الخميس ١٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم سامح كعوش

قراءة نقدية لـ " بسمة لوزية تتوهج " للشاعرة آمال عوّاد رضوان

طقسُ كتابة ٍ رومنسيةٍ مغايرة بامتياز، تمارسه آمال عوّاد رضوان في " بسمة لوزية تتوهج". طقس احتراق فراشة اللغة بضوء قنديل العشق ، في كلام تسكت عنه اللغة فتهمس به الأرواح الساكنة في صمت الأشياء / الموجودات عن أسمائها.
صلاة عشق ٍ تصلّيها الطبيعة لأجل هذا الآخر الحبيب / الغريب معاً ، هذا الرجل، رجل الدفء و الثلج، النسمة و العاصفة، الروح الأسيرة و الجسد الرحب سعةَ وجودٍ أوجده توق الخالق إلى جمالٍ ما و بجلالٍ كليِّ القدرة على الخلق الساحر.

تتماهى "آمال عوّاد رضوان" في نصّها الشعريّ مع بعض تلك القدرة بقدرتها الفنية المتميزة على إحالة التفاصيل الصغيرة بينهما : الذكر / الأنثى، إلى سبب كينونتها الأول، بدائية البشرية في بداءة اكتشاف حواسها ، بداءة العشق. قصة الذكر / الأنثى حين كانا التحام جسدين في انصهارٍ لا يضاهيه سوى وحدة حاليهما روحاً و جسداً كما في نص الشاعرة.
قصائدها تفتح كتاباً في الحب قلّ مثيله في كتابات بدايات القرن الحادي و العشرين، لما فيه من رومنسية مختلفة تشابه رومنسية بدايات القرن العشرين و لا تشبهها، في استعادة محببّة لنتاج كبار شعراء الرومنسية الأوروبية و العربية معاً.
عناصر الطبيعة/ الخلق : الماء و النار، التراب و الهواء. تجبلها الأنثى لتحيلها كوناً قائماً من حبٍّ لا يُحدّ، و عشقٍ لا يرضخ و إن استكان، فلكي يعودأكثر قدرة على الاحتراق / الخراب الجميل.

هي عشتار كلمة و إنانا حرف ، هذه الأنثى التي تتحدث بلسنانها الشاعرة. تقيم طقس قيامة أدونيس مع تفتّح الزهر و احمرار خدوده، حين خجله عن مزيدٍ من العشق ولا يطيق صبراً ،" لن أخشى اجتياح فيضانك ... ستُسكنكَ قبلة (صفحة 19). تلثم عشتار جراح أدونيس بشفتيها، تروي ظمأ قلبه برضابهما و تعيده قيد حبٍّ/ قيد حياةٍ من جديد، "في سكون الليل تطفح قناديلي بزيت نوركَ المقدّس لأجعلكَ على قيد الحب (صفحة 42).

يصيرُ النهر خلفية اللوحة التي ترسمها آمال عواد رضوان بالكلمات كتتمة أساسية في تشكيل اللحظة الحميمة و التي تكتبها الشاعرة طقساً عشقياً خالصاً . النهر والأنثى ، الذكر/ النهر و الأنثى / الأرض. الأنثى الفاعلة ، القاتلة كفراشة ٍ تحترق فيبهت الضوء بعدها، الأنثى الحاملة شوقاً لا ينتهي و ناراً لا تنطفئ، "أيطفئ الشوق نارنا ذات قبلة (صفحة 43). كلا، لأن قبلتها هي تمسح عن المريض فيشفى و إن يشقى، تعيد الميت إلى الحياة فقبلتها رمز انبعاث/ حياة ،" كم تشهّيتُ الموت غرقاً بين شفتيكَ (صفحة 68)، "تلتهمني/ تتآكلني و تتلذذ أنت " (صفحة 72).
هي قبلة اللذة المطلقة / إكسير الحياة، تعيده قيد عشق يتأجج و بسمة لوزية تتوهج.

هي آمال عواد رضوان، أنا الشاعرة الكسيرة الأسيرة . الأنثى التي تقتلها شرقية الآخر في فهمه لها، ولما تريده منه. ويحييها كونها أنثى النار تحت الرماد، رماد الرغبات الشهية الممنوعة المحببة، " ما أشقاها المرأة حين تُساق مقيدة الرغبة إلى زنزانة أحلامها المستحيلة (صفحة 23).


هي حقاً شقيةٌ شهيةٌ ، تتشظى بين رغباتها المتعددة حين حضوره، يتمثل لها روحا و رائحةً، " شهيةٌ رائحةُ حضورِكَ" (صفحة 67). يقتحمها حضوره ولا تقوى على ردّهِ، بل هي ترفع رايات استسلامها عاليةً في فضاء عينيه ولا يراها، لأنه المقموع الممنوع هو أيضاً.

يتشظى هو، و يتلعثم باللذيذ من الكلام، الممتد حتى آخر شهقة نشوةٍ في صعودهما سويةً برج السماء بعشقهما الحارق. هذا الممنوع الذي يشدهما إلى أسفل كلما حاولا صعوداً إلى أعلى، الارتقاء نحو سماوية اللحظة ، نحو شيء من ألوهية البشر أو بشرية الآلهة، " من على برج عشقي الـ يتصدّع/ أترقبني/ أعلى حافة الاحتقار/ تهويني إلى مستنقع لا قرار له" (صفحة 77).

دلالة العبارة تتسع، بين عناصر خلقٍ لا يتحقق و اتجاه أحادي الاتجاه، نحو محورية ٍ ما ، إلى داخل الإنسان في قصيدة آمال عوّاد رضوان، في ذاتيته وعودتهِ إلى عوالمه الداخلية ليسبر أغوارها بالكشف بالنار، بالضوء و الاحتراق.
" أنا ذات الطقس الاستوائي/ أتحمّر/ أتجمّر/ أتقمّر / و أمطر" (صفحة 51). الأنثى النهر، طفلة المطر حين تلهّف الأرض الظمأى لقطرة ماء أو قبلة.

لعنة الجسد/ السجن الذي يضيق برغباتها المباركة، يضيق صدرها بنسمة تحييها بلذةٍ لا مثيل لها/ ببسمة لوزية تتوهج حين يزرعها بالقبل فتثمر عشقاً، " ماذا أقول في مَنْ يزرع شفاهي بأغراسٍ من قُبل ... حين يوشّي عينيّ ببسمة لوزية (صفحة54).
تتبادل و إياه مواضع الفعل، فهي تعدو إليه و هو يلملم رعشات شوقها. هي تزهر به و تزهو أفنانها، حين تفوح أعاصيرها بطلع شذاه، " أيا أثير أنفاسي/ حسبي : تعتريك طيور الفؤاد/ تنساب في فضاءات روحي/ حسبي : تفوح أعاصيرك بطلع شذاك/ فتزهر و تزهو بك أفناني" (صفحة 84).

دلالة اللغة / الظل هو المجهول الذي يخيف، الإثم المحرم، الرغبات العصية على الترويض، العصية على التحقق لأنها قاتلة، الرغبات الكامنة تحت رماد الوعي الجماعي الغبار، "أنا" ضد "نحن" الجماعة ، "أنا" ضد أناها الأخرى، المانعة لكل انفلات نحو الشمس، ارتقاءٍ للسماء خارج الأسماء الموروثة منذ ألف قرنٍ من مزيج الجهل و الخوف،" لبرهةٍ نومض بسماتٍ ترتشف دمعاً ... تتشكل الهالات رغوةً ... نلجُ أحشاء العمر بشهوة" (صفحة 30).

الشهوة المباركة، زيت قنديل الروح لعصفورة النار، للجمر في صدر الشاعرة الكاسرة موازين قيم التقليد و سلطة الذكر . هنا الأنثى تكتمل بذاتها، تعلن قيامتها، تصرخ بملء رغبتها المكبوتة :" أحن إلى حفيف صوتك يندلق" (صفحة 15). تتمنى هي أن يغمرها كلّ لحظة، وهي سيدة اللحظات. تثور على الحياة المريضة بالسأم، تنتصر لذاتها، إنها الأنثى الحارقة المحترقة بناره ولا انطفاء "ماكانت ذورة اللقاء إلا في قرابينه المحترقة" (صفحة 44).
نارها تحييه، تصير ربيعه الأخضر فكلماتها حطب عشقه، و حرفها نارها ،" دعني أدفئك بها ... أجفف طواحينك المبتلة بحرارتي"(صفحة 33).

تزرع حقله بهمس لذّتها، باخضرارها الشقي يتبرعم في حقول صدره، رغم الثلج، رغم تحجّر المشاعر و جمود الأحاسيس في مجتمع لا يؤمن بها، بل يتوعد المؤمنين بها بجهنم و بئس المصير، " هي كومات جليدٍ يتكدّس/ تغلّف حجيرات ذهنك / تتيقظ الذاكرة ... حينها يذوب جليد شوقك/ يتوالد حسًّا حارًّا " (صفحة 48).

نص آمال عوّاد رضوان مختلف، طبيعيٌّ في أشكاله الوصفية، و رومنسيٌّ في بنيته التكوينية التي تقوم على علاقة الـ " هو " بـ"هي"، و سورياليٌّ في تجريده للوحة العشق التي يرسمها كبداية خلق و صيرورة خليقة، منذ البدء وفي البدء كانت كلمة الله في بوحه الجميل، يوم أسرّ في أذن إنسانه الأول أسباب الخلق و سرّ الوجود، أن "أنت و هي و لا ثالث لكما إلا الرغبة". الرغبة التي توقظ في أنثاها حنيناً قديماً إليه، تنسكب بين يديه رعشاتِ جسدٍ تصهره و تغلفه بها، ثم تسبح قناديلها في جداوله الشهية، متهاديةً على ذبذبات الرغبة التي تصيح ... " أقم صلاة عشقك في معابدي" (صفحة59). تتأوه " آهٍ لأنهار عشقي كم تزخر بالشوق الحارق إليك و على ضفاف شفتيّ تنحسرُ لهفاتي" (صفحة40).

الأنثى تعلن عن نفسها في نص آمال عوّاد رضوان، متحدّيةً المجهول الكامن خلف قلبها، يرهبها حين يتكثف وهماً لكنها تنتصر عليه حين تتعرى من حذرها القديم، حين تركض فوق حصى الحلم حافيةً من ظلها، حين يُصلبُ جسدها على خشبة الوهم و الضباب، الخوف من أن يكون، من أن يعبّر عن حاجاته فيعبر إلى نعيمه الخاص، جنة لذته الموعودة، "نثرت على جسدي بثور غربة و ضباباً من آهاتٍ و أكفان" (صفحة 60).


تنتصر الأنثى في نص الشاعرة " آمال عوّاد رضوان " أو تنتصر الشاعرة لذاتها و لجسدها و لحرفها الجميل البوح، لحبيبها المستحيل الذي يسكن حرفها، أمير أحلامها الذي حوّله الوهم المجهول إلى ضفدع كلام مسحور، لا يستعيد طبيعته الأولى إلا بقبلةٍ من شفتيها القادرتين، يعتصرهما عسلاً و رضاباً شهياً، لحظة السحر و الدوار اللذيذ، " أجيئك أخبئ لك تحت جناحيّ غلال حبّي ... إلى دوارٍ لذيذ " (صفحة 34).

تتراقص كما سندريللا في حلمها الجميل على ايقاع عشقه المتهافت، و يطيب لها أن تقرأه، أن تتعلم لغة الشفاه، لينطقا معاً حين بوحهما بأعذب تراتيل الصمت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى