الثلاثاء ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم جمال غلاب

قراءة في إبداع الشاعرة ضحى بو ترعة

تحاول الشاعرة التونسية ابنة مدينة قفصة ضحى بوترعة أن تكون جديدة متجددة بإبداعاتها الشعرية التي ملأت بها الد نيا و شغلت بها رواد المواقع . و ما يلفت الانتباه في محاولاتها. تجاوزها للنمطية و ما يسايرها من ضوابط كلاسكية الى فضاءات رحبة محلقة بجناحين لا يعرفان الارهاق . حتى ليخيل لقارئها أنه يتنفس من خلال نصوصها عذب الكلام . و هي بالمختصر المفيد رومنسية حالمة بكل المواصفات الجمالية و الابداعية .

فنحن عند قراءاتنا لقصائدها ( أبحرت سفن الذاكرة ) و ( مواسم الحلم ) و( غريبة أقدامي ) و(هديل الروح) و (الكوا بيس لمحازن الرو ) و ( جنية الأحزان ) . هذه القصائد تكاد كلها تتقاطع في حوارية جميلة بين ما تتدفق به من أحاسيس رقيقة و ما تزخر به الطبيعة من جاذبية و سحر الألوان . و مثل هذا التناغم و التزا وج الرهيب تكون الشاعرة قد صنعت اللذة و المتعة في نفسية المتلقي .

في أزاهير المنطق الطفولّي / فيذبح القلب بشوك الإحساس / يكون.. صراخك كذبة /مصلوبة داخل الجنون... /وأنينك هسيس أغنية / في آخر الطابور.

المقطع السالف الذكر من قصيدة ـ أبحرت سفن الذاكرة ـ و الذي يفصح إن صح التعبير عن لغة منطوقها الأحاسيس و المشاعر . ففيه الشاعرة ترتقي و تسمو بشاعريتها عن كل ما هو مادي خشن الملمس الى أحاسيس عديمة الرؤية . و في عمق مضمون هذه الأحاسيس تخبرنا الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ بان هنا ك من الاحساس من يشبه في المه ألم الشوك ؟ ( فيذبح القلب بشوك الأحاسيس ) و على المتلقي أن أن يغوص في هذه الصورة الجميلة المبهرة الى حد الدهشة ؟ .

و في قاموس الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ أيضا نجد الحلم بكل مكويناته . فمن منظور الشاعرة الحلم هو الحياة كلها . و بانعدامه من الذات البشرية ينعدم كل شيء لجفافه من أسباب الاستمرارية المتمثلة في العواطف الندية و هذه بعض المقاطع التي رصدتها من قصيدتها " مواسم الحلم "
تمر مواسم حلمي /تطاردها أقدام الضياع / حلم يتوجّع صدى صوت /وشفاه للهاث.... /كم من حلم يأتينا /كم من حلم يمر في اتئاد /يراق من دمه طفلة /تقاسمني ظلّي /أدعوها إلى أفقي... /أمنحها خطاي... /أمنحها لغتي.... /تعيد للفاكهة نضجها /وفي ثديّ السّاعة حليبها / وتمر المواسم .....

أسئلة كثيرة جديرة بالطرح ازاء المقطع السالف الذكر أيضا : ما معنى أن يكون الانسان انسانا ؟ . الشاعرة تجيب و كأنها تهمس في آذان التائهين , المنكسرة نفسياتهم نتيجة سياط الجلد التي تلهب أجسادهم بأعباء المعاناة ...تشي لهم بحنين خفي لكي ينتفضوا مثل البركان الهائج وقوده الحلم بقولها : حلم يسرج في الآماد / فيه أرواد زمني / أبعثر تيهي / في ظلي / في قلقي / و تجاويف خيبتي / حالمة بعد الخراب . و الحلم الذي يعد متكأ الشاعرة في مواجهتها لصعوبة الحياة تحاول أيضا خلق لنفسها عالما الذي بعد أن تؤثثه بقيم انسانية نبيلة و تصبغه برومنسيتها المستمدة من بيئتها الصحرواية الطاهرة و كأنها بذلك تريد الاعلان عن عالم جديد يتسع للجميع هو هكذا الحلم من منظور الشاعرة الرقيقة ضحى بو ترعة .
و تتكثف الصور الشعرية في قصائد ـ القفصية ضحى بوترعة ـ الى حد اقتناع المتلقي بأنه فعلا أمام مبدعة تمتلك رؤية في الشعر من الاجتهاداتها الخاصة . رؤية تغوص في دهاليز لغة المشاعر و الأحاسيس لا يتفطن الى شفراتها الا من كان ذواقا عاشقا للجمال و عبر أنغام هذه السفونية الجميلة تطربنا الشاعرة و تراقص كل أحاسيسنا في قصيدة"هديل البروح بقولها:

عبر قطرات المطر /وأغنيات الحمام /تصلك أنفاس الرّوح..... /كلّما أراك /أراقص الغيم / أعانق طيف النّسيم / المضمّخ بالياسمين /كلّما تجلّيت بخاطري / تومض الدّنيا /يرقص قوس قزح /أقول هذا حبيبي....... /كخفق الفجر يغريني النّوم ....

وما يلفت الانتباه أيضا في هذه القصيدة هو قوة تماسك الشاعرة و صمودها من أجل الاستمرار في الحياة .ومن هنا تحيلنا الشاعرة الى فضاءات أخرى يمكن للذات البشرية أن تستغلها لصنع الحياة ؟ بدل الاذعان للانكسار و التفكير في عبثية الانتحار ؟ و هنا ومن هنا فقط تبرز بوضوح قيمة الابداع الأدبي و ضروراته في تغذية حركيتنا الاجتماعية و مثل هذا التواصل بين الابدا ع الأدبي و أفراد المجتمع أو ما اصطلح عليه بتأثير الابداع في السواد الأعظم من الناس أقول أن هذه الضرورة أستطاع أصدقاؤنا من المبدعين في تونس تجذيرها في الذائقة الأدبية والعقلية التونسيتين . و بهذا الانجاز العظيم دائما الذي حققه الابداع التونسي انعكست آثاره الايجابية على تجسيد الدفء في الحياة اليومية للمجتمع التونسي . وبامكان المتلقي النزيه من كل عقد الحسد و التدمير لكل ما هو جميل الوقوف على هذه الحقائق في خاتـــمة قصيدة " هد يل الروح " . حيث توضح لنا الشاعرة كيفية الانتصار على الصعوبات و تعقيدات الحياة و أعبائهاعلى لسانها : / على كتف النجم / اقتل ليلا سقيما / قد أتعبه أنين العشق .

و في القصيدة الموالية "جنية الأحزان " تبدو الثقافة العالية التي تحوزها الشاعرة ـ ضحى بوترعةـ ظاهرة للعيان على جسد قصيدتها فمن خلال اتساع مداركها و عمق فلسفتها في فهم الحياة تنجح في ترتيب أولويات متطلبات الحياة و كأنها بذلك تريد القول " أنا أعيش عصري بكل حد ثياته و كفانا من اجترار الماضي " و اليك عينة من هذه الحوارية الهادفة و الجميلة:

تسألينني..... /يا جنية الأحزان /عن قمة الأوجاع /وعن بلوغ القاع /تسألينني.... /عن رحيلي مع الأشجان /ألا سافرت داخل القلب /المعتّق بالآلام ...... /آه لو أمسك خيط الظلام /وأغوص داخل بركان آمالي خلاصة

الخلاصات وتبعا لرصدي و قراءاتي المتأنية و الصابرة لبعض نصوص الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ تأكدت لي فرضية لا تشوبها شائبة أن الشاعرة تمتلك موهبة ابداعية جديرة بالعناية و التثمين والتكريم .و كيف لا ؟ وهي التي مازالت تبلبل الغنائية التونسية باستمرار و تقريبا يوميا عبر موقع ـ انانا ـ و تحديدا بركن ـ انفلاتات ـ هذا المصطلح الذي كان أحد انتاجاتها الذي صار فيه يتبارى الكثير من الشعراء بعذب الكلام . و فيه أيضا احتشدت جموع عشاق الكلمة من كل حدب و صوب من الوطن العربي تفاوتت فعالياتهم بين التنافس في ترقية الكلمة و اشعاع روح التسامح و التواصل بين المبدعين في كل الأقطار العربية .

و الحق أن الشاعرة ضحى بو ترعة هي كتلة من المشاعر و الأحاسيس لا تنضب في زرع الحياة و التوسيع من دائرة الحلم و أرجو أن لا أجانب الصواب إن قلت بأن الشاعرة القفصية ضحى بوترعة سيكون لها شأن عظيم اذا داومت بهذه الحماسة في صنع الحياة بنصوصها وإبداعاتها الراقية و تمنياتي لها بالمزيد من الفتوحات لسيدة تونس الكبيرة ـ ضحى بوترعة ـ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى