الاثنين ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم حسن عبادي

تصدّع الجدران-عن دور الأدب في مقاومة العتمة

ذات لقاء يوم 30 أيار 2021 مع الأسير معتز الهيموني في سجن عسقلان تعذّر على السجان فتح بوّابة الزنزانة فساعده معتز، واتفقنا على تجميع مفاتيح كلّ الزنازين حال تحرير كافّة أسرانا وصهرها دون رجعة، خلافاً لمفاتيح العودة.
وكم كنت سعيداً حين قرأت إهداء كتاب "تصدُّع الجُدران" لصديقي فراس حج محمد (عن دَور الأدب في مُقاومة العَتمة، 346 صفحة، لوحة الغلاف: الفنان المقدسيّ علاء حوشية، تصميم: "مجد للتصميم والفنون"، حيفا، إصدار دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافية للنشر والتوزيع – عمانَ الأردن) "إلى تلك اللحظة من الزمن القادم، حيث إذابة كل مفاتيح وأقفال السجون لصنع تمثال حرية، كما يتراءى لصديقيّ حسن عبادي وجميل عمريّة".

قدّمت للكتاب الصديقة الكاتبة والروائية صفاء أبو خضرة، ومما جاء في مقدّمتها: "طرح الكاتب أسئلة في غاية الأهمية في هذا الكتاب فيما يتصل بكتابة الأسرى: لماذا يكتبون؟ فهل الكتابة ترفٌ، كيفَ تكون ترفاً لمن هم خارج السجن وسط الفوضى العارمة والضوضاء والتشظي خلف لقمة العيش؟ وكيف تكون ترفاً للأسير وهو ينتظر إما حكماً مؤبداً وإما سنوات طويلة تجرفهُ معها كسيلٍ يجرف الماء والكلأ والحياة".

يتألف الكتاب من ستة فصول؛

جاء الفصل الأول تحت عنوان "الأسرى بين حرفين" ناقش من خلاله التجربة الاعتقالية الفلسطينية في بعدها التوثيقي، فصِرنا بلد المليون أسير، وإضاءات موغلة في الوضوح على الداخل السرّي، ولماذا يصرّ الأعداء على أن يكون لديهم أسرى، والأسرى الفلسطينيون وموقعهم فتولّدت ظاهرة "عمداء الأسرى" (يُطلق هذا اللقب المقيت على كلّ أسير أتم العشرين عاماً خلف القضبان وقد قارب عددهم ال 600 أسير)، واستراتيجيات الخروج من النفق الكبير، والمسكوت عنه في الكتابة عن الأسرى، فلم تعد عملية الكتابة بالنسبة للأسير ترفاً وتزجية للوقت بل أصبحت هي "المتنفّس" الذي يتنفّس فيها الكتّاب الأسرى هواء الحريّة بكلماتهم وكتبهم وضمن هذه المعادلة من التفاعل ولد مشروعاي لكلّ أسير كتاب ومن كلّ أسير كتاب، مشروعان ذوا اتجاهين؛ من الأسير إلى الخارج، ومن الخارج إلى الأسير بحيث يوظف هذا المشروع أثر الكتابة وأهميّتها في المساهمة في جعل قضايا الأسرى حيّةً وصار له أثر الفراشة. واختلاف المعايير النقدية في تناول تجارب الأسرى الكتابية، وتناول أصدقاءه الأسرى من الكتّاب؛ باسم خندقجي، وكميل أبو حنيش، وسامر محروم، وهيثم جابر.
ويعرض الفصل الثاني جانبا من علاقة الكاتب بالأسرى؛ مشاركته في فعاليّات يوم الأسير الفلسطيني عام 2021 ومشوار الخليل التي تضمّنت مقابلة في تلفزيون "هوانا TV" وحديثه عن الجانب الإبداعي لكتب الأسرى، وجولته في رحاب خليل الرحمن، ومشاركته في فعاليّة يوم الأسير وتقديمه لكتب الأسرى وتجاهل التلفزيون الرسمي لنا (أنا وفراس) رغم أنّ مشاركاتنا كانت محور اللقاء وأساسه، ومسرحيّة "رحم الخليل" من كتابة الأسير أيمن الشرباتي، ومقالته "شيء عن أصدقائي الأسرى من الكتّاب" وأثرها ومراسلاته مع الأسير قتيبة مسلم، وقصيدته "تلفيت منزلنا" المهداة إلى أسرى قريته وشهدائها ومناضليها وكتّابها، قصيدته "كان قبل اليوم ملحاً" التضامنيّة مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الذين يخوضون إضراباً عن الطعام، وكذلك قصائده "كالصباحات ابتساما" و"حتّى أعانقكم والأرض مسرحنا".

وفي الفصل الثالث والرابع يقدم إطلالات على نماذج من شعر الأسرى ونثرهم؛ فيتناول التجربة الشعرية للأسير أحمد التلفيتي، وقراءة ثاقبة ووارفة في ديوانين للشاعر أحمد عارضة؛ ديوان "أنانهم" الذي شرّفني بتقديمه، ويصفه بأنّه أنضج ديوان شعري خارج من المعتقل ووصفه بشاعر "يجري ولا يجرى معه"! ووقفة مع الشعريّة في ديوان "خلل طفيف في السفرجل"، ويصل إلى نتيجة مفادها "لعلّه يشكّل علامة فارقة ليس في أدب السجون وحده، بل في الأدب المقاوم الفلسطيني بشكل عام... نجح في الإفلات من المباشرة والتقليدية إلى أفق من الشعرية الباذخة، فقدّم نصوصاً مقطّرة صافية، ممتعة في شعريّتها، ومرهفة في إحساسها، وبلاغيّة في تراكيبها، وانزياحاتها الفنية".

تناول صورة الكاتب الضمنيّة في كتاب "العزيمة تربّي الأمل" للأسيرة أماني حشيم التي شرّفتني بكتابة مقدّمته أيضاً، وملامح أسلوبية وموضوعية في ديوان "طقوس المرّة الأولى" للأسير باسم خندقجي، و"حروف من ذهب" في الميزان الوجداني والإبداعي للأسير قتيبة مسلم الذي شرّفني بكتابة تظهيره، ودراسة في ديوان المتوكل طه "فضاء الأغنيات"، وخصّ الأسير هيثم جابر بوقفتين: "هيثم جابر ورسالتاه في الحبّ والحرب"، و"هيثم جابر لم يبرح أماكنه في الحُبّ والحرب".

وكانت له وقفة مع كتاب الأسير أحمد الشويكي (الذي شرّفني كذلك بكتابة مقدّمتهً) على "بوابة مطحنة الأعمار"، وأخرى مع رواية "العنّاب المرّ" للكاتب أسامة مغربي، ومقالة بعنوان "عموميات الالتزام المنهجي في كتاب "دراسات من الأسر" للأسير أمجد عواد وأشار "أضاف الكاتب إلى معمار المشهد الثقافي الاعتقالي صفة "الباحث" للأسير الكاتب"، والمعمار الفنّي في رواية "أنفاس امرأة مخذولة" للأسير باسم خندقجي، شعريّة الحذف في سرديّة الأسير ثائر حنيني "تحيا حين تفنى" وكان لي شرف كتابة مقدّمتها. تناول السرد المقنّع بالرسالة لبناء سيرة ذاتية حين كتب حول "رسائل إلى قمر" للأسير حسام زهدي شاهين، كما وتناول شهادة الأسير حمزة يونس في كتابه "الهروب من سجن الرملة" فوجدها شهادة حية لصاحبها على ما عاناه في الوطن تحت الاحتلال وفي السجون وفي المنافي العربيّة أيضاً.

تناول الكاتب كتاب "ليس حلماً " للأسير سامر محروم بمقالة نقديّة تحمل عنوان "السردية ومحاولة تعريف" "ليس حلماً" نموذجاً، وكذلك المفارقة المتقابلة في كتاب "رنين القيد" للأسير عنان الشلبي حيث أشار إلى الضعف الإنساني للأسير الذي قابله بقوة لافتة في مواجهة السجانين.

ربطت الكاتب علاقة خاصّة بالأسير كميل أبو حنيش؛ كانت له قراءات في رواية مريم/ مريام، أوّل إصدار لأسير أكتب مقدّمته، حيث تطرّق إلى التعبير عن المحنة الشخصية في الرواية وشخصياتها وثنائيات الاسم واللغة والموت الذي يغيب الشخصيات، وتناول رواية أخرى لكميل "الجهة السابعة" ودلالات إغلاق البنية السرديّة، وكتاب "وقفات مع الشعر الفلسطيني الحديث" الذي قام بتحريره، وقام بتقديم كتاب رائد حواري "إضاءات على إبداعات كميل أبو حنيش".
وكان لكتابات الأسيرات الفلسطينيات نصيب؛ فتناول كتاب "حجر الفسيفساء" لمي الغصين، وكتاب "ترانيم اليمامة"/ كتاب جماعي شاركت فيه 10 أسيرات.

خصّص الكاتب الفصل الخامس للحضور الجماهيري لأدب الأسرى؛ عرض فيه إصدارات أسرى وحفلات إشهار بعضها، "للسجن مذاق آخر" و"رسائل كسرت القيد" للأسير أسامة الأشقر، "العزيمة تربّي الأمل" للأسيرة أماني حشيم، "دراسات من الأسر" للأسير أمجد عواد، "أسرى وحكايات" للأسير أيمن الشرباتي، "تحيا حين تفنى" للأسير ثائر حنيني، رواية "معبد الغريب" للأسير رائد الشافعي وحفل إشهاره في طولكرم تزامناً مع ذكرى النكبة، "حروف من ذهب" و"زنزانة وأكثر من حبيبة" للأسير قتيبة مسلم، "الجهة السابعة" و"جدلية الزمان والمكان في الشعر العربي" للأسير كميل أبو حنيش، رواية "سراج عشق خالد" للأسير معتز الهيموني، سرديّة "الخرزة" للأسير منذر مفلح، ديوان "أنا سيّد المعنى" للأسير ناصر الشاويش وحفل إشهاره على أراضي قنّير المهجرّة تزامناً مع ذكرى النكبة، ديوان "زفرات في الحب والحرب" للأسير هيثم جابر، وكتاب "موجوعة" للأسيرة إسراء جعابيص، كما تناول كتاب "الكتابة على ضوء شمعة" الذي تناول طقوس الكتابة داخل المعتقلات الصهيونية (صدر عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافية، أعددناه وحرّرناه معاً).

تناول هذا الفصل أيضاً تقارير صحفية حول نشاطات الأسرى وإبداعاتهم؛ ومنها، على سبيل المثال، لا الحصر، أمسية قناديل الأسرى تضيء سماء مدينة نابلس التي عقدها منتدى المنارة للثقافة والإبداع لتكريم كتّاب نابس الأسرى، حفل إطلاق "رسائل إلى قمر" في مركز يافا الثقافي في مخيّم بلاطة، ندوة عبر الزوم لمناقشة أدب الأسرى الفلسطينيين عقدها التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، ندوة عقدها منتدى المنارة حول كتاب "ترانيم اليمامة"، حفل إشهار رواية "معبد الغريب" في جامعة خضوري، حفل إطلاق "موجوعة" للأسيرة إسراء جعابيص.

تناول الكاتب تقارير ندوات "أسرى يكتبون" لرابطة الكتّاب الأردنيين التي تشاركنا في كتابتها.

أمّا الفصل السادس والأخير فيضيء على مبادرات لدعم الأسرى الكتّاب وإبداعاتهم، فتطرّق الكاتب إلى مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، شاهد إبداع وقضيّة، كما توقف الكاتب عند جهودي في نشر أدب الأسرى وتعميمه، ومبادراتي؛ مبادرة" لكلّ أسير كتاب" التي وصلت من خلالها آلاف الكتب للسجون، ومبادرة "من كلّ أسير كتاب" التي تُعنى بإيصال إصدارات الأسرى للعالم العربي والتشبيك بين أسرى يكتبون وبين أدباء خارج السجن، ومبادرة "أسرى يكتبون" مع رابطة الكتاب الأردنيين لمناقشة كتابات الأسرى، التي شجّعت مبادرات أخرى ولدت من رحمها، ومنها، على سبيل المثال، لا الحصر، "وتر النصر" للإعلاميّة قمر عبد الرحمن، فعاليّات منتدى المنارة الخاصة بالأسرى، أنشطة مركز يافا الثقافي/ مخيّم بلاطة التي تُعنى بشئون الأسرى، واستطعت، كما جاء في الكتاب، الترويج لأدب الحرية وأن أجمع حولي كوكبة من الكتّاب والنّقّاد الّذين تولّوا مهمّة الحديث عن هذه الاصدارات في البلدان العربيّة واهتمام الإعلام الجزائري من خلال جهود خالد عز الدين.

وتناول الكاتب دور مجلة الليبي في دعم أدب السجون ووجّه في النهاية رسالة إلى منظّمة القلم الدولية.

أرفق الكاتب قائمة بالأسرى الكتّاب القابعين في سجون الاحتلال في الفترة التي صدر فيها الكتاب، وبلغ عددهم (133) كاتبا وكاتبة، مع نبذة مختصرة عن كلّ منهم.

ملاحظة لا بدّ منها؛ تواصل معي أسرى و/ أو أهالي أسرى يكتبون وأعربوا عن استيائهم من تجاهلهم وعدم ذكرهم في القائمة و/أو الكتاب؛ من خلال معرفتي بفراس واطّلاعي على قراءاته وكتاباته في السنوات الأخيرة، وجدته متابعاً نهماً لكلّ ما ينشره الأسرى، وكثيراً ما كان يتّصل بي مستفسراً عن كتاب أسير أو حتّى مخطوطة سمع بها، ولكن من خلال تواصلي معهم وجدت ظاهرة تعيسة ومؤلمة، وجدت أسرى قد بعثوا بمخطوطاتهم لمن وعدهم الاهتمام بنشرها و/ أو لناشر ودفعوا لهم مبالغ باهظة وأوهموهم أنّ كتابهم قد صدر خارج البلاد وانتظروا سنين لوصول نسخة موعودة لم تصل، وتبيّن لي أنّ البعض طبع نسخاً محدودة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة وسلّمها لأهله، ومن أين لفراس أن يعلم حول هذا "الإصدار" الموهوم؟

رافقني الكاتب منذ سنوات في مشروعي التواصلي مع الأسرى الكتّاب، ووجدت الكتاب نوعاً من السيرة الذاتيّة، بما يتعلّق بجانب أدب الحريّة؛ علاقاته بأدب الحريّة وبأسرى كتّاب والكتابة حول أدبهم ودوره في تشجيعهم ومساندتهم ودعمهم (وأعلم علم اليقين أنّ كل ما قام به كان تطوعياً دون مقابل) رغم أنّه حاول جاهداً عدم إبراز دوره، فقد قام بتحرير وتنقيح وتنضيد العديد من إصدارات الأسرى في السنوات الأخيرة وفضّل أن يبقى في الظلّ، وأحياناً رجاني عدم إعلام الأسير بدوره.

أخذني الكتاب لجولة جمعتني بأصدقائي الكتّاب الأسرى، فالتقيت في السنوات الأخيرة بغالبيّة من كتب عنهم وعن كتاباتهم، ورافقت الكثير من إصداراتهم التي جاء ذكرها في الكتاب، أعاد لي ذكريات وأمنيات وآمالاً، ممّا جعل قراءته مغايرة.
وجدت الكاتب يضع حجر الزاوية "Schnurgerüst" لدراسة أدب الحريّة الفلسطيني، فكلّ دارس أو باحث أو مهتم بأدب الحريّة يجد فيه ضالّته وبإمكانه الانطلاق منه، ويشكّل الكتاب لبِنة أساسيّة لمعجم موسوعيّ يُعنى بهذا الأدب.

وتبقى الكتابة متنفّساً للأسير، والحريّة خير علاج له.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى