الأحد ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم عمرو صابح

جمهوريات وملكيات

فى الفترة من عام 1952 حتى عام 1970، عندما كانت مصر تقود العالم العربى، وتشكل تجربتها السياسية نموذجاً للشعوب العربية، كانت الأنظمة الملكية العربية تعيش حالة من الرعب المستمر خوفاً من الاطاحة بها وإقامة نظم جمهورية تتبع خطى النموذج المصرى.

الملك الأردنى حسين صرح فى حديث له انه ظل منذ عام 1957 حتى عام 1967 يشعر بالتهديد على حياته ونظامه بسبب جمال عبد الناصر، وان موقف عبد الناصر منه لم يتغير إلا بعد حرب 1967.

فى سبتمبر 1969 أطاح ضباط ليبيين بعرش الملك الليبي السنوسي وأعلنوا انتماءهم لمبادى مصر الثورة، اعتبر ملوك المغرب والسعودية والأردن تلك الثورة وبالاً عليهم، فقد أصبح لعبد الناصر موطئ قدم فى ليبيا أحد أكبر منتجى النفط فى العالم، كما ان تلك الثورة أثبتت أن أفكاره مازالت قادرة على إلهام الشباب العربى.

محضر لقاء الرئيس عبد الناصر مع الملك السعودى فيصل فى ديسمبر 1969 يحتوى على إشارات لأخطر محاولة انقلابية لضباط الجيش السعودى جرت فى يونيو 1969 وتم اجهاضها فى اللحظات الأخيرة، وعند التحقيق مع هؤلاء الضباط اعترفوا بصلاتهم بمصر وبتنسيق انقلابهم مع سامى شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر للمعلومات، فى محضر المباحثات نفى عبد الناصر علمه بمحاولة الانقلاب وقال للملك فيصل لو عاوز تاخد سامى شرف معاك تحاكمه عندك أنا موافق، كانت نتيجة فشل تلك المحاولة الانقلابية وبالاً على مصر، فمن أجل إرضاء الملك فيصل قرر الرئيس عبد الناصر تعيين أنور السادات نائباً له.

عندما وقع انقلاب الصخيرات فى المغرب فى يوليو 1971 بقيادة الجنرال محمد المذبوح بعد وفاة عبد الناصر بسبع شهور، ورغم ان المذبوح لا صلة له بعبد الناصر وأفكاره مطلقاً، كان رأى الملك الحسن الثانى ان أفكار عبد الناصر التخريبية وراء الانقلاب، وان محمد حسنين هيكل أقرب صحفى لعبد الناصر روج فى جريدة الأهرام لنجاح الانقلاب!!

فى إيران بعد أكثر من 8 سنوات من وفاة عبد الناصر، نجحت الثورة الإيرانية وأسقطت عرش الشاه عدو عبد الناصر اللدود، وعندما عاد الخمينى لإيران توجه بالتحية لروح عبد الناصر الزعيم العربى الوحيد الذى ساعد الثوار الإيرانيون فى ذروة قوة الشاه، كما قال الحسن بنى صدر أول رئيس للجمهورية الإيرانية انه يؤمن بأفكار عبد الناصر الاقتصادية وسياساته الخارجية.

مع انفجار ثورة أسعار النفط والانقلاب الذى قاده الرئيس السادات على سياسات عبد الناصر، وتحالف النظام المصرى مع أمريكا والسعودية وتصالحه مع إسرائيل، انقلب الوضع وتحولت النظم الملكية العربية من وضع الدفاع والخوف من تهديد الأفكار الثورية المصرية إلى وضع الهجوم ونقل نموذجها للنظم الجمهورية فى العالم العربى.

وأصبح من الشائع أن يفكر رؤساء الجمهوريات العربية فى توريث السلطة لأبناءهم، فنجح الرئيس السورى حافظ الأسد فى توريث الرئاسة لابنه بشار، وكان الرئيس العراقي صدام حسين يخطط لتوريث الرئاسة لابنه قصي، وكذلك الرئيس الليبي معمر القذافي الذى كان سيورث الرئاسة لابنه سيف الإسلام، والرئيس اليمنى على عبد الله صالح الذى كان سينقل الحكم لولده، ومعهم الرئيس المصرى حسنى مبارك الذى ترك الحكم فعلياً لابنه جمال فى الفترة من 2004 حتى انتفاضة يناير 2011.

اندلعت موجة الربيع العربى تحت لافتة منع توريث السلطة فى النظم الجمهورية العربية، وتسببت فى تدمير ليبيا واندلاع حرب أهلية طاحنة فى سوريا، وفى مصر لولا تدخل الجيش عام 2013 لأصاب مصر ما جرى لسوريا وليبيا.

بعد 8 سنوات من الربيع العربى وعقب كل تلك الدروس عندما يفكر أعضاء شبكة المصالح خلف الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقه فى استمراره رئيساً بعد 20 سنة من حكمه ورغم مرضه المستمر منذ 10 سنوات فهم من يقودون الجزائر لمصير مجهول، ويتيحون الفرصة لزواحف الاسلام السياسي الخارجة من كهوف القرون الوسطى للعودة إلى الصورة.
النظم الجمهورية فى العالم العربى بسعيها إلى التحول لنظم ملكية هى من تفجر نفسها من الداخل منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين.

رابط لمحضر مباحثات الرئيس عبد الناصر مع الملك فيصل قى القاهرة
18 ديسمبر 1969.

http://nasser.bibalex.org/Sessions_UC/1969/1.htm


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى