السبت ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٢٢
بقلم رامز محيي الدين علي

شاعرٌ وموقفٌ

«د. عبد الرّزّاق الدِّرباس نموذجاً»

مقدّمة

الشِّعرُ سجلٌّ حافلٌ بالذّكرياتِ الّتي تفيضُ بالحبِّ والشّوقِ، والغربةِ والألمِ، والوطنِ والحرمانِ، والحياةِ بينَ أملٍ ويأسٍ، وبينَ إحساسٍ جميلٍ وشعورٍ بالمرارةِ، وبينَ حقٍّ منكسرٍ وباطلٍ مستبدٍّ، وبينَ مقصٍّ يلاحقُ الألسنةَ وعزيمةٍ وشجاعةٍ تكسرانِ جميعَ القيودِ وتخترقانِ دياجيرَ الرَّهبةِ؛ لتنشرَا نورَهما في الأفقِ، كما تسطعُ شمسُ الحرّيّةِ دون مبالاةٍ بدخانِ الحقدِ والطُّغيانِ والاستبدادِ.. إنّها تتجلّى في كلماتِ ومواقفِ الشَّاعرِ الملتزمِ د.عبدِ الرّزّاق حمْدو الدِّرباس، من خلالِ دواوينِه وكتبِه الفيَّاضةِ بالفكرِ والأدبِ.

السّيرة الأدبيّة للشَّاعر

* الاسم: عبد الرّزاق حمدو الدّرباس

- مكان وتاريخ الميلاد: ركايا كفرسجنة 1-9- 1965 م

 دكتوراه بأهمية النّحو في الاتّصال الجماهيريّ من جامعة دينفرالأمريكيّة 2018

- ماجستير في تقنيَاتِ تدريس اللّغة العربيّة من جامعة دينفرالأمريكيّة 2015

- بكالوريوس اللّغة العربيّة وآدابها من كلّيّة الآداب بجامعة البعث في حمص- سوريا 1991

من أعمالِ الشّاعر

ليلى وأحلامُ الرّجال / شعر / دار معد بدمشق 1995
عابر سبيل / شعر / دار معد بدمشق 1998
عصافيرُ الدّم / شعر / دار البيان للصّحافة والنّشر بدبي 2003
أجنحةُ الكلام / شعر / مؤسّسة ( ناشرون ) بحلب 2006
وشمٌ على جدارِ الرّوح / شعر / دار الشّعّار بحمص 2008
مدخلٌ إلى الفضاءِ الشّعريّ / دراسات / داثرة الثّقافة والإعلام بالشّارقة 2009
موانئُ النّورس / شعر / دار الشّعّار بحمص 2011
بيادرُ الورق / شعر / دائرة الثّقافة والإعلام بالشّارقة 2012
مشارقُ الخير / شعر للأطفال / إدارة مراكز الأطفال بالشّارقة 2012
دواوينُ على مداراتِ النّقد / دراسات / دائرة الثّقافة والإعلام بالشّارقة 2016
في خاصرةِ الأيّام / منثوراتٌ منوّعة / مؤسّسة شمس للإعلام والنّشر القاهرة 2017
مع انحناءِ ضلُوعي/ شعر/ دائرة الثّقافة بحكومة الشّارقة 2019
جُسورُ الشَّوقِ وَالشَّوكِ / شعر / مؤسّسة موازييك للطّباعة والنّشر بتركيّا 2021

الجوائزُ الأدبيّةُ الحاصلُ عليها

جائزة اتّحاد الكتّاب العرب في الشّعر إدلب لعامَي 1995 - 1996
جائزة شعر الطّفل العربيّ إدلب 1996
جائزة قصّة الطّفل العربيّ جمعيّة المعلّمين في الإمارات لدورتَي 1998 و 2001
جائزة شعر الطّفل العربيّ جمعيّة المعلّمين الإماراتيّة 2003
جائزة شاعر العربيّة في منطقة الشّارقة التّعليميّة 2009.. وغيرها الكثير.
وِقفةٌ وتأمُّلٌ

سأقفُ هُنا وقفةَ تأمُّلٍ في بعضِ دوواينِ شعرِ الشَّاعرِ الّتي بينَ يديَّ مهداةً إليَّ بقلمِ يدِه، لأبرزَ من خلالِ بعضِ قصائدِه موقفاً أدبيّاً شجاعاً يعبِّرُ عن أهمِّ القضَايا في الحياةِ الّتي رسمَها قلمُ الشَّاعرِ دونَ مواربةٍ أو مداجاةٍ أو رهبةٍ.

ديوانُ عصافيرِ الدَّمِّ

في هذا الدّيوانِ نجدُ الكلمةَ الّتي ترسمُ جراحاتِ الطّفولةِ المعذّبةِ الّتي تنزفُ دماً في كلِّ مكانٍ ولا سيَّما في أرضِ الجراحِ الّتي نزفَت وما تزالُ تنزفُ في ليالي الحقدِ والكراهيةِ الّتي خيّمَت على عالمِنا، بعد أن استبدّ المجرمُون بالتّاريخ ليصنعُوا أساطيرَ أمّة لم تكن في يومٍ من الأيّام أمّةً، فكم من إمبراطويّةٍ طغَت وبغَت سقطَت ولم يعُدْ لها من أثرٍ غيرُ أوابدَ تَحكي قصصَ الاندثارِ والانكسارِ.. وستظلُّ بيارقُ الشُّعوبِ الحيَّةِ وأحلامُ الطُّفولةِ خلفَ الأفقِ تنتظرُ الولادةَ من رحمِ الشَّقاءِ والجرحِ العميقِ:

ســــوفَ نأتِي مــعَ الهلالِ خميساً
داحســـاً في مســــيرةِ الغبـــــراءِ
صـــــوتُه قبــلَ زحفِـــــه تكـــبيرٌ
سيفُــه لامـــعٌ كومضِ الضِّيــــاءِ
فارقبِيْها جحـــافلُ الحــــقِّ جاءتْ
عـــادياتٍ مِن مُعـــظمِ الأنحــــاءِ
تدمغُ البــاطلَ الزَّهُــــــوقَ بنصْرٍ
وتُعلّي في الأرضِ صرحَ الإخاءِ

لقدْ تحطَّمَت كلُّ بطولاتِ شهريارَ على النِّساءِ أمامَ حكاياتِ شهْرَزادَ، وانكسرَت كلُّ ظلماتِ طغيانِ القياصرةِ أمامَ رواياتِ ديستوفسكي وتولستُوي، واندحرَت عظمةُ الكبرياءِ والغطرسةِ أمامَ تحدّي سُقراطَ، وانسحقَت همجيَّةُ العنصريَّةِ أمامَ شجاعةِ وتحدّي نلسون مانديلّا، وتساقطَت كلُّ أحابيلِ المستعمرينِ في السَّيطرةِ على مقدَّراتِ الشُّعوبِ الفقيرةِ أمامَ فكرِ غاندي في ثورةِ السَّلامِ، وانتصرَ بؤساءُ فيكتور هيجُو على طغيانِ السُّلطتينِ الدّينيّةِ والسِّياسيّةِ، كمَا خلَدَ غاليلو بنظريّتِه بمركزيّةِ الشَّمس نافياً مركزيّة الأرضِ التي يؤمنُ بها الفكرُ الدّينيُّ، فكانتْ نهايتُه على يديّ الكنيسةِ، لكنّها كانتْ بدايتَه في الخلودِ عالِماً فذّا جعلَت العالمَ يعيدُ حساباتِه في الكثيرِ من معتقداتِه ومسلّماتِه، وأثمرَت ثورةُ البطلِ الكوبيّ جيفارا كفاحاً عالميّا ألهمَ شعوبَ القارّاتِ بالثَّورةِ على قوى الاستعمار والغطرسة العالمية، وأينَعَت بطولةُ شيخوخةِ عمرِ المختارِ تاريخاً من النِّضال البطوليِّ ليسَ في خرائطِها زمنٌ، وتحطَّمَت أساطيرُ التَّجبُّر والعظمةَ لأكبرِ الإمبراطوراتِ في العصرِ الحديثِ أمام كهوف العصرِ الحجريِّ، وستسقطُ كلُّ الامبراطوريّاتِ فوقَ جبالِ اللّوزِ، وسينتصرُ الإنسانُ الحالمُ بالسَّلامِ، وستثمرُ بطولةُ الأطفالِ ثمارَ ليمونٍ، كما ستورقُ عزيمةُ الرِّجالِ أغصاناً منَ الزّيتونِ تتحدّى عادياتِ الزَّمان لتبنيَ على الأرضِ جنَّةَ الإنسانِ.

ديوانُ مع انحناءِ ضُلوعي

وهيَ مجموعةٌ شعريَّةٌ تتألَّقُ فيها الكلمةُ ببوحٍ من الوجدانِ تعبّرُ عن همومِ الإنسانِ في الحياةِ: عن حبِّهِ وأملِه وتطلُّعاتِه ورؤاهُ من خلالِ نظرةِ المفكِّرِ العاقلِ المؤثِّرِ والمتأثِّرِ بمحيطِه، فتنعكسُ الرُّؤى نظريّاتٍ فكريَّةً وعاطفيَّةً ترقَى بالإنسانِ إلى عالمٍ مثاليٍّ خالٍ منَ الصِّراعِ والتَّناقضاتِ، عالمٍ يسودُه الحبُّ والجمالُ والقيمُ الإنسانيَّةُ النَّبيلةُ في الحقِّ والعدالةِ والمساواةِ والحرّيَّةِ والإخاءِ، وها هيَ قصيدتُه (علاجُ القوافِي) تلخِّصُ جوانبَ من تطلُّعاتِ الشَّاعرِ:

نطقْتُ بالشِّعرِ بركاناً على شَفَتي
فاسْتَعذبَ القومُ موَّالي وأُغنِيتي
وانداحَ منِّي عصيرُ الرُّوحِ في عبَقٍ
يا مَن يُبسِّطُ بالتَّحليلِ مُشْكلتي
ترنُو حروفِي إلى خيطٍ ليَنظِمَها
کالعِقدِ يَسْبحُ في شُطآنِ غانيةِ
قالُوا : القَوافِي علاجٌ، نِعمَ قولُهُم
مَن يُؤنسُ الرُّوحَ في بيْداءَ مُظْلمةِ؟
مَن يجعلُ الرَّملَ بستاناً بأمْسِيةٍ؟
مَن يمسحُ الدَّمعَ للمَحزونِ في لُغةِ؟
مَن يرسمُ القلبَ كرسيَّاً لوعدِ لقا؟
مَن يَسكبُ البُنَّ فنجاناً على شَفتِي؟
الشِّعرُ ديوانُنا، إِرْثِي أبوځ بهِ
وأرفدُ النَّهرَ مِن ينبوعِ ساقيةِ
ديوان جسُورُ الشَّوقِ والشَّوكِ

وفي هذهِ المجموعةِ الشّعريَّةِ يتألّقُ شاعرُنا بأصدقِ المشاعرِ وأرقِّ الكلماتِ وأجملِ الصُّورِ الشّعريّةِ الّتي ترسمُ ذكرياتِ الوطنِ والقريةِ والأحبابِ والأصحابِ، وما حلَّ بالوطنِ من مآسي الحربِ الّتي دمَّرتْ حضارةَ الإنسانِ، وقتلَت أشرفَ أبنائِها، وكان مِن هؤلاءِ الإخوةُ والأشقَّاءُ وشبَّانٌ في عمرِ الزُّهورِ وأطفالٌ كبراعمِ الحقولِ، لقدْ دمّرتْ تلك الحربُ الظَّالمةُ ذكرياتِ الطُّفولةِ والشَّبابِ والأهلِ والأصدقاءِ، وها هيَ قصيدتُه (عاصمةُ الشَّوقِ) ترسمُ الرَّكايا قريتَه الجميلةَ الوادعةَ المنكوبةَ بكلِّ أسماءِ أماكنِها المحفورةِ في جدرانِ روحِه:

لأرضِكِ فيضُ شَـــوقِي واشتياقِي
فقدْ ضـــاقَ البيــــانُ بمَـــا أُلاقي
وأحلــــمُ كلَّ يــــومٍ أنْ وصَلْنــــا
وأصْحُو في استِحالاتِ التَّـــلاقي
لقـــدْ بخِلَ الزَّمـــــانُ بنَيلِ لُقْيـــا
وأخْطَأَ دربَ كأسِ الوصْلِ ساقِ
إلى (وقْفِ) الرَّكايَا نبْــضُ قلْبِي
وفي (شِرمانِها) جمْرُ احتِـراقِي
وتَهـفُونحــوَ (بيــدرِها) عُيُـوني
وفي (الهَبَّاطِ) يلْقــانِي رِفـــاقِي
و( تلُّ النَّــارِ) وسْـمٌ لا يُجارَی
جَمــــالاً واعتِلاءً في المَـــآقِي

ولم تكتَفِ ريشةُ الشَّاعرِ برسمِ ما يعتملُ في ذاتِه من مشاعرَ تجاهَ مختلفِ القضَايا من خلالِ مراكبِ العمُودِ الشِّعريِّ، وإنّما نراهُ يُبحرُ بكلِّ ثقةٍ وحرّيّةٍ ممتطياً مناطيدَ التَّفعيلةِ في سماءِ الشِّعرِ الحديثِ؛ ليحلِّقَ بها في فضاءاتٍ شعريّةٍ تتراقصُ فيها الكلمةُ في معْناها ومَغْناها، لتعبِّرَ عن مآسي الأمَّةِ والعالمِ، حينَ يَعرِضُ كلَّ ما يملكُ من إنجازاتٍ فكريَّةٍ ومادّيَّةٍ لبيعَها لهؤلاءِ الكبارِ الّذين شوَّهُوا التَّاريخَ والإنسانَ والحضارةَ بالمَكرِ والهمجيَّةِ والغطرسةِ في عالمٍ لم يعُدْ فيه غيرُ الخرابِ والدَّمارِ، ولهذا فقدْ قرَّرَ أمامَ هذا الواقعِ الأليمِ أن يتخلَّى عن كلِّ ما حقَّقَه من ثمارِ الفكرِ والكدِّ والكفاحِ، وحتّى عن رجولتِه في زمنٍ أضحَت فيه البطولةُ الحقيقيَّةُ أسطورةَ دجلٍ يتصنَّعُها هؤلاءِ الكبارُ، متمنِّياً أن يعودَ إلى عالمِ الطُّفولةِ، حيثُ البراءةُ والنَّقاءُ والآمالُ والأحلامُ:

مَللْتُ من عالمِكم يا أيّها الكِبارْ..
أريدُ أن أبيعَكم تجربتِي..
أريدُ أنْ أبيعَكم شهادتِي وشُهْرتي..
ملَلْتُ مِن حُروبِكم وغَدرِكم ببعضِكمْ..
ومِن خداعِ قولِكمْ ومنْ دُخانِ حِقدِكمْ..
مثلَ امتدادِ النّارْ.
أريدُ نِسيانَ الحُروبِ والدّماءِ والسِّلاحِ..
والخرائطِ الحزينةِ الثّكلى..
لمُدنٍ تَنوحُ في خرابِها..
ومَنزلي المَهجورَ حينَ عَضّهُ الدّمارْ...
أريدُ أن أعودَ كالصّغارْ.
أعيشُ تحتَ حائطٍ طينيّ..
ألاعبُ الطيورَ في اجتماعِها..
أنامُ في قيلولةِ الأشجارْ...
يا أيّها الكِبارْ:
أريدُ أن أبيعَكم رُجولتي بأبخسِ الأثمانْ..
لكي أَعودَ ضاحكاً في خطوةِ النّقاءِ والبراءةِ..
في عالمِ الصِّغارْ.

خاتِمة

وفي الختامِ فإنَّ مدادَ الكلماتِ لا ينضُبُ، تتأجَّجُ المشاعرُ بينَ أملٍ ويأسٍ، بينَ حاضرٍ يختنقُ بنيرانِ الحقدِ والحروبِ، وبينَ عالمٍ طفوليٍّ جميلٍ تهفُو إليهِ النُّفوسُ كلّما حجَبتْ سحبُ الدُّخانِ جمالَ الكونِ عن عيونِ البشريَّةِ، لكنَّ الأملَ لن يلفظَ أنفاسَه، والجمالَ لن يرتديَ ثوبَ الحدادِ، ما دامَ في رحمِ الإنسانيَّة مفكِّرونَ وأدباءُ وعلماءُ ومصلِحُون وعباقرةٌ ومجدِّدُون.. فتحيَّةً لكلِّ هؤلاءِ.. وتقديري للأخِ والزَّميلِ الشّاعرِ والمفكّرِ عبدِ الرّزّاق الدِّرباس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى