الخميس ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

صقيع إدغار ألن

ثمة أوجاع تمر على عجل ولا تتوقف..

الأوجاع وحدها يتوارثُها العابرون.. شيء يحدث ويتحدث

يعلن للتو.. عن ذاكرة رافلة بالأسماء تتكسر فجأة على موجة الأسئلة..

لا شيء سوى ريح فاغرة فاها.. تقرأ وجهاً وتشهق تستيقظ من كنف الدمعة وتخبرني عن أوجاع شخصية كانت.. كتبها التاريخ كانت رئة مثقوبة كأسمال الفقراء ترويها قبل أن تسترق الشمس الحكاية.

* إدجار ألن بو 1809- 1849

ادجار ألن بو كاتب وشاعر أمريكي، هو رائد القصص البوليسية والخبير الأول في أمور النقد في كل من فرنسا وإنجلترا، ظروف معيشته القاسية خلقت منه شاعراً تعيساً، فقد توفي والداه وتركوا وراءهم ثلاثة أبناء، وبعد مدة من الزمن توفي أحد الإخوة وهو شاب.. بدأ إدغار بالقراءة والدراسة.

درس في جامعة فيرجينا، ولكن حظه التعيس ألقى به لأن يتركها؛ لأنه لم يستطع سداد ما عليه من مال.

تزوج ادجار من فتاة، لكنها مرضت وتوفيت بعد خمسة أعوام، عندها فقد توازنه، وبدأ يكتب الشعر الرومانسي.. خطب سيدة تدعى إليمار. قيل كتب أجمل أشعاره وكانت أول مجموعة له (الخزف والاربسك) عام 1840 وهي أشهر أعماله.

وكان هذا الكتاب نقطة انطلاق بالنسبة إليه - القصيدة المظلمة The Raven ساعدت على انتشاره عام 1845، أصيب بالهلوسة وتوفي بعد أن عاش حياة قلقة نزقة متقلبة، في السابع من تشرين الأول - أكتوبر عام 1849 وعمره أربعون عاماً.

كانت محنة بو في بنائه النفسي، فهو (كاتب الأعصاب) كما وصفه بودلير، كما كانت محنته في بيئته الأسرية، حيث تبنته أسرة بعد وفاة والدته، ولم تكن علاقته بوالده بالتبني على ما يرام. وكانت محنته أيضاً في البناء المادي للمجتمع الأمريكي بكل ثقل الكلمة وظلالها. عاقر الخمر، وأدمن المخدرات، والأدب والشعر والفوضى. كان مبدعاً لم يرحمه من حوله، ولم يكتشفه الذوق الأمريكي، وإنما تم اكتشافه بشكل خاص في فرنسا وعلى يد شعراء ونقاد من أمثال (بودلير) و(مالارمييه). فنيته ليست في رمزيته فقط، وإنما في عطائه الثر من معين النفس البشرية التي تصفو من خلال شعورها بالعذاب والقهر والاغتراب، وله كتابات تفوح منها رائحة الغموض والرعب.

إن بو شاعراً وقصاصاً وناقداً، ليس فقط في سياق الأدب الأمريكي الذي فتح نوافذه على العالم، وإنما على مستوى الأدب العالمي. اعتبره بودلير الفرنسي (قلبه المُعرَّى)، ورأى فيه دوستوفسكي الروسي (كاشف الزيف ونازع الأقنعة).

ها هو يلون الفضاء ويرسم مساحات واسعة على الرمال، ينثر تلك الصور بين الكلمات.. بقي قنديلاً لا همَّ له سوى أن يضيء في المدى... بقصيدته: (حلم في حلم)

خذي هذه القبلة على جبينك
ولأننا سنفترق
دعيني أعترف لك بهذا
لا لم تخطئي حين اعتقدت
أن أيامي كانت حلما
إذ كان تواري الأمل
في نهار أو ليل
أكان رؤيا أو حلما
لا فرق فقد مضى
كل ما نحن كل ما نرى
الكل ليس إلا حلما في حلم
أظل وسط مكاسر الموج
على ساحل معذب
حبات رمل ذهبي في يدي
آه كم هي قليلة!
وكيف تنزلق
عبر أصابعي في الهاوية
حين أبكي.. أبكي
أما بوسعي يا إلهي أن أشد عليها
شدة أقل ريبة؟
أما بوسعي يا إلهي أن أنجو بإحداها
بواحدة فقط من الموج العديم الشفقة
أكل ما نحن كل ما نرى
لا شيء غير حلم في حلم؟

أما قصيدة (أشباح الموتى)، فيعلن الإنسان أقرب للمنفى يترنح في أرض مبتلة بالوجع ليلها قاتم نجومها مغادرة.. مخلفة وراءها أشباح الموتى، يرتق على قارعتها العبث الحزين، طقس لا يليق إلا به يحمل عناء موت وأوجاع مسكوبة.. حاصرها الجرح والنزف وانكسار صفحات بيض، بخطوات بلا أجنحة سماء بلا سحب.

روحك سوف تلقى نفسها وحيدة
وحيدة من كلّ ما على الأرض مجهولة
العلّة لكن لا أحد قريب ليحدّق
نحو تكتّم ساعتك.
كن ساكنا في تلك الوحدة
التي ما هي وحشة آنذاك
أشباح الموتى الذين قاموا
في الحياة أمامك، هم مرّة أخرى
في الموت حولك، وإرادتهم
سوف تظلّك؛ كن هادئاً
لأجل اللّيل، الجليّ الذي برغم ذلك، سيتجهّم؛
والنجوم سوف لن ترى أرضاً
من عروشها، في الملأ الأعلى المعتم،
مع نور مثل أمل للفاني مُعطى،
لكن أفلاكهم الحمراء، بدون شعاع،
نحو قلبك الآفل سوف تلوح
مثل تحرّق وحمّى
قد تتشبّث بك إلى الأبد.
لكن ستهجرك مثل كل نجم
في ضوء الصّباح بعيدا
سوف تحلّق بك وتحتجب
لكن فكرته لن تستطيع إبعادها.
سوف يكون هادئا؛
والرّكام فوق الأكمة
من نسيم ذلك الصّيف غير المنقطع
سوف لا بُدّ أن يسحرك كعلامة،
والرّمز الذي لا بُدّ سيكو


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى