الأربعاء ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠
مسلسل حارس القدس
بقلم رندة زريق صباغ

قداسة المطران جورج هيلاريون كابوجي

قال السيّد المسيح عليه السلام:

"من ضربك على خدّك الأيمن أدر له الأيسر" "أحبّوا أعداءكم باركوا لاعنيكم"

كيف نجح المطران كابوجي هذه القامة المسيحية الشاهقة في مسك العصا من الوسط؟!

يسعدك باسل الخطيب كل مرة من جديد بانتقاء درة جميلة محولاً إياها لعمل فني يدهشك ويذكرك أنك مشاهد ذكي ومتلقٍ واعٍ ومدرك. يكفيك أن العمل - مسلسلاً كان أو فيلماً - موقع باسمه لتشعر بالراحة وبالأمل وأنك أمام عمل يستحق وقتك وفكرك ومتابعتك. وللتذكير... ينتمي الأستاذ باسل لعائلة فنية عريقة فهو نجل الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب المولود في مدينة دورا الفلسطينية، الواقعة جنوب الضفة الغربية بمحافظة الخليل، وابن السيدة بهاء الريس، نجلة نائب رئيس المجلس التشريعي ورئيس بلدية غزة منير الريس وشقيقة الشاعر والأديب الراحل ناهض الريس...كما أن باسل هو الشقيق التوأم البكر الذي سبق أخاه بادي الخطيب الموظف في الأمم المتحدة في فيينا بدقائق معدودة، شقيق المؤلف تليد الخطيب، طبيبة الأسنان أسيل الخطيب، المذيعة هديل الخطيب وأندى الخطيب الحاصلة على درجة ماجستير في إدارة الأعمال. فعائلة بهذا الزخم الثقافي الوطني ستثمر أثماراً طيبة لا محالة.ولد باسل الخطيب عام 1962 وترعرع بهولندا، ثم حصل على دبلوم في الإخراج السينمائي والتلفزيوني من موسكو، قدّم باسل كمّاً من المسلسلات السورية المتميزة (يوم بيوم , أيام الغضب، هولاكو، أنا القدس، أبو زيد الهلالي ومسلسل نزار قباني) كما أنّ له باعاً في الاخراج السينمائي أيضاً أمينة، قيامة مدينة، الرسالة الأخيرة، موكب الإباء، مريم، الأب، سوريون، دمشق – حلب). والمؤلف الأستاذ الصحفي والكاتب الكبير حسن.م.يوسف صاحب رصيد متميز من المسلسلات التي تعتبر بصمة هامة في الدراما السورية العربية والثقافة عموماً (أخوة التراب، في حضرة الغياب، المارقون، البحث عن صلاح الدين، سقف العالم، نهاية رجل شجاع) والعديد من الكتب المميزة.

من هنا أقول إن سيرة ومسيرة المطران كابوجي وقعت في أيدٍ أمينة من ناحية السيناريو والاخراج وطبعا الأداء الرائع للممثل القدير رشيد عسّاف لشخصيّة المطران الذي كرّس نفسه فداء للمأساة الفلسطينية، اضافة لنخبة من الممثلين السوريين، وبالتالي كلي ثقة بأمانة العمل ومصداقيته وأننا أمام عمل يستحق المشاهدة والتعلّم لزرع هذه الصفات في قلوب ونفوس اولادنا كي لا ننسى.

جورج كابوجي ولد في حلب اّذار 1922، أصبح مطراناً لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس عام 1965. عُرف بمواقفه الوطنية المعارضة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وعمل سراً على دعم المقاومة، اعتقلته سلطات الاحتلال في آب 1974 أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 12 عاماً. أفرج عنه بعد 4 سنوات جرّاء تدخّل الفاتيكان لتحرير رجل بقامته الدينيّة والوطنيّة، أبعد عن فلسطين في تشرين الثاني 1978، وقد أمضى حياته بعد ذلك في المنفى في روما حتى وفاته في اليوم الأول من عام2017. لم يتنازل سيادة المطران الكابوجي عن مبادئه واستمر بدعم القضية الفلسطينيّة حتى المنتهى، في شباط 2009 كان على متن سفينة الإغاثة أسطول الحرية التي كانت تحمل الأمتعة والغداء لأهالي غزة المحاصرين على يد السلطات الإسرائيلية وتم مصادرة كل ما فيها وطرد كل من تواجد هناك إلى لبنان.

بدأت الفكرة مباشرة بعد وفاة المطران وبدأ الكاتب حسن.م.يوسف الكتابة اعتماداً على عدة مصادر أهمها كتاب (ذكرياتي بالسجن) للمطران نفسه، ولما تختزنه الذاكرة الوطنية حول المطران إضافة طبعاً لحوارات مع من عايشوا المراحل ولا زالوا على قيد الحياة. استغرق الكاتب أكثر من عام في كتابة هذا النص متحملاً مسئولية مهمة تاريخياً، سياسياً ودينياً فهو كاتب لسيرة شاهد فاعلٍ على العصر، يرصد سيرة مناضل من نوع اّخر ليتم المخرج التصوير خلال 120 يوماً وكان للأسبوعين الأخيرين من حياة المطران حصة الأسد مع كثير من مشاهد (الفلاش باك) وهو أسلوب محبب للمخرجين كما للمشاهدين.

لست بصدد الكتابة عن ما يسمونه "تحرير حلب" الذي تربع على المشهد الأول من الحلقة الأولى، ولن أتطرّق لقضية مع النظام أو ضد النظام فليس هذا موضوعي الاّن وقد أثّر في نفسي المشهد كثيراً من منطلق الحنين الذي تحدث عنه المطران قائلاً:- "عشت بلبنان والقدس وروما أكثر ما عشت بحلب، بس ما بعرف شوه الاحساس لما بتذكر حلب، ما بقدر أوصفه، أنا يا بنتي دمي الأول من مية حلب، عظمي ولحمي وروحي من خير حلب".

تحويل سيرة شخصية عظيمة لها مواقف جبّارة -غادرتنا قبل ثلاث سنوات فقط- لمسلسل درامي إنما هو عمل ليس بالسهل يتوجب على القائمين عليه توخي الدقة والشفافية من جهة والنجاح في الاختصار والاختزال وذلك أصعب أنواع الفنون، فاستعراض 94 عاما من الأحداث الشخصية والوطنية كما الدينية والسياسية ضمن 24 ساعة إنما هو لجهد جبار ومتميز.

في مرحلة صعبة ومركبة كالتي يعيشها العالم العربي من هوان وضعف، من تخبّط وتشتت، من عنصرية وغطرسة، من عنف وجهل... نحن بأمس الحاجة لأعمال ترفع الهمم وتحيي الانتماء المزروع فينا نحو الهوية والوطن، نحن بأمس الحاجة لقدوة ومثال إن لم ننجح بالاحتذاء بها، فلنسمح لها على الأقل أن تساهم بإحياء ما خبا في نفوسنا من محبّة واهتمام وإنسانيّة. ولا بد من التّنويه لدور جدة جورج لأمه في بناء شخصيته ودعمه وجعله يتنبه لرسالته في هذه الحياة إذ حدّثته عن نوعيات البشر المنقسمين إلى ثلاث فئات كما ورد في الإنجيل على لسان السيّد المسيح عليه السلام (خراف ضعفاء، ذئاب شرسون أشرار والفئة الثالثة فئة الرعاة الصالحين الذين يسعون للخير والوئام، لنشر المحبة وانصاف المظلومين).

أظنها فرصة لكل منّا لمحاسبة الذات واختيار من نرغب أن نكون فعلاً.
شكراً لطاقم العمل فرداً فرداً


مشاركة منتدى

  • قراءة وافية ومحكمة ، إذ قلت ما له وما عليه من جميع الماحي تقريبا، أقصد العمل الدرامي، وإن كانت إشارة.
    لكن نسيت مسلسل باسل الخطيب رسائل الحب والحرب الذ حاز على جائزة مهرجان القاهرة العربي!
    يسعدني متابعة كتاباتك
    تحياتي
    أم طارق الناصر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى