الأحد ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٠
خريطة حدود الدولة المصرية
بقلم عمرو صابح

فى عهد أسرة محمد على باشا

نشرت إحدى الصفحات التى تروج لأسرة محمد على باشا وتنسب لها أمجاد لم تحدث سوى فى أحلام وخيالات من يديروا الصفحة، هذه الخريطة المزورة والتى لا أساس لها من الصحة، وادعت الصفحة انها خريطة لحدود الدولة المصرية خلال حكم أسرة محمد على حتى سقوط النظام الملكي، وحسب أكاذيب صفحة شماشرجية الملك فاروق فقد بلغت مساحة الدولة المصرية 3.7 مليون كيلومتر مربع وكانت تضم السودان ودارفور وكردفان وغزة وأجزاء من أوغندا وإثيوبيا وتشاد وليبيا!!!

الحقيقة هي:

 قبل أن تنتهى حياة محمد على باشا فى عام 1849 كانت دولته قد انحصرت فى مصر والسودان بسبب بنود معاهدة لندن التى فُرضت عليه فى عام 1840.

 أراد الخديوي إسماعيل أن يمد نفوذه إلى أفريقيا خاصة بعد أن وضعت معاهدة لندن 1840 فيتو أوروبي على التوسع المصري فى الشرق، فعمل على تجهيز حملة لاكتشاف منابع نهر النيل، وفى مواجهة تزايد الضغط الفرنسي عليه قرر الاستعانة بالبريطانيين!!!

قام الخديوي إسماعيل بتجهيز حملة لغزو أوغندا، وعين لقيادتها رحالة وضابط إنجليزي يهودي الديانة اسمه"صامويل بيكر"الذى وصل لمنابع نهر النيل واكتشف بحيرة كبرى هناك فى عام 1863 وأطلق عليها اسم ألبرت نسبة إلى الأمير ألبرت زوج فيكتوريا ملكة بريطانيا، وفى 26 مايو من عام 1871 أسس بيكر مديرية خط الاستواء ورفع عليها العلمان المصري والبريطاني وقام الخديوي إسماعيل بتعيينه حاكماً للمديرية، في عام 1874 أرسل الإنجليز للخديوى إسماعيل، الضابط"تشارلز جورج جوردون"بديلاً لصامويل بيكر، قام إسماعيل بتعيينه حاكماً لمديرية خط الاستواء.

قام جوردون بمنع الحملة المصرية من الوصول إلى مياه"بحيرة فيكتوريا"خوفاً من وصول المسلمين إلى تلك المناطق وأن يقوموا بنشر الإسلام بين الأفارقة، واستطاع جوردون إدخال تلك المناطق تحت نفوذ بريطانيا، ولم يكتف جوردون ذلك بل قام بإرسال بعثة مسيحية تبشيرية إلى ملك أوغندا ’موتيسا’ لكي تحول دون دخوله في الإسلام وتدعوه إلى اعتناق النصرانية، ووبعد كل ذلك قرر الخديوي إسماعيل تعيين ’جوردن’ حاكماً عاماً للسودان مكافأة له؟!!

استغل جوردون منصبه كحاكم للسودان فى بث الفوضى وإثارة الاضطرابات والفتن والإساءة إلى زعماء القبائل السودانية وتحريضهم ضد الحكم المصري للسودان حتى يشعر السكان بفساد الحكم المصري ويطلبون الانضواء تحت السيطرة الإنجليزية، ونجح مؤامرات جوردون فاندلعت الثورة المهدية فى السودان والتى انتهت بقيام الحكم الثنائي البريطاني المصري للسودان بعد توقيع اتفاقية 1899 التى فصلت السودان عن مصر.

استمع الخديوي إسماعيل لنصائح مستشاريه الأجانب، وقرر غزو الحبشة، فشن حملة طويلة ضد الأحباش امتدت ما بين عامى 1868 و1876، وانتهت بخسائر مادية وبشرية ضخمة، وبهزيمتين ساحقتين للجيش المصرى الذى جعل الخديوى قادته من الأوروبيين.

تلقى الجيش المصرى بقيادة العقيد الدنماركي المرتزق سورن آرندروب هزيمة ساحقة فى معركة جوندت فى 18 نوفمبر 1875 أدت لإبادة القوات المصرية عدا 300 فرد فقط، ثم فى معركة جورا فى الفترة من 7 إلى 9 مارس 1876 عندما تعرضت القوات المصرية التى كان يقودها الجنرال الأمريكى ويليام لورنج باشا لهزيمة ساحقة مجدداً، بل قام الأحباش بقتل 600 أسير مصرى ذبحاً.

تخليداً لانتصار إثيوبيا على مصر فى معركة جوندت، أطلقت الحكومة الإثيوبية اسم جوندت على أعلى وسام عسكرى إثيوبى.

كانت تكلفة كل حملات الخديوي إسماعيل الأفريقية على حساب الخزانة المصرية وقد ساهمت فى إفلاس مصر، وأدت لزيادة وتوطيد النفوذ البريطاني فى قارة أفريقيا.

 لم يحدث مطلقاً أن دخلت ليبيا وتشاد وإثيوبيا تحت حكم مصر فى عهد أسرة محمد علي.

 في 16 فبراير 1892 أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً يقضي بالتخلي عن العقبة وما حولها جنوباً من شبه جزيرة سيناء إلى الدولة العثمانية، جاء هذا القرار بعد رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إصدار فرمان تولية عباس حلمي الثاني عرش مصر إلا بعد تخليه عن تلك المناطق للدولة العثمانية، رفض الإنجليز تخلى مصر عن شبه جزيرة سيناء للعثمانيين وظلت المشكلة قائمة بين الإنجليز والعثمانيين حتى عام 1906 عندما تم ترسيم حدود مصر الشرقية وضمنها شبه جزيرة سيناء بينما ذهبت العقبة للعثمانيين، وأصبحت الأن فى المملكة الأردنية.

 بعد 17 سنة من الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882 والذى تم بسبب خيانة الخديوي توفيق وتواطؤ السلطان العثماني عبد الحميد الثانى مع الغزاة الإنجليز ضد المصريين بزعامة أحمد عرابي، في 19 يناير عام 1899خلال حكم الخديوي عباس حلمي الثاني تم توقيع إتفاقية الحكم الثنائي للسودان بين حكومتى مصر وبريطانيا، وقد وقعها عن مصر بطرس غالي وزير خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد"كرومر"المعتمد البريطاني لدى مصر، ونصت المادة الأولى من الإتفاقية على أن الحد الفاصل بين مصر والسودان هو خط عرض 22 درجة شمالاً وهو خط الحدود الحالي بين الدولتين، وما لبث أن أُدخل على هذا الخط بعض التعديلات الإدارية بقرار من وزير الداخلية المصري بدعوى كان مضمونها منح التسهيلات الإدارية لتحركات أفراد قبائل البشارية السودانية والعبابدة المصرية على جانب الخط، وقد أفرزت التعديلات فيما بعد ما عُرف بمشكلة حلايب وشلاتين والتى تثار حتى الأن بين الحين والأخر من الطرف السودانى.

 فى عام 1902 خلال حكم الخديوي عباس حلمي الثاني تم توقيع معاهدة أديس أبابا، والتى وقعتها بريطانيا المحتلة لمصر والسودان مع الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني، و بمقتضاها تم تخطيط الحدود بين السودان الشرقي وإثيوبيا عبر انتزاع جزء من الأراضي السودانية وضمه لأراضي إثيوبيا، من ضمن تلك الأراضي المنتزعة من شرق السودان، قامت إثيوبيا بإنشاء سد النهضة عليها.

 في 6 ديسمبر 1925 خلال عهد الملك فؤاد الأول وقعت مصر بضغط من المحتل البريطاني وتواطؤ من الملك فؤاد الأول، وثيقة تنازل عن واحة جغبوب لمملكة إيطاليا، تنفيذاً لتعهد قطعته بريطانيا لإيطاليا عام 1915، لإغراء إيطاليا بالانضمام لصف الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، كما استولت إيطاليا على مناطق هضبة السلوم والبردية وسيدي هارون ونصف العوينات، وكلها مناطق كانت تقع ضمن الحدود المصرية ثم أصبحت داخل حدود ليبيا بعد تنازل الملك فؤاد الأول عنها.

 فى 10 مارس 1949 خلال حكم الملك فاروق الأول هاجمت قوة إسرائيلية قرية أم الرشراش وأبادت القوة المصرية التى كانت مرابطة فيها ضمن تشكيلات الجيش المصري الذي يحارب فى فلسطين، ورفعت العلم الإسرائيلي عليها، وملكية أراضي مثلث أم الرشراش مختلف عليها، فقد كانت أم الرشراش ضمن الحدود المصرية قبل إبرام اتفاقية 1906 لترسيم الحدود المصرية بين مصر والدولة العثمانية، بعد تلك الاتفاقية أصبحت أم الرشراش تابعة لولاية الحجاز العثمانية، وأم الرشراش كانت ضمن حدود"الدولة العبرية"في تقسيم 1947 الخاص بالامم المتحدة،ولم تعترض مصر أو تتحفظ او تبدي أي مطالبة على الاطلاق بأم الرشراش، وهذا الأمر بحد ذاته إقرار ضمني مصري بأن أم الرشراش ليست مصرية بل فلسطينية وإلا لما صمتت، وفي هدنة حرب 1948 التي وقعت عام 1949 كان خط الحدود المصري الاسرائيلي هو خط 1906 (في إشارة مؤكدة لحقيقة خط 1906 وكونه من طابا وليس العقبة) ومصر أقرت ووافقت على خط الهدنة في إعتراف وإقرار ثاني من مصر بأن خط 1906 لا يضم أم الرشراش وان الحدود الدولية تقف عند طابا فقط و لا تتجاوزها.

شملت حدود المملكة المصرية في الخرائط الرسمية عام 1922 بعد تصريح 28 فبراير 1922، طابا فقط كأخر موقع حدودي مصري، وفي الخرائط المصرية، تقع أم الرشراش خارج الحدود المصرية و ضمن حدود"فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني"، ولم تعترض الحكومة المصرية على ذلك.

 الجيش المصري تم طرده من السودان عام 1924 فى عهد الملك فؤاد الأول بسبب مقتل سردار الجيش الإنجليزي السير لى ستاك.

 مصطفى النحاس باشا وافق على منح السودان حق تقرير المصير عام 1937 خلال حكم الملك فاروق الأول.

 إطلاق أسم ملك مصر والسودان على فاروق تم بعد إلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951 وكان مجرد مسمى لا قيمة له فعلياً ولم تعترف به أى دولة فى العالم فقد كان السودان منفصلاً عن مصر فعلياً، وكل حكامه كانوا من البريطانيين منذ عام 1899.

 أخر حاكم من أسرة محمد على سمح له الإنجليز بزيارة السودان، كان الخديوي عباس حلمي الثاني الذى زار السودان فى عام 1902، وبعدها لم تطأ أقدام خلفاءه من حكام أسرة محمد على باشا أراضي السودان مرة أخرى حتى الاطاحة بعرش الملك فاروق وطرده من مصر فى 26 يوليو 1952.

 لم تضم أى حكومة مصرية طيلة عهد أسرة محمد على باشا وزيراً من السودان، كما لم يحدث أن تم انتخاب أى سوداني فى المجالس النيابية المصرية منذ إنشاء مجلس شورى النواب عام 1866 فى عهد الخديوي إسماعيل حتى أخر مجلس نواب ومجلس شيوخ فى عهد الملك فاروق الأول.

 لا توجد أى عملة نقدية مصرية طيلة حكم الحقبة الملكية منقوش أو مكتوب عليها لقب ملك مصر والسودان، كل العملات تحمل لقب ملك مصر.

 مجلس النواب السوداني صوت بالإجماع علي الانفصال عن مصر سنة 1951 قبل ثورة 23 يوليو 1952 بسنة.

 عندما زار اللواء محمد نجيب السودان فى عام 1954، هاجمه السودانيون بمظاهرات ضخمة وهم يهتفوا فى وجهه: لا مصري ولا بريطانى.. السودان للسودانى، وقد ذكر اللواء نجيب الواقعة بتفاصيلها فى كتابه"كنت رئيساً لمصر".

 هذه هى الحقائق التاريخية عن الدولة المصرية وحدودها خلال حكم أسرة محمد على بعيداً عن المحاولات المستمرة من الصفحات التى تروج للعهد الملكي عبر فبركة أكاذيب وتصميم صور ونشر معلومات مغلوطة، الهدف منها هو التشكيك والطعن فى نظام الحكم الجمهوري والجيش المصري فى وقت تواجه فيه مصر أزمتين متعلقتين بأمنها القومي فى ليبيا وفى إثيوبيا عبر اختلاق تاريخ مزيف للعهد السابق على قيام الجمهورية فى مصر.
ان تلك المحاولات البائسة لتمجيد وتلميع تاريخ أسود لأسرة أجنبية دخيلة انتهى حكمها، ولن يعود أبداً مهما حاول المزورون للتاريخ، لا يمكن أن يصدقها إلا الجهلاء بتاريخ بلدهم فقط.

المراجع:

 عصر محمد علي: عبد الرحمن الرافعي.
 عصر إسماعيل: عبد الرحمن الرافعي.
 الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي: عبد الرحمن الرافعي
 مصر والسودان فى أوائل عهد الاحتلال: عبد الرحمن الرافعي
 سرقة واحة مصرية: محسن محمد.
 مذكرات عرابى.. الزعيم أحمد عرابى
 متمردون لوجه الله.. محمود عوض
 أكذوبة الاستعمار المصري للسودان: عبد العظيم رمضان
 حرب فلسطين، ١٩٤٨.. رؤية مصرية: إبراهيم شكيب
 مصر والسودان: الانفصال بالوثائق السرية: محسن محمد
 عبد الناصر والثورة الأفريقية: محمد فائق
 ملفات السويس: محمد حسنين هيكل
 مذكرات محمود رياض.. الجزء الثاني


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى