الثلاثاء ١٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤

قضية الحجاب بين المسلمين وشيخ الأزهر وفرنسا

كمال شاتيلا ـ رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني

ان قضية منع الحجاب في المدارس الرسمية وادارات الدولة في فرنسا الذي أيده الرئيس جاك شيراك ليصدر في ما بعد قانوناً عن المجلس النيابي الفرنسي، أحدثت ضجة واسعة لدى المسلمين في أوروبا وفي كل أنحاء العالم، وقد تبرّع الشيخ طنطاوي (شيخ الأزهر) شخصياً وأعلن قبوله للاجراء الفرنسي بمنع الحجاب خلال زيارة قام بها الى مصر السيد نيكولا ساركوزي وزير الداخلية الفرنسي، مما أثار ردود فعل سلبية من جانب مفتي مصر وعلماء في الأزهر وفي العالم الإسلامي احتجاجاً على موقف الشيخ طنطاوي الذي أحدث جدلاً مفتوحاً وانقسامات بين صفوف المسلمين، الأمر الذي يتطلب، إسلامياً وقومياً، تناول هذا الموضوع الحساس برؤية تكاملية تحافظ على الثوابت الاسلامية الحضارية، وتصحح أسلوب التعامل الانفرادي من جانب أطراف إسلامية مع قضايا إسلامية أساسية، وتحصر الخلاف مع الفرنسيين في حدود المسألة حتى لا تتحول الى صراع عربي إسلامي مع فرنسا المعروفة بصدا! قتها للعرب وتمايز سياستها عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية.

إن الدوائر الإسلامية، في مجمع البحوث بالأزهر ورابطة العالم الإسلامي والنجف الأشرف وقم في إيران، معنية جميعها باللقاء الدائم الدوري لبحث التحديات ضد الاسلام وإتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على الثوابت الإسلامية الحضارية، وإتخاذ المواقف المناسبة من القضايا التي تهم الإنسان المسلم، وإرساء نهج واضح لحوار الحضارات، ومدّ الجسور مع الكنائس العالمية التي رفضت صدام الحضارات والهيمنة الأميركية على الأمم والشعوب والرسالات السماوية.

ان هذه الدوائر الإسلامية المرجعية معنية ببحث تطورات قضية الحجاب في فرنسا، وإدارة حوار صداقة مع الفرنسيين لمحاولة اقناعهم بالعدول عن هذا الإجراء باعتبار أن الحجاب يدخل في نطاق حرية الاعتقاد الديني التي ينص عليها الدستور الفرنسي.

فالحجاب جزء من الإلتزام الإسلامي بالحشمة، وهو ليس رمزاً معادياً لأحد لأن الإسلام بطبيعته يعترف بالرسالات السماوية وحرية الإعتقاد الديني، وإذا كان الإسلام لا يطلب من المؤمنين أن يضعوا رموزاً دينية على صدورهم، فإن الحجاب، وحسب معظم الفقهاء، هو جزء من الإلتزام بحشمة المرأة.

ومن المعروف أن السيدة العذراء مريم التي كرّمها القرآن الكريم كانت تضع حجاباً على الرأس، وكذلك تفعل الراهبات في كل أنحاء العالم.

ونعلم وتعلم الدوائر الدينية الإسلامية المشار اليها، أن الرئيس جاك شيراك تمتّع دائماً بتأييد المسلمين داخل فرنسا وهم الطائفة الثانية بعد الكاثوليك، وتمتّع ويتمتع بتأييد العرب والمسلمين خارج فرنسا لرفضه دعم السياسة الصهيونية الشارونية ومعارضته الحرب الأميركية على العراق.

صحيح أن الرئيس شيراك يريد سحب الغطاء الشعبي الفرنسي عن الاتجاه العنصري الذي يمثله "جان لوبان" المعادي لمسلمي فرنسا، لكن موافقته على منع الحجاب تؤدي الى خسارته ملايين أصوات المسلمين، مما يشجع لاحقاً أطرافاً في الحزب الإشتراكي الفرنسي الموالين للصهيونية على تسجيل انتصارات نيابية ورئاسية عليه وعلى حزبه الليبرالي دون أن يربح أصوات العنصريين المعادين لسياسته أصلاً.

من هذا المنطلق، نطالب الرئيس جاك شيراك والجمعية الوطنية الفرنسية، صاحبة مشروع القانون بمنع الحجاب في المدارس الرسمية والدوائر الحكومية، بالعودة عن القرار، فالأميركيون الذين يمارسون العنصرية ضد السود والهنود والمسلمين في الولايات المتحدة باتوا يستغلون الاجراء الفرنسي لدق الأسافين بين فرنسا والعالم الإسلامي، وهكذا تفعل الحكومة البريطانية. وقد اتضح للفرنسيين وللعالم بأسره أن موقف شيخ الأزهر هو قرار شخصي لا يعبر عن المسلمين ولا يوفّر الغطاء الإسلامي اللازم لإجراء منع الحجاب.

وليعلم الفرنسيون من الدوائر الإسلامية والسفارات العربية والإسلامية في فرنسا، أن المسلمين الفرنسيين في غالبيتهم الساحقة لا يمارسون سياسة الإكراه على أي مواطن أو مواطنة فرنسية، وهم ملتزمون بالمؤسسات الفرنسية وكل ما يطالبون به هو احترام حرية اعتقادهم وشعائرهم الدينية، وهم أهل انفتاح وتعايش واعتدال بعيدون عن التزمت والتطرف.

وإلى فضيلة شيخ الجامع الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي نقول: "انه لا يجوز لك، مع احترامنا لعلمك وخبرتك، أن تنفرد بموقف خطير دون أن تحيل الموضوع إلى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر وهو مؤسسة تضم علماء أفاضل وخبراء علم مشهود لهم بالكفاءة.

ان موقفك المنفرد أمام وزير الداخلية الفرنسية وأمام الصحافة العالمية ومندوبي الفضائيات، جعل صورة الازهر مهتزة أمام الصديق والعدو. فإذا كنت تريد الحرص على العلاقات العربية – الفرنسية فكل العرب والمسلمين حريصون على هذه العلاقة، لكن ليس من طريق التخلي عن جزء من الإلتزام الإسلامي، فالحجاب يعني صاحبته ولا يشكل أي استفزاز لأحد".

اننا ندعو شيخ الأزهر لطرح الموضوع مجدداً على مجلس البحوث الإسلامية في الأزهر، وأن يتشاور مع الدوائر الإسلامية المعنية في بلاد العرب والمسلمين لتصحيح هذا الموقف الخاطىء المنفرد.

واذا لم يفعل، فإن الدوائر الإسلامية المعنية مدعوّة لعقد مؤتمر خاص لإصدار قرار إسلامي عالمي حول هذا الموضوع، واعتبار قرار شيخ الأزهر منفرداً يعبّر عن رأيه الشخصي ولا يلزم المسلمين والمسلمات سواء في فرنسا وخارج فرنسا.

ونقول للفرنسيين: ليس تقليلاً من هيبة الدولة الفرنسية الرجوع عن قرار منع الحجاب، فقد سبق ان قرر الرئيس فرنسوا ميتران شبه تأميم للمدارس الخاصة والدينية، وحينما قامت التظاهرات المليونية، أعلن تراجعه عن هذا القرار وكسب احترام الناس لأنه احترم إرادة الرأي العام، وهناك في الرأي العام الفرنسي الآن من يرفضون قرار منع الحجاب لأنه يتعارض مع الدستور الديمقراطي الفرنسي والحريات العامة وحرية الاعتقاد الديني.

ونقول لأعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية: قبل ان تقرّروا مشروع القانون هذا، فكّروا بالمصالح الاسلامية – الفرنسية المشتركة, فكروا بأقوال الجنرال ديغول عن الحضارة العربية الإسلامية، فكروا بطرق ديمقراطية أخرى لتحصين الدستور الفرنسي، فالحجاب لا يشكل تهديداً للدستور، والحجاب ليس قنبلة تطرف، ولا هو اعتداء على أحد، ولا يجوز أن يشكل حالة خوف لدولة عريقة بالديمقراطية مثل فرنسا. إن الصداقة بين الأمم تترسّخ بالإحترام المتبادل المتكافئ للقيم.

كمال شاتيلا ـ رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني

مشاركة منتدى

  • المشكلة ليست في رفض السلطات الفرنسية للحجاب ربما يكون لهم عذرهم , فهم اعداء لنا بالنص الصريح للقرأن ، ولن يرضوا عنا ولا عن نبينا .
    لا ادري هذا الصراخ والعويل على الفرنسسين وفي نفس الوقت نجد كثيرا من الدول الاسلامية والعربية تمارس تعسفا اشد قساوة منها تونس التى تحرم ارتداء الحجاب نهائيا .
    واذا كان شيخ الازهر التمس العذر للفرنسيين فلا لوم عليهم ويجب ان يتم تصحيح الممارس من الاسلام في بلاد الاسلام بعدها سيحترمنا النصاري ويخشانا اليهود .

    • أرى أن المشكلة ليست بين يهود و نصارى و مسلمين و لكنها بكل بساطة مشكلة شيراك الإنتخابية و سوء قراءته للأمور ، كما ورد في المقالة السالفة الذكر .. و شكراً على الإفساح في المجال

  • السلام عليكم:لقد أعجبني جدا الأسلوب الدعوي الحكيم في هذا المقال فلقد ظهر فيه تعصبك للإسلام و لكن بطريقة هادئة مقنعة.
    و لكن ما لفت نظري في هذا المقال هو تفهمك لفقه الخلاف بين المسلمين و ظهر ذلك في أسلوبك الراقي المحترم في الرد على عالم كشيخ الأزهر هذا الأسلوب كثيرا ما نفقده بيننا كملتزمين بديننا .
    جزاك الله خيرا و نفع بك الإسلام .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى