الاثنين ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠٢٠
بقلم عمرو صابح

قراءة فى رواية 1970

رواية 1970 هى أخر أعمال الروائي الكبير صنع الله إبراهيم، والذى مزج فيها كعادته بين التوثيق للأحداث بقصاصات للأخبار من صفحات الجرائد فى عام 1970 وبين خياله.
تقدم الرواية رؤية بانورامية لأحداث العام الأخير فى حياة الرئيس جمال عبد الناصر، ويحاول الكاتب عبر صفحات الرواية سبر أغوار شخصية جمال عبد الناصر، وتفسير قراراته واختياراته عبر استعراض لمسيرة حياته.

نجح الكاتب فى تصوير الحياة فى مصر فى عام 1970 عبر انتقاءه المتقن للأخبار التى نشرها فى الرواية، حرب الاستنزاف، الاستعداد للعبور، حائط الصواريخ، الصراعات فى قمة نظام الحكم الناصري، الخلافات الضارية بين النظم العربية، المجتمع المصري الذى يشهد تنمية صناعية كبرى ومكتسبات جديدة لطبقاته الوسطى والفقيرة، وفى نفس الوقت يشهد تصاعد فى نفوذ وثروة الطبقة الجديدة التى يقف عبد الناصر رادعاً أمام تغولها ولكنه فى نفس الوقت لا يستطيع ضربها، لأنه أقام نظامه على التوازنات بين اليمين واليسار، وعلى تأميم الصراع الطبقي، ولكونه مناور بارع فهو لا يريد أن يقلص مساحة تحركه السياسي سواء فى الداخل أو فى الخارج.

قدم الكاتب تفسيرات لبعض ألغاز حقبة حكم عبد الناصر مثل سبب اختياره للسادات نائباً له، والأسباب الحقيقية لحرب 1967، وطبيعة الدور الأمريكي فى محاربة نظام عبد الناصر، وسر تمسك عبد الناصر ببعض الشخصيات المريبة حوله، وتآمر بعض النظم العربية الملكية والجمهورية على عبد الناصر.

غلب انتماء الكاتب الإيديولوجى على تفسيره لأسباب صدام عبد الناصر بالحركة الشيوعية خلال الفترة من 1959 حتى 1964، واتهم عبد الناصر انه دخل فى حرب عبثية ضد الشيوعيين لوقوفهم عقبة أمام حلمه بانضمام العراق لدولة الوحدة بعد ثورة العراق فى 14 يوليو 1958، والحقيقة ان الشيوعيين فى مصر وسوريا هم من زجوا بأنفسهم فى أتون الصراع بين نظام ناصر ونظام قاسم فى العراق، عندما تبنوا وجهة نظر الاتحاد السوفيتي الرافضة لمشروع الوحدة العربية، كما ان نظام قاسم هو من بادر بضرب القوميين العرب والناصريين فى العراق بمنتهى الوحشية، وكان تحرك عبد الناصر ضد الشيوعيين فى مصر وسوريا رد فعل على تصرفات نظام قاسم، كما ان عبد الناصر لم يكن متعجلا على انضمام العراق لدولة الوحدة، ورغم ان الكاتب قدم تحليلاً بارعاً لبنية النظام الناصري القائمة على التوازنات فى الداخل وفى الخارج، إلا انه فاته ان ضرب عبد الناصر للشيوعيين، يمكن اعتباره ضمن مناوراته السياسية وفى إطار لعبة التوازنات، فقد شهدت فترة ضرب الشيوعيين تحسناً ملحوظاً فى العلاقات المصرية الأمريكية، أدى لمنح أمريكا مساعدات غذائية لمصر طيلة تلك الفترة، ومع زيارة الزعيم السوفيتى خروشوف لمصر، وقرار عبد الناصر بالإفراج عن الشيوعيين، بدأت العلاقات المصرية الأمريكية فى الانحدار حتى وصلت للقاع بمشاركة أمريكا فى حرب 1967 ضد مصر.

اعتماد الكاتب على مذكرات خالد محيى الدين فى العديد من الوقائع التاريخية يؤكد ان انتماءه الإيديولوجى كانت له الغلبة فى تفسير العديد من الأحداث فى عهد عبد الناصر، كما ان إفراط الكاتب فى مدح مواقف الاتحاد السوفيتى تجاه مصر خلال تلك الفترة، وعدم تطرقه لدور السوفيت فى توريط مصر فى حرب 1967، وموقفهم الغامض والمتردد طيلة أيام الحرب يؤكد ذلك.

وقع الكاتب فى بعض الأخطاء التاريخية خلال سرده مثل:

ان السادات وعلى صبري فى العام الأخير من حياة عبد الناصر، كانا يتسابقان بالسيارات على من يصل قبل الأخر للاجتماعات حتى يجلس فى صدر القاعة، ويكون أقرب لعبد الناصر أمام الكاميرات، وان على صبري كان يطمح لتولى الرئاسة.

قصة السباق والتصوير كانت تجري بين حسين الشافعي وأنور السادات، بينما على صبري كان قد تم تقليص نفوذه جزئياً فى عام 1969 فى إطار لعبة التوازنات الناصرية، كما ان على صبري كان يعلم انه مكروهاً من القوات المسلحة بسبب سمعته كيساري مقرب من السوفيت لذا فقد كان يدرك ان وصوله للرئاسة شبه مستحيل فى ظل عدم رضا الجيش عنه، وبعد وفاة عبد الناصر لم يعترض على صبري على خلافة السادات له، بل كان حسين الشافعى هو الوحيد الذى اعترض على السادات، لأنه كان يرى نفسه أحق بخلافة عبد الناصر منه.

ذكر الكاتب ان عبد الناصر أهمل التعليم فى معظم فترة حكمه حتى قام بتعيين حلمى مراد وزيراً للتعليم بعد هزيمة 1967 ولكن عندما عارض حلمي مراد بعض قرارات عبد الناصر معارضة بسيطة، تخلص منه عبد الناصر!!

وبعيداً عن ان هذه ليست حقيقة خلاف عبد الناصر مع حلمى مراد، فالثابت بالأرقام ان عبد الناصر اهتم بالتعليم وشهد عهده معدلات عالية فى زيادة عدد المدارس والمتعلمين، وعلى من يريد الاستزادة حول هذا الموضوع مراجعة كتاب"كم ينفق المصريون على التعليم؟"للدكتور عبد الخالق فاروق.

وصف الكاتب الجلطة القلبية التى أصيب بها الرئيس عبد الناصر فى 11 سبتمبر 1969 بإنها الجلطة الثانية، بينما هى الجلطة الأولى، الجلطة الثانية هى التى أصيب بها الرئيس فى 28 سبتمبر 1970 وقضت على حياته.

عندما تناول الكاتب قضية فنجان القهوة الذى أعده السادات للرئيس عبد الناصر، ودارت حوله الكثير من الشكوك عن تسببه فى وفاة عبد الناصر، ذكر ان السادات أعده للرئيس فى 27 سبتمبر 1970 قبل يوم من وفاة عبد الناصر، بينما فى رواية د.هدى جمال عبد الناصر والأستاذ هيكل وهما المصدر الأصلي للموضوع، حدثت تلك الواقعة فى 25 سبتمبر 1970.

ذكر الكاتب ان الجنود المصريون كانوا يعلقون صور شي جيفارا فى خنادقهم على الجبهة بجوار صور الرئيس عبد الناصر، وان عبد الناصر عندما لاحظ ذلك أحس بالغيرة من جيفارا!!

لم يكن عبد الناصر يشعر بالغيرة من جيفارا بل كان جيفارا يعتبر عبد الناصر ملهماً له ولثوار كوبا، وفكرة أن يضع الجنود المصريون صور لجيفارا على الجبهة تبدو مستبعدة وفقاً لتقاليد الجيش.

قد يبرر البعض ذلك بإن العمل روائي وليس كتاباً فى التاريخ لكى يتمسك الكاتب بسرد التاريخ كما حدث وليس كما يتخيل أو حسب وجهة نظره.

من أجمل مقاطع الرواية ما جاء فى صفحة 216 عندما يقول الكاتب عن عبد الناصر ونظراءه من الحكام العرب:

"المشكلة أنك عملاق بين الأقزام.. هل يدركون خطة الأعداء؟

بعضهم يدرك بالتأكيد والبعض الأخر يتعامى والبعض الثالث لا يصدق".

ختم الكاتب روايته بالعبارة التالية:

خذلت نفسك وخذلتنا.. ثم ذهبت، وذهبت معك مقدرات الأمة وآمالها إلى حين!

لم يخذل عبد الناصر أحد بل حاول.. أصاب وأخفق، وكأى إنسان له وعليه، ولكن ما له يفوق ما عليه، ويكفيه شرف المحاولة، ولا يستقيم اسقاط كل مقدرات وأمال أمة بأكملها على شخص واحد مهما بلغت عظمته وبعد نصف قرن من رحيله عن العالم.

رواية ممتعة وهامة وخطوة على الطريق نحو كتابة روايات أخرى عن سيرة حياة جمال عبد الناصر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى