طه حسین في نقد کتاب الشعر الجاهلی
المستخلص:
إنّ طه حسین قد طرح موضوعاً في کتابه «الشعر الجاهلی» تحت منهجه الخاص وبإستشهاداته العدیدة
رفض صحة الشعر من قبل الشعراء الجاهلیین. إنّه لم یستطع أن یقبل أنّ الشعر في العصر الجاهلي کان موجوداً و شخصیة الشاعر حقیقیة و في رأیه کل الشعر في ذلک العصر منحول وموضوع وإنّه قد حُمل علی العرب و أنکر من خلاله شخصیات من مثل امرئ القیس و في النهایة تقدیم آرائه أدّی إلی إثارة التشاؤم بالنسبة له من جانب الآخرین.فهدفنا من هذا البحث معرفة رأی طه حسین و استشهاداته و السؤال الأساس هو : یدور شکّ طه حسین حول أیّ مسألة؟ فبالمنهج الوصفی و التحلیلی نصل إلی نتیجةٍ بعد هذه الفرضیة و هي کان طه حسین خاضعا لمنهج دیکارت فعلی اساس هذا المنهج قام بکتابة الشعر الجاهلي. و في النهایة نؤیّد الفرضیة .
الکلمات المفتاحیة: طه حسین، الشعر الجاهلي ، منهج دیکارت.
من خلال قراءة کتاب الشعر الجاهلی یجد القارئ شخصیة المؤلف شخصیة رجلٍ شاک ناقدٍ ینظر بالشعر في العهد الجاهلي و قبل الإسلام بالشک و التردد و هو طه حسین.
إنّه کان من الأدباء المفکّرین المصریین أستاذ الآداب العربیة بکلیة الآداب بالجامعة المصریة، عرف بعمید الأدب العربی و قال عنه الدکتور صلاح الدین المنجد« إنّه عجیب في کل شئ لأنّه کان یکره الإعتدال و کان عجیباً في عماد الذی اعطاه الذکاء المتوقد و في خصامه العنیف مع جمیع ذوی الشأن من أدباء مصر من المنفلوطی و شوقی إلی توفیق الحکیم والرافعی و الزیات... و في أسلوبه البکر النّقی و حدیثه الممتع الساحر اذا تحدّث و إلقائه الناغم الرنّان أخّاذ القلوب والأسماع اذا خطب».(الفاخوری،ج1: 338)
کتاب« الشعر الجاهلی» من مجموعة محاضرات ألقاها طه حسین في الجامعة و عبّر فیها تعبیراً واضحاً عن الطریقة الحدیثة في النقد و یعتقد فیها أنّ معظم الشعر الجاهلي لیس من الجاهلیین.
إنّه في کتابه قبل کل شئ یرفض جریئا الشعر و الشاعریة في ذلک العصر و یشک شکا قویاً حوله و یستدل بأدلّة منطقیة و غیرها منطقیة و تباعه لمنهج دیکارت أدّی إلی إثارة الغضب و الکراهیة عند الآخرین و لم یروا هذا الرجل إلّا کافراً کما اتّهمه مصطفی صادق الرافعی بالإلحاد.
طریقه في کتاب الشعر الجاهلی طریق الشک إلی الیقین کما یبیّن فی مقدمة کتابه قائلاً:« فلست أرید أن أقول البحث و إنما أرید أن أقول الشک. أرید ألّا نقبل شیئاً مما قال القدماء في الأدب و تاریخه إلّا بعد بحث و تثبت إن لم ینتهیان إلی الرجهان»(حسین،1926م،:2) وفي الحقیقة إنّه بهذا التبیین یوّضح منهجه توضیحاً کاملاً دون أیّ غموض لمواجهة الآخرین المنطقیة مع افکاره.
من المسلم فإنّ لکل الکاتب في نقل افکاره إلی القراء و صوغها في الجمل طریقة خاصة کما لطه حسین ایضاً اسلوبه الخاص الذی یمیزه عن الأدباء الآخرین في نقل افکاره إلی القراء.
و یمکن القول جریئاً إنّ شیئاً وحیداً یبقی لتاریخ الأدب و للأجیال المقبلة خالداً هو أسلوب طه حسین و إنّ الأسلوب عنده صلةٌ بین الکاتب و القارئ و النقد عنده و باعتقاده وحده یستطیع أن ینهض الأدب من غفوته و إنّ النقد الخلیق یجب أن یکون جریئاً و ذا صوتٍ عالٍ اذا کان الأدب و الحیاة الأدبیة في نوم عمیق و هکذا النقد یهزّ النائمین.(المصدر نفسه،:645)
إنما أساس کتاب الشعر الجاهلی علی النقد و طه حسین في ذلک الأثر استفاد من النقد اللاذع و اعطاه صبغة الشکوی. إنّه اعتمد في نقده منهج دیکارت و جری في دراساته مجری النقاد الفرنسیین الذین اشتهروا في ذلک العصر من مثل سانت بوف.
یعتقد طه حسین علینا في هذا المنهج حتی ننسی عواطفنا و تعصباتنا الدینیة و قومیتنا إذ إنّ العصبیة في القومیة و الدین ظلمٌ و المسلمین مع هذا التعصب یظلمون الإسلام و إن أردنا ان نصل إلی النتائج العلمیة الإیجابیة یجب أن نکون من الأحرار.
هو یعتقد بأنّه یجب أن نلتمس الحیاة الجاهلیة في القرآن لا في الشعر الجاهلي. و یری أنّ القرآن اصدق تمثیلا للحیاة الدینیة عند العرب من الشعر الجاهلی و برأیه إن القرآن لا یمثل الحیاة الدینیة وحدها، و إنما یمثل شیئا آخر غیرها لا نجده في الأشعار الجاهلیة کحیاة عقلیة قویة و قدرة علی الجدال. ویقول القرآن« أصدق مرآة للعصر الجاهلی و نص القرآن ثابت لا سبیل إلی الشک فیه»(م،ن:16) و یبیّن الفرق بین نتیجة البحث عن الحیاة الجاهلیة في الشعر الذی یضاف إلی الجاهلیین والبحث عنها في القرآن قائلاً:« فاما هذا الشعر الذی یضاف إلی الجاهلیین و فیظهر لناحیة غامضة جافة بریئة أو کالبریئة من الشعور الدینی القومی والعاطفة الدینیة المتسلطة علی النفس و المسیطرة علی الحیاة العلمیة و إلا فاین تجد شیئا من هذا في شعر امرئ القیس أو طرفة أو عنترة! أو لیس عجیبا أن یعجز الشعر الجاهلی کله عن تصویر الحیاة الدینیة للجاهلیین! و أما القرآن فیمثل لنا حیاة دینیة قویة یدعو أهلها إلی ان یجادلوا عنها ما وسعهم الجدال. فاذا رأوا أنه قد أصبح قلیل الغناء لجأوا إلی الکید، ثم إلی الإضطهاد ثم إلی اعلان الحرب التی لا تبقی و لا تذر»(المصدر نفسه:18-19)
و أیضاً یتوقف علی الأسرة الجاهلیة لإثبات الانتحال في الشعر الجاهلی حیث إنها تحتل المکانة الأولی في المجتمع الجاهلی و هي الرکن الأساس لبناء المجتمع في أیّ شعب أو بلد، فإنها أساس البطولة و العبقریة و موطن الشعراء النوابغ و الأبطال و في هذا الإطار تلعب المرأة دورها الأساس حیث أنها تلد الشعراء و الأبطال و تربیهم و تحاول نموهم و الإبن عندها یشعر بالأمن و الإطمئنان.
إنّ الأسرة الجاهلیة تتشکل من رئیسها و هو الأب حیث إنّه یتعهد بنفقة الزوجة و الأبناء و له حق الردّ و القبول، امّا الرکن الثاني للأسرة الجاهلیة هو المرأة فقد کان لها منزلة رفیعة في نفوسهم، فقد کانت تشارک الرجل في کثیر من الأعمال و المرأة الجاهلیة منهن الشریفات المؤسرات اللواتی تخدمهن فتکفیهن هذه الأعمال و کان الکثیر منهن سافرات یقابلن الضیفان و یجلسن إلیهم بحشمة و وقار، أمّا الأمة فهي دون الحرة و المنزلة و أکثر الإماء من السبی أو الرقیق و منهن القیان اللواتی یکثرن في حوانیت الخمارین و کنّ متعة السکاری و الفساق من أصحاب اللهو و المجون(یحیی الجبوری،:47-49)
بناءاً علی ما أسلفناه أنّ الرأی السائد الذی یقول إنّ الشعر الجاهلی منحول لأنه یتکلم عن المرأة بالفحش- و المرأة کانت في الجاهلیة في حصن حصین من الرجال الحراس الذین کانوا یدافعون عن نوامیسهم- رأی مردود لأننا تقدمنا أنّ من النساء القیان اللاتی یکثرن في حوانیت...(م.س)
هذا و إنّ العرب لم یکن شئ یثیرهم کسبی النساء و هم بعیدون عن الحی ، فکانوا یرکبون وراءهن کل وعر حتی یلحقوا بهن و ینقذوهن و یغسلوا عار سبیهن عنهم و هو عار عندهم لیس فوقه عار و کانوا یصحبونهن معهم في الحرب و کن یشدّون من عزائمهم بما ینشدن من أناشید حماسیة.(شوقی ضیف،:72)
و في هذه الأحوال کان من المجّان الذین یدخلون في حریم الأسرة أو القبیلة مع رضیّ من المرأة أو إکراها منها و یشتغلون بالزنی بعیداً عن عیون حراس القبیلة أو الأسرة و کان هذا لما یذهب الأب إلی الحرب و المعارک فإنّ الشاعر الجاهلی الکبیر إمرئ القیس یتحدث عن دخوله في حدود المرأة بعد ما نام أهلها فإنه یروی حکایته مع المرأة فیقول: إنی ذهبت إلیها بعد نوم أهلها حیث کان الحراس مبتعدین عنّا...(دیوان امرئ القیس- المعلقة).
یقول طه حسین عن هذه الموضوعات التی مرت بنا: أمّا وصف إمرئ القیس لخلیلته و زیارته إیاها و تجسمه ما تجسم للوصول إلیها و تخوفها الفضیحة حین رأته فهو أشبه بشعر عمر بن أبی ربیعة، ثم یقول کیف یمکن أن یکون امرؤالقیس هو منشئ هذا الفن من الغزل الذی عاش علیه إبن أبی ربیعة.(في الشعر الجاهلی،:147)
فالدکتور طه حسین إستنبط ما استکشف من التاریخ باطلاً فإنّه یقول مغزی قوله-إن إمرئ القیس لا یمکن أن یکون مبدع فن الغزل دون أن یستند إلی دلیل علمی خاص غیر أنه أراد أن یثبت هذا العنوان لعمر بن أبی ربیعة و التقلید یأخذه عادة الشعراء المتأخرون حیث یتبعون القدماء في الفنون و...
و هو لا یقف عند هذه المباحث فقط بل یتجاوز البحثَ الفنی و اللغوی وتقدم في محاولته لردّ الشعر الجاهلي و إثبات إنتحاله نحو الأمام إلی أن وصل إلی اللغة حیث وجد بعض الأدلة لا یمکن الإغضاء عنها و خُیّل إلیه أن هذه الأدلة تثبت إنتحال الشعر الجاهلي کلها غیر أنه أنساه هذا السعی و المحاولة أن یفکر في نشأة اللغة الفصحی و اللهجات ، فظنّ أن اللغة الفصحی مولود وُلد في بضع ثوانٍ فقط. علی أیّ حال أخذ الدکتور جانب اللغة و اللهجة ساعیاً نحو هدفه فتکلم عن لغة العرب الشمالیة و الجنوبیة ( العدنانیة و الحمیریة أو العاربة و المستعربة) و قد ساقه الکلام نحو اللهجات، لهجة مضر و ربیعة و... و أجبره الجو الموجود إلی أن یتکلم عن ابراهیم و اسماعیل و صلة الیهود مع الإسلام و نری في هذا المضمار بعض الإستقراءات التی صدرت عنه دون أی شاهد أو مستند أساسی ، فتکلم عن اللهجات القرآنیة و اختلافها و استکشف منها نتیجة ما.و یقول:« إن هذا الشعر الذی ینسب إلی امرئ القیس أو إلی الأعشی أو إلی غیرها من الشعراء الجاهلیین لا یمکن من الوجهة اللغویة و الفنیة ان یکون لهولاء الشعراء»(م.ن:9) و یقدم دلیله هکذا:« ذلک لأننا نجد بین هولاء الشعراء الذین یضیفون إلیهم شیئا کثیرا من الشعر الجاهلی قوما ینتسبون إلی عرب الیمین إلی هذه القحطانیة العاربة التی کانت تتکلم لغة غیر لغة القرآن و التی کان یقول عنها ابو عمروبن العلاء: إنّ لغتها مخالفة للغة العرب، و التی أثبت البحث الحدیث أن لها لغة أخری غیر اللغة العربیة».(م.ن:29)
ثم ینتقل طه حسین من اللغة إلی اللهجات فیقول: إن هذا الشعر الذی ینسب للجاهلیین یخلو تماما من بروز اللهجات علاوة علی أنه لم یتبین عن اللغة الحمیریة، و یعتقد أن لکل لغة لهجات و الناس یتکلمون بلهجاتهم و قد یستعملون اللغة في محادثاتهم مع الناس أو في علاقاتهم العامة، و لنعلم أن اللهجات کانت موجودة في العصر الجاهلی و اللغة أیضاً کانت موجودة فالسؤال هنا، لماذا لم تظهر في الشعر الجاهلي لغة الشاعر؟
یشک طه حسین ایضاً في وجود قبائل من مثل (ربیعة) و (قیس) و (تمیم) و في اسماء هذه القبائل و في اقوام مثل عاد و ثمود و اللذین مکتوبین في القرآن الکریم و في قیمة الأنساب بین الشعراء و یعتقد بأن جمیعها أساطیر و أیضاً یعتقد بأنّ الإسمین( ابراهیم و اسماعیل) في التوراة و القرآن لا یکفی لإثبات وجودهما التاریخی. و یذکر من اسباب انتحال الشعر منها اختلاف اللهجات بین قبائل العرب و ایضاً السیاسة و عامل الدین و القصاص و الشعوبیة و الرواة. و القصد من السیاسة هنا، هجرة النبی من مکة إلی المدینة و الجهاد الإقتصادی و الدینی بین قریش و اصحاب النبی و العصبیات و ما یتصل بها من المنافع السیاسیة.
النتیجة
إنّ طه حسین في کتابه الشعر الجاهلی خاضع لمنهج دیکارت تماما و لیس ملحداً کما اتهمه مصطفی صادق الرافعی و علی اساس هذا المنهج یجب علی الکاتب أن یخضع له اولاً ثم یکتب بغض النظر من ایّ تعصب. فلیس بینه و بین الشعراء الجاهلیین ای خصومة شخصیة فیمکن القول شکّه مقبول.
المصادر و المراجع
امرؤالقیس، الدیوان، دار صادر، بیروت.
الجبوری یحیی، المستشرقون و الشعر الجاهلي، دارالغرب الإسلامی، بیروت، ط1، 1997م.
حسین، طه. 1926م.في الشعر الجاهلی.ط1. القاهرة: دار الکتب المصریة.
شوقي ضیف، تاریخ الأدب العربی، ج1، دارالمعارف قاهرة.
الفاخوری، حنا.1380ه-ش. الجامع في تاریخ الأدب العربی، الأدب الحدیث.ط1.لاب. منشورات ذوی القربی.