الأربعاء ٢١ آب (أغسطس) ٢٠١٩
خمس سنوات على رحيل
بقلم شاكر فريد حسن

فارس الشعر الوطني المقاوم سميح القاسم

مرت خمس سنوات منذ أن غادر الحياة وانتقل إلى العالم الآخر شاعرنا الفلسطيني الكبير سميح القاسم، ابن بلدة الرامة الجليلية، بعد مسيرة زاخرة بالنضال والابداع والحياة والعطاء اللامحدود في خدمة قضايا شعبه الوطنية.

وسميح القاسم هو أحد أبرز واهم وأشهر الشعراء الفلسطينيين، ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة والالتزام الوطني والطبقي، وتركزت أشعاره حول الهم والجرح الفلسطيني النازف والمأساة الفلسطينية المتواصلة وكفاح أبناء شعبه التحرري الاستقلالي.

سميح القاسم من مواليد الزرقاء الاردنية العام 1939 لعائلة فلسطينية من قرية الرامة، تعلم الابتدائية في بلده، وانهى الثانوية في الناصرة، بعدها سافر الى الاتحاد السوفييتي لمدة عام، حيث درس اللغة الروسية والفلسفة والاقتصاد، ثم عمل مدرسًا لفترة قصيرة، بعدها اخرط في العمل الحزبي والنشاط السياسي من خلال عضويته في الحزب الشيوعي، وعمل سنوات طويلة في الصحافة الشيوعية "الاتحاد" و "الجديد" و "الغد" ، ثم تفرغ للكتابة الأدبية وعمل رئيس تحرير صحيفة "كل العرب" الأسبوعية، وترأس اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب والادباء الفلسطينيين في الداخل.

اعتقل سميح القاسم وزج به في غياهب السجون والزنازين، وفرضت عليه الاقامات الجبرية على خلفية نشاطه ومواقفه الوطنية والكفاحية، لكن ذلك زاده تفولذًا وايمانًا أكثر بطريقه السياسي والنضالي، وتمسكه بقضايا شعبه والتزامه الوطني.

صدر لسميح القاسم أكثر من ستين كتابًا في الشعر والقصة والمقالة والرسائل والمسرح والترجمة، وصدرت أعماله الناجزة في سبعة مجلدات عن دور نشر مختلفة في الدخل والخارج.

ولفتت تجربته الشعرية والأدبية أنظار الكثير من النقاد المعاصرين على اختلاف اتجاهاتهم، فتناولوها بالتحليل والنقد والدراسة، وصدرت العديد من المؤلفات والدراسات النقدية والبحثية حول سيرته وأعماله ومنجزاته.

قدّم سميح القاسم الكثير للأدب الفلسطيني والعربي والكوني، واشتهر بأشعاره الوطنية والثورية والغنائية، وبإضافاته للتجارب الشعرية من خلال السربيات والكولاجات والبنى المركبة وبأدوات الاوزان الكلاسيكية والتفعيلات والمقاطع النثرية وعصرنة الايقاع الكلاسيكي حتى في قصيدة التفعيلة وتحديث الجناس.

ارتبطت تجربة سميح القاسم بقضية شعبه ووطنه وأمته، وأعماله الشعرية هي خلاصة علاقته الفردية بالكون كله وليس بمساحة محدودة في الجغرافيا، وهو شاعر قضية، وجماليات شعره جزء لا يتجزأ من جماليات الصوت والفكرة والروح التي ميزت هذه القضية.

ومضامين سميح القاسم على الأغلب هي مضامين فلسطينية وقومية إنسانية، وتعامله مع الأرض بقدر تعامله مع التاريخ والتراث.

قصائد سميح مشحونة بالتمرد والرفض والثورة ومراجل الغضب، والمواجهة الساخنة هي لغته ، ومواجهة التحدي يحتشد لها بأدق التفاصيل واخفاء الايماءات، ويصنع نسيجه الشعري من لغة بسيطة متحررة، حادة المواجهة، شديدة الولع بالوصول إلى مضايق الاشياء، لتحرك وتحرض وتثوِّر.

ونجد في شعره العودة الى الماضي والانطلاق منه مع حركة التاريخ وصيرورته إلى المستقبل في رؤيا أسطورية يرى فيها عروبته وانسانيته، ويرى المستقبل فردوسً أرضيًا من تكوين يديه.

وللقرآن والتوراة والانجيل حضورًا بارزًا في الكثير من نصوصه ، لغة ورموزًا ، وتأخذ النبوءة والاساطير اهتمامًا في بنية قصيدته ، تتحول فيه على بناء تكويني مفعم بعناصر العمل الملحمي.

والموت من المصطلحات والموتيفات البارزة في قصائد وأعمال سميح القاسم الشعرية، وحتى في عناوين مجموعاته مثل: الموت الكبير، قرآن الموت والياسمين، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، والهي الهي لماذا قتلتني، وهذا نابع من الثكل الذي عاناه في حياته، ومأسي شعبه ومشاهد الشهداء الذين يتساقطون يوميُا. ولا ننسى مقولته "لا احبك يا موت لكني لا اخافك".

سميح القاسم من أبرز الرموز والاصوات الشعرية الفلسطينية والعربية المعاصرة، التصق اسمه بمأساة ومعاناة وهموم شعبه، منذ بداياته مزج بين الذاتي والجماعي. إنه شاعر المواقف الدرامية، وشاعر الصراع، وقصائده الشعرية تقترب من قلب الإنسان الكادح المسحوق في كل مكان.

تتميز أشعاره وقصائده عامة بسعة الخيال، وخصوبة اللغة، والالم والحزن الممزوج بحدة الانفعال بالشكوى لما آلت أحوال وأوضاع شعبه وغياب الحل العادل لقضيته الوطنية المقدسة، ويبدو وكأنه يرسم بالسنة النار المتأججة في أعصابه وتهاويل الحلم المتأرجح في عينيه، الخط البياني للحرب الدائرة على الجانبين من قلبه.

وفي النهاية يمكن القول، مسيرة سميح القاسم باذخة، ونجح ان يفرض تجاربه الشعرية المتجددة دائمًا وأبدًا، وعرف بقصائده الإبداعية النابضة بروح الكفاح والمقاومة والرفض والإباء للشر السياسي، وللمؤامرات الاستعمارية والامبريالية على مصير شعبه، ولا شك أن بسالة الروح المقاومة التي تشع في أشعاره شديدة الوقع والتأثير على القارئ أينما كان.

وإن غاب سميح القاسم أبو وطن فهو عصي على النسيان، وخالد بشعره الوطني والثوري الملتزم المقاوم واعماله الإبداعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى