علاقة الرمز بالصوت في الكتابة العربية

إن العلاقة بين الرمز والصوت، هي العلاقة بين المكتوب والمنطوق، وهي علاقة وثيقة لا يمكن الاستغناء عنها. ولكن اللغويين العرب القدامى اهتموا بالصورة المكتوبة، وغفلوا عن الاهتمام بالصورة المنطوقة في دراستهم للخط العربي ؛ لذلك وقعوا في أخطاء كثيرة، منها أنهم عدوا أحرف العلة (ا، و، ي) أو ما يسمى بأصوات اللين تابعة للأصوات الصامتة. ونسوا أنها رموزا لأصوات مستقلة كل الاستقلال عن رموز الأصوات الصامتة.

الأصوات الصامتة تعرف بأنها (الأصوات المهجورة التي يحدث في تكوينها أن يندفع الهواء في مجرى مستمر خلال الحلق والفم. دون أن يكون هناك عائق يعترض مجرى الهواء اعتراضا تاما أو تضييق لمجرى الهواء). هذه هي الأصوات الصامتة في اللغة وما عدا هذه الأصوات تسمى أصوات صائتة، وهي الحركات وحروف المد.

ولم تحظ الأصوات الصائتة أو أحرف المد بالاهتمام الكافي من قبل اللغويين العرب القدامى، فقد درسوها دراسة ثانوية وعدوها تابعة للأصوات الصامتة في النطق والكتابة والذي يؤكد هذا الرأي هو قول ابن جني (إن الحرف كالمحل للحركة وهي كالعرض منه، فهي لذلك محتاجة إليه) إذا الحرف أقوى من الحركة، فهو أساسي وهي شيء ثانوي.

ويبدو أن السبب المباشر لهذا الخلط هو أن الكتابة العربية لا ترمز إلى الحركات أو أصوات العلة القصيرة في بنية الكلمة، وإنما توضع رموزها في الخط فوق الحرف أو تحته، لذلك توهم اللغويون أنها تابعة للحرف وليست رمزا لصوت مستقل لا يقل شانه عن رمز الحرف الصامت. ونتيجة لهذا الخلط وقعوا في خطأ هو أنهم عدوا أحرف المد وهي الألف في (قام) والواو في (يدنو ) والياء في (الساقي) اصواتا صامتة، لذلك وضعوا قبل الألف علامة الفتحة، وقبل الواو علامة الضمة، وقبل الياء علامة الكسرة ن مع أن الألف، والواو، والياء هنا هي علامات لأصوات الفتحة الطويلة، والضمة الطويلة،

والكسرة الطويلة.

وهذا الخطأ سببه أيضا أن الكتابة العربية ترمز للحركات الطويلة برمز داخل الكلمة بعكس الحركات القصيرة، بمعنى أنها تخلط بينها وبين الحروف الصامتة.

نخلص من هذا كله بالقول أن دارسي الكتابة العربية لم يرمزوا للأصوات الصائتة أو للحركات الطويلة برموز مستقلة عن الأصوات الصامتة، ولكنهم عدوها تابعة لها، توضع فوقها أو تحتها على شكل حركة قصيرة. والرموز التي كانت تمثل حركات طويلة ( ا، و، ي ) تسقط في كتاباتهم.

وهذا العيب في الكتابة العربية لم يكن وليد تلك الكتابة، ولكن ترجع أصوله إلى الخط النبطي الذي كان منتشرا في شمالي الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام والذي يعود في عمقه إلى الخط الفينيقي وهو من الخطوط السامية القديمة. ولم يرمز أصحاب هذا الخط منذ البداية إلى أصوات العلة، طويلها أو قصيرها على الرغم من أن أصوات العلة أوضح في السمع من الأصوات الصامتة.فهم لم يضعوا حركات قصيرة

فوق الحرف أو تحته مثل (كتابّ) ثم أنهم كانوا يحذفون صوت المد الطويل من كتاباتهم فيكتبون كلمة (عمود) (عمد) بحذف حرف المد الطويل (الواو) ويكتبون كلمة (جميل) (جمل) بحذف حرف الميم.

ثم حدث تطور صوتي في اللغة ترتب عليه اكتساب بعض رموز الأصوات الصامتة صفة الدلالة على أصوات العلة الطويلة، فقد كانت الألف في البداية ترمز للهمزة والواو والياء رموزا للصوت الصامت في مثل (بيت) (ولد). ثم ضاعت الهمزة في وسط الكلمة. فمثلا كلمة (فأس) أصبحت تنطق (فاس) فصارت الألف تدل على الفتحة الطويلة، وعلى الهمزة أيضا. وكذلك الواو هي رمزا للضمة الطويلة وورمزا للصوت الصامت. والياء رمزا للكسرة الطويلة وللصوت الصامت.

هذا ما حدث في الخط النبطي وعندما اخذ العرب الخط من النبط تأثروا بهذا الخلط بين الصوامت والصوائت، ولم يتنبهوا ليفرقوا رموز أصوات الحركات الطويلة ويجعلونها رموزا مستقلة عن رموز الأصوات الصامتة.

وتوجد آثار هذا الخط حتى يومنا هذا في الكتابة العربية على الرغم من التنبه على دلالة حروف المد الثلاث على الحركات الطويلة فنجد كلمة (لكن) تكتب بحذف حرف المد الطويل (الألف)، وكلمة (هذا) تكتب بحذف الحركة الطويلة (الألف) مع أن الألف والواو والياء أوضح في النطق وأصفى من الحروف الصامتة الأخرى.