الجمعة ٤ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم وليد السليماني

ديوان الشعراء المقتولين

في لقاء استثنائي مفتوح في الشارع العام، ساحة الفداء والحرية والإبداع، بمعرض الكتاب في دورته الخامسة، مكان لعبور سكان الدار البيضاء من كل الفئات، ووسط خيام بيضاء تعرض كل أنواع الكتب.يوم الجمعة 27أبريل 2012 بخيمة الاعتراف التي اتخذت أسماء أدباء ومثقفين مغاربة رحلوا عنا في الأربعين يوما الأخيرة: الشاعر سعيد سمعلي، الباحث الأكاديمي عبد الواحد خيري، الناقد السينمائي محمد سكري،القاص الأديب عبد الجبار السحيمي، المُجاهد أبو بكر القادري.

في هذا اللقاء الذي اختتم به مختبر السرديات ونادي القلم المغربي أنشطتهما الثقافية ضمن فعاليات معرض الكتاب، كان مخصصا - كما قال شعيب حليفي الذي أشرف على إعداده وتنسيق فقراته- للاعتراف بالكلمة الشجاعة وبمن وقفوا شامخين لتحرير الخيال المغربي من الخوف والانبطاح وعبّروا بكلمات صادقة تُثري رؤاهم وتستوضح شعاعها برموز إنسانية يشترك فيها كل أدباء الإنسانية.

وقبل بدء اللقاء، أخذ الكلمة يوسف بورة باسم الكتبيين العارضين ولجنة تنظيم المعرض، تلاه الأديب القطيب التناني بقراءة قصيدتين شعريتين (لقاح، كن جائرا)، ثم قراءات شعرية وقصصية لأدباء شباب من مختبر السرديات (الحسين دلاحي، عبد الناصر أيت يحيى، عبد السلام عابي، عبد المجيد صدار).

نجوم وكلمات في السماء

اختار منسق هذا اللقاء، شعيب حليفي، طريقة تقديم نبذة عن الشعراء الشهداء المقتولين، ثم إعطاء الكلمة للأصوات القارئة للأشعار (مريم الكباص، رشيدة رضوان، رجاء بيلما، عبد السلام عابي، عبد السلام مصباح، عبد المجيد صدّار، فاطمة الزهراء زمومي، محمد عرش، الشريشي لمعاشي).

عبد اللطيف زروال: المزداد بمدينة برشيد 15 ماي 1951 ودرس بمسقط رأسه والدار البيضاء ثم بكلية الآداب شعبة الفلسفة.انخرط مبكرا وبقناعات راسخة في العمل السري ضمن حركة إلى الأمام.اعتقل بمعتقل درب مولاي الشريف وعذبوه إلى، لفظ لأنفاسه يوم 14 نونبر 1974.
صادروا كل ما تركه الشاعر الشهد ولم تنج سوى قصيدة واحدة كان قد نشرها بمجلة أقلام سنة 1972 بعنوان " عن الحب والموت"، في فقرتها الأخيرة " الشهيد " يقول:

ها أنا ذا أسقط في الساحة
أحمل قلبي. وردة حمراء، تنزف دما
ها أندا عريان، ازحف فوق القتلى
و ألم أطرافي..كي أمسك بالراية الممزقة
و أنفخ بدمي في رماد الشرارة المحترقة
ها أندا أدفع الضريبة
فلتباركي موتي..يا حبيبة

سعيدة المنبهي:هي الشاعرة والمناضلة المغربية المزدادة بمراكش سنة 1952.تابعت دراستها الجامعية بشعبة الغة الإنجليزية، منخرطة بروحها الشفافة والرقيقة في النضال الطلابي وفي صفوف حركة إلى الأمام.اعتقلت بتاريخ 16 يناير 1976 وحوكمت (إلى جانب 138 معتقلا سياسيا بتهمة المس بأمن الدولة) بخمس سنوات بالإضافة إلى سنتين بتهمة القذف في حق هيئة القضاء.

خاضت إضرابا عن الطعام، وقبل إتمام اليوم الأربعين استشهدت بتاريخ 11 دسمبر 1977 وهي في 25 سنة من عمرها.

كتبت سعيدة عشرات القصائد باللغة الفرنسية وهي بالسجن تعبر في اطمئنان تام عن مشاعرها الصادقة بلغة منسابة، ما زالت شاهدة لها عن شاعرة كتبت نصوصها بدم روحها الطاهرة.

من نصوصها الأخيرة التي كتبتها قبل الاستشهاد:

عندما كنا نمشي
على الأوراق الذابلة
وفي الربيع
فوق الأوراق اليانعة
السماء تتعتم
القصائد كومة سوداء
غمرتها النار
ابتلعتها ظلمة الممنوع
هي التي كانت نافذتي
في زنزانتي المهملة
في الحائط
الذي لا يصله النور.
السماء لا يملأها سوى الشعراء

وتواصلت الأمسية بقراءات من أشعار طرفة بن العبد، شاعر العبث الذي لم يكن داهية مثل خاله المتلمس..خانه عمرو بن هند لأسباب غامضة خارج الشعر والعفة وهو من قال:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ومن أشعار امرئ القيس الذي قصّد القصائد وذبح ناقته لصويحبات فاطمة وقال اليوم خمر وعدا أمر:

بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه
وأيقن أن لا حقاني بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك وإنمـــــــا
نحاول مُلكا أو نموت فنعذرا.

ثم الشاعر والمغني الشيلي فيكتور خارا الذي قطعوا أصابعه، ولوركا وقد رموه برصاص الموت ؛ أو ميغيل هيرنانديث الشاعر والمسرحي الإسباني، وقبلهم كان لسان الدين بن الخطيب الذي قتلوه بفاس وترك قصيدة يرثي فيه نفسه قبل قدوم صديقه الشاعر ابن زمرك وهو يحمل صك إعدامه:

َبَعُدنا وإنْ جاوَرَتْنا البُيوتْ..وجِئْنا بــوَعْظٍ ونَحْنُ صُموتْ
وأنْفاسُــنا سَكَتَتْ دَفْعَةً..كَجَهْرِ الصّــــــلاةِ تَـــلاهُ القُــنوتْ
وكُنّا عِظاماً فصِرْنا عِظاماً..وكُــنّا نَـقوتُ فَها نحْــنُ قوتْ
وكنا شموس سماء العلى..غربن فناحــت عليها الـــبيوت
فكمْ جَدّلَتْ ذا الحُسامِ الظُّبى..وذا البَخْتِ كم خَذلَتْهُ البُخوتْ
وكمْ سِيقَ للقَبْرِ في خِرْقَةٍ..فَتىً مُلِئَتْ منْ كُساهُ التّخــــوتْ
فقُلْ للعِدا ذَهَبَ ابْنُ الخَطيبِ..وفاتَ ومَنْ ذا الذي لا يَفـوتْ
فمَنْ كانَ يَفرَحُ منْكُمْ لهُ..فـقُــلْ يَفْرَحُ اليومَ منْ لا يَـــمـوتْ

واختتمت هذه القراءات بالفقيه والعالم الشاعر المغربي عبد السلام جسوس الذي رفض الموافقة على ديوان الحراطين ؛ ففي مطلع صيف 1708 استدعى السلطان علماء فاس للمثول بين يديه في العاصمة، (كان سكان فاس قد استقبلوا بعداء مبعوثيه عليلش وعبد الله الروسي،مما أفشل من جديد عملية تجميع الحراطين) لمناقشة الأمر. فتوجه وفد متكون من ثمانية من كبار علماء المدينة وفقهائها يتقدمهم الحاج عبد السلام بن حمدون جسوس إلى مكناس. وفي حضرة السلطان المولى اسماعيل احتد النقاش، لتصل المجابهة الجدلية ذروتها، بين عليلش وجسوس دون أن يفحم أحدهما صاحبه، أما السلطان فقد "نثر ثوبه" وغادر المجلس غاضبا.

مباشرة بعد عودة الوفد إلى فاس هرب البعض منهم خارج المدينة (مثل محمد المشاط الذي لجأ إلى وزان)، أما جسوس فقد امتحن امتحانا شديدا، استمر حوالي سنة، قبل أن يصدر السلطان أوامره باغتياله حيث قتل خنقا صباح 05/07/1709.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى