الأحد ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٩
بقلم جورج سلوم

سيدتي .. العقيد سماح

عندما اتصلت بي هاتفياً لتأخذ موعداً في العيادة، كنت غير متأكد من صوتها الذي أسمعه..

هل هو صوت رجل مخنّث أم امرأة مسترجلة؟.. حنجرة مبهمة الجنس تتكلّم، لكنّها أقرب إلى حنجرة امرأة.

ومعروفٌ أنني سأزعجها وقد أخسرها كمريضة لو أخطأت وعاملتها كرجل.. لا بل قد يثور الرجل –إن كانت رجلاً - لو أضفت تاء التأنيث لكلمة أخاطبه بها أو لمفردة أنعته بها.

ليس هذا فحسب..

واسمها ما أضاف تفاصيلاً عندما قالت.. أنا العقيد سماح كجوابٍ على سؤالي عن الإسم الكريم

فتابعتُ استفساري عن تفاصيل الحالة بصيغة الجمع المخاطب بقولي حضرتكم.. ومن فضلكم ولو سمحتم وما المشكلة التي تعانون منها؟

وظلّ الصوت مخلوطَ النبرات ومختلط الذبذبات ومختلطاً عليّ رغم استمرار الحديث لدقائق.. كانت لا تريد الإسهاب في شرح حالتها على الهاتف.. فقالت بلهجة مشوبة بالامتعاض والانزعاج:

 هل المعاينة ستتمّ على الهاتف؟

وتابَعَتْ بلهجة الأمر والنهي والبتّ والقطع:

 لن أتحمّل الانتظار دقيقة واحدة في العيادة. . أعطيتَنا موعداً في السادسة مساء وفي السادسة سندخل إليك، وإن كان بابك مغلقاً لن ندخل ولن نعود ثانية.. أفهمت؟

وما رتبة العقيد في الجيش من السموّ والرفعة بحيث تكون بهذه السلطة الآمرة من الكلمات.. ولست مرؤوساً عندها لتكلّمني بهذه الطريقة.. قد تكون – تلك العقيد – من ضباط الأمن أو من ذوي الحظوة.. وأولئك لهم سطوتهم ولو كانت رتبتهم صغيرة.. وقد تكون تلك المتكلمة زوجة العقيد وعادة ما تستعمل الزوجة لقب زوجها، وقد تتقلد رتبته العسكرية لا بل قد تضرب بسيفه أيضاً.

المهم أنني كنت أمام معاينة طبية مُنتظَرَة بدافع الفضول والترقّب.. وكنت مستعدّاً لها بكل جوارحي وممرّضتي كذلك.. تلك التي قلت لها أننا اليوم على موعد مهمّ مع مريض مهم من رجالات السلطة فلا أريد أخطاء ولا عثرات في طريقة استقباله.. ولا حواجز في إدخاله إليّ فنخسره وقد نخسر أنفسنا وقد أعذر من أنذر

وفي السادسة تماماً كان باب غرفتي مفتوحاً ليدخل إليَّ رجلٌ عسكريّ يلهث من الدرجات التي تقافزها صعوداً.. وبعد أن تأمّل غرفة مكتبي واطمأنّ إلى خلوّها من المرضى قال:
 سيدي العقيد في المصعد الكهربائي وهذا موعدنا.

ووقف بالباب كالكلب المنزلي يلوح برأسه ويجول بعينيه منتظراً سيادة العقيد الذي بدأنا نسمع خطواته الموزونة كإيقاعٍ عسكريّ.. أصوات حذاءٍ نسائيّ يدق أسافيناً على بلاط مرمري في ردهة المشفى الميّالة للسكون بطبيعتها.

طبعاً كنت واقفاً وراء طاولتي.. وللمرة الأولى أقف لمريض منتظراً تشريفه. . والعادة أن يدخل إليّ المريض وأنا أكتب ملاحظاتي عن المريض الذي سبقه فلا أحسّ بدخوله إلي. وعادة ما أطلب إليه الجلوس بطرف إصبعي.. وأحيانا أشير بألا يتكلم حتى أسأله فيبقى صامتاً.. فالضعف المرضيّ يجعله مستضعَفاً.

أدهشتني التحية العسكرية التي أطلقها لسيدته بيده اليمنى لمجرّد مرورها به، وأجفلتني ضربة حذائه الثقيل كإتمامٍ للتحية.. ولولا العيب لحيّيت بنفس الطريقة مقلّداً له بطريقة العدوى
هاهي إذن.. مخلوطة الهيئة بين لباس عسكري رجوليّ مرقّط لكنه مخاط على قياسها ولها فقط.. وبين وجهها الأنثوي الذي غالت بتلوينه بفنون الزينة العصرية.

ممزوجة السحنة بدءاً من حاجبيها الموشومين على تقطيبٍ صارم، مروراً بعيون واسعة ساحرة أكثرت من كحلها.. وصولاً إلى شعرٍ معقوص لا تبين إلا خصلات منه.. لتلتمع في وجهك فوراً نجمتان ذهبيتان ونسر تتنكبّهم في كل جهة من كتفيها المستعرضين.. ولا يثقلون عاتقها فتبقى شامخة بينهم بعنق خال من السلاسل والقلائد.. وقد بدا لي عنقها مليئاً مكتنزاً مليئاً بالعضلات المتشنجة المنتصبة قسراً.

هذه هي إذن سيادة العقيد سماح.. ومرّت ثوان رأيتها طويلة قبل أن أنتبه ليدها الممدودة للسلام.. ومصافحتها المخلوطة أيضاً بين نعومة المرأة وطراوتها وقساوة ضغط يد الرجل على يدك المصافحة.. وهزيز يدها الممسكة بيدك يجعلك لا تنسى ذلك السلام ولو أنك سارعت لتسحب يدك من بين أصابعها القوية.

رجوتها أن تتفضّل بالجلوس فجلست وأشارت للعسكري المرافق أن ينصرف فامتثل فوراً وأغلق الباب خلفه.

عندما شبكت رجليها ببنطالها الضيق لفت نظري حذاؤها الأسود اللماع بكعبها العالي.. وزادها ذلك امتزاجاً مثيراً بين الرجولة والأنوثة.

كنت أتأملها وأنتظر أن تتكلم لوحدها.. وأرسم بيدي خطوطاً متداخلة على ورقة بيضاء أمامي.. وعادة أنا الذي كنت أسأل وأستجوب ولكني أمامها انتظرْت وانتظرت.

تنحنحَتْ وازدردت ريقها بصعوبة.. فعادت إليها صورة الرجل الخشن ونحنحاته من وجهها الأنثوي.. وابتسمت بشفتين ملونتين عن أسنان بيض تعلوها لثة ميالة للزرقة.. وعرفت أنني أمام امرأة أدمنت التدخين منذ زمن. . قالت وأشارت إلى عنقها:

 أعاني صعوبة في البلع وأحياناً تضيق أنفاسي فأجوع للهواء أستنشقه.. وصوتي الخشن ما كان هكذا؟

وضابطات الجيش تخشوشن أصواتهن عادة من معاشرة الرجال في محيطهن.. والمرأة التي اختارت الإنخراط في سلك الرجال عادت ما تكون هورموناتها هجينة بين الذكورة والأنوثة.. وتلك الأمور معروفة طبياً.. ولكن صعوبة البلع عادت بأنظاري نحو العنق الذي كان بارزاً من ياقتها القاسية مفتوحة الأزرار

عندما جلست إلى سرير المعاينة رفضت أن تضطجع بحجّة أن الفحص للعنق فقط.. وعندما طلبْتُ منها أن تفتح فرجة بزّتها العسكرية أكثر.. كانت تمتثل لأمري على مضض وكل زر تفتحه كانت تراقب إثر فتحته عيوني بمعنى كفاني انفتاحاً..

جميلٌ أن ترى صدراً أنثوياً تحرسه رتب عسكرية من الجانبين.. كأنك أمام رجل وامرأة بوقت واحد.. ولم يسبق للعقيد سماح أن تلقت أمراً عسكرياً بفتح أزرارها أكثر مما ينبغي، حتى ولو كان الآمر أعلى منها رتبة.. لكن تلك الرتب –على عظمتها – تسقط أمام الطبيب.. فيجوز للطبيب ما لايجوز لغيره.

كنت أريد أن أقول لها لو قاومتني.. أنت الآن مريضة يا سيدتي.. وأنت التي جئت إلي بمحض إرادتك.. لا تعنيني رتبتك مهما سمَت.. ولا يعنيني جمالك الأنثوي المتخفي بلبوس الرجال.. أنت مريضة فقط.. ويداي هاتان اللتان تجسّان عنقك لن تنتقل إليهما الكهرباء من بشرتك العذراء التي تقشعر كلما تماديت. . وعيوني التي تتفحّصك لا تبحث عن إثارة من جمالك الصارخ بل تبحث عن شحوب واصفرار ويرقان وجحوظ..

وعندما جسست ذلك العنق المليء عرفت أن هنالك غدة درقية متضخمة وغاطسة بين حناياه وعلائقه.. والبحث بالجس العميق عن عقد لمفاوية بين عضلاته المرتكزة على قاعدة الصدر والعقد المتوارية تحت الفك السفلي.. جعلني أحرّك عنقها بكل الإتجاهات حتى انهار شعرها المعقوص فوق رأسها ككعكة ملتفة.. فتهدّلت خصلاته فوق كتفيها ليعود الخلط والمزج بين الشعر المصطبغ بلونٍ ترابيّ محمرّ والرتب العسكرية التي تتلألأ بين خصلاته التي استرسلت. فلوّحت بها بحركة من رأسها لتعود إلى انسيابها وانسدالها الخلفي. . فاكتملت بذلك صورة المرأة يجللها شعرها الطويل بذوائبه التي تنتهي بمدخل الصدر.

ما كانت العقيد سماح متزوجة.. ولا أعرف تاريخها العاطفي كامرأة وإن كان كتفها الأيسر موشوماً بقلب وسهم يخترقه.. وسألتها عن وضعها العاطفي وعن صاحب ذلك السهم على طاولة العمليات قبل أن تفقد الوعي وتبتلعها عقاقير البنج العام.. سألتها لأخفف عنها رهبة البدء بالجراحة قبل أن تسري في عروقها أدوية التخدير.. وكان المفروض أن تستسجيب لأسئلتي كأي مريض آيل للانفتاح بمبضعي الجارح. . كان يجب أن تنهار من عظمتها وسلطتها ككل الناس على طاولة العمليات.. كان يجب أن تتحوّل لامرأة عادية بعد أن جرّدوها من رتبها العسكرية. . لكنها ظلت أمامي عقيداً في الجيش.

عندما صحت من التخدير العام.. قلت لها:

 الحمد لله على سلامتك سيدتي الجنرال.

وكانت سعيدة عندما وجدَتْ بزتها العسكرية معلقة على الجدار أمامها. وابتسمت لي ساخرة راضية عندما ألقيت السلام العسكري لها محيياً بيدي اليمنى.. وضربْتُ قدمي بالأرض بقوة ولم يكن الصوت مسموعاً بالشكل الكافي لأنّ حذائي الطبيّ كان مطاطياً للأسف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى