سعيدة ..
ككثيرين مثلها من الذين لم تعطهم الحياة ما يستحقون، ككثيرين قرروا المصالحة مع القدر، زهداً وترّفعاً أو لا مبالاة .. ولكنها في كل الحالات سعيدة ..
بعد انقطاع قسريّ عن الكتابة عدت اليكم يا أصدقائي لأحدثكم عن واحدة من أحبائي المغمورين في هذا الزمان الغامر، عن واحدة من الذين نذرت الكتابة لهم ووقفتها عليهم، عن واحدة من أحباب الله الفقراء في الأرض، عن سيدة تليق بها السيادة، عن ابنة الأرض التي حفر أديمها تاريخاً على كفيها، عن صديقة الشمس في الحقول، وسميرة النجوم في ليل أفلت أحلامه حتى مطلع الفجر ..
سعيدة.. رغم الحزن المستعر على تيه العمر وفراغ الأيام، وهروب الساعات واللحظات بلا معنى.. سعيدة .. لأنها تعيش في زمن رديء دون أن توقع اعترافها به، أو تطبع بصمتها عليه، دون أن تنتمي لكل هذا الزيف الذي يسمونه حقيقة، أو لذاك الجنون الجامح الذي يحسبونه تعقّلاً وادراكا
سعيدة.. هدأة العذرية السيدة التي اشتعل فيها الشيب فجلّلها وقارا، وهيبة الصمت الذي لو باح بأسراره لفاض سطوراً من المعرفة والحكمة..
أحار فيها، ويغلبني شوق المحاولة لأعرفها بعمق، وأعود القهقرى حسير الفكر، قانعاً بأن سعيدة خلاصة من العاطفة التي لا تعرف التلون، وما إغماضة عينيها بقوة إلا إشارة لعبور القلب إلى مساحات الحب التي لا حدود لها..
سعيدة.. عمتي، رحم اعتز به، وصورة براءة موشاة بجمال صرف تقوى الريشة على رسمه حيناً وتعجز أحيانا..
سعيدة.. كوني دوماً سعيدة يا عمتي لأنك لم تتلوثي بالدم، ولم يجد الحقد إلى قلبك سبيلا..
كوني سعيدة يا غاليتي لأنك لم تكتبي يوماً بأقلام مدادها سمّ زعاف، ولم تقرأي سطور فتنة في كتاب عتيق..
كوني السعيدة يا حبيبتي لأنك كما أتيت إلى عالمنا الطافح بالغوغاء نقية طاهرة، هكذا سترحلين بنقاء القلب و بياض الأثواب..