ظاهرة المحلية في السرد المغربي
أخيراً ظهر هذا العمل الجامعي الرصين بعد انتظار كاد أن يتجاوز الثلاثين سنة. موضوعه "ظاهرة المحلية في السرد المغربي"، خاصة القصة القصيرة. وأفترض أن المحلية ليست مجرد ظاهرة بل هي سمة أدبية تحضر دوماً في الإبداع الإنساني مهما تتلون أشكاله وتتغير أنواعه وأجناسه. ذلك أن الأدب مهما يوغل في التجريد، أو يغدو سريالياً، أو برناسياً لا بد أن يظل مشتملاً على قدر من المحلية. غير أن السائد في تاريخ الآداب العالمية ارتباط المحلية بالمدرسة الواقعية أو الطبيعية حسبما تجلت لدى الكتاب الروس، والفرنسيين، والإسپان، وبعض الكتاب العرب.
يتشكل كتاب مصطفى يعلى من "تقديم" وخاتمة "على سبيل التركيب"، وبينهما قسمان كبيران عُنون الأول بـ"ظاهرة المحلية"، والثاني بـ"المحلية في السرد المغربي". في القسم الأول تعريف مسهب لـ"مفهوم المحلية"؛ من حيث هي "نزعة" إقليمية مغربية، ثم من حيث هي "دعوة" نمت وسط مناخ سياسي ونفسي وفكري وأدبي مغربي مخصوص، ثم من حيث هي "تجل إبداعي" لدى بعض المبدعين في أورپا وأمريكا وأقطار العالم العربي خاصة. والمقصود بالإبداع في هذا الفصل فنون الرسم والموسيقى والرواية والقصة القصيرة. وينتهي المؤلف إلى تعريف المحلية وفق هذه الصيغة:
ويشتمل القسم الثاني على أربعة فصول تطبيقية هي على التوالي:
الفصل الأول: "العتاقة المهددة بالتحول" رصد فيه المؤلف مظاهر المحلية في مجموعة "فاس في سبع قصص" لأحمد بناني، وفي رواية "دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب.
الفصل الثاني: "أصيلة مرتعاً لشطارة الطفولة المستعادة". انطلاقاً من بعض نصوص أحمد عبد السلام البقالي.
الفصل الثالث: "الرؤية النقدية الإصلاحية للمجتمع المحلي" اعتماداً على نصوص لمحمد الخضر الريسوني ذات الصلة بتطوان، خاصة مجموعته "صور من حياتنا الاجتماعية".
الفصل الرابع: "المحلية معبراً للالتـزام" من خلال تحليل نصوص محلية لمحمد أحمد اشماعو ذات الصلة بمدينة سلا العتيقة.
ويلزم أن نثير الانتباه إلى أن الفترة الزمنية المعالجة في هذا الكتاب القيم تمتد بين أوائل الأربعينات ونهاية الستينات من القرن العشرين.
قد يقول قائل إن وصفي لهذا الكتاب بـ"القيم" إنما هو على سبيل المجاملة أو الحشو. لكن الحقيقة النقدية ليست كذلك. فقد عايشتُ هذا العمل شخصياً كما لو كان عملي منذ نهاية عقد الستينات من القرن الماضي حيث كان يعلى يشتغل بـ"المحلية في المغرب" وأنا بـ"قصص الأطفال بالمغرب". ولا داعي للتذكير بالجهود الفكرية والجسدية التي اقتضاها منا هذان العملان اللذان كانا في الأصل رسالتين جامعيتين من أجل الحصول على دبلوم الدراسات العليا. إنما يكفي في هذا التقديم السريع للكتاب أن أقول إننا تصفحنا من أجلهما آلاف الصفحات من الصحافة المغربية منذ ظهورها في بداية القرن العشرين إلى نهاية العقد المذكور.