الجمعة ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الطّبيب الشاعر والكاتب عليّ الطّائي

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف المبدع:

علي الطائي - طبيب وشاعر وكاتب عراقي.

 أكمل الطائي دراسته الابتدائية عام 1979 والثانوية عام 1985 والتحق بكلية الطب /الجامعة المستنصرية في بغداد وتخرج فيها طبيبا عام 1992

 تحصل على الشهادة الجامعية بكلوريوس طب وجراحة عامة - اختصاص طب الأسرة.

وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين

 عضو نقابة الأطباء العراقية.

 مؤسس (مجلس الدكتور علي الطائي الثقافي في بابل) 2020.

 عضو المنتدى الثقافي الدولي للإنسانية والابداع.

لديه العديد من المؤلّفات الطّبّيّة، والأدبيّة.

_ أيّ الرّغبتَين تنازعتكَ في الطّفولة: الرّغبة أن تكون كاتبًا، أم طبيبًا؟ وماذا تتذكّر من طفولتك "ككاتب صغير"؟

ج/ كنتُ أحلُم أن أكونَ كبيرًا، أن أُرضي أملَ أبي وأمّي في أن أصبحَ طبيبًا، كما هو شغفُ الشرقيينَ في بلادِنا. غيرَ أنّ بذرةَ الكتابةِ كانت تتفتّحُ في داخلي على غفلة، فخططتُ أوّلَ قصةٍ لا شعرًا، ثم مزّقتها لاحقًا بيدي، إذ بدت لي ساذجةً أمامَ عيني، لكنّها بقيت العلامةَ الأولى على دربٍ طويلٍ في الأدب والحرف.

_ عملتَ طبيبًا في بابل، وعدّة محافظات عراقيّة، وفي اليمن، والأردنّ. هذه التّنقّلات، والأسفار أيّهما أفادت: عليًّا الطّبيب، أم عليًّا الكاتب؟

ج/ تلكَ التّنقّلاتُ والأسفارُ لم تُفِدْ عليًّا الطّبيبَ وحدَه، ولا عليًّا الكاتبَ فقط؛ بل صاغتْ الإنسانَ كلَّه. في بابلَ تعلّمتُ أنَّ الجذورَ لا تفارقُ المرءَ وإن ابتعد، وفي اليمنِ أدركتُ أنَّ الطبَّ ليس دواءً فحسبُ بل لغةُ قلوب، وفي الأردنِّ وجدتُ أنّ الكتابةَ وطنٌ متنقّل. هكذا تماهى الطبُّ مع الحرف، وصار كلُّ سفرٍ فصلًا جديدًا في كتابِ الروح. لكن الدافع الأول للسفر من العراق كان اقتصاديا وماليا في الدرجة الأولى بسبب الظروف السيئة التي عاشها العراقيون في تسعينات القرن الماضي.

_ هل أفادتك مهنتك في كتابة قصص من وحي حالات مَرَضيّة، وهل لديك أفكار لكتابات روائيّة تستوحيها من طبيعة عملك؟

ج/ نعم، أفادتني المهنةُ كثيرًا؛ فالمرضى ليسوا حالاتٍ سريريّة فحسب، بل حكاياتٌ تمشي على الأرض، تحملُ وجوهًا متعبة وقلوبًا مشرعة على الأمل. ومن بين أنينهم وابتساماتهم تولدُ ومضاتٌ قصصيّة، تُغذّي الخيال وتمنح النصوص صدقها. فكتبتُ أوّل مجموعةٍ قصصيّة بعنوان (أصداء البشر)، وفيها كثيرٌ من قصص العيادة والنّاس وحكاياتهم، كما أنّ لديّ روايةً لم تكتمل بعد، تحكي قصّةَ حياتي برمزيّةٍ أراها ضروريّة. وهكذا صار الألمُ نافذةً للكتابة، لا جدارًا يحجبها.

_ لديك مجموعة شعريّة للأطفال بعنوان(أرضنا الزّاهية)، إضافةً إلى مجموعة قصصيّة، هل من كتّاب عراقيّين استعنتَ بهم في مجال أدب الطّفل، أم اعتمدتَ على تجاربك الذّاتيّة؟

ج/ نعم، لدي مجموعة شعرية للأطفال بعنوان (أرضنا الزاهية) وأخرى لم تُطبع بعد، إضافةً إلى مجموعة قصصية للأطفال وأخرى لم تُنشر بعد. وقد اعتمدتُ في ذلك على تجربتي الشخصية، وإيحاء مما حفظته من قصائد الأطفال في سنوات دراستي الابتدائية. فأي شاعرٍ يغفل الكتابة للأطفال، يغفل جانبًا مهمًّا من الإنسانية وجمالها الطاهر.

_ هل فكّرتَ أن تُشارك بجوائز تُعنى بأدب الطّفل كجائزة عبد الحميد شومان، ومصطفى عزوز؟ وما رأيك بهذه الجوائز كداعم للكاتب العربيّ؟

ج/ لا ، لم أشترك بهما ولا علم لدي عنهما، فالفوز عندي هو ارتسامُ البسمة على شفة الصغير حين يستلم نسخته -في عيادتي- (وهذه عادتي)، والأجمل من هذا حينما يَقدمُ في الزيارة اللاحقة وقد حفظ عدد من القصائد ويلقيها على مسامعي. أما الجوائز فهي لا تخلق كاتبا ولا شاعرا وليست مهمة عندي، والاعلامُ يصنعُ المعجزات.

_ كتابك (ألف سؤال وسؤال في طبّ الأطفال)، تبدو لي فكرته رائعة، وغريبة، هل من الممكن أن تختار لنا مثالًا عن سؤال طفل، وجواب طبيب وردَا فيه؟

ج/ محتوى الكتاب طبي بحت مقدم إلى الأطباء وطلاب الطب بأسلوب سهلٍ وليس كتاباً مقدماً للأطفال.

_ كتابك (أطبّاء شعراء)، كيف أتت فكرته، وهل جمعتَ فيه أسماء أطبّاء شعراء عراقيّين، أم عرب؟

ج/ جاءت فكرة كتابي (أطبّاء شعراء) بجزئيه الأول والثاني (والثالث في طريقه إلى النشـر) من دهشتي أمام التقاء المعطف الأبيض بوهج القافية، وكيف يستطيع القلب أن يجمع بين مشـرطٍ يداوي الجسد، وقلمٍ يرمّم الروح. لذلك سعيتُ إلى جمع نماذج من الأطباء الذين كتبوا الشعر، فلم أقصره على العراقيّين وحدهم، بل ضمّ بين دفّتيه أسماء من العراق ومن سائر البلاد العربية، ليكون شاهدًا على أن الطبّ والشعر يتكاملان في صياغة إنسانٍ واحدٍ لا يعرف الحدود.

_ بِخصوص كتابك(كيف تصبح طبيبًا ناجحًا)، ما أهمّ النّصائح الّتي وردت فيه؟

ج/ في كتابي «كيف تصبح طبيبًا ناجحًا»، أكّدتُ أن النجاح في مهنة الطب لا يقوم على المعرفة العلميّة وحدها، بل على سموّ الخُلق ورقّة القلب. فالنصيحة الأولى أن يكون الطبيب إنسانًا قبل أن يكون عالمًا، يصغي إلى مرضاه بصدقٍ ويعاملهم برحمة. وثانيها أن يظلّ متعلّمًا مدى الحياة، يطارد المعرفة كما يطارد المريض عافيته. وثالثها أن يحافظ على نزاهته، فلا يبيع ضميره لمغريات المادّة. أمّا رابعها، فهي أن يتذكّر أنّ الطب رسالة، والرسالة لا تكتمل إلا إذا امتزج فيها العقل بالرحمة.

_ ما طبيعة عملكم في المجلس الثّقافيّ في بابل ومطبعة المجلس الثّقافيّ المؤسَّسة عام ٢٠٢١؟

ج/عملُنا في المجلس الثقافي في بابل يقوم على إحياء روح الأدب والفكر، عبر الندوات والأمسيات الشعرية والحوارات النقدية، وفتح أبواب المجلس لكل صوتٍ صادقٍ في ميادين الثقافة. أمّا مطبعة المجلس الثقافي، التي تأسست عام ٢٠٢١، فهي الذراع العمليّة لهذا المشروع؛ تطبع الكتب والدوريات وتمنح الكتّاب فرصة أن يروا أفكارهم وقد تجسّدت في أوراقٍ تحمل بصمتهم. وهكذا يجتمع الفكرُ بالمطبعة ليصنعا معًا ذاكرةً حيّة للثقافة في بابل.

_ قناتك على اليوتيوب ماذا تقدّم فيها: الطّبّ، أم الأدب؟

ج/قناتي على اليوتيوب ليست مخصّصةً لوجهٍ واحدٍ من حياتي، بل هي مساحةٌ تتجاور فيها الطّبابة مع الكلمة، ويجلس فيها المشرطُ إلى جوار القصيدة. أقدّم عبرها موضوعاتٍ طبيّة مبسّطة تهمّ العائلة والطفل، أحاول أن أشرح من خلالها ما قد يبدو معقّدًا بلغةٍ واضحةٍ قريبة من النّاس، ليجد المتابع في دقائق معدودة ما يعينه على فهم صحّته وحماية أحبّته. وفي الجانب الآخر، تنبض القناة بالأدب؛ ففيها أقرأ قصائدي وقصائد غيري من الشعراء، وأقدّم حواراتٍ نقديّة وتأمّلاتٍ فكرية، لتكون نافذةً يتطلّع منها القارئ إلى جمال الكلمة وثراء المعنى. هكذا صارت القناة مرآةً لرحلتي المزدوجة، حيثُ يتلاقى الطّبيب الذي يداوي الجسد، مع الكاتب الذي يرمّم الروح، في انسجامٍ لا يعرف الانفصال.

_ ماذا كتبت لغزّة، وهل لديك كتابات عن أدب المقاومة قديمة، أو قيد الإنجاز؟

ج/ كتبتُ لغزّة بمداد القلب قبل مداد القلم؛ فهي في وجداني ليست مدينةً محاصَرة فحسب، بل أيقونةُ صبرٍ وكرامةٍ وإنسانيّةٍ تقفُ في وجه الطغيان. قصائدي إليها حملت وجعها ووجعنا، وأدركتُ أن الكتابة لغزّة ليست ترفًا أدبيًّا، بل هي مشاركة وجدانيّة في معركتها الطويلة.

أما عن أدب المقاومة، فقد كتبتُ فيه منذ شبابي، نصوصًا تشتبك مع قضايا الإنسان وهموم الوطن العربي، بعضها نُشر، وبعضها ما يزال في دفاتري. ولديّ مشاريع لم تكتمل بعد، أحاول أن أجعلها كتابًا متكاملًا يُوثّق هذه التجربة، حيث تمتزج الرمزيّة بالشهادة، وتلتقي الكلمة بالسلاح لتصنع معًا ملحمةً لا يبهتُ بريقها.

غزّة

كتبت بتاريخ 5-11-2023 (الكامل)

هل عُدتَ تَسألُني عَنِ الأعرابِ؟
عَن (خَيبَرٍ) أو زُمرةِ الأحزابِ
ها هُمْ على سُرُرِ المهانةِ قُلَّبٌ
والذلُّ، ليسَ الخمرُ، في الأكوابِ
حِضنُ الغَواني دارُهُمْ ومَلاذُهُمْ
وعلى ضِعافِ الناسِ كالأربابِ
هُم هكذا مذ ألفِ عامٍ قد خَلتْ
سَلْ غابِرَ التّاريخِ والكُتّابِ
من أي قومٍ نَتَّقي وقَرارُنا
قد صِيغَ للأذيالِ والأغرابِ
قل لي: متى تُطوَى صَحائِفُ ذِلَّةٍ
بجميلِ فعلِ العُربِ لا الأذنابِ
من أينَ نأتي بالطهارةِ والنَّقا
والنطفةُ السوداءُ في الأصلابِ
قل لي: متى هذا العِقالُ يَمَلُّهمْ
أو يلبَسونَ العِزَّ كالأَثوابِ؟!
أكبادُنا في (غَزَّةٍ) صَرختْ بنا
قوموا إلينا، ثُلَّةَ الأصحابِ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى