السبت ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم
فجوُ القوْسِ
(1)
تهفو الرّيح إلى غصنٍ، وأهفو أنا إلى ورقة، قد تسقطُ منْ فرطِ الانتشاء، فأمسكُ بها في الهواء، قبل أن تدهسَها قدمٌ، ثمّ أصنعُ بها مركباً، وأقذفُ به إلى مجرى الماء، وأديرُ دفّته بالعيْن، فيما أنا أجاريه منْ على الضفة، وأهشّ عليه باليديْن حتّى لا يغيّر المسار، أو يفقدَ التوازن، أو يخذلني عند أوّل عثرة، فينقلب، أو يعود القهقرى قبل أن يبلغَ المرفأ الأخير، ويرسو بأمان.
(2)
في خلواتي المتواترة، تأخذُني مراياي إلى مرابعِ الصّبا، ولا تأخذني إلى الهُنا. لا تنزعُ منّي غيرَ أصداءَ رؤى تظلّ تنأى عنِ الهُناك. وكالقصبة تصدحُ بنداء يأتيها منْ تجويفٍ ثخين، يعبره منذ الأزل، ومنه تستنفجُ أطيافَ الزّمن البدئي، لعلّها تفضي ببوح، أو تجودُ بالاندماج بيْن المهجتين، كما في الأصل، وقبلَ الانشراخ الهائل.لمراياي وجوهٌ تداولَها الوقتُ منْ عمري بنهمٍ زائدٍ،وللصّبا ما طاب منْ انزياحات الرخص.لا تستقيمُ وجوهي إذا ما تعاكستِ المرايا، أو تحدّبت عندَ مفترق الإقامات.فقط، يتسعُ لها المدى متى تجادلَ الشّيء وضدّه.تماماً، كما الهُنا إذ يحتدمُ الحريقُ في الكيان. وكما الهُناك، يومَ راقصَ طائرُ الحسون طفاوةَ أحلام.
(3)
نفجُ الحقيبةِ لا يهنأُ له كرسي الدوّارُ، أو الثّابتُ، أو الهزّازُ. لا فرق. لا يهنأ،إلى هذه الدرجة!يأبى الكرسي أن ينصاعَ للرّغبة المسعورة،أيّ محنةٍ هذه!وهذا الصدّ له مكرُ الغواية.وله عنوانٌ متوارثٌ، كالخطيئة، منَ السُّدّة البعيدة إلى السُّدّة القريبة.وله رهبةُ الليلة الأولى منْ كلّ فتحٍ، إذا ما انفجى القوسُ بيْن السّياط والعرش.وله قعدةُ البداية، تتلوها قعدات،وها نفجُ الحقيبة يقيمُ المأدبة منْ سبك عرق الساهدين، ويصدحُ بنشيدِ فتحِ الفتوحِ.والعادةُ آفةٌ، وقماطٌ، وحبلٌ سرّي، وقارورةُ رضاع، وثمنٌ، ودمٌ، وخطوبٌ.بيْن كرسي وآخر لا يهنأُ نفجُ الحقيبة،وله الغابةُ يستلطفُ لوحَها،والظلاّلُ، بها يسدّ قنواتِ الهواء،لا يستطيبُ المصافنة، ولا المزاحمة، وحدهُ، ولا يغادرُ درعَ الصولةِ، لأنّه لا يحفلُ بالبياض.وكما الخفافيش يعتاشُ منَ الزوائد،وفي عينيه غيابٌ فادح،وتعبٌ يغطّي عليه بنظرٍ شريد،هو نفجُ الحقيبة هذا،يستعذبُ وحيداً سرّهُ.