الصغيرة والتي يعزى الأهتمام بها الى الفلسفة أو الذيانة الكونفوشيوسية المؤسسة على إرث الآباء والأجداد،عندما أستعار الغرب هذه التجربة في مطلع العشرينيات في القرن الماضي،لم تمنع الشعراء من أن يحدثوا بعض التعديلات.

ويعتبر كتاب (واحدة بعد أخرى تتفتح أزهار البرقوق) ذو العنوان الناضج بالصور الشعرية،والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في سلسلته الجديدة (إبداعات عالمية / فبراير 1999) والذي سهرعلى ترجمته وتعريب محتواه النقدي والدراسي والشعري بأسلوب شائق وجذاب الشاعر والروائي والناقد(محمدالأسعد) نقطة ضوء للقارىء العربي تمكنه من رؤية وتلمس بعض من تلك العوالم الأدبية والفكرية الساحرة للحضارة اليابانية الأصيلة،وبعد ما يقارب نصف قرن على ظهور نبأ قصيدة الهايكو في اللغة العربية بين سطور مقالة مترجمة للأستاذ (دونالد كين) عن الشعر الياباني نشرتها فصلية (عالم الفكر) الكويتية عام 1973 (المجلد الرابع العدد الثاني) وما توالى بعدها من ترجمات أو محاولات كتابة هايكو(عربية) ثم تشكيل تجمعات وعقد ملتقيات وصولا ً الى الوقت الراهن.

أنقسم المهتمون بالهايكو الى تيارين: الأول يرى أن الهايكو يجب أن يبقى داخل الإطار الذي أطره به أصحابه اليابانيون، إذ يرفضون خروج النص عن خصائصه الكلاسيكية،والثاني: ذو نزعة تجديديه،يرى أنه من الضروري إضافة أشياء تتميز بها اللغة العربية مع الاحتفاظ بالمشهدية التي هي أساس الهايكو وروحه،نقل الشاعر السوري المقيم في اليابان ويعمل أستاذا ً لغويا ً ومدرسا ً للغة العربية (محمد عضيمة) ألف قصيدة وقصيدة من الهايكو مباشرة الى العربية،ولعل المبدع (محمود الرجبي) واحد من الطلائع التي أهتمت بهذا الجانب التواصلي عبر أكثر من صفحة وتجمع على الفيس.

ديوان الشاعر (علي محمد القيسي) المعنون (شفة الاوركيد) ** يتميز بقصائده التي تتبع نمط شعر الهايكو بأسلوب متميز،جاءت تسمية مجموعته الشعرية من زهرة (الأوركيد) التي تحمل من المعاني العميقة والتي جاءت من رمزية هذه الزهرة الجميلة، تحمل رسائل الحب والحكمة والتفكير، أطلق عليها الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس) أسم (زهرة عطر الملوك)، وتتمتع بالجمال والغرابة وفي الشرق عموما ترمو (الاوركيد) الى الرفاهية والخصب.

(علي محمد القيسي) شاعر من العراق،مواليد 1971 / بكالوريوس إعلام من جامعة بغداد،كتب النثر والشعر ووجد نفسه في النثر أكثر،تعرف على شعر الهايكو بالصدفة حيث يقول: (قبلها كنا نكتب التوقيعة للشاعر عز الدين المناصرة عام 2004،كنا مجموعة من الشعراء اسسنا موقع على النت أسمه"الأقلام"فيه عدة أبواب لمختلف الأجناس الأدبية،وكان معنا شعراء من جميع بلداننا العربية،وزدت حبا ً بالتكثيق الذي ممكن أن يفتح على آفاق التأويل،وبدأت القراءة للشاعر المناصرة وأمين الذيب وأسماء عدة ومن ثم أتجهنا الى الفيس بوك وعالمه الشاسع لتكون المحطات وآفاق جديدة).

أسس نادي (نبض الهايكو) عام 2015 واصدار مجلتها المعروفة (نبض الهايكو) وتأسيسه (مختبر الهايكو) عام 2018 ليكون مدرسة شعرية ونقدية في مجال شعر الهايكو،الشاعر (علي القيسي) في مجموعته الشعرية (شفة الاوركيد) تضم عددا ً من قصائد الهايكو،وكل قصيدة تعكس تجربته في تأمل واستكشاف جمال الطبيعة،وتمثل له بمثابة غصن إنساني يشكل شمعة في ظلام القصيدة.

حتى تأتي
أقارن بين فتنتها والاوركيد
ليلة مطيرة
على شفة الاوركيد
قطرة عالقة
حقل الاوركيد
كل الأفكار اترجمها
بعناق
من خصلات شعرك استدل وجهة الريح
التي تحمل عبق الاوركيد

الصفة الحقيقية للهايكو هي الحيوية وحس الحياة،وقصائد الهايكو لا تهدف الى أن تسحر بفنيتها،بل تسعى إلى أن تكشف من خلال التأمل أعاجيب الخلق الطبيعي.

الشاعر (علي القيسي) مسكون باللعب الشعري الموغل في المجازات والاستعارات والتي تمنح الجمالية للقصيدة الهايكوية،وقصائده تعتمد البساطة والعفوية.

على الشاطىء
كما لو تتراقص الصواري
من تنهيدة عاشقة!
صخب العالم
كم هو صغير أمام
ابتسامتك!
بالطباشير
الطفل يرسم أمه بعيون لا لون لها
شتاء
أكسر حدة البرد
حين أتذكرك
قهوة مرّة
يخبرني انكماش عينها
عن المذاق

تقول الدكتورة (آمنه بلعلي):

(قصيدة الهايكو في الوطن العربي تكتب بطرق شتى استنادا الى دعاوى شتى،حتى أصبحت قصيدة بلا ضفاف،لقد وصلت إلى العالم العربي بشخصية اخرى،لأنها أكتسبت هويات اخرى لا تسمح لنا بمعرفة بنيتها ولا منطق كتابتها سوى أنها تجربة تقنية،فهل نحتاج الى قارىء سيأتي يقرأ الهايكو بطريقة اخرى أم يمكن أن تتجرد البلاغة من هويتها فيكون الهايكو هو بلاغة المستقبل وقصيدة المستقبل التي تنهي هيمنة أشكال مؤثرة في الذائقة العربية؟)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى