[1] وأوجب العرب علی متعلم الفصاحة فی العربیة أن تکون کل کلمة فیه جاریة علی القیاس الصرفی . وکل کلمة لیس لها وَزن فی لغتنا العربیة الجمیلة لا تُعَدُّ منها؛ لأنَّ العَرَب لا یستسیغون اللفظ غیر الموزون. واشترطوا سلامة الترکیب من تنافر الکلمات، فالأوزان لها صفة التطریب عند العرب أو ما تستسیغه أُذنهم ولذلک استَهجَنُوا قول الشاعر:
وقَبرُ حَربٍ بمکانٍ قَفر ولَیسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ
نظراً لتنافر الحروف والکلمات عند الترکیب، الثقیلة علی السمع، مما یؤدی لصعوبة أدائها باللسان.
[2] ولم یُعیبوا علی المقرئین التطریب و التلحین حتی فی القراء ات وما منعوا إلّا المغالاة فیها.
ولیس یَخفَی أنَّ العَرَب تَحَدَّثوا عن جَرسِ الحَرف أی:نَغَمت
[3] فَجَرسُ الحروف: صوتها المنغم، ولذلک قیل: حروف الهَمس، وحروف الصفیر، وحروف التَّفخیم.
وجَرسُ الکلمات: هو نغمتها وصوتها وإیقاعها الحاصل نتیجة التلاؤم بین کلماتها.
[4] وأما الإیقاع فَهُوَ مِن إیقاع اللحن والغناء، وهو أن یوقعَ الألحان ویُبَیِّنها، وسمَّی الخلیل رحمه الله کتاباً فی ذلک المعنی«الإیقاع»
[5] ورَتَّب کتابه «العین» علی مخارج الحروف من أوتار الحلق بالسمع، فحرف العین أدخلها فی الحلق
[6] وأما الموسیقی فهی لغة العواطِف والوِجدان، ولنغماتها دَرَجاتٌ مِنَ الشِّدَّة أوالضَّعف، واللِّین أو القوَّة، والسرعة أو البطء ونحو ذلک.
وتؤثر الموسیقی فی العواطف، لِما فی نغماتها وإیقاعها مِن جَمال، ولِمَا یَنشَأ عن هذه النغمات من إحساس و أثَرِ فی النفوس.
کما یعتقد عتیق أنّ بین الأدبِ والموسیقی قدراً کبیراً من الاشتراک، فکلاهما یستعمل مادةَ الأصوات الزَّمنیة، فالموسیقی تستعمل أصواتاً لا معنی لها –کمادة أوَّلیة –والأدب یستعمل أصواتاً ملیئة بالمعانی، هی الألفاظ.
[7] .
مظاهر الموسیقی فی اللغة العربیة
تجری الموسیقی فی الحروف العربیة کما أنها تجری فی الکلمات والعبارات العربیة. أمّا جریانها فی الحروف العربیة فیری عبد الحمید حسن أنّها: «ولاختلاف المخارج والصفات فی الحروف التی تتکوَّن منها الکلمات، تکون الکلمات تبعاً لذلک فی الوضوح والشدِّة والسُّرعة، وفی رنینها، ونغماتها الموسیقیة وغیر ذلک. فبعض الکلمات تبدو خافتة، وبعضها یظهر مُجَلجلاً، وبعضها خفیف التموّجات یجری کالماء، وبعضها تسمع له ما یُشبه الحَفِیف، أو الخریر، أو التدفُّق، وبعضها تلمح فیه الرَّخاوة واللین، وبعضها له رَنینٌ سابح، أو أبتر، وبعضها هواء بالتموّج الصوتی والطوعیة الموسیقیة کحروف المدّ».
[8] .
إنّ الموسیقی فی حَرَکات وکلمات اللغة العربیة؛ الحرکات الثلاث: الضمَّة والفتحة والکسرة، وتتابعها فی الکلمة أو الکلمات، أو الانتقال من الحرکة إلی أخری کالانتقال من الکسرة إلی الضمَّة أو العکس، أو جَرَیان هذه الحرکات دون أن یعترضها السکون أو تکرار السکون علی فترات منتظمة أو مختلفة، کل ذلک له أَثَرٌ فی جَرس الکلمات والعبارات وإیقاعها.
[9] .
أمّا الموسیقی فی العبارات العربیة؛ فحین تتجمع الکلمات فی الجمل وفی العبارات، تکتسبُ جَرساً موسیقیّاً آخر، زیادةً علی ما کان علیها من موسیقی فَردیة، وذلک مثل تشابه بعض الکلمات فی الوَزن وفی المکان مِنَ الجملة، أو تعاقب کلمتین متشابهتین فی الوزن والرنین، أو فی تجانس فقرتین أو جملتین فی عدد الکلمات وفی وزن کل منهما، أو فی التجانُس فی الکلمتین الأخیرتین فی جملتین، أو فی التشابه الذی یبرز فی فتراتٍ متکافِئةٍ أو فی التدرّج المتعادل، أو فی التتابع المقروون بسرعة الجَرس.
[10] .
أمّا موسیقی الشعر العربی؛ فتَتَجَلَّی موسیقیَّة اللغة العربیة فیه، وهو أشَدُّ الفُنُونِ ارتباطاً بالموسیقی؛ لأن الأیقاع المنغمَ المقسمَ فی الشِّعر، یجعله مصاحباً للتعبیر الجسدی بالرقص عن الانفعالات الحسیَّة، کما یجعله أقدر علی تلبیة التعبیر الوجدانی بالغناء.
[11] . کما یری أنّ موضوع الشِّعر ووظیفته، هو الغناء المطلق بما فی النفس من مشاعِر وأحاسیس وانفعالات.
[12] .
إنّ الأصوات، بخصائصها، وأنواعها، وأوصافها، وتعدد صور تأليفها وأشكال أدائها، هي جنس يشمل، فيما يشمل من الأنواع، فنَّـيْ الشعر والموسيقى. وفي بعض المصادر ترد الإشارة إلى فن الموسيقى بعبارة "علم الألحان" و"صناعة الألحان"
[13] ، وعبارة "صناعة الإيقاع"
[14] ، وعبارة "تأليف اللحون"
[15] . وکذلك عرّفوا الموسيقى بأنها "صناعة في تأليف النغم والأصوات ومناسباتها وإيقاعاتها وما يدخل منها في الجنس الموزون والمؤتلف بالكمية والكيفية."
[16] وقد عُرّف الإيقاع بأنه "نظم أزمنة الانتقال على النغم في أجناس وطرائق موزونة تربط أجزاء اللحن، ويتعين بها مواضع الضغط واللين في مقاطع الأصوات."
[17] إن أركان الوزن في الموسيقى مبنية على أساس الأفاعيل العروضية فعلى هذا أنتجت الأدوار الإيقاعية ولكن للتقطيع يستخدمون حرفي التاء والنون بدلاً من الأفاعيل كالتالي: تَن، تَنَن، تَنَنَن، تَنَنَنَن وما شابهها ويسمى الأتانين (Atanin)
[18] . إن الإيقاع كان أساس علم الموسيقى في قديم الزمان لأنه وبفضل علم الإيقاع يتم تقييم تركيب النغمات والأصوات الموسيقية وترتيبها.
یکون الإيقاع في الموسيقى هو بمثابة العروض للشعر وكما تصاغ البحور الشعرية من الأركان العروضية للموسيقى أيضاً دوائر تتكون من الأزمنة الإيقاعية. إن للإيقاع أركانا وهي عبارة عن: السبب، والوتد والفاصلة التي تنقسم كل منها إلى قسمين.
[19] .
إنّ الألفاظ الإيقاعية أو الأتانين تنتج على أساس عدد الأحرف الساكنة والمتحركة ولتسجيل الأدوار يمكن الاستفادة من مدّها الموسيقي ويمكن عرض الأحرف المتحركة بعلامة (U) واللفظة الشاملة على الأحرف المتحركة والساكنة بــ (–).
عناصر إیقاع الموسیقی فی القرآن الکریم
تکون اللغة العربیّة لغة موسیقیة شاعرة؛ لأن القرآن الکریم إعجازٌ بیانیٌّ کامل، ویتمثَّل فی الأُسلوب الفنِّی المُعجز، فلا بُدَّ من أن یوجد فیه الإیقاع الموسیقی المعجز.جمال الفنی للقرآن وأحد وجوه الإعجاز فی التأثیر، وهو سلطانه القاهر العجیب علی القلوب، القلوب المؤمنة والقلوب الکافرة علی سواء! فما أن یتلوَ الإنسان آیات من القرآن الکریم أو یسمعها تُتلَی علیه، حتی یحسّ لها فی نفسه وَقعاً خاصاً، ویحسّ لها فی قلبه تأثیراً خاصاً، ویحسّ لها سلطاناً عجیباً لا یُقاوَم، وهو لا یحسّ بهذا لغیر آیات القرآن العزیز، وهذا إضافة إلی الإعجاز فی التصویر الفنی، والإعجاز فی الأداء، والإعجاز الموضوعی، والإعجاز فی المناهج والنُّظم، والإعجاز الحرکی.
ولا ضَرَرَ من نَسبة الجَرس والإیقاع أو الموسیقی إلی أسلوب القرآن، وأن نلحظَ وجودها فیه وأن نبینها للناس کافة، لأنَّ القرآن الکریم یسیر علی سُنن العربیة وأسالیبها فی التعبیر.
إن الموسیقی تکمن فی أسلوب القرآن، وإن الإیقاع الموسیقی فیه یتألَّف مِن عدة عناصر:
من مخارج الحروف فی الکلمة الواحدة.
ومن تناسق الإیقاعات بین کلمات الفقرة.
ومن اتجاهات المدّ فی الکلمات.
ثم من نهایة الفاصِلة المطردة فی الآیات.
ومن حرف الفاصلة ذاته.
[20] .
حول الموسیقی فی القرآن الکریم، یقول سید قطب: «إن للقرآن إیقاعاً موسیقیاً متعدد الأنواع، یتناسقُ مع الجوّ، ویؤدی وظیفة أساسیة فی البیان».
[21] .جاء فی القرآن الکریم: ﴿وَما علّمناه الشِّعر وما ینبَغی لَهُ اِن هُوَ الا ذکرٌ وقرآنٌ مبین﴾.
[22] وجاء فیه حکایه عن کفّار العرب: ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾
[23] و صَدَق القرآنُ الکریم، فلیس هذا النَّسَقُ شِعراً، ولکنَّ العَرَبَ کذلک لم یَکُونوا مَجانینَ ولا جاهلین بخصائص الشِّعرِ، یومَ قَالوا عن هذا النَّسق العالی إنه شِعر!
لقد راع خیالهم بما فیه من تصویر بارع، وسَحَر وجدانهم بما فیه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم بما فیه من إیقاع جمیلٍ، وتلک خصائص الشِّعرِ الأساسیّة، إذا نحن أغفلنا القافیة و التفاعیل. علی أن النَسَق القرآنی قد جمع بین مزایا النثر و الشعر جمیعاً، فقد أعفی التعبیر من قیود القافیة الموحدة والتفعیلات التامة، فَنَالَ بذلک حریة التعبیر الکاملة عن جمیع أغراضه العامة، وأخذ فی الوقت نفسه من خصائص الشِّعر الموسیقی الداخلیة، والفواصل المُتقاربة فی الوزن التی تُغنِی عن التفاعیل، والتقفیة التی تُغنِی عن القوافی، وضمّ ذلک إلی الخصائص التی ذکرنا، فشأن النثر والنظم جمیعاً. وحیثما تلا الإنسان القرآن، أَحَسَّ بذلک الإیقاع الداخلی فی سیاقة، یبرز بروزاً واضحاً فی السُّوَرِ القِصار، والفواصل السریعة، ومواضع التصویر والتشخیص بصفةٍ عامّة، ویتواری قلیلاً أو کثیراً فس السُّور الطَّوالِ ولکنه – علی کل حال- ملحوظٌ دائماً فی بناء النظم القرآنی.
[24] إننا قد نری فی بعض آیات ذکری الحکیم شیئاً یُشبِهُ الوزنَ العروضی کما هو الحال فی القصائد الشعریة،کقوله تعالی: ﴿فَإنَّ معَ العُسرِ یسراً﴾ فعولُ فَعولُن فَعولُن
[25] .
﴿وَ لِلکافرینَ عذابٌ أَلیمٌ﴾ فَعولُن فَعوُلُ فَعُولُن فَعولُن،
[26] کوزن العروضی فی هذه الآیة الکریمة وما شابهها، لا یدلّ علی أنه یوجد فی القرآن نوع من الشعر، بل هو نوع من المنثور الموزون الذی یطابق المنظوم عادة.
[27] قال تعالی: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾1 ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَى﴾2 ﴿وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾3 ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَى﴾4 ﴿عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَى﴾5 ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾6 ﴿وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى﴾7 ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ ٨ ﴿فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَى﴾9 ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ 10
[28] هذه الفواصل مُتساوِیة فی الوَزن تقریباً – علی نظامٍ غیر نظام الشعر العربی- مُتَّحِدة فی حرف التقفیة تماماً، ذات إیقاع موسیقیّ مُتَّحِد تبعاً لِهذا وذلک، وتبعاً لأمرِ آخر لا یظهر ظهور الوزن و القافیة، لأنه ینبعث من تآلف الحروف فی الکلمات، وتناسق الکلمات فی الجمل، ومرده إلی الحسّ الداخلی والإدراک الموسیقی، الذی یُفَرِّق بین الإیقاعِ موسیقیّ وإیقاع، ولو اتحدَّت الفواصل والأوزان.
[29] والإیقاع الموسیقی هنا متوسط الزَّمَن تَبَعاً لتوسّط الجملة الموسیقیة فی الطول، مُتَّحِدٌ تَبَعاً لِتَوَحُّدِ الأسلوب الموسیقی، مُسترسِل الرویّ کجوِّ الحدیث الذی یشبه التسلسل القَصَصِیّ.
وهذا کله ملحوظ، وفی بعض الفواصل یبدو ذلک جَلِیاً مثلأَ﴿أفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى﴾19﴿وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى﴾20 فلو أنک قُلتَ: أفرایتم اللاتَ والعُزَّی، ومناة الثالثة، لاَختَلَّت القافیة، ولتأثَّر الإیقاع.ولو قُلتَ: أفرأیتم اللات والعُزَّی وَمناةَ الأُخری، فالاوزن یَختَلّ.
کما أنَّ هُناکَ نَوعاً من الموسیقی الداخّلیَّة یُلحَظ ولا یُشرح و هو کامِنٌ فی نسیج اللفظة المفردة، وترکیب الجملة الواحدة، وهو یُدرَکُ بحاسَّةٍ خَفِیَّة، وهِبة لدنیَّة. وهکذا تتبدّی تلک الموسیقی الداخلیة فی بناء التعبیر القرآنی، مَوزُونَةً بمیزانٍ شدید الحساسِیَّة، علیه أخفّ الحرکات والاهتزازات، ولو لم یکن شِعراً، ولو لم یتقیّد بقیود الشعرِ الکثیرة، التی تحد من الحُرِّیة الکاملة فی التعبیر الدقیق عن القصد المطلوب.
فی تَنَوُّعُ نِظامُ الفواصل والقوافی فی السُّوَر؛ یختلف بالقیاس إلی الفواصل بین الطُّل والتوسُّطِ والقصر، وهو أشبه باختلاف بُحُورِ الشِّعرِ فی الدیوان الواحِد.إن الفواصل تقصر غالباً فی السُّورِ القِصار، وأنها تتوسَّطُ أو تطولُ فی السُّوَرِ المتوسِّطةِ و الطّوالِ. وبلاقیاس إلی حرف القافیة، یشتدُّ التَّماثل والتَّشابه فی السور القصیرة، ویقِلُّ غالباً فی السُّورِ الطویلة. وتغلب قافیة النون والمیم وقبلهما یاء أو واو علی جمیع القوافی فی سور القرآن، وذلک مع تعدّد الأسالیب الموسیقیة ولو تشابهت القوافی فی السُّوَر المختلفة. فی نِظامُ الفواصل والقوافی فی السُّوَر الواحدة؛ وقد لاحظنا فی مرّات کثیرة أن الفاصلة والقافیة لا تتغیّران لمجرَّد التنویع. وقد تَبَیَّنَ لنا فی بعض المواضع سِرّ هذا التغیّر، وخفی علینا السِّر فی مواضع أُخرَی، فلم نرد أن نتحمّل له لنثبت أنه ظاهرة عامة، کالتصویر، والتخییل، والتجسیم، والإیقاع.
[30] .
علی سبیل المثال فی سورة النَّبأ بَدَأتِ السُّورةُ بقافیةِ النّونِ والمیم: ﴿عَمَّ یَتَسَاءَلُونَ﴾1 ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِیمِ﴾2 ﴿الَّذِی هُمْ فِیهِ مُخْتَلِفُونَ﴾3﴿کَلا سَیَعْلَمُونَ﴾4 فلما انتهی من هذا التقریر، وبَدَأَ نَسَقاً معنویاً جدیداً ونَسَقَ الجَدَل بدل التقریر.
إنّ أسلوب الإیقاع ذی الموجة الرَّخیَّة المنسجم مع الجو القصصی، یظهر فی هذه المقطوعة، الوانیّة الحَرَکة، الرَّخِیَّة الموجة، المتوسطة الطول، تنسجم مع الجو القصصی الذی یلی مُباشَرَةً فی السورة حدیثَ الکرة الخاسِرة، والزَّجرَة الواحدة، وحدیثِ الساهرة علی النحو التالی:
قال تعالی: ﴿هَلْ أتَاکَ حَدِیثُ مُوسَى﴾15﴿ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾16 ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾17﴿ فَقُلْ هَلْ لَکَ إِلَى أَنْ تَزَکَّى﴾18﴿ وَأَهْدِیَکَ إِلَى رَبِّکَ فَتَخْشَى﴾19
[31] أننا لسنا فی حاجة إلی قواعد موسیقیة، ولا إلی اصطلاحات فنیّة لندرک الفَرق بین الأسلوبَین والإیقاعَینِ، فهوَ واضحٌ لا یَخفَی، وهو کذلک مُنسَجِمٌ فی کُلِّ حالةٍ مع الجو الذی تطلق فیه الموسیقی.
[32] .
فی موسیقی الطوُّفان حیث التکوین الموسیقی للجملة هنا یزیدُ علی التموج العُمقَ و السعةَ، وفیه کذلک هَولٌ وشجی. قال تعالی: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾42﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾43 أِنَّ التکوین الموسیقی للجملة لَیَذهب طُولاً وعَرضاً فی عمق وارتفاع لیشترک فی رسم الهَول العریض العمیق، والمدَّات المتوالیة المتنوِّعة فی التکوین اللفظیّ للآیة تَساعِدُ فی إکمال الإیقاع وتکوینه واتساقه مع جوِّ المشهد الرهیب العمیق إنها الموسیقی المتموّجة الطویلة الموجة.
[33] .
عُنِیَ مصطفی صادق الرّافعی عنایة خاصة بالنظم الموسیقی فی القرآن، فرأی: «أنه مما لا یتعلق به أحد، ولا یتفق علی ذلک الوجه الذی هو فیه إلّا فیه، لترتیب حروفه باعتبارٍ من أصواتها ومخارجها، ومناسبة بعض ذلک لبعضه مناسبة طبیعیة فی الهَمسِ والجَهرِ، والشِّدَّة والرَّخاوة، والتفخیم والترقیق، والتَّفشَّی والتکریر».
[34] .
أما المقامات الموسيقية: فالمقام هو عبارة عن تتالي لعلامات موسيقية وفق أبعاد معينة وقواعد موضوعة لتصنيف اللحن الموسيقي, الأمر الذي يسهل تعامل العازف مع الآلة وبالتالي مع المقياس الموسيقي. هنالك العديد من المقامات لكن يمكن تصنيفها إلى تسعة مقامات أساسية يتم اشتقاق عدد كبير من المقامات الفرعية منها.
في مجال الموسيقى الشرقية: المقامات المستخدمة اليوم هي مقامات أساسها السلم الموسيقي السباعي القديم الذي عُثر عليه على القيثارة السومرية التاريخية ذات الأوتار السبعة حيث أُطلق على كل وتر اسم إله من ألهتهم والأسماء التالية مايقابلها بالعربية «نهاوند»، و«حجاز»، و«رست أو رصد»، و«سيكا»، و«بيات»، و«صبا»، و«عجم»
[35] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زَيِّنُوا القرآنَ بِأصواتِكُم» و قال أيضا «ليسَ منا من لم يتغن بِالقرآنِ».
إن المقامات السبعة المجموعة في جملة «صنع بسحر» لا تستخدم لقراءة القرآن فقط, بل يؤذن بها أيضا. وبالمناسبة نحن نذکر بعض المقامات هنا ونتکلم عنها بالإجمال.
مقام بیات: هو مقام سهل ممتنع، هادئ كالبحر العميق، يمتاز بالخشوع والرهبانية وبه تبدأ القراءة وبه تنهى وهو ذلك المقام الذي يجلب القلب ويجعله يتفكر في آيات الله البينات ومعانيها .ومعروف هذا المقام «أُمّ المقامات» یا «أُمّ النَغمات».
[36] مقام السیکا: هو مقام يمتاز بالبطء والترسل ويدخل في عمق القلب ليفتح آفاقه للنظر في أحكام الآيات القرآنية والشيخين المنشاوي «مرتل» وخالد القحطاني هما أشهر من يقرأ القرآن بهذا المقام.
[37] .
مقام الرست: الرست كلمة فارسية تعني الإستقامة؛ واسمه الأخری «أم الأدوار» لذلك هذا المقام يمتاز بالأبها والفخامة والإستقامة وإن معظم أئمة المدينة المنورة والحرم الشريف أمثال الحذيفي والسديس والمحيسني كلهم يقرأون على مقام الرست، ويفضل استخدام هذا المقام عند تلاوة الآيات ذت الطابع القصصي أو التشريعي. وأما في التجويد فمعظم القراء يبدأون بالرست بعد البيات مباشرة وهو من أفضل المقامات وأجملها
[38] مقام النهاوند: واسمه الآخر «زنکلا أو زنگوله» هذا المقام يمتاز بالعاطفة والحنان والرقة ويبدأ من أول السلم الموسيقي ويصل إلى أعلاه ثم ينزل بتدرج إلى أسفله ونهاوند مدينة إبرانية نسب إليها هذا المقام وهذا المقام هو أقوى مقام يبعث إلى الخشوع والتفكر والعفاسي والشاطري هم أكثر القراء الذي يقرأون القرآن مرتلا على هذا المقام
[39] .
مقام الصبا: مقام الصبا وهو مقام يمتاز بالروحانية الجياشة والعاطفة والحنان وهو أفضل مقام صوتي يستطيع المقرئ أن يعبر من خلاله عن تفاعله مع الآيات عن طريق استخدام الجواب والقرار لذلك يحبذ للمقرئ أن يقرأ الآيات الروحانية و الآيات التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة بهذا المقام.
[40] مقام الحجاز: هو مقام من اصل عربي؛ نسب إلى بلاد الحجاز العربية الاصيلة وهو من اكثر المقامات روحانية و خشوعا في القران ويستحب قراءة الآيات الحزينة به أو الآيات التي تتعلق بمشاهد يوم القيامة.