قراءة في إبداع الشاعرة ضحى بو ترعة
تحاول الشاعرة التونسية ابنة مدينة قفصة ضحى بوترعة أن تكون جديدة متجددة بإبداعاتها الشعرية التي ملأت بها الد نيا و شغلت بها رواد المواقع . و ما يلفت الانتباه في محاولاتها. تجاوزها للنمطية و ما يسايرها من ضوابط كلاسكية الى فضاءات رحبة محلقة بجناحين لا يعرفان الارهاق . حتى ليخيل لقارئها أنه يتنفس من خلال نصوصها عذب الكلام . و هي بالمختصر المفيد رومنسية حالمة بكل المواصفات الجمالية و الابداعية .
فنحن عند قراءاتنا لقصائدها ( أبحرت سفن الذاكرة ) و ( مواسم الحلم ) و( غريبة أقدامي ) و(هديل الروح) و (الكوا بيس لمحازن الرو ) و ( جنية الأحزان ) . هذه القصائد تكاد كلها تتقاطع في حوارية جميلة بين ما تتدفق به من أحاسيس رقيقة و ما تزخر به الطبيعة من جاذبية و سحر الألوان . و مثل هذا التناغم و التزا وج الرهيب تكون الشاعرة قد صنعت اللذة و المتعة في نفسية المتلقي .
في أزاهير المنطق الطفولّي / فيذبح القلب بشوك الإحساس / يكون.. صراخك كذبة /مصلوبة داخل الجنون... /وأنينك هسيس أغنية / في آخر الطابور.
المقطع السالف الذكر من قصيدة ـ أبحرت سفن الذاكرة ـ و الذي يفصح إن صح التعبير عن لغة منطوقها الأحاسيس و المشاعر . ففيه الشاعرة ترتقي و تسمو بشاعريتها عن كل ما هو مادي خشن الملمس الى أحاسيس عديمة الرؤية . و في عمق مضمون هذه الأحاسيس تخبرنا الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ بان هنا ك من الاحساس من يشبه في المه ألم الشوك ؟ ( فيذبح القلب بشوك الأحاسيس ) و على المتلقي أن أن يغوص في هذه الصورة الجميلة المبهرة الى حد الدهشة ؟ .
و في قاموس الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ أيضا نجد الحلم بكل مكويناته . فمن منظور الشاعرة الحلم هو الحياة كلها . و بانعدامه من الذات البشرية ينعدم كل شيء لجفافه من أسباب الاستمرارية المتمثلة في العواطف الندية و هذه بعض المقاطع التي رصدتها من قصيدتها " مواسم الحلم "
تمر مواسم حلمي /تطاردها أقدام الضياع / حلم يتوجّع صدى صوت /وشفاه للهاث.... /كم من حلم يأتينا /كم من حلم يمر في اتئاد /يراق من دمه طفلة /تقاسمني ظلّي /أدعوها إلى أفقي... /أمنحها خطاي... /أمنحها لغتي.... /تعيد للفاكهة نضجها /وفي ثديّ السّاعة حليبها / وتمر المواسم .....
أسئلة كثيرة جديرة بالطرح ازاء المقطع السالف الذكر أيضا : ما معنى أن يكون الانسان انسانا ؟ . الشاعرة تجيب و كأنها تهمس في آذان التائهين , المنكسرة نفسياتهم نتيجة سياط الجلد التي تلهب أجسادهم بأعباء المعاناة ...تشي لهم بحنين خفي لكي ينتفضوا مثل البركان الهائج وقوده الحلم بقولها : حلم يسرج في الآماد / فيه أرواد زمني / أبعثر تيهي / في ظلي / في قلقي / و تجاويف خيبتي / حالمة بعد الخراب . و الحلم الذي يعد متكأ الشاعرة في مواجهتها لصعوبة الحياة تحاول أيضا خلق لنفسها عالما الذي بعد أن تؤثثه بقيم انسانية نبيلة و تصبغه برومنسيتها المستمدة من بيئتها الصحرواية الطاهرة و كأنها بذلك تريد الاعلان عن عالم جديد يتسع للجميع هو هكذا الحلم من منظور الشاعرة الرقيقة ضحى بو ترعة .
و تتكثف الصور الشعرية في قصائد ـ القفصية ضحى بوترعة ـ الى حد اقتناع المتلقي بأنه فعلا أمام مبدعة تمتلك رؤية في الشعر من الاجتهاداتها الخاصة . رؤية تغوص في دهاليز لغة المشاعر و الأحاسيس لا يتفطن الى شفراتها الا من كان ذواقا عاشقا للجمال و عبر أنغام هذه السفونية الجميلة تطربنا الشاعرة و تراقص كل أحاسيسنا في قصيدة"هديل البروح بقولها:
عبر قطرات المطر /وأغنيات الحمام /تصلك أنفاس الرّوح..... /كلّما أراك /أراقص الغيم / أعانق طيف النّسيم / المضمّخ بالياسمين /كلّما تجلّيت بخاطري / تومض الدّنيا /يرقص قوس قزح /أقول هذا حبيبي....... /كخفق الفجر يغريني النّوم ....
وما يلفت الانتباه أيضا في هذه القصيدة هو قوة تماسك الشاعرة و صمودها من أجل الاستمرار في الحياة .ومن هنا تحيلنا الشاعرة الى فضاءات أخرى يمكن للذات البشرية أن تستغلها لصنع الحياة ؟ بدل الاذعان للانكسار و التفكير في عبثية الانتحار ؟ و هنا ومن هنا فقط تبرز بوضوح قيمة الابداع الأدبي و ضروراته في تغذية حركيتنا الاجتماعية و مثل هذا التواصل بين الابدا ع الأدبي و أفراد المجتمع أو ما اصطلح عليه بتأثير الابداع في السواد الأعظم من الناس أقول أن هذه الضرورة أستطاع أصدقاؤنا من المبدعين في تونس تجذيرها في الذائقة الأدبية والعقلية التونسيتين . و بهذا الانجاز العظيم دائما الذي حققه الابداع التونسي انعكست آثاره الايجابية على تجسيد الدفء في الحياة اليومية للمجتمع التونسي . وبامكان المتلقي النزيه من كل عقد الحسد و التدمير لكل ما هو جميل الوقوف على هذه الحقائق في خاتـــمة قصيدة " هد يل الروح " . حيث توضح لنا الشاعرة كيفية الانتصار على الصعوبات و تعقيدات الحياة و أعبائهاعلى لسانها : / على كتف النجم / اقتل ليلا سقيما / قد أتعبه أنين العشق .
و في القصيدة الموالية "جنية الأحزان " تبدو الثقافة العالية التي تحوزها الشاعرة ـ ضحى بوترعةـ ظاهرة للعيان على جسد قصيدتها فمن خلال اتساع مداركها و عمق فلسفتها في فهم الحياة تنجح في ترتيب أولويات متطلبات الحياة و كأنها بذلك تريد القول " أنا أعيش عصري بكل حد ثياته و كفانا من اجترار الماضي " و اليك عينة من هذه الحوارية الهادفة و الجميلة:
تسألينني..... /يا جنية الأحزان /عن قمة الأوجاع /وعن بلوغ القاع /تسألينني.... /عن رحيلي مع الأشجان /ألا سافرت داخل القلب /المعتّق بالآلام ...... /آه لو أمسك خيط الظلام /وأغوص داخل بركان آمالي خلاصة
الخلاصات وتبعا لرصدي و قراءاتي المتأنية و الصابرة لبعض نصوص الشاعرة ـ ضحى بو ترعة ـ تأكدت لي فرضية لا تشوبها شائبة أن الشاعرة تمتلك موهبة ابداعية جديرة بالعناية و التثمين والتكريم .و كيف لا ؟ وهي التي مازالت تبلبل الغنائية التونسية باستمرار و تقريبا يوميا عبر موقع ـ انانا ـ و تحديدا بركن ـ انفلاتات ـ هذا المصطلح الذي كان أحد انتاجاتها الذي صار فيه يتبارى الكثير من الشعراء بعذب الكلام . و فيه أيضا احتشدت جموع عشاق الكلمة من كل حدب و صوب من الوطن العربي تفاوتت فعالياتهم بين التنافس في ترقية الكلمة و اشعاع روح التسامح و التواصل بين المبدعين في كل الأقطار العربية .
و الحق أن الشاعرة ضحى بو ترعة هي كتلة من المشاعر و الأحاسيس لا تنضب في زرع الحياة و التوسيع من دائرة الحلم و أرجو أن لا أجانب الصواب إن قلت بأن الشاعرة القفصية ضحى بوترعة سيكون لها شأن عظيم اذا داومت بهذه الحماسة في صنع الحياة بنصوصها وإبداعاتها الراقية و تمنياتي لها بالمزيد من الفتوحات لسيدة تونس الكبيرة ـ ضحى بوترعة ـ