دراسة جمالية في قصيدة «جثث على كتفِ الحريق»
تهدف الدراسة إلى الكشف عن مثيرات اللذة الجمالية التشكيلية في واحدة من القصائد المميزة في شعرية العجمي، هذه الشعرية التي أثارت الحركة الجمالية من خلال فاعلية الصور المؤثرة المتحركة بإيقاعاتها العاطفية سواء القومية أو الوطنية لتحقق إيقاعها الجمالي النصي، وهذا يعني أن الشعرية كتلة مؤثرات جمالية تحقق إيقاعها الجمالي النصي، التي تجعل القارئ يسبح في بحر من المؤثرات الجمالية التي تخلقها قصائده على المستوى الفني والجمالي.
ولعل من مساعي الدراسة الكشف عن المؤثرات الجمالية التي تحكم إيقاعها التشكيلي، إذ يلحظ القارئ أن الأبيات تقتضي بعضها بعضاً وفق مؤثرات جمالية تتحكم في مؤثراتها ومغرياتها النصية، والشاعر المبدع هو الذي يحقق قيمة جمالية في هندسة قصائده على المستوى الإبداعي.
ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن الشعرية قيمة تفاعلية مؤثرة في خلق المؤثرات الجمالية التي تباغت القارئ بمستوى المكتشفات النصية التي تحقق غايتها وقيمتها الإبداعية.
أولاً- نص قصيدة (جثث على كتف الحريق):
جثث على كتف الحريق..
.......
غصَّتْ ببيت قصيدها الأقلامُ
بيروت نارٌ والقلوب حطامُ
فيضٌ حنيني والجداولُ أدمعي
جمر فؤادي والعيونُ غمامُ
حبري دمي لهبُ الموانيء أسطري
شعري شظايا والحروفُ رُكامُ
حطبٌ ذراعي والمواقدُ أضلعي
مابين صدري والحريق وئامُ
فحمٌ عظامي والرَّمادُ بأعيني
وعليَّ من حمم الجحيم حزامُ
فالدَّهر فاجأني بقبضة قاتلي
مابين روحي والحياة خصامُ
هُدمتْ منازلنا على اجسادنا
بجَريمةٍ شابت بها الأيامُ
بيروت ينزفُ كالذبيحة عنقها
أبناؤها برحى المقابرِ ناموا
تلك البراكين التي أبصرتُها
انفجرتْ بهم كأنهم ألغامُ
جثثٌ على كتفِ الحريقِ مدينتي
جسدي اكتوى وبمهجتي إضرامُ
ما كنت احسب أنَّ قلبي لعبةٌ
يلهو بها وحش اللظى الهدّامُ
بيروتنا التهبت بأكرم أهلها
والمجرمون عصابةٌ حكّامُ
بيروتُنا احْترَقَتْ فدوّى صوتها
فتخضَّبت بدمائها الأعلامُ
بيضُ النَّوارس شيَّعت أفراخها
وتحطَّمت برحيلها الأحلامُ
واجتاح قلبَ الأم أفظعُ نكبةٍ
فبكى الفراتُ وناحتْ الاهرامُ
بيروتُ تشربُ باللظى كأس الرّدى
واذا السماء قيامةٌ ورُغامُ
ثكلى تعضُّ على الجراح وقلبها
من حاقدٍ نزلت عليهِ سهامُ
هذا دمي يجري على جدرانها
ومن الجماجم في الثَّرى أثلامُ
وتصحَّرتْ كلُّ البلاد بأهلها
أشجارها يبستْ وساد قَتامُ
حطمتني بيروتُ كم صبَّرتني
بيديكِ كانت تُهزمُ الآلامُ
ماكنتْ أعلم يا حبيبة خافقي
أنَّ المحبّةَ حكمها الإعدامُ
بُلِيتْ مدينتُنا بإرهابٍ طغى
لا الدين خلَّصها ولا الأصنامُ
سقط الطغاةُ كما القضاة بِوَحلهمْ
ظلموا الورى برقابهم آثامُ
قدْ عُيِّنوا زورا فضلوا دربهم
وهمْ لمنْ سَفكَ الدِّما أزلامُ
أهل النِّفاق بالكراسي أُلصقوا
وعدوا وكلُّ وعودِهم أوهامُ
يا ابن الذِّئاب لقد نهشت جلودنا
بمخالبٍ فتضخَّمت أورامُ
آباؤكَ التُّجّار كانوا زُمرةً
ذَبَحوا الورى وعلى المجازرِ قاموا
أوَتدَّ عون بأنَّكم اهل الوفا
وسجلُّكم في العالم الإجرامٌ
ونفَخْتُمُ أجسادكم فتورَّمتْ
لكنَّكمْ في المستوى أقزامُ
انا لا اصدق ما جرى يا موطني
حكم البلاد مهرِّج وغلامُ
يا أيها الحكّامُ ليس لديكٌمُ
الا الفساد وحاقدٌ نمّامُ
أغنامكمْ خدَّرتموها فانثَنتْ
ومتى تُبدَّلُ وجهها الأغنامُ؟!
هجّرتُمُ ونهبتُمُ وقتلتُمُ
وعلى خطاكم سارتْ الأنعامُ
أحرقتُم فصل الرَّبيع وزهرَهُ
فالأرض صحرا والحياة زؤامُ
كلُّ الكوارث من صنيع ذنوبكمْ
وشفيع حكمٍ فيكمُ الإعدامُ
بيروت شمس الكون باقٍ نورها
مهما طغى في ظلمها الإجرامٌ
كم أنجمٍ في حضنها قد شَعْشَعتْ
عشقت عناقَ نجومها الأحلامُ
مهد الحضارة عنوان الإبا
أم الكنوز وللفنون مقامُ
وتزورها الدُّنيا لكسب ودادها
لجمالها عرس الجمال يُقامُ
ماكنتٍ الاّ للكمال عشيقةً
يزهو بك الإبداع والإكرامُ
ماكنت يا بيروت الا أمةً
عربيةً فيها الرّجال عظامُ
لولاك لاجتاح الظلامُ فصولنا
هجر الضِّيا بلدي وحلَّ ظلامُ
فيروزُ ابنتك التي أوحى لها
ربُّ السَّماء فغرَّد الإلهامُ
سحر الوجود بصوتها وبروحها
بغنائها فرح الدُّنى وغرامُ
نغم ومعجزة بصوت مشرقٍ
بظلاله تتراقص الأنغامُ
بيروتُ وجه الأكرمين بوجهها
وعيونُ وجه الشرق ليس تنامُ
بيروت نجمتنا أنارت فكرنا
فيها لأسمى المبدعين وسامُ
بيروت مبدعةٌ وسرُّ تفوّقٍ
قد شعشعت بفضائها الأنجامُ
سَكَنتْ ببيروت التي أحببتها
عينُ المحبَّة والرّؤى وسلامُ
والكلُّ عاجلها يداوي جرحها
والعرب ناصرها كذا الأعجامُ
رسموا مدينتنا فطاروا شهرةً
وبكلِّ فخر جرحها الرَّسَّامُ
بيروت روح الكون كلاّ لم تمتْ
لا لن تموت حضارةٌ وكرامُ
ثانياً- التحليل النصي:
تعد الشعرية قيمة جمالية متغيرة بإيحاءاتها وتشكيلاتها النصية، والقارئ الجمالي هو الذي يباغت المتلقي بأسلوبه الشعري، من خلال التشكيلات النصية المراوغة، وحراك الدلالات الشعرية التي تباغت المتلقي بأسلوبها التشكيلي الانزياحي الخلاق بمؤثرات الدلالة ومثيراتها النصية،وهذا يعني إن أي ارتقاء جمالي في قصيدة من القصائد يظهر من خلال بناها النصية المفتوحة ورؤاها العميقة.
وبتقديرنا: إن الوعي الجمالي في اختيار النسق الشعري المؤثر والكلمة المؤثرة في بنية القصيدة هي التي تحدد الإمكانية الجمالية التي يمتلكها المبدع في خلق الجمالية النصية، وما من شاعر موهوب إلا ويملك الخصوصية الإبداعية، تبعاً لمحفزاته الشعرية، وطريقة الاختيار، وبراعته في اختيار النسق المناسب جمالياً، ومن هنا تختلف شعرية المحفزات النصية من قصيدة لقصيدة، ومن سياق شعري إلى آخر، تبعاً لحساسية المبدع الجمالية ودرجة شعرية النسق؛ولهذا نلحظ اختلاف درجة شعرية المحفزات في قصائد العجمي تبعاً لحساسية الشاعر وبراعته في الانتقال من نسق تصويري إلى آخر،ومدى الوعي في الاختيار النسق الجمالي المؤثر في إيقاعه الشعري؛ ومن هنا يختلف الشاعر المبدع عما سواه وفقاً لحساسيته الرؤيوية،وبراعته النسقية في التشكيل والخبرة المعرفية في الانتقال من نسق شعري إلى آخر،وهذا دليل الحنكة الجمالية في التشكيل والوعي الجمالي في تفعيل المحفزات الجمالية تبعاً لحساسية الرؤية وفنية اللغة في التعبير عن الفكرة الشعرية.
وبتصورنا:إن الفكر النقدي الإبداعي يقف على المثيرات النصية المؤثرة التي تجعل القارئ يتلذذ بمتعة المكاشفة والاكتشاف الجمالي، فالقارئ الجمالي هو الذي يكتشف ما خفي من النص، ويكتشف الرؤى البؤرية العميقة التي ينطوي عليها، ومن هنا فمن يبحث في مثيرات الشعرية ومتحولاتها النصية في قصيدة من القصائد عليه أن يقف على المتغيرات الجمالية التي تنطوي عليها القصيدة في تجلياتها النصية الشعرية المفتوحة برؤاها ودلالاتها النصية.
ومن يطلع على قصيدة (جثث على كتف الحريق) المهداة إلى بيروت، يلحظ أن البناء الجمالي الذي تؤسس عليها حركة القصيدة يرتكز على المقومات والبؤر النصية التي تحقق قيمة جمالية عالية، من حيث الاستثارة والفاعلية واللذة في التلقي الجمالي،كما في المقومات التالية:
1-المقوم الجمالي الاستهلالي:
لاشك في أن لكل قصيدة مؤثرة تجلياتها الإبداعية الخلاقة التي ترتكز عليها في استثارة الجماليات النصية، وتعد الفاتحة الاستهلالية النشطة جمالياً من مؤثرات اللذة الجمالية في خلق الاستثارة النصية الخلاقة بموحياتها ورؤاها النصية،في القصيدة، كما في هذه الافتتاحة الموحية بتجلياتها الشعرية الخلاقة:
غصَّتْ ببيت قصيدها الأقلامُ
بيروت نارٌ والقلوب حطامُ
فيضٌ حنيني والجداولُ أدمعي
جمر فؤادي والعيونُ غمامُ
حبري دمي لهبُ الموانئ أسطري
شعري شظايا والحروفُ رُكامُ
حطبٌ ذراعي والمواقدُ أضلعي
مابين صدري والحريق وئامُ
فحمٌ عظامي والرَّمادُ بأعيني
وعليَّ من حمم الجحيم حزامُ
فالدَّهر فاجأني بقبضة قاتلي
مابين روحي والحياة خصامُ
هنا، تظهر الشعرية في أرقى درجاتها في هذه الصور العاطفية المتأججة حسرة وأسى على جثث الأبرياء في بيروت، كيف أحرقتهم ألسنة اللهب بنيراتها الغادرة، فيبث صوره العاطفية المتوهجة بدلالاتها ورؤاها، وكأن كل شيء فيها قد صار رماداً يعكس درجة الأسى والحرقة على ماحل ببيروت من دمار وخراب وقتلى أحرقتهم النيران، وهكذا تظهر الفاتحة الاستهلالية بصورها المتوهجة قيمة جمالية في التعبير عن الحرقة الشعورية المريرة،كما في قوله:
فحمٌ عظامي والرَّمادُ بأعيني
وعليَّ من حمم الجحيم حزامُ
فالدَّهر فاجأني بقبضة قاتلي
مابين روحي والحياة خصامُ
إن إحساس الشاعر المتخم بالحرقة والأسى والدموع يظهر من خلال احتراق قلبه في ثنايا أضلعه وتفحم شعوره الحزين أسى وحسرة على ماحل في بيروت من دمار، وهاهنا، ينقلنا الشاعر نقلة نوعية من صورة على صورة، ومن نفثة شعورية مؤلمة متوترة إلى نفثة شعورية أشد إيلاماً وأسىً وحسرة، وهكذا يجعلنا الشاعر نعيش حالة من الأسى والحزن على ما حل في بيروت لنشاركه أحزانه وشعوره الاغترابي المرير بالحسرة والأسى على ما حل في بيروت، وترك أثره في نفس الشاعر إيقاعاً مؤلماً يتردد صداه بين الحين والآخر، وهكذا يأتي المقوم الاستهلالي الجمالي مؤثراً بؤرياً في تحفيز القصيدة واستثارة الدلالات الموحية التي تشي بالمكابدة والجراح والأسى والحزن، وكأن كل شيء أمام الشاعر دامع بالأسى والحزن والوجاعة المريرة.
2-المقوم البنائي الشبكي للمؤولات النصية المغتربة:
تعد الشعرية في مسارها الرؤيوي النصي، محتوى فاعلية كل استثارة جمالية في القصيدة، وهاهنا يعد المقوم البنائي الشبكي للمؤولات النصية المغتربة في قصائد العجمي، محتوى استثارة الصور الشعرية في بث عاطفتها الحزينة بكل محتويات الرؤية النصية البليغة، وهذا يقودنا على القول ؛إن الشعرية ذات قيمة مؤثرة في استجرار الدلالات المحرضة للشعرية عندما تثبت القصيدة الشعرية قيمتها النصية المفاجئة ورؤيتها الخلاقة بالدلالات والمعاني الجديدة، فكل نسق شعري يقود النسق الشعري الآخر، لتحقيق فاعلية الرؤية النصية في القصيدة، ومن يطلع على البنية العلائقية الجمالية في هذه القصيدة يدرك فاعلية المقوم البنائي الشبكي للمؤولات النصية المغتربة بشعورهها وإحساسها الصادم، كما في قوله:
فالدَّهر فاجأني بقبضة قاتلي
مابين روحي والحياة خصامُ
هُدمتْ منازلنا على اجسادنا
بجَريمةٍ شابت بها الأيامُ
بيروت ينزفُ كالذبيحة عنقها
أبناؤها برحى المقابرِ ناموا
تلك البراكين التي أبصرتُها
انفجرتْ بهم كأنهم ألغامُ
جثثٌ على كتفِ الحريقِ مدينتي
جسدي اكتوى وبمهجتي إضرامُ
ما كنت احسب أنَّ قلبي لعبةٌ
يلهو بها وحش اللظى الهدّامُ
إن القارئ هنا أمام صور متوهجة إبداعياً في اغترابها الحزين وعاطفتها المتوهجة بالدلالات المتوهجة على اغترابها وحزنها وما تبثه من دلالات متوهجة على الواقع الأليم الذي حدث في ماساة بيروت، فالجثث المتفحمة تدلل على قمة الوحشة والانتهاك والأسى الصادم، وكأن كل شيء يؤذن بالموت والقتامة والحداد، وما قوله:[ جثث على كتف الحريق مدينتي] غلا دلالة على الوحشية المرعبة التي تخطفت الأبرياء وأبادت حباتهم الكريمة المسالمة، وهكذا ينفلنا العجمي في قصيدته من صورة مؤلمة إلى صورة أشد إيلاماً وحسرة، وكأن كل شيء يؤذن بالموت والدمار،وهذه النظرة الاغترابية الاحتجاجية الصارخة تمثل صرخة في وجه البشاعة والإجرام ليعلن انتمائه للحياة والجمال، وهذا الأسلوب الجمالي الاغترابي في تصوير الموقف المؤلم يدلل عن شعرية بؤرية محكمة في استثارة الدلالات وتحريكها من خلالال فاعلية الصور، كما في قوله:
بيروتنا التهبت بأكرم أهلها
والمجرمون عصابةٌ حكّامُ
بيروتُنا احْترَقَتْ فدوّى صوتها
فتخضَّبت بدمائها الأعلامُ
بيضُ النَّوارس شيَّعت أفراخها
وتحطَّمت برحيلها الأحلامُ
واجتاح قلبَ الأم أفظعُ نكبةٍ
فبكى الفراتُ وناحتْ الاهرامُ
بيروتُ تشربُ باللظى كأس الرّدى
واذا السماء قيامةٌ ورُغامُ
ثكلى تعضُّ على الجراح وقلبها
من حاقدٍ نزلت عليهِ سهامُ
هذا دمي يجري على جدرانها
ومن الجماجم في الثَّرى أثلامُ
وتصحَّرتْ كلُّ البلاد بأهلها
أشجارها يبستْ وساد قَتامُ
حطمتني بيروتُ كم صبَّرتني
بيديكِ كانت تُهزمُ الآلامُ
ماكنتْ أعلم ياحبيبة خافقي
أنَّ المحبّةَ حكمها الإعدامُ
بُلِيتْ مدينتُنا بإرهابٍ طغى
لا الدين خلَّصها ولا الأصنامُ
إن قارئ هذه الأبيات الشعرية يلحظ مدى السخط على الزعامات العربية التي ماراعت حق الزود عن أبناء العروبة في الوطن العربي، فهاهي بيروت صومعة الجمال والسلام في العالم العربي تدمر بنيران الغدر التي طالت أبنائها، وتخطفت زهور الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، بهذا الإحساس الاغترابي الجمالي من رؤية إلى رؤية، ومن صورة إلى صورة ينقلنا بين الصور ليؤكد أن الجمال لايمكن أن يدنس وهذه المجزرة المروعة لن تزيدنا إلا اصراراً للتمسك بالجمال والحياة، ولهذا جاء قوله:[ ما كنت أعلم يا حبيبة خافقي أن المحبة حكمها الإعدام]، فبيروت التي هي أم للسلام والطيبة والجمال فقدت الحياة واغتيلت لأنها رمز للسلام والمحبة والجمال، وهنا يتفاجأ الشاعر أن يكون مصيرها الإعدام، بدلا من أن تسمو في واحات الجمال والسلام العالمي، وهكذا جاءت الأبيات في القصيدة ذات قيمة تأثيرية في بث الاغتراب والأسى الدامع، وهكذا ينقلنا الشاعر نقلة نوعية من صورة اغترابية إلى صورة أشد اغتراباً وأسرة وحسرة على ما آل ببيروت من دمار وقتل وخراب،فهي رمز الجمال والرقة والصفاء والسلام.
وهكذا أحدث الشاعر في هذه القصيدة قشعريرة الجمال في الانتقال من رؤية على رؤية ومن فاعلية جمالية تصويرية إلى فاعلية رؤيوية خلاقة بالدلالات الاغترابية الثائرة في صورها المتوهجة في رؤاها وبناها الدالة.
3- المقوم الأسلوبي التشكيلي المراوغ:
الشعرية مقومات تشكيلية خلاقة بدلالاتها ورؤاها النصية، ولايمكن أن تحقق الشعرية أعلى تجلياتها النصية إلا من خلال الصور الخلاقة الموحية التي تفجر لعبتها الجمالية باستثارة البنى والرؤى الدالة، وكم من القصائد الشعرية لاتزدهي إلا بأنساقها التشكيلية المراوغة التي تحقق قيمتها النصية المراوغة عبر جماليات تشكيلية تؤكد حرفنة الشاعر في انتقلاته الشعرية وتحولاته النصية المراوغة.
والملاحظ أن فاعلية الاستثارة الجمالية التي تحقق قيمتها النصية هي التي تباغت القارئ أن المثير النصي التفاعلي يحقق أقصى درجات الفاعلية واللذة الجمالية،كما في قوله:
بيروت مبدعةٌ وسرُّ تفوّقٍ
قد شعشعت بفضائها الأنجامُ
سَكَنتْ ببيروت التي أحببتها
عينُ المحبَّة والرّؤى وسلامُ
والكلُّ عاجلها يداوي جرحها
والعرب ناصرها كذا الأعجامُ
رسموا مدينتنا فطاروا شهرةً
وبكلِّ فخر جرحها الرَّسَّامُ
بيروت روح الكون كلاّ لم تمتْ
لا لن تموت حضارةٌ وكرامُ
بهذا الإحساس الجمالي حقق الشاعر قيمة جمالية في ترسيم الصورة المؤثرة التي تشكل علامة أيقونية في استثارة الدلالات والرؤى الشعرية، وهكذا يشكل الشاعر الدلالات البؤرية النصية التي تحقق قيمتها على المسار الإبداعي، وهذا ما يضمن شعريتها ولذتها الجمالية.
وصفوة القول: إن الشعرية التي تفيض فيها قصيدة (جثث على كتف الحريق) تتأسس على مثيرات نصية غاية في اللذة والاستثارة النصية الجمالية وفق متغيرات أسلوبية تؤكد شعريتها من حياكتها النصية الجمالية التي تحقق أعلى درجات الفاعلية واللذة في تلقيها الجمالي الفاعل.
نتائج أخيرة:
إن الشعرية – عند العجمي- شعرية فواعل لغوية نصية تحقق قيمتها الجمالية من بلاغة المؤثرات الشعرية النصية التي تجعل النص كتلة متفاعلة شعورياً من أول كلمة في تشكيل القصيدة إلى آخر كلمة في تكوينها، وهذا يدلنا على أن الشعرية كتلة فواعل نصية استثارية تباغت القارئ في تلقي النص جمالياً وفق متغيرات جمالية غاية في الفاعلية والتأثير.
إن النص الشعري عند العجمي يشكل مجموعة قيم جمالية استثارية تحقق قيمتها الجمالية في حراكها النصي التي تباغت القارئ، وتحقق أقصى درجات فاعليتها،أي إن اللغة العاطفية مشحونة بالدلالات الشعرية لتحقق أقصى درجات الفاعلية في تلقيها الشاعري المؤثر.
إن الدهشات التصويرية الصادمة في قصيدة (جثث على كتف الحريق) تؤكد أن النص الشعري عند العجمي معجون بدماء العواطف والشعور،لأن الشعر يكتب بدماء المشاعر والأحاسيس الصادقة، ولايمكن للشعرية أن تؤثر إن لم تكن مبنية على تجارب حقيقية صادقة في اختمارها الشعوري ونبضها الانفعالي الصادق.
إن حنكة العجمي التشكيلية وراء التوهجات الإبداعية في جل قصائده، وهذا يؤكد أن الشعرية قيمة تفاعلية تحقق استعلائها الجمالي من تشكيلها النصي المثير، وحراكها الشعوري المفتوح، وهذا دليل احتفاء قصائده بكل مظاهر الاستثارة واللذة في تلقيها الجمالي الآسر.
إن الروح الجمالية هي التي تحكم سيرورة قصائد العجمي من حيث الفاعلية والدهشة والتأثير، وهذا يؤكد أن الشعرية تشكل الرحم الجمالي لقصائد العجمي في توثباتها الإبداعية الخلاقة بالمعاني والدلالات الجديدة، وهذا ما يحسب لها على المستوى الإبداعي.
إن رغية العجمي في تأسيس قصائده على بلاغة الصور العاطفية دليل اغتراب شعوري مأزوم يجسده في صوره الشعرية، مما يجعل الصور صادقة الشعور محمومة المشاعر البؤرية التي تعبر عن الموقف والحدث الشعري بفاعلية نصية ورؤية إبداعية صادقة.
إن اللذة الجمالية- في تشكيل قصائد العجمي- تجعل النص الشعري قيمة تحولية استشرافية الرؤى والدلالات الشعرية المؤثرة، وهذا يعني أن الشعرية تشكل قيمتها الجمالية، وهذا ما يضمن للشعرية فاعليتها التأثيرية في خلق الاستثارة واللذة الجمالية في تشكيلها.
إن اللعبة الجمالية في قصائد العجمي فاعلة في استثارة الدلالات والمعاني الشعرية، وهذا يدلنا على أن الشعرية كتلة متحولات جمالية في قصائد العجمي التي تتنوع دلالاتها ورؤاها النصية تبعاً لمتحولاتها النصية الآسرة وبلاغة مردودها الجمالي على المستوى الشعوري والموقف العاطفي المجسد.
إن الفكر الجمالي في تشكيل القصيدة عند العجمي- ينبع من فاعلية ا لرؤى التشكيلية في ترسيم الجمل الشعرية لتحمل دلالاتها ورؤاها النصية، وهذا يؤكد أن الشعرية تفاعل مؤثرات جمالية محمومة بالدلالات النصية الجديدة والرؤى المتخمة بدلالاتها ورؤاها الشعرية، ومن هذا المنطلق تتأبى قصائد العجمي عن الصور السطحية لتركز رؤيتها على المعاني البؤرية العميقة والدلالات المفتوحة في مدها الشعوري الاغترابي المحموم أو العاطفي المتوتر بدراما الأحداث والرؤى الواقعية المتخيلة.
إن احتفاء الشاعر بالصور هو احتفاء في تأسيس اللغة الشعرية على مثيرات درامية مفتوحة في تشكيل القصيدة، وهذا ما يجعل الرؤيا الشعرية متغيرة في تجلياتها الإبداعية تبعاً لفاعلية الصورة الشعرية عند العجمي وغناها بالمؤثرات التشكيلية التي تحقق إيقاعها الجمالي بأقصر الألفاظ وأرقى الصور الشعرية في الإحاطة بالموقف والحدث الشعري في آن معاً. ومن هذا المنطلق تغتني الشعرية في قصائده بدلالات شتى لأنها نابعة من روح شاعرية مفعمة بالرؤى والدلالات الشعرية الجديدة.