الاثنين ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
بقلم فيحاء عبد الهادي

حكايا المجاورة الفنية: ملتقى الحكائين العرب 2016

ماذا تعني المجاورة الفنية بين الحكائين/ات العرب؟
هل يحتاج الحكّاؤون والحكّاءات إلى تبادل الخبرات مع من لديهم/ن تجربة في جمع الحكاية الشعبية، وجمع الحكايات الشفوية؟ وتحقيق السير الشعبية؟ أم يكفيهم أن يتعلموا من تجارب بعضهم بعضاً، ومن قراءة الكتب، ومن الحياة؟
هل تفيدهم مشاركتنا في الملتقى؟ أم تشكِّل قيداً عليهم؟

جالت في رأسي أفكار متعددة، بينما أتهيأ للمشاركة في المجاورة الفنية، ضمن برنامج حكايا، هذا العام، حيث "يستمرّ ملتقى الحكّائين العرب، على شكل مجاورة تجمع ما بين 35 شخصاً، من بينهم 11 حكواتية وحكواتياً عربياً، و10 من مسؤولي المكتبات من فلسطين ولبنان، المعنيين في الحكي، ويستضيف الملتقى عدداً من المختصين في مجال الأدب الشفوي والقصة".
أعددت مقابلات مع نساء، جمعت من فترات تاريخية مختلفة، تصلح أن تروى على ألسنة الحكائين والحكّاءات العرب. وحين بدأت في إعدادها لتصبح حكايات تروى لجمهور واسع، من الدول العربية المختلفة؛ أحسست بمسؤولية كبرى تجاه الروايات المحكية، وبضرورة أن تروى محتفظة بطزاجتها، وبروحها، وبموضوعها، حتى لو رويت على لسان رواة من جنسيات أخرى، بلهجاتهم/ن المحكية.
*****
على مدار أربع ساعات؛ حدث تواصل جميل بيننا. تحدثت عن أهمية جمع الروايات الشفوية بشكل يجعلها صالحة للقص، وصالحة للحفظ والأرشفة، حتى يمكن الاستفادة منها بطرق متعددة ومتنوعة. وتحدثت عن حساسية جمع روايات النساء، اللواتي يتحفظن بداية على البوح، وقدَّمت أمثلة محدَّدة على الإمكانيات اللامحدودة للمرأة حين تفتح قلبها وعقلها وتحكي.
كنت أحمل قصص النساء الفلسطينيات تحت جلدي. طالَبَت النساء، اللواتي تمَّ توثيق رواياتهن؛ أن يخرجن من بطون الكتب، إلى الحياة؛ كي يصبحن مرئيات بشكل أوسع؛ فاستجبت.
*****
من خلال الجلسة المخصصة لاختيار نص من النصوص، والعمل عليه ليصبح حكاية تروى؛ أطلت "رفيقة حمادة" (الجفرا)، مواليد 1924، من الكويكات/ قضاء عكا، وأطلت "زينب عقل"، مواليد 1924، من قرية دير ياسين/ قضاء القدس، كما أطلَّت: "نعمة حسين"، مواليد العام 1937، من كفر قليل/ قضاء نابلس، و"إيناس الصّفدي"، مواليد العام 1980، من قرية عوريف/ قضاء نابلس، و"بسمة عيسى احمد سالم"، مواليد العام 1995، من الخليل؛ لتتدافع الحكايات، عبر السنين.
ومن بين الحكايات المتنوعة؛ استولت رواية "رفيقة حمادة" (الجفرا) على قلوب المشاركين والمشاركات.
*****
روت "رفيقة حمادة" حكايتها طفلة، وشابة وكهلة. حكت عن معاناتها الخاصة، حين جرى تزويجها طفلة، ثم تحدثت عن فاعلية النساء، في دعم الثوار في الجبال، أيام الانتداب البريطاني، وعن رحلة تهجيرها القاسية، العام 1948 إلى لبنان، ثم عن معاناتها في الشتات. من خلال الرواية؛ برزت شخصيتها الآسرة القوية، وقدرتها على البناء، ونضالها العنيد ضد عوامل القهر الشخصية والعامة.
"ما بقرا وما بكتب، بس نشاطي أحسن من اللي بيقروا وبيكتبوا. أنا الجفرا.
لقَّبوني بالجفرا، مش لقَّبوني؛ أنا الجفرا. لما قرابتي خطبني، ما بعرف بهداك الوقت محبِّة، لابعرف عشق، لابعرف شي، زغيري خطبوني، أخدوني لما تجوَّزت على ضهر الفرس، عند العريس، ما بعرف! رحنا، يقولوا للعريس: عدّي الخيزرانة بايدك وبلِّشلها خبط للعروس منشان تشرق عينا. آه كلوا هيك. العروس قاعدة والعريس ولا بتحكيه، ولا متفاهمين، بتبقى هيك. (ما تحمَّلِت) ضليتني أركض، أركض، أركض، رحت انهزمت بالليل على بيت أهلي، الاكليل على راسي والبدلة لبستها، دقّيت، فتحوا لي أهلي أوام، أبوي ما هانش عليه. بس بدهن يرجّعوني قال أبوي: عليِّ ما عليِّ ما بترجع، إلاّ جاب وجها البلاد كفر ياسيف وكفر عنان والكابري ودنون، البلاد كلا اجت. بعد عشر تيام، خجل من الوجها، رجَّعوني، أول مرَّة طبعا يومتها كان نفس الشي، آخر الشي طلَّقني. لما طلَّقني، خوت، بِحِبّني، أنا ما بعرف بَحِبُّه ما بَحِبُّه! طبيعي ما بعرف شي، انجنّ، انجنّ، انجنّ، وصار عاد يقول أغاني الجفرا. ألبس؛ يطلِّع علينا غناية، أروح عالزتون؛ يطلِّع غنّاية، أروح أملِّي مي؛ يطلِّع غنّاية، شو! شافني عالبيدر؛ طلَّع غنّاية، صار بالاعراس كلها: جفرا، جفرا، عمل كتابين كلا أغاني، غنّوها كتير، لحنها حلو كتير. أغانيه حلوة، ما في متلا. هو اللي سمّاني الجفرا؟ هو اللي غنّاها، وهو أنا اللي كان يعنيني. ما فيش ع شكلي كان! بقيت كثير كثير حلوة. كمان لمّا تجوّزت؛ نطّ من الشبّاك، وضلّ يغنّي لحتّى ما مات.
أول طلعتي، يمكن 13، كان الانكليز يضلّن يهاجموا القرى. الثوار بالجبال وبالوعور والقرى، بالليل ييجوا على القرى، بالنهار يطبخوا هالنسوان الكبار وإحنا نروح نودّي الميّ والكاز والأكل بالجبال والمغاير، بين التين وبين الزيتون لحتى ياكلوا.
الاوضة تنتلي ثوار بالليل، يشلحوا ويحطوا صبابيطهن على جنب، أسلحتهن يحطوها ويرتاحوا، يغسلوا ويصلوا، أنا أقوم أغسل كلساتهن بالليل وأنشرهن، قبل يطلع الضو يكونوا ماشيين، ما بيمشوا بالنهار حتى ما يكشفهن الطيران. في الله يرحمُه، "نوح إبراهيم" كان يجمع أهل القرية، في ساحة كبيرة، منشان تدريب السلاح، وكتير هادا كان يلبس كشاف نص كم وشورت "نوح إبراهيم"، ونحن نطلع على السطوح، النسوان الكبار والبنات كلُّه يطلع على السطوح، يتفرَّجوا على الساحة، يقلن: هيا يا أهل الحميِّة، مالنا غير البندقية، هيا "نوح إبراهيم"، هيا يا أهل فلسطين، من عرب وفلاحين. "عز الدين القسام" غنينالوا:
عزِّ الدين عزيناك وبقلبنا حطيناك
ويا خسارة يا عزِّ الدين يابطل فلسطين.
كلُّه يغني، ونحنا نغني كتير أغاني ثورية.
لما تيجي الانكليز وتضبّ أهل البلد وتنزِّلها على ساحة العين، و(تقول) كم وون، في نسوان جريئة تمسك الكلاشن مِنُّه (الجندي)، وتضربُه فيه، مكنّاش نقول: كلاشن، كنا نقول: متريليوس".
*****
هل تبيَّن سبب تعلق الشباب الحكّائين برواية "رفيقة حمادة" (الجفرا)؟
في حديث الراوية؛ اختلطت الأسطورة بالواقع، والماضي بالحاضر، بشكل جميل أخّاذ:
ما زالَتْ جَفْرا/ تُصبِحُ في صَبْرا/ تَلْعَبُ في دَنُّون،
تُمْسي في الْكُوَيْكات/ تُحاوِرُ النُّجوم.
*****
أيتها الحكاءات والحكّائين العرب، حكاية جفرا، والعديد من حكايات الناس أمانة لديكم؛ فلتتمثلوها؛ لتُخرجوا أجمل ما فيها وما فيكم.

عن الأيام، فلسطين


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى