الأحد ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣
بقلم يسرا خليل أبو اسنينة

سيميائية الرفض والتمرد في سيرية الخبز الحافي

الحمد لله العالم العليم ، مهدنا الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي الأمي الصادق الأمين ، وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

فإن السيرة الروائية تطور هجين، استقى مضمونه تمخضًا لينتعش في جنس نثري جديد ، ويسير في خطى واثقة مرتقيًا نحو القمة ، فكانت شكلاً تعبيريًا نابضـًا بالحياة ، معبرًا عما يعتصر ذهن سارده من آلام وآهات وأشجان ، وما يختلجه من أفراح وسعادة وأحزان، باسترجاعه مخزون ذاكرته وخياله ، من مشاهد شخصية وعامة ، تصف الواقع المعيش بحنظله وشهده ، متسلسلاً بأحداثها المتوقدة في ذهنه بإسهاب ، في تقنيات خاصة وأسلوبيات فنية متلونة ، لوصف الحالة التي يتحدث عنها ، ساردًا أدق الأحداث ، مطلاً على ما يعتريه مـن فيض الذاكرة ، ويَنْظِمـها دررًا ولآلئ خــلابة تسلب عقــول وأفئدة القرّاء.

كانت سيرة « الخبز الحافي » مثار جدل بين الأدباء والنقاد ؛ فكلٌّ يقرؤها من منظوره الذي يسعى إليه ، حيث مثلت حياة الموت البؤس والتشرد والجوع والحرمان ، فالكاتب كان يخرج إلى مكب النفايات يفتش فيها من أجل الحصول على فتات يقتات به ؛ وبعضهم يرى أن الألفاظ التي تتشبع بها السيرة ، تمثل ابتعادًا عن اللغة الأدبية الدارجة، بعريها الفاضح ، ويلاحظ أنهم ابتعدوا عن دراستها؛ لرؤيتهم عريّ ألفاظها فقط ؛ ولكنهم نسوا الواقع المزري والمرير الذي خطته أنامله بدقة وعفوية متناهية.

تساهم الدراسة في الحديث عن « سيميائية الرَّفض والتَّمرُّد في سيريّة الخبز الحافي » ، ولعل من أهم البواعث في اختيار الموضوع ، التعرف إلى سيريّة « الخبز الحافي » ؛ لأنها تمثل أيقونة كتابة لها حضورها المختلف ، في نص أدبي يعبر بصراحة عن حالتي الرفض والتمرد في المجتمع، وما يعتريها من أحداث وتطورات ، من مزجها بين فنين سرديين في الأدب الحديث ، السيرة والرواية ، واستقطاب عناصرها وصبها في بوتقة واحدة ، لانبثاق فن جديد ، فن السيرة الروائية ، ودراسة تقنياتها وأساليبها.

وتكمن صعوبة الموضوع في عدم استطاعتي الحصول على بعض الكتب الخاصة بالدراسة ، فموضوعها شائك ، ومتعدد المضامين ، ولم أجد دراسات وافية حولها – فيما أعلم - فمعظم المقالات التي حصلت عليها ، كانت مقتضبة – إلى حد ما – ولا تساهم في دراستها بدقة ، لذلك استقرأت السيرة الروائية مرات عديدة ، وحاولت جاهدة استبانة ما غمض منها ، وتوضيح مدلولاتها الراسخة بين ثناياها، إلى أن تعرّفت إلى الأخ والصديق « حسن بيريش » ، الذي أمدني بمعلومات قيّمة ، ولم يبخل عليّ بأي استفسار أو سؤال ، حول طبيعة وخصائص حياة صديقه الراحل « محمد شكري».

اتبعت الـمنهج السيـمـيائي ، وارتـأيت تقسيم الدراسة إلـى أربعة فـصول ، فـكان الفصل الأول بعنوان : « محمد شكري ، الأديب والتجربة » ، تفرع عنه ثلاثة مباحث ، الأول: حياته وآثاره ، والثاني: ثلاثية السرديّة السيريّة، والأخير: المؤثرات العامة في تجربته.أما الفصل الثاني: « سيميائية البنية الموضوعية في السيرة الروائية » ، تضمـن مبحثين ،الأول:التـعريف بمضمـون السـرد، والثاني : سيـميائية الـموضوع. والفصل الثالث: « سيميائية البنية الشكلية في السيرة الروائية »، كالعنوان الرئيس والغلاف ، وعنوانات الفصول، والشكل الفني. وآخرها الفصل الرابع: « اللغة والتقنيات السرديّة في السيرة الروائية » ، تضمن عدة محاور في ثلاثة مباحث: الأول:اللغة وأنواعها ، والثاني: التقنيات السردية ، والثالث:أساليب السرد، من أسلوب التهكم ، والاسترجاع والمنولوج والديالوج .

كما أفدت من بعض المراجع التي كانت عونًا لي في تدوين البحث ، أهمها: « الخبز الحافي » ، لمحمد شكري ، وكتاب « المعيش قبل المتخيل » لحسن بيريش ،واتصلت بدار الساقي –ببيروت- صاحبة ملكية نشر السيرة ،مستفسرة عنها، وأفادوني بأنها طبعت اثنتي عشرة مرة ، وأيضًا بعض المقالات والـمنشورات في الشبكة العنكبـوتية، ثم ذيلت البحث « بخاتمة » أوردت فيها أهم النتائج التي ظهرت فيه ، ثم ألحقتها ببعض التوصيات ، والمراجع.

وفي الختام ،هاكم عصارة فكري، ومداد أقلامي، أضعها بين أيديكم ، سائلة المولى عز وجل أن أكون قد وفقت ، ولا يسعني إلا أن أتقدم بالحمد والشكر لله- سبحانه وتعالى - ثم إلى أستاذي الفاضل الدكتور: « زين العابدين محمود العواودة »، لما أعطى وأفاد ، فكان نِعم الموجه والمرشد ، والنبراس الذي أضاء لنا حلكة الدروب ، وأتوجه بالشكر والعرفان إلى كل من زودني بالكتب القيمة ؛ ولكن هذا الجهد يعتريه بعض الهفوات والنسيان ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

والله أسأل السداد في القول والعمل

يسرى خليل عبد الرَّحمن أبو سنينة

الخميس: 9 صفر 1435ﻫ = 12/12/2013م


مشاركة منتدى

  • عرفتك مذ 18 عامًا ، مثابرة ، طموحة ، حالمة ، شاطبة (المستحيل ) من قاموسك اللغوي ، مغامرة -بحساب- ، مبارك على صدور أول دراسة لك في مغامرة الماجستير، سائلًا المولى عزَّ وجل أن يوفّقك في إكمال هذه الرحلة - الماجستير - بأعلى المراتب والدرجات ، وأن يكون نشر هذه الدِّراسة باكورة أعمالك التي لا تنضب من بحر اللغة العربيّة.

    زوجك
    ناصر

  • دراسة جيدة، ولغة عربية سليمة اختفت فيها الأخطاء التي تملأ أبحاث ومقالات آلاف الكتاب، مما يدل على أن الكاتبة بذلت جهدا كبيرا لتكون الدراسة في المستوى اللائق، نشد على يديها وندعو لها بالتوفيق ونشجع على قراءة الدراسة المذكورة.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى