الأربعاء ١١ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الكاتبة الأردنيّة نسرين المشاعلة

السّيرة الذّاتيّة:

• بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة عمّان الأهليّة
• خبرات مهنيّة: مساعدة إداريّة، وإدارة وتنظيم المعارض
• النتاجات الأدبيّة:
• رواية "ابنة آدم" (كتاب إلكترونيّ)
• رواية "مراتع الظّلام" (قيد النّشر)
• قصص قصيرة ومقالات منشورة في الصّحف
• حائزة على جائزة اتّحاد الأدباء الدّوليّ في أمريكا عن قصّتها القصيرة ذاكرة الماء

• هل بدت ملامح الشّغف بالكتابة منذ طفولتك، وماذا تتذكّرين من نصوصك المتميّزة في تلك الفترة؟

نعم، بدأتُ الكتابة في سنّ مبكّرة جدًا، كان عمري آنذاك اثني عشر عامًا. والحقيقة أن أوّل من اكتشف هذا الميل كانت مُعلّمة اللغة العربيّة، وهي مَن أيقظت في داخلي ذلك الحسّ، إذ كانت شغوفة بالتنقيب عن المواهب الإبداعيّة في الكتابة.

كانت تُعطينا في كلّ مرة موضوعي إنشاء: أحدهما سهل تقليديّ، والآخر عميق يتطلّب تفكيرًا ومقاربة خاصّة، وكنتُ دومًا – دون وعي – أختار الموضوع العميق، فكانت تختار ما أكتبه وتمنحني أعلى درجة.

أما أكثر نصّ أذكره بتميّز خاص، فكان بعنوان "ما الذي تراه مرآتك الداخليّة ولا نراه"

لا أذكر التفاصيل التي كتبتها، لكنّي أذكر ما حدث بعد يومين من تسليم الموضوع، إذ نادتني إلى غرفة صفّ المعلمات، وطلبت منّي أن أقرأ نصّي أمامهنّ وأمام المديرة. لم أفهم ما يجري وقتها، لكنّني أدركت بعد انتهاء القراءة حين رأيت نظرات الذهول في أعينهن، وبدأن يطرحن عليّ الأسئلة: كيف كتبتِ هذا؟ هل أنتِ قارئة نهمة؟

وقالت احداهن بلكنة مازحة: معقول غشيتي!

ثم قالت لي المعلمة جملة لا أنساها ما حييت:

"منحك الله ملكة الكتابة... يومًا ما ستُصبحين كاتبة حقيقيّة."

هي أوّل من وضع بذرة الكتابة في رأسي، ولها الفضل في أنني آمنتُ بهذا الطريق.

• يعمد البعض إلى كتابة قصص لا يُفهم منها شيء، بينما يسمّي كاتبها تلك القصص تحت مسمّى الرّمزيّة، هل ترين أنّ هناك ضوابط للرّمزيّة لا ينبغي الخروج عنها، وما هي تلك الضّوابط؟

الرّمزيّة أداة رفيعة وليست حجابًا للتعمية. حين تتحوّل الرّمزيّة إلى متاهة لا باب لها، يفقد الأدب وظيفته، ويُقصي القارئ بدل أن يحتضنه. الضّوابط في رأيي تبدأ من وضوح الفكرة الكامنة وراء الرمز، ثمّ من ترك إشارات كافية للقارئ كي يُفكّكها دون أن يشعر بالإهانة أو العجز. الرمزيّة الناضجة لا تعني الغموض المجّاني، بل التكثيف العميق.

• أيّهما يتيح التّعبير عن نفس الكاتب أكثر:القصّة القصيرة جدًّا، أم القصّة القصيرة؟

لكلّ منهما خصوصيّته، لكنّ القصّة القصيرة تمنحني مساحة أوسع للاستبطان، لبناء الجوّ، ولتطوير الشخصيّات. أما القصّة القصيرة جدًّا فهي ومضة، أشبه بلقطة فوتوغرافيّة خاطفة، تُناسب لحظة شعوريّة مكثّفة، لكنّها لا تسع الكثير من العمق أو التّأمّل.

• ما هي الأجناس الأدبيّة الأخرى الّتي تنوين كتابتها؟

أعشق الكتابة بكلّ أجناسها، وهذا الشغف هو ما يدفعني لاقتحام أيّ جنسٍ أدبيّ دون تردّد. لا أؤمن بالحواجز الصارمة بين الأجناس، بل أرى الكتابة حقلاً مفتوحًا للتجريب والتعبير، وكلّ جنس أدبيّ هو طريقة جديدة لاكتشاف نفسي والعالم من حولي. وقد أكتب في المستقبل سيناريو لمسلسل أو فيلم سينمائيّ، وربما أجرّب كتابة نصٍّ مسرحيّ، أو مونولوج داخليّ، فكلّ تجربة جديدة تمنحني أدوات إضافيّة للغوص في النفس البشريّة ومساءلة الواقع.

• هل تستعينين بأحد لتعلّم جنس أدبيّ ما، أم تعتمدين على نفسك من خلال البحث والمطالعة؟

أستعين بالمكتبات والكتب، وأؤمن أنّها المدرسة الوحيدة والأبديّة للكاتب. فهي التي تصقل الموهبة، وتغذّيها بالمفردات والأفكار، وتفتح أمامه آفاقًا لا تُحدّ. أجد فيها عالمي المثالي، وملاذي الأصدق.
كما أحرص على الاستماع لنصائح الأساتذة والأدباء والنقّاد، وأتقبّل النقد بكلّ رحابة، لأنّه بالنسبة لي أداة بناء وتطوير، لا هدم أو تثبيط.

• هل تولي بلادك اهتمامًا كافيًا بالكُتّاب؟

نعم، تولي بلادي – الأردن –اهتماماً ملحوظاً بالكتّاب والأدباء، وتسعى بشكل جاد إلى دعم الحركة الثقافية والأدبية من خلال عدد من المبادرات والجوائز.

وهناك دعم من مؤسسات ثقافية مثل وزارة الثقافة الأردنية، وأمانة عمان، ومكتبة عبد الحميد شومان، ودور النشر المحلية، التي تسعى مجتمعة إلى تعزيز مكانة الكِتاب الأردني وإتاحة الفرص أمام المبدعين للنشر والمشاركة في الفعاليات المحلية والعربية.
كل هذه الجهود تعكس إيمان الأردن بأهمية الكلمة المكتوبة ودورها في بناء الوعي وتشكيل الهوية الثقافية.

• حدّثينا عن قصّتك الفائزة في مسابقة ديوان العرب، ما هي فكرتها، وهل توقّعتِ فوزها؟

سبحان الله، فاتني الإعلان الأوّل عن المسابقة، ولم أتمكّن من المشاركة في وقته. لكن من حسن حظّي، أن يتم تمديد موعد التقديم، فيظهر لي إعلان المسابقة قبل انتهاء فترة التقديم. ما شدّني للمشاركة هو فكرة المسابقة نفسها، فمن النادر أن نجد مسابقة أدبيّة تُخصَّص في أدب المقاومة، وهذا ما أثار حماسي، خاصّة وأنا أُحبّ الكتابة عن فلسطين، بل إنّها تكاد تكون حاضرة في كلّ نصّ أكتبه، متربّعة على "كرسيّ الكتابة"، لا تغيب.

أما فكرة القصّة، فهي محض خيال ارتوى من الواقع ونما. وعلى الرّغم من أنّ كثيرين تواصلوا معي وسألوني عن مكان وقوع الأحداث، متوقّعين أنّها قصّة حقيقية، إلا أنّهم صُدموا حين أخبرتهم أنّها من وحي الخيال.

القصة تنطلق من قناعة راسخة لديّ، وهي أن البيئة هي التي تصنع الشجاعة. الأبطال لا يولدون في البيوت المرفّهة، بل تحت القصف، وفي الأزقّة المحاصَرة.

يولد الشجعان عندما لا يبقى أمامهم سوى المقاومة، وعندما يصبح الصمت خيانة، والخضوع موتًا. يولدون من رحم الخوف، ليكونوا نقيضه.

لا تفارق ذاكرتي صورة طفل فلسطينيّ صغير، يمسك حجرًا ويقف بثبات أمام دبّابة مدجّجة بالأسلحة. في حين أنّ طفلًا آخر، في مكان آخر من هذا العالم، قد يصرخ هاربًا من مجرّد حشرة. تلك المفارقة تختصر فلسفة القصّة: ليست الشجاعة صفةً وراثيّة، بل موقفًا تُنتجه الأرض، وينضج في الوجع، ويُروى بالكرامة.

اما الشق الثاني من السؤال فأنا عادةً أضع كل الاحتمالات في كفتي الميزان: الفوز والخسارة على حد سواء. أشارك بكلّ شغف، مع وعي تام بأن النتيجة قد تكون أيًّا منها. هذا التوازن يمنحني هدوء النفس وحرّية الإبداع، فلا أُثقل كاهلي بخيبة أمل مسبقة، ولا أتوهّم الفوز قبل أن يأتي.

• هل وجدت تعقيدات في المشاركة بمسابقة ديوان العرب، وهل من مقترحات حول هذه المسابقة؟

لا، على الإطلاق. كانت تجربة المشاركة سهلة وسلسة للغاية. أرسلتُ البريد الإلكتروني بالملفات المطلوبة، وفي اليوم التالي تلقيتُ ردًا يؤكد وصولها، مع كلمات تشجيعية ودعوات طيبة.

القائمون على المسابقة، ورغم مكانتهم كأدباء ونقاد معروفين، كانوا بشخصياتهم ودودين ومتواضعين جداً، مما أضفى على التجربة طابعًا إنسانيًا جميلًا، وشعرت أنني بين أصدقاء يقدرون العمل الأدبي بصدق.

أتمنى أن تتوسع المسابقة لتصبح دولية، وتشمل جميع اللغات. تويتر جمعني بأصدقاء متضامنين مع فلسطين من دول اجنبية يكتبون عن فلسطين وكأنهم ولدوا فيها، وهذا يعكس عمق التضامن والوعي العالمي. أتمنى أن تتاح لهم الفرصة للمشاركة، لأن أصواتهم تُثري الحراك الأدبي وتمنحه بعدًا إنسانيًا أوسع.

• بعض الكُتّاب والشّعراء يُصابون بالإحباط في حال عدم فوزهم، بماذا تنصحينهم؟

الفوز ليس مقياس القيمة، بل هو لحظة عابرة من التقدير. أُصيب بالإحباط أحيانًا، مثل الجميع، لكن سرعان ما أعود لأكتب، لأن الكتابة في ذاتها هي الجائزة. أنصحهم بأن يفصلوا بين التقييم الخارجي والصوت الداخلي، وأن يستمرّوا لأنفسهم أولًا.

• في كلّ دقيقة هناك أخبار موجعة عن غزّة، ككاتبة كيف تعيشين هذا الألم، وهل ترين أنّ الأقلام العربيّة تفي ما يحدث حقَّهُ؟

أعيش الألم كأنّي هناك، أسمع الصّرخات في رأسي وأنا أكتب، لكنّي أعجز عن التّعبير بما يكفي. لا شيء يفي، لا الكلمات ولا الدّموع. ورغم ذلك، فإنّ علينا أن نكتب، لا بوصفنا متضامنين فقط، بل بوصفنا أصحاب قضيّة وأصحاب الأرض.
أحيط نفسي بالكتّاب والأدباء الذين يحملون همّ الوجع الفلسطيني، وأجد في هذه الدائرة مساحة كبيرة من الحسّ الإنساني والوعي العميق. لذلك أشعر أن صوت المقاومة والألم يتردد بقوة وبصدق في الكثير من الأقلام العربية، وهذا يعطيني بعض الاطمئنان.

بالطبع، لا يمكن لأي قلم أن ينقل كلّ تفاصيل هذا الألم المعقد، لكن هناك جهود صادقة تجتهد في أن تُوفي الحدث حقّه من التعبير، وتوثق معاناة الشعب الفلسطيني. بالنسبة لي، الكتابة هي فعل مقاومة ومشاركة في معركة الوعي، وآمل أن تستمر الأقلام في التألق والإصرار على قول الحقيقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى