الاثنين ٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

عقود الفقر (بائع الماء)

كان الوقت أصيلا، وهو يصوّت بأعلى صوته:

ماء مصفى... ماء مصفى...

صاحت له امرأة: قف واملأ لنا هذه (الدبة). والدبة قنينة بلاستيكية حجمها 20 ليترا.

لكنه بدل أن يوجه المقود نحو المرأة، أدار ذراع التسارع إلى الخلف كي يتدفق وقود محرك دراجته النارية ذات الثلاث عجلات والتي يسميها (ستوتة) ليسرع نحو الرجل الذي حاول أن يغير مسيره ليدخل في الشارع الثاني!

رجل يكفي أن تلمحه بنظرة لتعرف مدى فاقته، دشداشة متآكلة، وكوفية بالية.

عندما بلغتْه الدراجةُ واقتربت منه إلى حد ظن أنها تكاد أن تدهسه، رجع متعثرا في دشداشته فتدارك نفسه من السقوط.

 أين تتخفى؟! وإلى إين تفر اليوم من يدي؟! ما لك من مناص! ...وها أنا قد لحقت بك.
عاهدتني أن تسدد اليوم دينك؛ 20 دبة ماء، كل يوم تؤجله إلى غده، اليوم نفدت المهلة الأخيرة، وصبري أيضا.

إن لم تدفع لي اليوم، عاركتك. أخرجُ صباحا لأرجع عصرا بالمال لزوجتي وأطفالي، لا أن أفض الماء لثواب أبي.

قال الرجل وقد بدا مكسور الخاطر:

لم أستلم راتبي بعد، أربعة أشهر ولم يعطوني راتبا؛ أخذت منهم خمسة ملايين مساعدة ووزعتها على الدكاكين.

 أدري أنك مطلوب للجميع، حياتك أمست دين في دين! هذا من سوء تدبيرك.

 كنت قد عزلت لك 300 ألفا، لكن رحى ابنتي بدأت بالوجع! حاولت تجاهلها، لكن البنت ظلت تعوي طوال الليل من شدة الألم!

كان الدكتور قد قال له إن الرحى هذه دائمة، ووصل تسوسها إلى العصب، ولم يكلفه إزالة العصب وحشو الرحى سوى 8 ملايين.

ولكن أنّى له أن يدبرها؟! فترجى الطبيب أن يخلعها.

صاح به بائع الماء وهو يترجل من دراجته وكأنه ناوٍ على شر:

يا رجل، ادفع دينك بدل أن تدخن ... بالله قل لي، كيف تدخن وأنت مدين؟! أليس هذا من سوء تدبيرك؟!

قال وهو يتراجع خطوة بعد خطوة:

والله البارحة اشتريت 6 خبزات أكل كل منا خبزة وغمسناها بالماء... عيشتنا متقشفة.

رد البائع بنبرة غير متعاطفة:

وهل أنا حكومة لتتشكى إلي؟! تلك الحكومة اذهب واشك حالك لعلك تحصل على بعض حقوقك. أو طالب الرئيس ليدفع لك رواتبك المتأخرة... اسمع، هذه الأشياء لا تخصني؛ اليوم سأصنع منك نقودا.

وصمّ يده ورفعها ليضرب عامل البلدية لولا الرجل الصالح الذي وصل في أوانه وحلّ القضية بطريقته المعهودة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى